ملخص
قدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وجود 20 ألف جسم حربي لم ينفجر بإجمال وزن 71 ألف طن من المتفجرات ومخلفات الحرب منتشرة في أنحاء القطاع، وتتنوع ما بين صواريخ ضخمة وألغام وذخائر متنوعة تمثل تهديداً مباشراً لحياة السكان لا يقل فتكاً عن الحرب نفسها.
عندما عاد معين من نزوحه إلى مدينة غزة المركزية التي يعيش فيها، شاهد منزله قائماً على رغم كل الدمار الذي في منطقته، ابتسم قليلاً ثم خجل من رسمة شفتيه الضاحكة، فكل بيوت الحارة مدمرة بالكامل إلا مسكنه، ولكن عندما دخله كانت المفاجأة صاعقة له.
منزل معين مكون من أربع طبقات، من الخارج يبدو وكأنه سليم ولم تقربه الحرب بالمطلق، لكن عندما صعد على السلم يتفقده عثر على صاروخ ضخم جداً اخترق البيت ولم ينفجر بعد، صعق من المنظر وهرب مسرعاً خائفاً قلبه ينبض فزعاً لا يدري ماذا سيفعل.
نزع صاعق الصاروخ لكن جسمه مرعب
اخترق الصاروخ الذي أسقطته الطائرات المقاتلة الإسرائيلية الطبقة الرابعة ثم سقط في الطبقة الثالثة واستقر بها من دون أن ينفجر ويدمر المنزل، بسرعة هرع معين إلى وحدة هندسة المتفجرات وأبلغهم بوجود ذخائر لم تنفجر في بيته.
حضرت الطواقم إلى منزل معين ونزعت صاعق التفجير، لكن مجسم الصاروخ لا يزال في مكانه، إذ تعجز الفرق الفنية عن نزعه، لا يزال الخوف يسيطر على قلب الرجل ويخاف دخول البيت، يقول "عندما رأيت بيتي قائماً استبشرت بأن حياة الخيام انتهت وبعد وقف إطلاق النار يمكننا العيش في شقتنا".
يعتصر الرجل ألماً من النزوح والعيش في الشارع، ويضيف "نحن غير قادرين على دخول البيت، ولا نستطيع المبيت فيه خوفاً من أي انفجار محتمل، الجيران أيضاً يعيشون في حال قلق بسبب وجود الصاروخ على مقربة منهم، كل يوم أشاهد بيتي واقفاً لكن بلا حياة كأنه قنبلة موقوتة".
خلال الحرب استخدمت إسرائيل آلاف الأطنان من الذخائر، لكن بعضها لم ينفجر صاعقه وهذا أدى إلى انتشار الذخائر غير المنفجرة في مختلف أنحاء القطاع، وعلى رغم أن ذلك الأمر معتاد في الحروب، فإنه في غزة يعد مختلفاً، فالقطاع صغير المساحة مزدحم بالركام الذي ربما يخفي أسفله متفجرات لم تنفجر بعد، تزيد الخطر في المناطق التي يعيش فيها السكان المتعبون من صوت الغارات وتضيف إليهم هواجس انفجار محتمل.
براميل حارقة منتفخة
في منطقة ثانية داخل مدينة غزة ركض جبر إلى منزله الذي نجا من الدمار على رغم أن كل الحي تحول لركام وأنقاض، وعندما دخله وجد أن جنود الجيش الإسرائيلي حرقوه بالكامل، وبينما كان يتفقده عثر على برميل ملصق عليه شعار يدلل على احتوائه مواد حارقة.
التقط جبر صوراً للبرميل الغريب، يقول "حجمه متوسط، منتفخ حد الانفجار لكن من دون أن ينفجر، إنه غريب، وهذا دليل على أن الذخائر غير المنفجرة، لا تقتصر على هيئة صواريخ تلقيها الطائرات، وإنما لها أشكال عدة".
لا يجرؤ جبر على البقاء في المنزل، إذ يخاف من انفجار البرميل في أي لحظة، ولا يزال نازحاً بعيداً من مسكنه، ينتظر تعامل الفرق المتخصصة مع ذلك الجسم المشبوه، ويوضح أنه في حاجة إلى مأوى دائم ومستقر ولا شيء أفضل من بيته لكنه متردد في العودة إليه بسبب مخلفات الحرب غير المنفجرة.
تحولت أرض غزة إلى مصدر رعب، مطمور فيها أجسام غريبة مرعبة تهدد السكان وتطاردهم، ولذلك حذرت الشرطة الغزيين من الاقتراب أو ملامسة مخلفات عسكرية أو أجسام مشبوهة، وفور رؤيتها عليهم إبلاغ طواقم هندسة المتفجرات التي تحاول تفكيك هذه المخلفات.
روبوت به أطنان المتفجرات
وجد معتصم قرب بيته روبوتاً عسكرياً مفخخاً يحوي أطناناً من المتفجرات، قادراً على نسف مربع سكني بأكمله، هرب بعيداً وحذر جيرانه السكان من خطره، يقول "لا يجرؤ أحد من السكان على الاقتراب، ثمة عائلات رفضت العودة إلى منازلها إلى حين التعامل مع هذا الجسم".
ذاع صيت الروبوتات العسكرية المتفجرة كثيراً في الحرب، إذ تسبب دماراً مهولاً ومخيفة جداً بمنظرها وانفجارها الذي يشبه البركان، يضيف معتصم "تواصلت مع الجهات المتخصصة من أجل إزالة الروبوتات غير المنفجرة لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب عدم توفر المعدات اللازمة لمثل هذه المهام".
لا يزال الروبوت المفخخ غير المنفجر موجوداً، كأنه شبح يطارد سكان الحي، وغالب الذخائر غير المنفجرة متعددة الأشكال التي يمكن رصدها تعد خطراً مميتاً وحرباً مدمرة ساحقة لم تنته، لكنها قد تكون أقل خطراً بسبب الوعي أو الخوف منها، لكن المجسمات المنفجرة التي تأخذ أشكالاً صغيرة وعلى هيئة ألعاب أو معلبات طعام هذه أشد فتكاً.
20 ألف جسم مشبوه
انفجرت مجسمات مشبوهة في جسد الطفل كنان وأصابته بجروح خطرة في يديه بعدما حاول العبث فيها، يقول "كنت أساعد أبي في نصب الخيام، وطلب مني جمع بعض الأوراق والخشب لإشعال النار، وفجأة وجدت علبة تونة حاولت فتحها انفجرت في يدي".
قدر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وجود 20 ألف جسم حربي لم ينفجر بإجمال وزن 71 ألف طن من المتفجرات ومخلفات الحرب منتشرة في أنحاء القطاع، وتتنوع ما بين صواريخ ضخمة وألغام وذخائر متنوعة تمثل تهديداً مباشراً لحياة السكان لا يقل فتكاً عن الحرب نفسها، ويقول مديره إسماعيل الثوابتة "هذا الرقم يعد من بين الأعلى عالمياً، قياساً بالكثافة السكانية ومساحة القطاع".
ويضيف المسؤول الحكومي "الفرق الهندسية والفنية تعمل من أجل تحديد مواقع الأجسام المتفجرة وعزلها، ووضع إشارات تحذيرية حولها تمهيداً للتعامل الفني الآمن معها، ويجري ذلك وفقاً لمعايير السلامة الدولية، لكن إسرائيل تمنع إدخال المعدات الهندسية اللازمة لهذا الغرض".
ويؤكد الثوابتة أنهم سجلوا كثيراً من الإصابات والضحايا بسبب بقاء المتفجرات، إذ معظمها انفجر نتيجة العبث أو الاحتكاك أو مع ارتفاع درجات الحرارة، لافتاً إلى أن هذه الذخائر غير المنفجرة تمنع عودة كثير من النازحين إلى ديارهم.
لا كوادر بشرية ولا معدات
في غزة من الصعب التعامل مع الذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب، لذلك يحذر مركز غزة لحقوق الإنسان من أن هذه الكميات الهائلة تزيد تعقيد الأمور وتجعل غزة تواجه أكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث، وتشكل خطراً على النازحين العائدين إلى مناطقهم السكنية وتعوق محاولاتهم إعادة الحياة إليها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقول المتحدث باسم مديرية الدفاع المدني في قطاع غزة محمود بصل "تواجهنا تحديات في التعامل مع الذخائر غير المنفجرة، غالب الكوادر البشرية المتخصصة قتلوا في الحرب، إزالة الصواريخ تتطلب معدات ثقيلة، فيما تلك المعدات مدمرة، نحاول التعامل مع الحالات بالحد الأدنى، فإذا كان التدخل ممكناً وسهلاً، نتصرف، لكننا في الحالات الكبيرة لا نملك الإمكانات الكافية".
وجود ذخائر غير منفجرة يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقات جنيف، التي تلزم قوة الاحتلال اتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين وضمان إزالة مخلفات الحرب من المناطق المأهولة، والإفصاح عن مواقع الذخائر والقنابل التي لم تنفجر.
قتلى وإصابات
تحتاج غزة حالياً إلى لجنة دولية متخصصة تحت إشراف الأمم المتحدة لإجراء مسح شامل وسريع لجميع مناطق قطاع غزة لتحديد مواقع المخلفات غير المنفجرة، وفرق هندسية دولية مزودة بالمعدات والخبرات اللازمة لإزالة هذه المخلفات وتأمين المناطق المأهولة، وكشف إسرائيل عن خرائط وأماكن سقوط الذخائر والقنابل التي ألقتها على القطاع خلال الحرب، أو تلك التي زرعتها في بعض الأماكن، لكن كل ذلك صعب في الفترة الحالية في الأقل.
منذ وقف إطلاق النار قتلت الذخائر غير المنفجرة نحو 53 غزياً وجرحت المئات، وفقاً لقاعدة بيانات تديرها الأمم المتحدة، وهذا الرقم قد يزيد مع كل يوم تأخير في تحييد خطة القنابل الفتاكة.
استدعيت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام لتنفيذ لسلسلة كاملة من المهام الإنسانية في غزة، وأعلنت دول كبيرة تقديم دعم مالي لإزالة الألغام وقدمت بريطانيا 4 ملايين جنيه استرليني لدعم جهود إزالة الذخائر غير المنفجرة في غزة.
حرق القنابل بدلاً من تفكيكها
يقول رئيس بعثة دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في الأرض الفلسطينية المحتلة لوك إيرفينغ "كانت حرباً ضروساً في القطاع، تسببت بكل هذه الأطنان من القنابل الفتاكة غير المنفجرة، لقد زاد خطرها مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، إذ يعود كثير من السكان إلى المناطق التي نزحوا منها بعدما تعرضت لأعمال قتالية ضارية".
ويضيف إيرفينغ "نحن نعمل بالفعل على جلب مشغلين للتوعية بأخطار المتفجرات المتبقية والعمل على إزالتها، سيستغرق التعامل معها والعثور عليها وقتاً طويلاً، القطاع تحول لحقل ألغام خطر يرجح أن يستغرق تطهير سطح غزة ما بين 20 و30 عاماً".
يتحدث إيرفينغ عن تطهير سطحي كامل لغزة، ولكن عند سؤاله عن تطهير باطن أرض القطاع قال "لن يحدث ذلك أبداً، سنبدأ في تحديد مخلفات الحرب في البنية التحتية الأساسية مثل المستشفيات والمخابز، لكن لحد اللحظة لم تحصل منظمات الإغاثة المتخصصة على تصريح إسرائيلي شامل لبدء العمل على إزالة وتدمير الذخائر، ولا لاستيراد المعدات اللازمة".
في خطة عمل دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام فإنها ستعمل على حرق القنابل غير المنفجرة بدلاً من تفجيرها أو تفكيكها، يبرر إيرفينغ ذلك قائلاً "لتهدئة المخاوف الإسرائيلية في شأن إعادة استخدامها من قبل ’حماس‘".
وعن سبب رفض دخول تلك المعدات والفرق إلى غزة، يقول منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية غسان عليان "نمنع دخول المواد ذات الاستخدام المزدوج، لكن بهذا الخصوص قد يسمح للجهات المتخصصة بالعمل ضمن المرحلة الثانية من خطة ترمب للسلام والازدهار".