ملخص
في ما يبدو من التقارير الإعلامية الأفريقية، فإن الولايات المتحدة بدأت بترجمة تدريجية لتهديداتها بليِّ ذراع أبوجا من طريق دراسة فرض عقوبات على ما لا يقل عن 12 حاكماً نيجيرياً، وعديد من كبار المسؤولين بعد إدراجهم في قائمة مراقبة جديدة أعدتها لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية، والتي يشار إليها أيضاً باسم قائمة الدول المثيرة للقلق.
وجدت نيجيريا، بصفتها نبض أفريقيا وقوتها الاقتصادية، نفسها اليوم في قلب عاصفة جيوسياسية على خلفية تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بتدخل عسكري فعلي لحماية المسيحيين "المعنفين"، في تحول بالعلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وأبوجا قد يحمل نتائج كارثية على القارة الأفريقية بأسرها.
ويسود ترقب شديد في أفريقيا، بخاصة جيران نيجيريا، من احتمالات ترجمة خطاب ترمب ضد أكبر دولة في قارة أفريقيا إلى حقيقة تحمل كابوساً اقتصادياً وأمنياً كون استقرار هذا البلد يرتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار المنطقة، مما قد يغرق أي تدخل أجنبي نيجيريا باضطرابات يمتد تأثيرها خارج الحدود.
وفي ما يبدو من التقارير الإعلامية الأفريقية، فإن الولايات المتحدة بدأت بترجمة تدريجية لتهديداتها بليِّ ذراع أبوجا من طريق دراسة فرض عقوبات على ما لا يقل عن 12 حاكماً نيجيرياً، وعديد من كبار المسؤولين بعد إدراجهم في قائمة مراقبة جديدة أعدتها لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية والتي يشار إليها أيضاً باسم قائمة الدول المثيرة للقلق.
وحسب مصادر دبلوماسية، فإن واشنطن تراجع توصيات اللجنة، والتي قد تشمل قيوداً على التأشيرات، وتجميد الأصول، وتدابير عقابية أخرى تستهدف المسؤولين النيجيريين المتهمين، إما بالترويج لانتهاكات حقوق الإنسان والاضطهاد الديني أو تجاهلها.
تحالفات أمنية واستراتيجية
على مدى أكثر من عقدين من الزمن حافظت الولايات المتحدة ونيجيريا على أحد أهم التحالفات الأمنية الاستراتيجية في أفريقيا، والتي تقدر قيمتها بأكثر من 1.58 مليار دولار منذ استعادة الديمقراطية في نيجيريا عام 1999. وبحسب بيانات مكتب الشؤون السياسية والعسكرية الأميركي، فإن هذا التحالف يشمل التعليم العسكري، ومبيعات المعدات، ودعم مكافحة الإرهاب، وبرامج مكافحة الألغام الإنسانية.
أما في وزارة الحرب الأميركية، فقد كان الوضع أكثر إثارة في أعقاب تداول مقطع فيديو باستخدام الذكاء الاصطناعي، شاركه عضو البرلمان الأوروبي دومينيك تارشينسكي، عبر حسابه على منصة "أكس" يحاكي كيفية اقتحام نيجيريا لقتل "الإرهابيين الإسلاميين"، كما يصفهم. ونشر تارشينسكي المقطع مع التعليق التالي "سيتم إنقاذ المسيحيين النيجيريين قريباً جداً!".
ونشر الرئيس الأميركي في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2025، سلسلة تدوينات على موقع "تروث سوشيال"، موجهاً حديثه إلى نيجيريا قائلاً "أوجه وزارة الحرب للاستعداد لأي عمل محتمل. إذا هاجمنا، فسيكون سريعاً ووحشياً ودموياً، تماماً كما يهاجم الإرهابيون مسيحيينا الأعزاء! تحذير: على الحكومة النيجيرية أن تتحرك بسرعة!".
تهديد متجدد
وقال مسؤولون أميركيون إن التهديد المتجدد ينبع من استمرار الهجمات على الكنائس، ونزوح سكان الريف، وسوء سلوك قوات الأمن النيجيرية.
أما المسؤولون في أبوجا فيؤكدون أن "الخطوة الأميركية لا تعكس التقدم المحرز في جهود مكافحة الإرهاب وبناء السلام"، وحضوا على المشاركة الدبلوماسية بدلاً من التدابير العقابية، إذ تواجه البلاد حركات عنف، لا سيما من جماعة "بوكو " وتنظيم "داعش" في غرب أفريقيا، وقطاع الطرق، والصراعات بين المزارعين والرعاة، والعنف الطائفي.
وبالنسبة إلى مراقبين يتجاهل ترمب أن أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السكان، والمقسمة بالتساوي تقريباً بين الجنوب ذي الغالبية المسيحية والشمال ذي الغالبية المسلمة، تعاني منذ فترة طويلة من الصراعات المتداخلة التي تحصد أرواحاً على أسس دينية.
Nigerian Christians will be rescued very soon! pic.twitter.com/34curdwUBV
— Dominik Tarczyński MEP (@D_Tarczynski) November 2, 2025
ورأى الباحث والسياسي النيجيري عمر مختار الأنصاري أن "أفريقيا تواجه اليوم بوادر مواجهة أميركية مباشرة تخفي أهدافها الاقتصادية خلف الدفاع عن الأديان، وتهديد ترمب بنزول قوات في نيجيريا يذكرنا بمنطق الاستعمار القديم، ويشعل قلقاً وجودياً في عواصم القارة، من أكرا إلى أديس أبابا، ومن نيامي إلى لاغوس"، وقال "الحماية تعني سرقة الثروات، الإرهاب يقتل الجميع، لكن الرواية الانتقائية تستخدم لتبرير تدخل يحول نيجيريا إلى أفغانستان جديدة".
