Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من خيمة القذافي إلى قصر إبستين... لعنة الفضيحة تطارد الزعماء والملوك

رصد تاريخي لسلسلة الفضائح التي ارتبطت بالرئيس الليبي السابق ورجل الأعمال الأميركي

لحقت فضائح الخيمة والقصر بزعماء ورؤساء دول (اندبندنت عربية)

ملخص

من خيمة القذافي في ليبيا إلى قصر إبستين في الكاريبي، تمتد خيوط الفضائح التي أطاحت بزعماء ورؤساء وملوك. وعلى رغم رحيل الرجلين، لا تزال لعناتهما تطارد كل من جلس تحت الخيمة أو دخل القصر.

في التراث الديني ثمة جملة تحذر من الفتنة بعبارة تقول "الداخل فيها ملعون والخارج منها ملعون"، وربما هي الجملة التي تنطبق على بعض من دخل خيمة "قذافي ليبيا" وقصر "إبستين أميركا"، وهما المكانان اللذان لا يزالان يجران خلفهما كثيراً من الفضائح واللعنات.

وآخر ضحايا القصر، تجريد الأمير أندرو، دوق يورك، والابن الثاني للملكة البريطانية الراحلة إليزابيث الثانية والشقيق الأصغر للملك الحالي تشارلز الثالث، من ألقابه الملكية، بعد دخوله قصر إبستين وجزيرته، والحال أيضاً لخيمة القذافي التي قادت أخيراً الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي إلى السجن لقضايا عدة ومن بينها اتهامات وجهت له بتلقيه أموالاً من نظام القذافي من أجل دعم حملته الرئاسية عام 2007.

وعلى رغم وفاتهما، الزعيم الليبي الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاماً وقتل في 2011، ورجل الأعمال الأميركي جيفري إبستين الذي انتحر داخل زنزانته عام 2019، فإن لعناتهما لا تزال ناراً حيّة تنهض كل عام من تحت رماد السنين لتلتهم من تورط في دخول "الخيمة والقصر". 

وخيمة معمر القذافي المثيرة للجدل في حياته وبعد مماته، كانت تحاك تحت أطنابها دسائس ومؤامرات ألقت بمن دخلها في غيابت جب الفضائح ونالت من سمعة كبار شخصيات السياسة عرباً وعجماً وعدد كبير من المسؤولين ودول خليجية وأفريقية.

والخيمة التي لا أرض لها، كانت رفيقة معمر في حله وسفره، حتى إنه كان ينصبها خلال زياراته الخارجية، بخاصة في أوروبا، وأراد بها في حياته أن تكون رمزاً لأسلوبه وبداوته واستعراضاً لشخصيته الاستثنائية، لكنها بعد مماته وسقوط أعمدتها وأطنابها مع نظامه باتت مثيرة للجدل بظهور تسريبات تكشف عن تعاملاته السرية وشبكة نفوذه المالي والسياسي.

ساركوزي والقذافي والسجن

في ديسمبر (كانون الأول) عام 2007 ظهر القذافي بزيه التقليدي اللافت من داخل خيمته، وإلى جواره كان يجلس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وأمامهما حلوى الـ"الغريبة" المزينة بالفستق الحلبي وبقلاوة وحلوى ليبية، وهي الزيارة التي وصفتها وسائل الإعلام آنذاك أنها جاءت "لتأكيد عودة العلاقات بين فرنسا وليبيا بعد أعوام من القطيعة".

لكنه اللقاء في ما يبدو الذي كان سبباً في دخول "الرئيس المفرط" السجن، واللقب أطلقه عليه الصحافيون الفرنسيون، لنشاطه المفرط في السياسة الداخلية والخارجية ورغبته في حل كثير من المشكلات في كل المجالات.

 

 

وأظهرت التحقيقات اللاحقة التي تلت "لعنة لقاء الخيمة" أن الرئيس تلقى تمويلاً غير مشروع لحملته التي كانت عام 2007.

وفي الـ21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بات ساركوزي أول رئيس فرنسي في الجمهورية الخامسة منذ عام 1958 الذي يدخل السجن، وهو أيضاً الرئيس الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي تنفذ فيه هذه العقوبة.

 

 

وتقول رخايا ديالو وهي كاتبة عمود في صحيفة "ذا غارديان"، "لم يسبق لأي رئيس دولة فرنسي أن قضى عقوبة سجن. لكن رئيس المحكمة رأى أن جرائم ساركوزي ’أفعال بالغة الخطورة، من شأنها أن تقوض ثقة المواطنين بمن يمثلونهم‘".

 

 

ويقال وفق الكاتبة الفرنسية، إنه سمح لمقربين منه بتقديم وعود لليبيا بالعفو عن محكومين ليبيين، ولا سيما الحفاظ على اتصالات مع عبدالله السنوسي، صهر القذافي، وإرهابي مدان في فرنسا بتفجير طائرة ركاب متجهة إلى باريس عام 1989 مما أودى بحياة 170 شخصاً.  

"عندما لا يكون لديك ما تخفيه، فلا داعي للخوف من الشرطة"

الرئيس الذي قال ذات يوم، "عندما لا يكون لديك ما تخفيه، فلا داعي للخوف من الشرطة"، ولج السجن بعد أن أظهر الزمن ما تخفيه الخيمة المنصوبة في "باب العزيزية" الواقعة بالضواحي الجنوبية لمدينة طرابلس، عاصمة ليبيا.

 

وحكم على ساركوزي (70 سنة) بالسجن لمدة خمسة أعوام، ولم يكن الرئيس الفرنسي السابق سوى آخر الضحايا، إذ سبقه كثر أودت بهم الملفات التي ظهرت بعد سقوط نظامه، بخاصة ما يعرف بـ"تسريبات القذافي"، إلى السجن وصولاً إلى سحب الجنسيات ممن تورط في الجلوس تحت الخيمة الملونة والمزركشة بالنقوش الإسلامية والمغاربية.

سحب الجنسية والمؤبد

أدت الفضائح التي ظهرت تباعاً إلى اتخاذ الحكومة الكويتية قراراً بسحب جنسية حاكم المطيري وبالحكم عليه بالسجن المؤبد غيابياً منذ أبريل (نيسان) عام 2021 في قضية تحولت إلى قضية أمن دولة، بعدما دين المطيري بتهم أبرزها "قلب نظام الحكم" و"التخابر لمصلحة ليبيا ضد الكويت".

والمطيري كان رئيساً لحزب الأمة في الكويت وهو حزب سياسي أسسه إسلاميون سلفيون ومحافظون عام 2005 وكان أستاذاً في التفسير والحديث بجامعة الكويت.

تسريبات كثيرة جاءت بها أسرار الخيمة، من بين أهدافها زرع القلاقل في دول مجلس التعاون، بخاصة السعودية والبحرين والكويت والإمارات، وتضمنت التسريبات إشارات إلى مخططات أو نقاشات استهدفت زعزعة الاستقرار في تلك الدول الخليجية، إضافة إلى دول أفريقية وحركات مسلحة تبين أن القذافي موّلها ودعم مجموعات وأحزاب في دول أفريقية من أجل التأثير السياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وورد اسم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في سياقات متعددة تربطه بمعمر القذافي، منها صفقات سياسية واقتصادية مثيرة للجدل، بخاصة بعد لقائهما الشهير في خيمة القذافي عام 2004 في الصحراء الليبية.

بعد الزيارة مباشرة، حصلت شركة النفط البريطانية BP على عقود ضخمة للتنقيب في ليبيا تُقدّر بمليارات الجنيهات. واعتبر منتقدوه أن بلير منح القذافي غطاءً دوليًا مقابل مصالح تجارية.

وكشفت صحيفة الغارديان أن بلير زار القذافي عدة مرات سرًّا بين 2008 و2010، حتى قبيل سقوط النظام.

كما تورط في دعم حركات دارفور بالسلاح والمال ضد نظام عمر البشير، وأحزاب وشخصيات تونسية معارضة للرئيس التونسي زين العابدين بن علي، إضافة إلى تورطه في دعم قيادات جماعة "الإخوان المسلمين" خلال فترة حكم الرئيس المصري محمد حسني مبارك بهدف التأثير في اسمه وعرشه.

من البحر إلى البحر

في بعض الأشعار الصوفية، يرمز البحر إلى الفتنة الدنيوية، وللمفارقة أن على إطلالة منه بنيت الخيمة وشيد القصر.

والخيمة الشهيرة تقع في الجزء الشمالي الغربي من ليبيا، على ساحل البحر الأبيض المتوسط. فيما الجزيرة بقصورها تقع وسط البحر الكاريبي في المنطقة الغربية من الكرة الأرضية.

واكتسبت جزيرة إبستين "ليتل سانت جيمس" (Little St. James) سمعة سيئة بسبب المزاعم والشهادات المتعددة التي أفادت بأن الملياردير الأميركي استخدمها لاستغلال قاصرات والاعتداء الجنسي عليهن، إذ كانت توصف بـ"جزيرة المتعة".

وفضائح إبستين تعد من أكبر القضايا الجنسية والسياسية في القرن الـ21، إذ تسببت بضرر واسع طاول شخصيات في مجالات المال والسياسة والإعلام حول العالم.

فتاة أميركية عادية تسقط أميراً بريطانياً

كان آخر ضحاياها سليل "جدة أوروبا" الملكة فيكتوريا التي عرفت بالتقاليد المحافظة والحياة الصارمة.

وهي الملكة التي كانت رمزاً لقوة الإمبراطورية البريطانية وخلال عهدها توسعت الملكية لتصبح الأكبر في التاريخ، وبات ينحدر من سلالتها ملوك بريطانيا والدنمارك والنرويج والسويد وإسبانيا وألمانيا وروسيا سابقاً.

لكن جزيرة إبستين وقصره أبيا إلا أن يكونا وصمة عار على العائلة الضاربة في جذور الأبهة والمكانة وهي التي سارعت إلى اتخاذ تدابير وإجراءات تحفظ ما بقي من سمعتها تجاه الأمير الذي جرد من ألقابه وطرد من قصره.

 

واتهم أندرو بإقامة علاقة مع قاصر كانت ضمن شبكة إبستين، وانتهت القضية بتسوية وأفادت تقارير بريطانية وأميركية من "بي بي سي" و"تلغراف" بأنها بلغت 12 مليون جنيه استرليني (نحو 16 مليون دولار).

وتتعلق المزاعم الموجهة للأمير أندرو، دوق يورك، بالاعتداء الجنسي على قاصر، ضمن شهادة قدمتها فيرجينيا جوفري (المعروفة سابقاً باسم فيرجينيا روبرتس).

ووفقاً لادعاءاتها، فإن الاعتداءات المزعومة حدثت في ثلاثة مواعيد مختلفة عام 2001، عندما كانت تبلغ من العمر 17 سنة.

وعبر بيان لـ"بي بي سي"، تلى تجريد الأمير البالغ من العمر 61 سنة من ألقابه، قالت عائلة جيوفري "اليوم، أسقطت فتاة أميركية عادية من عائلة أميركية عادية أميراً بريطانياً بحقيقتها وشجاعتها غير العادية".

ولم يكن أندرو وحده من تلطخت به وصمة إبستين، فهناك عدد آخر من الشخصيات والرؤساء.

كيلنتون وبلير وباراك وترمب

من أبرزهم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون الذي لم يبرأ من جرح فضيحته الكبرى مع مونيكا لوينسكي، حين انكشف أمر علاقته غير المشروعة مع متدربة البيت الأبيض عام 1998.

وورد أخيراً اسمه ضمن سجلات رحلات إبستين الخاصة، وعلى رغم نفيه أية علاقة بالممارسات غير القانونية، فإن الارتباط بإبستين وحده يعد محل شبهة ووصمة عار.

ولم يسلم الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب من الفضائح، إذ ورد اسمه أيضاً وتداولت الصحف والقنوات صوراً خاصة تجمعه خلال تسعينيات القرن الماضي بإبستين، لكنه لم يخضع لأية ملاحقة قضائية.

 

وظهر اسم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود باراك في وثائق إبستين لزياراته إلى منازله وارتباطه باستثمارات معه، لكنه نفى التهم ولم يحقق معه رسمياً.

وشملت الدائرة أيضاً شخصيات مالية، أبرزهم مالك مجموعة "فيكتوريا سيكرت" ليزلي واكسنر، ومؤسس "مايكروسوفت" بيل غيتس الذي اعترف بلقاء إبستين بعد خروجه من السجن لأغراض خيرية، وعبّر لاحقاً عن ندمه على تلك اللقاءات.

وإبتسين اعتقل أول مرة عام 2008 بتهم استغلال قاصرات، لكنه حصل على صفقة قانونية خففت عقوبته، وأعيد توقيفه عام 2019 بتهم الاتجار بالبشر واستغلال الفتيات القاصرات.

وأخيرا وجد ميتاً داخل زنزانته في الـ10 من أغسطس (آب) عام 2019 في حادثة وصفت رسمياً بأنها انتحار، لكنها لا تزال محل جدل وشك.

وعلى غرار ما قاله العرب، "الأيام حبلى، وما يدريك ما تلد"، نقول إن الخيمة والقصر حبليان وما يدريك من الضحية التالية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات