Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صفقة طائرات "تايفون" تعيد رسم خارطة العلاقات بين أنقرة ولندن

توقيع تركيا على اتفاق لشراء معدات عسكرية من بريطانيا هو مجرد جانب واحد من بين جوانب العمل المشترك الممكنة بين الدولتين مستقبلاً

يعكس الاتفاق مع كير ستارمر تزويد تركيا بـ 20 طائرة مقاتلة من طراز "تايفون" تجدد الالتزامات المتبادلة في مجالات الأمن والاستدامة والتكنولوجيا (الذكاء الاصطناعي)

ملخص

أعادت صفقة الطائرات المقاتلة بين تركيا وبريطانيا تشكيل علاقاتهما الإستراتيجية، إذ تمزج أنقرة بين القوة الصلبة والناعمة والذكية لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، بينما تسعى لندن إلى شراكة متكاملة تجمع الأمن والاقتصاد والثقافة في إطار رؤية مشتركة للمستقبل.

جاء لقاء رئيس الوزراء البريطاني والرئيس أردوغان الأسبوع الماضي في المجمع الرئاسي في أنقرة بمثابة تذكير بأن المصالح المشتركة قادرة على إعادة ترتيب العلاقة بين شركاء قدامى، ولم تكن المصافحة بين القائدين عند إبرام اتفاق تجاري بمليارات الدولارات، تركز بصورة كبيرة على التعاون في مجال الدفاع، مجرد خطوة رمزية، بل جسدت أيضاً تجديداً للثقة بين بريطانيا وتركيا.

وصف رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر الاتفاق بأنه "فوز للعمال البريطانيين وفوز لصناعتنا الدفاعية وفوز لأمن حلف شمال الأطلسي"، فيما اعتبرها الرئيس التركي أردوغان من جانبه "رمزاً جديداً للعلاقات الإستراتيجية" بين البلدين.

في الواقع لم يكن الأمر يتعلق فقط بطائرات مقاتلة أو قيمة مشتريات، إذ حمل الاتفاق إدراك الطرفين بأن قضايا الأمن العالمي والمرونة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي أصبحت مترابطة بصورة متزايدة، وهذا يكمل دائرة الشراكة.

لقرون عدة كانت تركيا بمثابة حلقة الوصل في العالم، فهي نقطة تقاطع بين أوروبا وآسيا اللتين يربطهما مضيق البوسفور، ناقل الأفكار والسلع والأشخاص بين القارتين، وأي شخص سار في شوارع إسطنبول يجد رمزية فريدة في هذا النوع من الترابط، فهي مدينة تعلمت التعايش مع التعددية والموازنة بين التقاليد والتغيير، وتحويل الجغرافيا إلى إستراتيجية، وينطبق هذا الحال على تركيا كبلد كذلك، وهذه الصفة بالذات، هذه القدرة على المزج بين الجغرافيا السياسية والجغرافيا الاقتصادية، هي التي تقوم عليها هذه الشراكة المتجددة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتجمع بين المملكة المتحدة وتركيا بعض الروابط المفاجئة، إذ تستفيد بريطانيا من قطاع السينما والسفر التركي، فضلاً عن قطاع السياحة الشهير، واليوم تعمل أكثر من 87 ألف شركة أجنبية في تركيا، أكثر من 3300 من بينها بريطانية، ومع ذلك فإن إمكانات التعاون مع بريطانيا أعظم من ذلك.

يعكس الاتفاق مع كير ستارمر لتزويد تركيا بـ 20 طائرة مقاتلة من طراز "تايفون" تجدد الالتزامات المتبادلة في مجالات الأمن والاستدامة والتكنولوجيا، إضافة إلى أولوية إستراتيجية حاسمة، وهي تعزيز قدرة القوات الجوية التركية من أجل حمايتنا واستقرارنا، ومع ذلك لا ينبغي النظر إلى الاتفاق من منظور القوة الصلبة وحسب، بل أيضاً باعتباره انعكاساً لتصميم تركيا على أن تكون ما سميته قوة شاملة متعددة الأبعاد، تجتمع فيها القدرات العسكرية والشراكة الاقتصادية والتأثير الثقافي لتوحيد القارات والأسواق والأفكار بدلاً من تقسيمها، وبهذا الشكل تدمج تركيا بمهارة جميع أشكال القوة الثلاثة، الصلبة والناعمة والذكية، ضمن إستراتيجية تأثير مترابطة.

عندما ابتكر جوزيف ناي مصطلح "القوة الناعمة" خلال تسعينيات القرن الماضي، طرح فكرة أن الدول ما عادت قادرة على الاعتماد على قوة الإجبار وحدها، وهي الأداة التقليدية في القوة الصلبة، بل عليها أن تجذب وتقنع وتلهم من خلال القوة الناعمة.

في يناير (كانون الثاني) الماضي أقر وزير الخارجية البريطاني آنذاك، ديفيد لامي، بهذه الوصفة بالذات عندما عقد اجتماع "مجلس القوة الناعمة"، وهو جهد مشترك بين القطاعات يجمع خبراء من مختلف قطاعات الثقافة والرياضة والصناعات الإبداعية والجغرافيا السياسية، في خدمة النمو والأمن.

سعت المملكة المتحدة دوماً إلى تحقيق هذه الإستراتيجية من خلال حملتها "العظمى" GREAT، وهي خطة توحد التجارة والثقافة والابتكار في إطار علامة تجارية وطنية واحدة، وفي المقابل تسعى الإستراتيجية الكبرى "قرن تركيا" إلى تحقيق هذا الطموح من خلال تعزيز صدقية القوة الصلبة إضافة إلى جاذبية القوة الناعمة ومرونة القوة الذكية، وفي الجوهر أدركت كلتا الدولتين أن سردية الدولة في القرن الـ 21 غير منفصلة عن قوتها، والعكس صحيح.

ترتبط القوة الناعمة بالجاذبية، بقوة الثقافة والأفكار والمشاعر، وهنا احتلت تركيا بهدوء مكانة القوة الإبداعية العظمى، إذ تصل المسلسلات التلفزيونية التركية إلى أكثر من مليار مشاهد في أكثر من 170 دولة، مما يجعل المحتوى التركي ثاني أكثر المحتويات مشاهدة على مستوى العالم بعد الولايات المتحدة، ومن ناحية أخرى يكشف موقع تركيا كأسرع أسواق الألعاب نمواً في أوروبا، وموطن قصص نجاح عالمية مثل شركتي "بيك غيمز" Peak Games ودريم غيمز Dream Games المتخصصتين في تطوير الألعاب الإلكترونية، الاندماج بين الإبداع وريادة الأعمال.

تُترجم القوة الثقافية لتركيا إلى فرص استثمارية وإمكانات ملموسة للاستثمار من خلال تشكيل اقتصاد إبداعي أوسع نطاقاً، يدمج ثقافة سرد القصص مع ريادة الأعمال الرقمية، وبالتالي فإن القوة الناعمة لتركيا ليست مجرد أصل شكلي بل هي أصل إستراتيجي، إذ تبني علامة تجارية قوية للدولة، وصانع سلام، ومركزاً للمواهب، ومنصة اختبار، وشريكاً موثوقاً يمكن للمستثمرين الاعتماد عليه، وقد عززت رحلة تحويل البلاد إلى علامة تجارية أيضاً قدرة تركيا على الإقناع، مما سمح لها بممارسة نفوذها من خلال الحوار والتنمية والدبلوماسية، وهو دور يحظى بتقدير وإشادة متزايدين من المجتمع الدولي بفضل مبادراتها السلمية وجهودها الإنسانية.