التدخل العسكري الأجنبي بأفريقيا
وإذ عبر عن رفضه الصريح التدخل العسكري الأجنبي بأفريقيا، دعا الأنصاري لبناء قوة إقليمية مشتركة تمول من معادن القارة، واستعرض المحلل السياسي التناقض في موقف ترمب الذي قال "لا حروب أبدية" في ميشيغان، ثم هدد بـ"عملية وحشية" في أبوجا، ثم صرح "لا نتدخل في شؤون الدول"، بعدها وضع شروطاً عسكرية على سيادة النيجر، ولفت إلى أن "أفريقيا ليست ساحة لتجارب السياسيين الأميركيين مهما تغيرت شعاراتهم".
ورصد الباحث السياسي في الشؤون الأفريقية إدريس أحميد، من جهته، التناقضات غير المسبوقة في خطابات ترمب، مذكرا بالتصريح الأخير لوكالة الاستخبارات الأميركية الذي أفاد بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في الدول عسكرياً، "وتبين لاحقاً أنها تمارس ضغوطاً جمة على مختلف الدول بعدما هددت بالقيام بعملية عسكرية في فنزويلا، والآن نسمع تهديدات ترمب ضد نيجيريا بسبب مزاعم اضطهاد المسيحيين"، ولفت أحميد إلى الولايات المتحدة، كدولة كبرى، "حمت مصالحها عبر التدخل العسكري المباشر ودعم الانقلابات في الستينيات، كما حدث في تشيلي والعراق وبنما، لتتغير العقيدة الأميركية بعد الحرب في أفغانستان من خلال الدعم من الخلف، وهو ما حدث في ثورات الربيع العربي تحت إدارة باراك أوباما، وسار جو بايدن على المنوال نفسه، ثم جاء عهد ترمب وانتهجت سياسة أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تحذير ترمب
وسط هذه الأجواء يثير تحذير ترمب الأخير حالاً من القلق في عواصم أفريقية عدة، إذ تقوم الحكومات بتقييم ما إذا كانت تصريحاته تمثل تحولاً في تعامل واشنطن مع القارة السمراء.
وتحدثت وسائل إعلام تشادية محلية، نقلاً عن مصادر عسكرية، عن إغلاق الحدود مع نيجيريا فوراً، مشيرة إلى مخاوف أمنية عقب الإعلان عن خطط عسكرية أميركية مزعومة بغرب أفريقيا، ولمنع احتمال تسلل عناصر إرهابية من شمال نيجيريا إلى الأراضي التشادية، وهي معلومات لم تؤكدها أو تنفها بعد السلطات في البلدين.
في الأثناء، حذر موقع "ميليتري" المتخصص في الشؤون العسكرية من الفجوة بين تصريحات ترمب حول العنف وما هو متاح من بيانات، إذ إن عديداً من حوادث العنف تصيب المسلمين أيضاً، وأن المتطرفين وقطاع الطرق غالباً ما يقتلون من دون تمييز، ويقال إن معظم ضحايا "بوكو حرام" مسلمون.
عقبات كبيرة
ومن منظور التخطيط العسكري، ستواجه أي عملية في نيجيريا عقبات كبيرة حسب خبراء الموقع الأميركي، فالتضاريس شاسعة، وحدودها المشتركة مع النيجر وتشاد والكاميرون وبنين غير محكمة، في وقت تعمل الجماعات المتمردة في مناطق مختلفة، وغالباً من دون مواقع ثابتة. وقد سحبت الولايات المتحدة قوات كبيرة من النيجر في السنوات الأخيرة، ما قلص وجودها في منطقة الساحل، كما تشمل التحديات العملياتية التمركز، واللوجيستيات، والتنسيق مع الجيش النيجيري والسلطات الفيدرالية، إضافة إلى مشكلات محتملة في سلسلة القيادة في بيئة شديدة التنافس.
وسط هذه الأجواء، رد الرئيس النيجيري بولا أحمد تينوبو برفض رواية الإبادة الجماعية التي اقتصرت على المسيحيين، مؤكداً حماية الدستور جميع المواطنين، ومشيراً إلى انفتاحه على المساعدات الأميركية طالما تحترم السيادة.
معضلة الترحيل
أما في حال استمرار العمل العسكري من دون تعاون نيجيريا، فيحتمل، حسب موقع "ميليتري"، أن يقوض ذلك الشراكات في أنحاء المنطقة، ويتيح المجال أمام جهات خارجية مؤثرة، بما في ذلك الصين وروسيا، لتكريس انخراطها بغرب أفريقيا. كما يتطلب التدخل العسكري في دولة أخرى ذات سيادة عادة إما موافقة الدولة المستضيفة، أو تفويضاً من الأمم المتحدة، أو تشريعاً محلياً مثل قانون تفويض استخدام القوة العسكرية.
وذهب مراقبون إلى خلفيات الخطاب المشدد لواشنطن المرتبط برفض أبوجا مطالب بقبول المرحلين غير النيجيريين المطرودين من الولايات المتحدة كجزء من حملة ترمب على الهجرة، وذلك بعد امتثال إسواتيني وأوغندا ورواندا وغانا للقرار.