ملخص
ركزت نسخة هذا العام من حوار المنامة على التحديات الجديدة في أمن الخليج، بما فيها الحرب في غزة، ومستقبل المفاوضات النووية، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الدفاع، إلى جانب ملف الملاحة في مضيق هرمز الذي يشهد توتراً متكرراً بين إيران والقوى الغربية
شهد منتدى "حوار المنامة" الـ22، أحد أبرز المنتديات الأمنية في الشرق الأوسط، سجالاً دبلوماسياً غير مباشر بين السعودية وسلطنة عمان حول الموقف من إيران، بعدما انتقد رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الأمير تركي الفيصل، ما وصفه بمحاولة "تجميل صورة" طهران في مداخلات سابقة خلال المؤتمر.
الفيصل: "صورة وردية لإيران"
خلال مشاركته في إحدى جلسات المنتدى، قال الأمير تركي الفيصل إن بعض التصريحات الصادرة في اليوم السابق "وضعت إيران في جانب وإسرائيل في جانب آخر"، مضيفاً "لقد تم وضع إيران في صورة وردية كضحية لجهود دولية لتهميشها واحتوائها، في وقت لم يتم فيه ذكر سلوكها العدواني منذ عام 1979 وبعض تدخلاتها في شؤون الآخرين في تلك الصورة".
وتساءل الفيصل أمام الحضور "هل يرى أي من أعضاء اللجنة أن إيران صادقة في جهودها للانتقال من التدخل المفرط في شؤون الدول الأخرى إلى شريك يمكن دمجه في بنية ليس فقط الخليج، بل العالم".
تصريحات الفيصل جاءت في اليوم الختامي من المنتدى الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في المنامة من الأول إلى الثالث من نوفمبر (تشرين الثاني)، بمشاركة أكثر من 500 مسؤول ومتخصص تحت شعار "بناء الشراكات لأمن مستدام".
البوسعيدي: "إيران ليست مصدر الخطر"
جاءت مداخلة الفيصل رداً غير مباشر على كلمة وزير الخارجية العماني بدر بن حمد البوسعيدي، التي ألقاها في اليوم السابق، إذ دعا إلى إشراك إيران في منظومة الأمن الإقليمي، واصفاً سياسة عزلها بأنها "لم تكن حلاً"، وقال "سلطنة عمان ترى منذ زمن بعيد أن سياسة عزل إيران لم تكن حلاً، وأن إشراكها في منظومة الأمن الإقليمي الشامل يسهم في ترسيخ الاستقرار والتعاون المشترك، وأضاف أن "إيران أبدت في مراحل مختلفة استعداداً للحوار البناء وضبطاً للنفس على رغم الاعتداءات المتكررة"، مشيراً إلى أن "الممارسات الإسرائيلية المتعمدة لإطالة أمد التوتر هي السبب الرئيس لغياب الأمن في المنطقة".
وأشار إلى أن المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن أحرزت تقدماً ملموساً في خمس جولات من المحادثات هذا العام، قبل أن "تعرقلها هجمات إسرائيلية غير قانونية ضد إيران، أسفرت عن مقتل مئات المدنيين الأبرياء"، بحسب قوله.
تتسم العلاقات الخليجية – الإيرانية بتعقيد تاريخي يراوح ما بين التوتر والانفراج، إذ تنظر دول مجلس التعاون إلى طهران بوصفها جاراً مؤثراً وصعباً في آن واحد، تتقاطع مصالحه معها في الجغرافيا والطاقة، وتتصادم في الأمن والسياسة، ومع أن السعودية وإيران استعادتـا علاقاتهما الدبلوماسية في 2023 بعد قطيعة دامت سبعة أعوام، فإن الشكوك المتبادلة ما زالت حاضرة بفعل ملفات مثل اليمن والنووي وأمن الملاحة.
في المقابل، تبرز سلطنة عمان كحالة استثنائية في هذا المشهد، إذ حافظت على قنوات تواصل مفتوحة مع طهران حتى في ذروة التوترات، مستندة إلى تاريخ طويل من الروابط البحرية والتجارية والثقافية بين البلدين، وإلى سياسة خارجية قائمة على الحياد والوساطة، مما جعلها تؤدي دور "الجسر الهادئ" بين إيران وجيرانها الخليجيين.
تمدد السجال
وركزت نسخة هذا العام من المؤتمر على التحديات الجديدة في أمن الخليج، بما فيها الحرب في غزة، ومستقبل المفاوضات النووية، وتأثير الذكاء الاصطناعي على الدفاع، إلى جانب ملف الملاحة في مضيق هرمز الذي يشهد توتراً متكرراً بين إيران والقوى الغربية.
انتقلت أصداء السجال سريعاً إلى السوشيال ميديا وتمددت، حتى بعد اختتام المنتدى، إذ أثارت تصريحات الطرفين موجة من التفاعل والانقسام في المواقف.
فبينما نشر "مركز الأخبار العماني" مقتطفات من كلمة البوسعيدي، تناول حساب "إيران بالعربية" مشاركة الوزير العماني، منوهاً بما سماه "ضبط النفس الإيران".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، لفت حساب "السعودية بوست" على "إكس" الذي نقل تصريحات الأمير تركي الفيصل، إلى أن تعليقات الأمير اتسمت بـ"الوضوح والواقعية في توصيف السلوك الإيراني".
وتفاعل المغردون الخليجيون مع هاشتاغ "حوار المنامة" فرأى مشارك من مسقط أن "الدبلوماسية العمانية لا تدافع عن إيران، بل تدافع عن الحوار"، فيما كتب آخر سعودي "الفيصل تحدث بلسان الخليج كله".
وكان البوسعيدي ندد بـ"الممارسات الإسرائيلية المتعمدة لإطالة أمد التوتر التي تسببت، في هذه الحالة، بمقتل مئات المدنيين الإيرانيين الأبرياء"، وأضاف "مثل هذه الأعمال التخريبية تمثل انتهاكاً خطراً للقانون الدولي وتكشف بوضوح أن إسرائيل – وليس إيران – هي المصدر الرئيس لغياب الأمن في المنطقة"، بينما أثنى على إيران لضبط نفسها على رغم الاعتداءات، فقال "إيران ردت على رغم ذلك بضبط نفس لافت، تماماً كما فعلت عندما قصفت إسرائيل قنصليتها لدى سوريا، وأصابت سفيرها لدى لبنان، واغتالت أحد كبار المفاوضين الفلسطينيين في طهران".
يرى مراقبون أن السجال الخليجي في "حوار المنامة" يعكس تبايناً تقليدياً في مقاربة البلدين للملف الإيراني، على رغم أنه يشكل وجهة نظر شخصية، فعمان، التي أدت دور الوسيط في محطات عدة من المفاوضات الإيرانية والدولية، تفضل الحوار والانتظام، بينما تنظر الرياض بقلق إلى سياسات طهران الإقليمية وتشجعها على تغيير سلوكها المزعزع للاستقرار في المنطقة قبل دمجها في أي منظومة أمنية خليجية.
لغة الحوار والردع
ومع أن المنتدى اختتم أعماله، إلا أن النقاش حول إيران لم ينته، فبينما غادرت الوفود المنامة، بقي صدى التصريحات حاضراً على المنصات الرقمية وفي أروقة السياسة، ليؤكد أن "الخلاف حول طهران ما زال يمثل أحد أبرز خطوط التباين داخل البيت الخليجي".
منذ "اتفاق بكين" الذي أعاد العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران عام 2023، شهدت المنطقة تراجعاً نسبياً في حدة التوتر الخليجي – الإيراني، مع ميل عام نحو التهدئة والانتظام الدبلوماسي.
وقد زادت الحرب الإسرائيلية في غزة من هذا التحول، إذ دفعت تداعياتها الأمنية والإنسانية دول الخليج إلى إعادة ترتيب أولوياتها الإقليمية، في ظل قلق متصاعد من السياسات الإسرائيلية المتعنتة وحديثها عن "إسرائيل الكبرى".
هذا المناخ جعل التهديد الإسرائيلي يبدو أكثر إلحاحاً من الإيراني، على رغم بقاء القلق من الطرفين قائماً، لتتبلور لدى العواصم الخليجية قناعة جديدة بأن الاستقرار يمر عبر موازنة دقيقة بين الردع والحوار، ولا سيما السعودية التي أبرمت اتفاقية دفاعية استراتيجية مع باكستان النووية.