ملخص
يرى أردنيون في كاميرات المراقبة خصماً يتربص بهم لا أداة لحمايتهم بينما ترد الحكومة الأردنية على الاتهامات بالقول إن الغاية هي السلامة المرورية.
تتسارع خطط التحول الرقمي في الأردن، على نحو يتجاوز الخدمات الحكومية، إلى قضية تعد ذات حساسية عالية لدى المواطنين، وذلك بعد إعلان الحكومة عن تركيب أكثر من 5 آلاف كاميرا مراقبة إضافية تعمل بالذكاء الاصطناعي، لرصد التحركات في الشوارع والتقاطعات الرئيسة على نحو دقيق ومزعج في الوقت ذاته.
وفيما تبرر الحكومة قرارها بضبط المخالفات المرورية، يعبر البعض عن خشيته من أن يتحول الأمر من حماية إلى جباية، خصوصاً مع تشديد قيمة المخالفات ومضاعفتها بشكل يرهق جيوب المواطنين مالياً، ولا يراعي العدالة الاجتماعية أو الإجرائية.
فيما السؤال الأكثر إلحاحاً لدى البعض الآخر حول مدى تآكل الخصوصية وتجميع "البيانات الضخمة" عن سلوكيات المواطنين في ظل فراغ تشريعي ينظم حماية هذه المعلومات واستخدامها.
خصم لا يرحم
يصف أبو ياسر (62 سنة)، وهو متقاعد من القطاع العام، أمضى حياته في القيادة على طرق الأردن، بأنه بات اليوم في مواجهة خصم إلى لا يرحم، بعدما التقطت الكاميرات ثواني معدودة وهو يمسك بهاتفه من دون استعماله في لحظة عابرة على تقاطع رئيس في العاصمة عمان، بعدها بأيام وصله إشعار بمخالفة صنفت على أنها "استخدام هاتف محمول" أثناء القيادة.
يؤكد أبو ياسر أن الـ50 ديناراً (70 دولاراً) التي سيسددها كقيمة مخالفة استخدام الهاتف، تشكل 20 في المئة من راتبه الشهري التقاعدي المتواضع، مضيفاً "مع إلغاء حق الاعتراض على المخالفات أصبحت المخالفات الرقمية تتغول علينا في مواجهة آلة لا ترحم ولا تتيح للجانب الإنساني والإجرائي أي فرصة".
قصة "أبو ياسر" واحدة من مئات القصص التي تلقي الضوء على التوسع في المراقبة الآلية لمخالفات السير، بشكل يرى البعض فيه افتقاد للعدالة الاجتماعية، يطرح سؤالاً حول ما إذا كانت فلسفة المخالفات المرورية لضبط الشارع أم مصدر مهم لسد عجز الموازنة؟
خصوصية رقمية
يرى مراقبون أن التوسع في استخدام الكاميرات لرصد المخالفات وجمع البيانات الضخمة يشكل تحولاً استراتيجياً، في ظل فراغ تشريعي لا يوفر الحماية الكافية للحقوق والحريات.
وعلى رغم وجود مبادرات ومسودات، يفتقر الأردن إلى قانون شامل يعرف بوضوح البيانات الشخصية الرقمية وكيفية معالجتها وتخزينها، خصوصاً أن كاميرات اليوم ليست مجرد فلاش يلتقط السرعة، بل جزء من منظومة ذكية تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل المشاهد المرئية بذكاء وكفاءة تفوق العين البشرية.
وثمة من يطرح فكرة الاعتداء على الخصوصيات، مما أثار نقاشاً قانونياً وأخلاقياً حول مدى جواز تصوير المواطنين داخل سياراتهم في الطريق العام، ومدى حماية بياناتهم، خصوصاً أنه لا يوجد نص قانوني واضح يلزم الجهات المتخصصة بمسح لقطات المراقبة بعد فترة زمنية محددة.
ويعد المراقبون أن هذا الأمر يشكل "بنك معلومات" يمكن الوصول إليه في أي وقت ولأي غرض، حتى لو كان خارج نطاق قانون السير، كدمج هذه البيانات المرورية (التي تحدد الموقع والزمان) مع قواعد بيانات حكومية أخرى حساسة.
ولا يدور الحديث وفق الحكومة الأردنية التي أعلنت عن تشغيل آلاف الكاميرات الجديد عن "كاميرات السرعة" التقليدية، بل هو توسع هائل في المراقبة الرقمية واستخدام تقنيات المراقبة الذكية لرصد المخالفات كالسرعة، وقطع الإشارة، واستخدام الهاتف، وعدم ربط الحزام بشكل آلي، فضلاً عن القدرة على تحليل الوجوه والتعرف على لوحات المركبات، ليبرز التساؤل ما إذا كان الأردن يتجه نحو دولة "المراقبة الرقمية" أم لا؟
حماية أم جباية؟
على رغم النفي الرسمي، يتجه الشعور العام لدى الأردنيين نحو فكرة "الجباية" ورفد خزانة الدولة، فالأرقام المرتفعة لمخالفات المرور في العاصمة وحدها تعد مؤشراً إلى أن إيرادات المخالفات تحولت إلى رافد أساس ثابت لتغطية نفقات أمانة عمان (بلدية العاصمة).
ولا تتوفر أرقام رسمية مفصلة عن إجمالي إيرادات مخالفات السير على مستوى المملكة لكن يتوقع أن تدر العاصمة عمان نحو 50 مليون دينار (70 مليون دولار) سنوياً من المخالفات، بينما يتوقع أن الإيرادات الإجمالية على مستوى البلاد تتجاوز 70 مليون دينار (99 مليون دولار) وقد تصل إلى 90 أو 100 مليون دينار (127 أو 141 مليون دولار) سنوياً، مما يجعلها رقماً مهماً في الإيرادات غير الضريبية للخزانة.
وهنا يوضح أمين عمان يوسف الشواربة، أن آلاف الكاميرات ستستخدم في منظومة الرقابة الإلكترونية في مدينة عمان، من أجل الحد من مخالفات السير، مبيناً أن قيمة مخالفات السير لعام 2024 بلغت 35 مليون دينار (50 مليون دولار).
ولفت إلى أن هذه الكاميرات ستوظف في رقابة جميع مخالفات السير، وجمع بيانات مختلفة مثل عدد المركبات على محور معين على الطرق ولها دور أمني، إضافة إلى أنه سيكون لها دور في إجراء الدراسات في شأن التحديات التي تواجه المدينة.
وتفتقر التقارير المالية الحكومية العامة في الموازنات إلى تفصيل واضح للمخالفات، إلا أن الارتفاع الحاد في الإيرادات يتزامن بشكل وثيق مع التوسع في شبكة الكاميرات الذكية التي ترصد مخالفات لم يكن رصدها ممكناً سابقاً مع ملاحظة أن المخالفات الآلية تتميز بـ"كلفة تشغيل منخفضة" وعائد "مرتفع ومستمر".
وترد الحكومة على كل هذه الاتهامات بالقول، إن الغاية هي السلامة المرورية، بحيث يخصص إيراد الكاميرات تطوير السلامة المرورية والهندسة المرورية. وتقول إن ثمة دراسات محلية ودولية تربط تركيب كاميرات السرعة بانخفاض حوادث التجاوز والسرعات المفرطة وتوسيع نطاق تطبيق القانون من دون الاعتماد فقط على دوريات الطرق.
سخط اجتماعي
يقول أردنيون إنهم أصبحوا يرون في الكاميرا "خصماً يتربص بهم لا أداة لحمايتهم"، وإن ثمة غياباً للعدالة في تطبيق المخالفات، التي يفترض أن تتناسب عكسياً مع دخل الأفراد، فالغرامة الموحدة تشكل عبئاً ضخماً على الطبقة الفقيرة والمتوسطة مقارنة بالطبقة الغنية.
وثمة مخاوف من أن النظام الآلي قد يصدر مخالفات خطأ إذا لم يتوفر مسار اعتراض شفاف وفعال يتعرض المواطن للضرر المالي والاجتماعي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشكو كثر من مبالغ مالية كبيرة تراكمت عليهم كمخالفات خلال هذا العام تقدر بآلاف الدولارات، فيما يعول آخرون على أمل إصدار عفو عام.
ويقول طرف ثالث، إنه حري بالحكومة التركيز على سياسات وقائية مثل تحسين الطرق، وحملات التوعية والصيانة، لكن قانون السير الأردني تخول إدارة السير استخدام الوسائل التقنية لفرض النظام المروري، وهو الأساس القانوني لانتشار الكاميرات.
ويؤكد المدير التنفيذي لتكنولوجيا المعلومات في أمانة عمان، سلطان الخرابشة، أن تفعيل الذكاء الاصطناعي في الرقابة الآلية على مخالفات السير، يخضع لمعايير فنية دقيقة تتعلق بالتأكد من مقاييس ودقة الرادارات والكاميرات والحساسات في رصد المخالفات.
ويوضح المدير التنفيذي للمرور في أمانة عمان، محمد جدوع، أن مشروع كاميرات المراقبة المرورية يمثل "نقلة نوعية" في البنية التحتية التكنولوجية للمدينة، مشيراً إلى أن الهدف يتجاوز مجرد رصد المخالفات ليصل إلى "الإدارة الذكية للمرور" باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي مبدداً المخاوف المتعلقة بخصوصية المواطنين داخل مركباتهم.