تشير القوة الصلبة بالمعنى التقليدي إلى الأصول المادية، أي القدرات العسكرية والنفوذ الاقتصادي والبنية التحتية، وفي حال تركيا يترجم وصف القوة الصلبة إلى استثمارات إستراتيجية بصورة مباشرة، إذ تربط الركيزة الصناعية بين أوروبا وآسيا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا توفر فقط محركاً للنقل بل أيضاً بنية تحتية لسلاسل القيمة، بينما تقع ضمن نطاق السفر جواً لأربع ساعات من تركيا 67 دولة يبلغ مجموع ناتجها المحلي الإجمالي 30 تريليون دولار، ويبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة، أما مطار إسطنبول فأكثر مطارات أوروبا ازدحاماً، وفي عام 2024 استقبل أكثر من 80 مليون مسافر وسهّل 517 ألف رحلة جوية، رابطاً المسافرين بأكثر من 330 وجهة عبر ما يزيد على 115 شركة طيران، وهذا الحجم من العمل لا يضاهيه سوى عدد قليل جداً من المطارات حول العالم.

وفي الوقت نفسه تخدم الخطوط الجوية التركية عدداً أكبر من الدول مقارنة بأية شركة طيران أخرى، حيث تسير رحلات إلى أكثر من 352 وجهة، كما تمتلك تركيا ثالث أكبر شبكة دبلوماسية، بما يتخطى معظم القوى الدبلوماسية التقليدية.

بفضل تلقيها أكثر من 280 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتراكمة منذ عام 2003، اكتسبت تركيا صدقية باعتبارها منتجاً وصلة وصل، وتحتل قاعدتها الصناعية المرتبة 13 عالمياً، ولم تعد القوة الصلبة، في ما يتعلق بتركيا، مرتبطة بالجغرافيا السياسية في حد ذاتها، بل أصبحت تتعلق بالاستمرار وتبني وسائل التقدم والنمو.

وبين هذين القطبين، الناعم والصلب، تقع القوة الذكية، وهي المزيج الإستراتيجي بين الموارد الصلبة والناعمة بهدف تحقيق النفوذ والازدهار، ويتمثل أوضح تعبير عن القوة الذكية لتركيا في حاضنة ريادة الأعمال التكنولوجية فقد أنتجت البلاد ست شركات ناشئة خاصة تزيد قيمة كل منها على مليار دولار، وجذبت أكثر من 5 مليارات دولار من رأس المال الاستثماري في المراحل الباكرة خلال الأعوام الأربعة الماضية وحدها، وتبين الشركات الناشئة مثل ترنديول Trendyol وإنسايدر Insider وغيتير Getir نضج بيئة الابتكار في تركيا وقابليتها للتوسع.

وفي نهاية المطاف فإن عامل الجذب في تركيا بالنسبة إلى شريك مثل بريطانيا ليس فقط موقع البلاد الجغرافي، بل الطريقة التي تربط بها طرق التجارة وأنماط الثقافة وقواعد التكنولوجيا في إطار مرن وموحد، ففي وقت تعمل المملكة المتحدة على صقل رؤية إستراتيجيتها "العظمى"، وتعمل رؤية "قرن تركيا" على تحقيق أهدافها، تنكبّ الدولتان على صياغة منهج جديد للتأثير الشامل يقوم على الثقة والابتكار والاستثمار والإبداع والهدف المشترك، ويسعى الجانبان إلى إيجاد مسار مستقبلي مستقر، مسار يميزه وضوح الهدف وثبات الرؤية، وعندما تسترشد الدبلوماسية بالأهداف المشتركة والتعاطف المتبادل يصبح النجاح حتمياً، فالسياسات الناجعة تنتج سياسة جيدة، ولهذا السبب يعتبر هذا الأمر مفيداً للطرفين.

غوخان يوجال يشغل منصب رئيس قسم الاتصالات في مكتب الرئاسة للاستثمار والمالية في تركيا

© The Independent

المزيد من تحلیل