Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخط الأصفر في غزة يحبس الأنفاس والبنادق

عناصر من "حماس" ما زالت محاصرة خلفه وإسرائيل ترفض إجلاءهم والوسطاء يقدمون مبادرة بلا جدوى

فلسطيني يواجه كتلة خرسانية تمثل "الخط الأصفر" الذي رسمه الجيش الإسرائيلي في البريج، 4 نوفمبر 2025 (أ ف ب)

ملخص

فقدت "حماس" الاتصال بعناصرها خلف الخط الأصفر، في حين يحاول الوسطاء تحريرهم عبر الصليب الأحمر، لكن إسرائيل ترفض منحهم العفو وتطالب بقتلهم.

فجأة توصلت "حماس" وإسرائيل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، ولكنه لم يمنح الوقت الحركة الفلسطينية لإبلاغ عناصرها المسلحين المتمركزين في مناطق انتشار الجيش بوقف إطلاق النار، إذ فقدت الاتصال بهم مما نتج منه خروقات فظيعة للتهدئة جعلت فرص عودة الحرب كبيرة، ولحل هذه المعضلة يقترح الوسطاء إجلاء المقاتلين خارج الخط الأصفر ونقلهم إلى غزة الشرقية.

بموجب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام والازدهار التي أوقفت المدافع في غزة، يجب على الجيش الإسرائيلي الانسحاب إلى حدود جديدة داخل القطاع يطلق عليها الخط الأصفر، ويبقي سيطرته على نصف مساحة غزة إلى حين تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، وبعد ذلك الانسحاب خطوة للوراء بحسب الخرائط المرفقة في اتفاق الـ20 بنداً.

ما وراء الخط الأصفر؟

يقسم الخط الأصفر قطاع غزة إلى شطرين: الأول غزة الشرقية وتخضع لسيطرة إسرائيل، وغزة الغربية ولا تزال حركة "حماس" تسيطر عليها لفترة موقتة تنتهي عند تسليم مقاليد الحكم للجنة تكنوقراط تدير المدينة التي سحقتها الحرب.

ويمنع الاتفاق بين "حماس" وإسرائيل وجود عناصر مسلحة في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي، وكذلك يمنع إطلاق النار من أي طرف صوب الآخر في البقعة الصفراء، لكن لم تلتزم أطراف الحرب بذلك، وتم تسجيل خرقين كبيرين بسببهما تعرضت خطة السلام والازدهار للانهيار وعودة الحرب بطريقة أشد ضراوة.

عندما توقفت المدافع، أكدت "حماس" التزامها الكامل باتفاق إنهاء الحرب، ولكن في الـ19 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خرج مسلحو الحركة من فوهة نفق وأطلقوا النار صوب جندي إسرائيلي وقتلوه، أعقب ذلك قصف إسرائيلي شرس على غزة، مما أدى إلى تهديد اتفاق وقف إطلاق النار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكررت الحادثة نفسها في الـ29 من أكتوبر، وتعرض اتفاق وقف إطلاق النار لتهديد حقيقي بالانهيار، واشتعل فتيل الحرب هذه المرة، لكن الوسطاء تدخلوا لمنع تفاقم الأزمة وفهم سبب هذه الخروق المتكررة، بخاصة أنها تقع في الخط الأصفر الذي تسيطر عليه إسرائيل، وبموجب خطة السلام والازدهار فإن حدوث مثل تلك الخروق غير مسموح بها لخطرها على السلام الهش.

بسرعة ردت "حماس" التي تبدو ملتزمة اتفاق وقف إطلاق النار بأن الخروق كانت نتيجة فقدان الاتصال بالمسلحين المتمركزين خلف الخط الأصفر، وقالت "بعد التواصل مع قيادة القسام الميدانية تبين أن الاتصال مقطوع مع مجموعات مسلحة كثيرة منذ نهاية مارس (آذار) الماضي، وهناك عناصر فقد الاتصال بها في رفح منذ أشهر".

مقتنعة إسرائيل بالرواية الحمساوية، فقبل هذا التبرير، كانت تل أبيب قد أبلغت الوسطاء بأنها رصدت تحركات لعناصر مسلحين داخل بعض الأنفاق، وأنها تشتبه في أنه لا يوجد تواصل بينهم وبين قياداتهم، وهذا ينسجم مع تفسيرات "القسام" لسبب خرق الاتفاق مرتين.

مهلة من دون نتائج

تفهمت الولايات المتحدة الوضع الأمني المعقد في غزة، وأبلغت الإدارة الأميركية "حماس" بأن أمامها 24 ساعة لإجلاء عناصرها من المناطق الواقعة خلف الخط الأصفر، وبعد انقضاء هذه المهلة تعتزم إسرائيل فرض وقف إطلاق النار بالقوة واستهداف أية مواقع تابعة لـ"حماس" داخل تلك المناطق في حال عدم انسحاب عناصرها.

بالفعل انتهت المهلة من دون أي يخرج أي عنصر حمساوي من الأنفاق خارج الخط الأصفر، ولم يسلم أي منهم نفسه ولا سلاحه، وشنت طائرات إسرائيلية في أعقاب انتهاء الوقت سلسلة هجمات في هذه المناطق، ولكنها لم تدفع مقاتلي الحركة إلى التزحزح من أماكنهم.

 

يقول الباحث السياسي مهند خضري "في تلك المهلة القصيرة لا يوجد ضمانات بأن تنجو عناصر (حماس) من القصف أو الاعتقال، لذلك رفضت الحركة ومسلحيها هذا العرض ولم يغادر أحد تلك المنطقة، كان عرضاً ضعيفاً وهشاً لم يستجب له أحد".

تدخل الوسطاء لمنع تفاقم الأزمة، وطلبوا من "حماس" محاولة تحديد أماكن وأعداد العناصر المسلحة خلف الخط الأصفر المقطوع الاتصال بهم، وعرضوا مبادرة تقضي بخروج مقاتلي الحركة من مواقعهم القتالية لإنهاء هذه الأزمة ومحاولة تثبيت وقف إطلاق النار.

وبحسب هيئة البث الإسرائيلية "كان" فإن الوسطاء يسعون إلى إيجاد ممر آمن لعناصر حركة "حماس" الموجودين داخل مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والعالقين في الأنفاق خلف الخط الأصفر، على أن يتم تأمين خروجهم من دون أي احتكاك محتمل مع قوات الجيش الإسرائيلي، إذ تقضي المبادرة بمغادرة المقاتلين عبر سيارات تابعة للصليب الأحمر ضمن ممرات محددة وآمنة.

في مبادرة الوسطاء يفترض أن يعبر المقاتلون الحمساويون إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة في غزة الغربية، ويشترط عليهم ألا يحملوا معهم أية أسلحة، وفي المقابل لا يمسهم الجيش الإسرائيلي ولا يعتقلهم، تطبيقاً لبند منح العفو عن المسلحين الذين يلقون أسلحتهم ويلتزمون باتفاق وقف إطلاق النار.

معارضة إسرائيلية كاملة

وصلت المبادرة إلى إسرائيل لدراستها، وبينما كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفعل ذلك ويميل للموافقة بشرط إنجاز تقدم في استعادة جثث الرهائن الثمانية الذين لا يزالون محتجزين في غزة، خرج معارضون للفكرة واعتبروا أنه منح عناصر "حماس" عفواً وجائزة.

بهذا التعقيد، لم تعد جثامين الرهائن الإسرائيليين ولا تشغيل معبر رفح، مما يمثلان معضلة أمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، إذ تحول وجود نحو 200 عنصر مسلح من "حماس" إلى تهديد حقيقي قد ينسف جهود السلام الذي تحاول الولايات المتحدة الحفاظ عليه.

 

بات نتنياهو يواجه رفضاً جماعياً من وزرائه وائتلافه الحاكم وكذلك من المعارضة بالعفو عن مقاتلي "حماس" ومنحهم ممراً أمن، يقول وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش "سيدي رئيس الوزراء، هذا جنون مطلق، أوقفوا هذا".

أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير فيقول "طلبت قتل أو سجن جميع المسلحين الموجودين خلف الخط الأصفر، هذه فرصة للقضاء عليهم أو اعتقالهم، لا إطلاق سراحهم في ظروف سخيفة".

من جانبه قال رئيس الأركان إيال زامير "موقفي واضح وحاسم. يجب القضاء على جميع هؤلاء المسلحين".

وعقب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت قائلاً "أياديهم ملطخة بالدماء، والآن تسعى الحكومة إلى منحهم العفو بحجة محرجة مفادها أنه يتم إطلاق سراحهم من دون أسلحة، إنهم في أيدينا الآن، والحكومة الإسرائيلية على وشك إطلاق سراحهم، لم يحدث شيء كهذا من قبل".

هنا تراجع نتنياهو عن موافقته المبدئية، مؤكداً أن "هناك جيوباً لـ(حماس) موجودة في أجزاء من غزة تسيطر عليها القوات الإسرائيلية، وسيتم القضاء عليهم". وهو تصريح يكشف كمية الضغوط التي تعرض لها لرفض المقترح.

لكن الوسطاء لم يستسلموا، ويضغطون على نتنياهو من أجل الموافقة على المبادرة، إذ يرون أن تحرير عناصر "حماس" سيكون خطوة مهمة لإنجاح خطة الرئيس الأميركي لوقف إطلاق النار، وبالفعل بدأ رئيس وزراء إسرائيل في محاولة إقناع المعارضين.

يقول نتنياهو "ربما يكون السماح لهم بالخروج من دون أن يحملوا معهم أسلحتهم، جزءاً من صفقة تفضي إلى إعادة جميع جثث المختطفين الموجودين هناك، المسلحون سيغادرون قطاع غزة إلى منفى، هذه الخطوة الاستثنائية ستتيح حماية أفضل لأرواح الجنود المتمركزين في المنطقة، كما أن عودتهم ستتيح لإسرائيل البحث عن مختطفين آخرين قد يكونون هناك".

"حماس" ومنطقة اللاعودة

يقول القيادي في "حماس" محمد نزال "نحن والوسطاء جميعنا معنيون ونعمل لما فيه مصلحة للجميع بألا يتم نسف الاتفاق، ونزع فتيل أية أحداث أخرى قد تقع مجدداً، مما يسمح لإسرائيل باتخاذ ذلك ذريعة لاستئناف حربها أو خروقاتها التي لم تتوقف يومياً".

وسط رفض نتنياهو يرى الباحث السياسي مهند خضري أن "الخط الأصفر في غزة بات أشبه بمنطقة اللاعودة لعناصر (حماس) الموجودين في نطاقه، إذ يسيطر جنود الجيش الإسرائيلي على كل المحاور، ويطلقون النار صوب كل من يتحرك هناك". ويضيف "لقد أغلقوا الأبواب على من تبقى في منطقة الخط الأصفر، ويعملون على تعزيز نقاط المراقبة القائمة، وإقامة أخرى جديدة على طول الخط الذي يقسم غزة إلى نصفين، مما يجعل مهمة التسلل والتحرك من وإلى المنطقة المحددة أشبه بالمستحيلة على مسلحي الحركة".

ويوضح خضري أن الخط الأصفر يمنح إسرائيل الأفضلية لفرض واقع جديد في غزة، إذ تمسك وفدها طوال فترة مفاوضات وقف إطلاق النار بأن يكون للجيش الإسرائيلي ميزة الأرض المرتفعة لحماية الخط الفاصل بأمان من مسافة بعيدة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات