ملخص
يشكل إقليم كردفان المجاور لدارفور، بحكم موقعه الجغرافي، حزاماً دفاعياً استراتيجياً بين وسط البلاد وغربها، وتمثل السيطرة عليه مفتاحاً للتحكم في خطوط الإمداد العسكري بين الخرطوم ودارفور والميناء الرئيس ببورسودان، بخاصة أنه يضم مطارات يمكن استخدامها في النقل العسكري والدعم اللوجيستي، إضافة إلى قربه من مناطق النفط والذهب مما يجعله هدفاً رئيساً لأي طرف يريد السيطرة على موارد لتمويل الحرب.
أحدثت الحرب المستعرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ أكثر من 30 شهراً، تحولاً مفصلياً مع إحكام الأخيرة سيطرتها الكاملة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك بانتقال المعارك إلى إقليم كردفان الذي يضم ثلاث ولايات شمال وجنوب وغرب، الذي من المتوقع أن يكون ساحة صراع حاسمة في هذه الحرب.
ويشكل إقليم كردفان المجاور لدارفور، بحكم موقعه الجغرافي حزاماً دفاعياً استراتيجياً بين وسط البلاد وغربها، وتمثل السيطرة عليه مفتاحاً للتحكم في خطوط الإمداد العسكري بين الخرطوم ودارفور والميناء الرئيس ببورسودان، خصوصاً أنه يضم مطارات يمكن استخدامها في النقل العسكري والدعم اللوجيستي، إضافة إلى قربه من مناطق النفط والذهب مما يجعله هدفاً رئيساً لأي طرف يريد السيطرة على موارد لتمويل الحرب.
تحشيد قبلي
الباحث في مركز الخرطوم للحوار، اللواء الرشيد معتصم مدني، قال "اتجهت قوات ’الدعم السريع‘ بعد خروجها من الخرطوم والولايات الأخرى المتاخمة للأخيرة نتيجة الضغط الذي فرضه عليها الجيش والمقاومة الشعبية إلى حدود البلاد الغربية وتحديداً دارفور هرباً من جحيم المعارك التي طاول أمدها وانتهت إلى استنزاف قدراتها العسكرية والبشرية التي جهزت للنصر في زمن قصير، إذ كان مخطط قادة ’الدعم السريع‘ وداعميه الاستيلاء على الحكم في السودان بالقوة الباطشة، لكن على الدوام كانت تلك القوات تفتقر إلى فكرة أن التغييرات التي حدثت في البلاد تاريخياً تتم في سياق سياسي وثقافي مفهوم يتمحور حول فكرة واضحة المعالم في الأقل عند الغالبية".
وأضاف مدني أن مقدرات "الدعم السريع" لن تسعفها في الاستمرار حتى وإن قدر لها أن تستولي على السلطة، بل سينتهي الأمر إلى التخريب والخروق الخارجية للدولة، وأبرز نقاط ضعف هذه القوات هو ارتباطها الخارجي المفضوح الذي شكل استفزازاً كبيراً لجموع السودانيين في أطراف البلاد كافة، إضافة إلى تبنيها خط التحشيد القبلي بصورة مكشوفة لتغذية أبناء البوادي في دارفور وبعض دول الجوار بروايات مضللة ليكونوا وقوداً لحرب طويلة".
ولفت المتحدث إلى أن عدداً كبيراً من المقاتلين في صفوف "الدعم السريع" يدخلون في القتال بدافع السلب ونهب ممتلكات المواطنين الخاصة من الأموال والذهب والمركبات وأثاث المنازل والمؤسسات العامة غنائم، ويشكل هذا عبئاً سياسياً وأخلاقياً لداعميهم السياسيين، أضف إلى ذلك الجرائم المروعة والانتهاكات الوحشية غير الإنسانية والمتكررة التي ظلت ترتكبها هذه القوات منذ بداية الحرب وحتى أحداث الفاشر الأخيرة، في وقت كان قادة "الدعم السريع" يراهنون في خطتهم لاستيعاب أبناء كردفان في مشروعهم عبر روايات شعبية تاريخية قبلية ونجحوا بقوة السلاح والمال خلال أيام الحرب الأولى في كسب ولاء بعض زعماء الإدارة الأهلية والشباب المغرر بهم، بحسب قوله.
تلاحم شعبي
واستطرد الباحث في مركز الخرطوم للحوار، "نجد أن عدداً كبيراً من هذه القوات اكتفى بما نهبه أثناء المعارك من مساكن المواطنين والمؤسسات العامة وخرجت من ميدان المعركة في وقت مبكر، وظل خط التحشيد القبلي والإغراءات باجتياح القرى والمدن البعيدة من ميدان القتال مع القتل والسلب والنهب تحت قوة السلاح مستمراً في كردفان بعد فشلهم في الخرطوم، وشكل هذا الشيء حافزاً لهذه القوات للاستمرار في القتال".
وأردف مدني، "من الناحية العسكرية والأمنية فإن تركيز ’الدعم السريع‘ على كردفان كان هدفه إعاقة حركة الجيش نحو مدن دارفور الكبرى ممثلة في الفاشر والضعين، لأن قواته التي كانت موجودة في كردفان عبارة عن جيوب لا تستطيع القتال في كل هذه الجغرافيا الواسعة وستصاب بالإنهاك وسيتمكن الجيش من القضاء عليها وبعثرتها، وفي حال تحريك قوات ’الدعم السريع‘ لمقاتلين من دارفور نحو كردفان ستكون خسارتها مركبة".
وأشار مدني إلى أنه في وقت يعمل قادة "الدعم السريع" على استقطاب عدد كبير من المرتزقة من بعض دول الجوار ومن كولومبيا كمقاتلين وفنيين مقابل المال لتعويض ما تعرضت له هذه القوات من خسائر، نجد أن معسكرات التدريب تشهد إقبالاً كبيراً من المتطوعين لمساندة الجيش في حربه ضد هذه الميليشيات.
ويرى المتحدث أن أحداث الفاشر الأخيرة خلقت رصيداً كبيراً وحافزاً قوياً للوحدة الوطنية والتلاحم الشعبي وتجاوز الصغائر لأن شعور السودانيين بالخطر تعاظم بعد مشاهدتهم الأجانب يقاتلون في بلادهم مع "الدعم السريع"، فضلاً عن الدعم العسكري الكبير المقدم لهذه القوات من الدول الراعية، في المقابل يعمل الجيش بنفس طويل ومدد شعبي غير منقطع وتطوير مستمر للقدرات لاسترداد الأرض والأخذ بثأره من المتمردين.
ونوه الباحث في مركز الخرطوم للحوار إلى أن "الدعم السريع" تسعى إلى تحقيق مكاسب سياسية من خلال أعمال عسكرية وحشية موجهة نحو المدنيين، لكن ما حدث في الفاشر سيكون لها ارتدادات سالبة في تطورات الأحداث في بعض دول الجوار السوداني.
سلب ونهب
من جانبه، أوضح عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين "تضامن" وليد عز الدين عبدالمجيد أن "المتابع لتطورات المعركة يلحظ أن ’الدعم السريع‘ حشد كل جهوده وقواته للاستيلاء على مدينة الفاشر بالحصار المحكم والهجمات المتتالية التي قاربت الـ300 هجوم وأدى ذلك الضغط إلى انسحاب الجيش من المدينة بصورة غير منظمة كانت نتيجته ما نشاهد الآن عبر الوسائط من بشاعات وفوضى وعبث بأرواح المدنيين العزل الذين كانوا داخل المدينة تحت حمايته، مما خلف هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة، وكذلك الحال في مدينة بارا بشمال كردفان".
وتابع عضو "تضامن" قوله "واضح تماماً أنه منذ انسحاب ’الدعم السريع‘ من مناطق الوسط كان يخطط للاستيلاء علي إقليمي دارفور وكردفان وفي ذاكرتنا هجماته على بعض المدن في كردفان التي كانت تهدف لإضعاف وتشتيت الجيش في هذا الإقليم".
وزاد المتحدث "كما حشدت ’الدعم السريع‘ معظم قواتها واستولت على الفاشر، والآن سيكون هدفها الرئيس مدينة الأبيض عاصمة ولاية شمال كردفان، وقد بدأت إرهاصات ذلك في الهجوم على المناطق والطرق المؤدية إلى هذه المدينة كأم دم حاج أحمد وأبو جبيهة، وإرسال مسيرات إلى كادقلي وأبو جبيهة والأبيض نفسها التي بدأ ساكنوها في النزوح والهرب من الجحيم القادم".
وأردف عبدالمجيد "في تقديري أن الجيش يعاني من النقص في عناصر المشاة المتدربة والمؤهلة للقتال، وأصبح يعتمد على المستنفرين قليلي التدريب لخوض مثل هذه المعارك، لذلك بدأت النداءات للتعبئة العامة وإعلان حال الطوارئ وأن تكون الحكومة حكومة حرب، فضلاً عن مناشدة الضباط وضباط الصف والجنود للانضمام للمعركة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وواصل المتحدث، "نجد أن القوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة رغم أنها تعد قوات غير نظامية، لكنها تمتلك قدراً من التدريب وسيكون تأثيرها على سير المعارك في كردفان تعطيلياً ومحاولة كسر قوة اندفاع قوات ’الدعم السريع‘ التي نلحظ أنها في حال معنوية عالية".
وزاد عضو "تضامن" قائلاً "من المتوقع أن تحشد ’الدعم السريع‘ هذه الأيام مجموعات كبيرة من قواتها في مختلف مناطق كردفان بهدف الاستيلاء على مدينة الأبيض، وإذا نظرنا إلى خريطة كردفان وتحديداً المنطقة الواقعة حول الأبيض نجد وجوداً كثيفاً لقوات ’الدعم السريع‘ والقوات المتحالفة معها ممثلة في الحركة الشعبية شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، مما يعني أن ميزان القوة يميل لمصلحة ’الدعم السريع‘، وهنا تكمن الخطورة على مواطن كردفان الذي سيعاني ضعف ما تعانيه الفاشر الآن التي لا يزال سكانها في حالة هرب ونزوح إلى منطقة طويلة وغيرها بشمال دارفور، ومنهم من وصل الدبة في شمال البلاد".
ومضى عضو القيادة المركزية العليا للضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين في القول "هذه الحرب تجلى فيها العبث والاستهتار بالسودانيين، وتجلت فيها نعرات الكراهية والقبلية والجهوية، وتتزايد خطورتها كل يوم، حيث سقطت كل الشعارات التي يرفعها الطرفان إن كانت حرب كرامة من ناحية أو استعادة الديمقراطية ودحر الإسلاميين من ناحية أخرى، وأصبحت حرب الكل ضد الكل، والمؤسف أنها فقدت السيطرة والتحكم في القوات من الطرفين ولا مناص من التدخل الدولي الذي نراه بات واجباً وضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
تطور خطر
من جهته، أفاد عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي، عوض جبر الدار بقوله "قوات ’الدعم السريع‘ تعرضت إلى ضغط عسكري شديد من الجيش والقوات المشتركة التابعة للحركات المسلحة والقوات المساندة لها في ولايتي الجزيرة والخرطوم مما فرض عليها الانسحاب إلى كردفان، وبحسب بيان ’الدعم السريع‘ فإنها في حالة إعادة تموضع، وهي لا تعني نقل الحرب إلى كردفان بقدر ما هي بسبب ما تعرضت له من ضغط عسكري، لذلك اختارت أقرب نقطة للتموضع وهي كردفان".
وأشار المتحدث إلى أنه من المؤكد أن يكون لانتقال الحرب إلى كردفان تأثير كبير في أمن المواطن وعلى معاشه، فضلاً عن التأثير الكبير على الأعيان العامة والخاصة لأنه لا توجد سيطرة وتحكم على هذه القوات وما ينتج منها من تصرفات وانتهاكات.
وأضاف جبر الدار "في اعتقادي أن مسار الحرب بعد سقوط الفاشر قد يتحول إلى تطور خطر وتصعيد عنيف خصوصاً بعد المناظر البشعة التي ظهرت بعدما بسط ’الدعم السريع‘ سيطرته على الفاشر، والتي كان لها آثار كبيرة وتحمل كثيراً من الضغائن".
وزاد عضو حزب الأمة القومي قوله "معلوم أن إقليمي دارفور وكردفان متشابهان من حيث الجغرافيا والسكان، بيد أن الأخير (كردفان) وضعه أفضل من دارفور من حيث تراكمات المشكلات المجتمعية ومسار الحروب القبلية، كما أنه أكثر تحصيناً عما يجري في دارفور".
ولفت جبر الدار إلى أن كردفان يمثل دائماً جسر تواصل إلى دارفور وباقي ولايات السودان المختلفة، لكنه يتأثر بمجريات الأحداث في دارفور لا سيما الجنوب سابقاً، كما أنه يعد بمثابة الطريق الذي يمكن النفوذ منه إلى باقي ولايات البلاد، فمن يرد العبور من دارفور إلى أي بقعة في شرق السودان أو شماله أو وسطه فلا بد أن يمر عبر كردفان، وهو ما جعله يدفع فاتورة باهظة تتمثل في أمنه وموارده وأموال وأرواح شعبه.
وأردف عضو لجنة السياسات في المكتب السياسي لحزب الأمة القومي "المكونات القبلية والأهلية المجتمعية بإقليم كردفان ظلت تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في إخماد نيران الحرب، وكذلك في حلحلة المشكلات المجتمعية، والآن جاء دورها للتبشير بوقف هذه الحرب ومحاربة خطاب الكراهية وسط مجتمعاتها، لكن نجد أن صوتها حالياً بات خافتاً وسط مكوناتها، إذ أصبح الصوت العالي لمن يحمل البندقية لأي فرد من أفرادها مهما كانت مكانته، وبات رأي الزعيم القبلي إما مع أو ضد، لكن في النهاية يمكن أن يقوم هؤلاء الزعماء بدور يؤثر في مجتمعاتهم من جوانب عدة خاصة وسط المقاتلين الذين يحملون السلاح من الأطراف المختلفة".