Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حزن نازحات الفاشر "أثقل" من دون أطفالهن

فقدن أثرهم في رحلة الفرار وتقارير تشير إلى حالات اختطاف وقتل وتشويه وعنف جنسي

لا حصر للعدد الحقيقي للأطفال المفقودين في وقت تتصاعد موجات النزوح بصورة يومية (أ ف ب)

ملخص

تقول مريم "في طريق النزوح نحو طويلة كانت النساء اللاتي فقدن أطفالهن في حال عويل متواصل، يتجرعن مرارة فقدان أبنائهن أحياء، ووسط أوجاعهن قرب منطقة قرني كان عناصر ’الدعم السريع‘ مدججين بالسلاح، أوقفونا وقاموا بتفتيشنا ونهبوا كل ما في حوزتنا، هذا الأمر شغل العائلات عن أطفالها".

أمام خيمة بالية تجلس مريم حماد في العراء، تجهش ببكاء هستيري بعد أن وصلت إلى منطقة طويلة آتية من مدينة الفاشر المنكوبة، وعلى رغم نجاتها من مجازر "الدعم السريع" الوحشية عقب سيطرتها على المدينة، فإنها لم تهنأ بالفرار بعد فقدها أصغر أبنائها الذي لا تعرف مصيره إن كان ميتاً أو لا يزال حياً.

تقول مريم "قررنا الهرب من الفاشر عقب تصعيد قوات ’الدعم السريع‘ هجماتها على المدينة، إذ كانت النيران والدخان الكثيفين يملآن المكان، والذخائر والقذائف المتواصلة تنهال علينا من كل صوب، وتحت هذه الظروف المرعبة فقدت طفلي الصغير، على رغم حرصي الشديد على ألا أفقد أحد أبنائي وسط تدفق جموع النازحين، واضطررنا إلى مواصلة السير نحو طريق منطقة طويلة التي باتت مقصداً لجموع الفارين من الفاشر، ومنذ تلك اللحظات يعتصرني الألم على فراقه".

وأضافت أن "ما حدث لي واقع تعيشه مئات الأسر التي فقدت أطفالاً خلال النزوح من الفاشر إلى طويلة بعد أن عشنا حالاً من الرعب عقب اجتياح المدينة الذي تسبب في مآسٍ إنسانية غير مسبوقة في التاريخ نظراً إلى وحشيتها".

 

وتابعت "في طريق النزوح نحو طويلة كانت النساء اللاتي فقدن أطفالهن في حال عويل متواصل، يتجرعن مرارة فقدان أبنائهن أحياء، ووسط أوجاعهن قرب منطقة قرني كان عناصر ’الدعم السريع‘ مدججين بالسلاح، أوقفونا وقاموا بتفتيشنا ونهبوا كل ما في حوزتنا، هذا الأمر شغل العائلات عن أطفالها".

وأردفت مريم أن "كل همي الآن معرفة مكان طفلي، فموته أمام عيني أهون عليّ من ضياعه بلا أثر".

حزن مضاعف

الناجية كلثوم محمد التي وصلت إلى طويلة آتية من الفاشر وهي تغالب دموعها، تقول "أحزاننا أصبحت مضاعفة، إذ قتل كل أفراد أسرتي المكونة من ثمانية أشخاص داخل الفاشر، من بينهم أبي وأمي وإخوتي وزوجي، ونجوت وطفلي الوحيد بمعجزة من الموت مع زوجة أخي وأطفالها، وبينما السكان بين كر وفر للنجاة فقدت ولدي الوحيد الذي رزقت به بعد أعوام طويلة، إذ كان أمامي أراقبه ولم أحول نظري عنه، لكن على نحو مفاجئ اختفى وفقدته وسط الزحام".

وواصلت كلثوم "في هذه اللحظات الصعبة لا يمكن للنازحين سوى مواساة بعضهم بعضاً، فهناك من قال لي إن ابنك المفقود سيصل مع أفواج النازحين الذين هم في الطريق إلى طويلة، وآخرون ذكروا لي أن من المحتمل أن يكون عالقاً في المنطقة حيث فقدته، لكن الخوف والرعب يسيطران عليّ من احتمال وفاته بسبب العطش والجوع".

 

وأوضحت "في محاولة يائسة عقب وصولي إلى طويلة حاولت التواصل مع معارفي الذين لم يستطيعوا الخروج من الفاشر لمعرفة إذا ما رجع أو لا، ولكنني لم أنجح مع يقيني بصعوبة الوصول إلى التائهين، إذ لا توجد وسيلة للتواصل".

أطفال بلا حماية

وبحسب مصادر ميدانية، فإن هناك 450 طفلاً وصلوا إلى طويلة بعد أحداث الفاشر، لكنهم فقدوا أسرهم، بينما وصل 930 طفلاً في وقت سابق من دون عائلاتهم.

من جهتها حذرت المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) كاثرين راسل من أن ما يقارب 130 ألف طفل في مدينة الفاشر يواجهون تهديدات جسيمة وانتهاكات مروعة لحقوقهم وسط تصاعد العنف في عاصمة شمال دارفور، وقالت إن "التقارير تشير إلى حالات اختطاف وقتل وتشويه وعنف جنسي، فلا يوجد طفل في مأمن هناك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وجددت "يونيسيف" دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين بصورة آمنة ومن دون عوائق، فضلاً عن حماية المدنيين، ولا سيما الأطفال، إضافة إلى توفير ممرات آمنة للعائلات الفارة من مناطق القتال وفقاً لما يفرضه القانون الدولي الإنساني، وشددت على ضرورة محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.

بدورها دعت منظمة الهجرة الدولية إلى حماية المدنيين والسماح بوصول الإغاثة، مشيرة إلى أن أكثر من 26 ألف شخص فروا من الفاشر خلال يومين فقط من سقوطها، وفق بيانات مصفوفة تتبع النزوح التابعة لها.

وأعلنت المنظمة عن قلقها البالغ إزاء الانتهاكات الخطرة للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك الهجمات العشوائية واستهداف المدنيين والبنية التحتية والعنف القائم على النوع الاجتماعي والاعتداءات ذات الطابع العرقي ضد النازحين.

أصل المأساة

من جانبه أوضح المتحدث الرسمي باسم منسقية النازحين واللاجئين آدم رجال أن "ما يجري في مدينة الفاشر لا يمكن وصفه إلا بأنه أمر مروع وخطر للغاية، إذ ينبغي أن تتحمل مسؤوليته كل الأطراف المقاتلة، بما فيها الجيش الذي انسحب وترك المواطنين بلا أمان، وكذلك قوات ’الدعم السريع‘ التي ارتكب أفرادها جرائم ضد الإنسانية".

وأردف أن "هناك أعداداً كبيرة من النازحين وصلوا إلى منطقة طويلة، ويعيشون أوضاعاً بالغة التعقيد، إذ إن كثيراً من الأسر فقدت أطفالها أثناء الخروج من الفاشر"، لافتاً إلى أنهم لم يتمكنوا من حصر العدد الحقيقي للأطفال المفقودين، في وقت تتصاعد موجات نزوح جديدة بصورة يومية لأن الأزمة أكبر من طاقة الجميع بوصفها كارثة إنسانية غير مسبوقة.

وقال رجال "نطالب المنظمات الإنسانية بالتحرك العاجل لإغاثة الأطفال في معسكرات الإيواء، فهم في حاجة ماسة إلى الغذاء والماء والرعاية الصحية، ومعظمهم مصابون بالرصاص، والوضع مأسوي بكل المقاييس، ولا بد للمجتمع الدولي ومجلس الأمن من ممارسة ضغط حقيقي على طرفي الصراع لإيقاف الحرب، إذ إنهما أصل المأساة ومصدر الانتهاكات".

جراح مفتوحة

في السياق قالت مسؤولة مكتب المرأة والطفل في الإدارة المدنية التابعة لحركة "جيش تحرير السودان" بقيادة عبدالواحد محمد نور في منطقة قولو، خديجة دايا "جرى حصر الأطفال المنفصلين عن أسرهم، والبالغ عددهم نحو 126 طفلاً تراوح أعمارهم ما بين ثلاث و17 سنة".

وأضافت أن "البيانات أظهرت أن الفئات العمرية بين الـ10 والـ15 تمثل نحو 55 في المئة من العدد الكلي، في حين تبلغ نسبة الأطفال دون الـ10 نحو 30 في المئة، أما الفئة من الـ16 إلى الـ17 سنة فتشكل قرابة 15 في المئة".

 

وأردفت أن "التوزيع الجغرافي للحالات يتركز في ولايات دارفور الكبرى ومدينة العاشر من رمضان، ولا سيما أن العدد الأكبر سجل من مدينة الفاشر ومحيط سوق الخضار، تلتهما مدينة العاشر من رمضان التي استقبلت عدداً من الأطفال داخل المراكز الاجتماعية، إضافة إلى تسجيل حالات أخرى في نيالا وطويلة وكتم وكبكابية والخرطوم، وثمة عدد آخر في المعسكرات أبرزها زمزم ووادي صالح".

وأشارت دايا إلى أن "غالبية الأطفال فقدوا ذويهم أو انفصلوا عن أسرهم بسبب القصف والنزوح أو التهجير القسري للعائلات، وبعضهم يعيش حالياً في الأسواق أو قرب المدارس ومراكز الخدمات من دون حماية أو رعاية أسرية مباشرة".

ونوهت إلى أن "هذه الأرقام تكشف عن حجم الأزمة الإنسانية واتساع دائرة الخطر الذي يهدد الطفولة في السودان"، مشددة على ضرورة تدخل إنساني منسق وعاجل يركز على تتبع الأسر ولم الشمل، وتوفير مراكز إيواء آمنة تقدم الرعاية الصحية والنفسية والتعليمية لهؤلاء الأطفال، فضلاً عن توثيق الحالات ومتابعتها ضمن برنامج الحماية الوطنية والدولية.

وختمت دايا حديثها بالتحذير من أن استمرار الحرب سيزيد الفجوة الإنسانية، مؤكدة أن كل يوم يمر من دون تحرك فاعل يعني مزيداً من الأطفال بلا أسر، ومزيداً من الجراح المفتوحة في جسد المجتمع السوداني.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات