ملخص
يتكشّف جيل جديد من الفتيان البريطانيين وهو غارق في ارتباك الهوية والثقة، إذ يرى ثلثهم أن حقوق النساء غير مهمة، ويجد نصفهم تقريباً العالم الافتراضي أكثر إرضاء من الواقع. استطلاع جديد يسلط الضوء على أزمة عميقة في التوجيه والقدوة، مع ازدياد انجذاب المراهقين إلى مؤثرين معادين للنساء، وشعور متنامٍ بالوحدة وسوء الفهم في مواجهة تحولات الذكورة الحديثة.
كشف استطلاع جديد وصادم عن أن ثلث الفتيان يرون أن حقوق النساء ليست ذات أهمية.
وأظهر البحث، المقرر عرضه أمام البرلمان البريطاني يوم الخميس، أن نحو ثلث المشاركين (32 في المئة) قد يفكرون في إقامة صداقة مع ذكاء اصطناعي، فيما قال أكثر من نصفهم (53 في المئة) إنهم يجدون العالم الافتراضي أكثر إرضاء من الواقع.
وتبيّن أن عدداً متزايداً من الفتيان يلجأون إلى روبوتات الدردشة طلباً للدعم العاطفي وتكوين الصداقات والعلاقات العاطفية. وقال أحدهم: "لدي أصدقاء وصديقات من الذكاء الاصطناعي، فهم موجودون دائماً عندما أشعر بالملل"، فيما أضاف آخر: "أتحدث إلى تطبيق ذكاء اصطناعي وهو ما يجعلني أشعر بأنني لست وحيداً".
وبحسب الاستطلاع، اختلفت آراء الفتيان الذين تراوح أعمارهم ما بين 11 و15 سنة بين من لا يثقون بأي محتوى على الإنترنت لأنهم يرونه "زائفاً تماماً"، ومن يرون أن بعض الأصوات المعادية للنساء تمثل جزءاً من "النظام الجديد" لأن ما تقوله يتحقق في نهاية المطاف. كما أبدى 82 في المئة منهم عدم ثقتهم بالسياسيين البريطانيين.
وأشار عدد من الفتيان إلى شعورهم بأن الفتيات يحتفى بهن أكثر من الفتيان، وإلى أن الخطاب النسوي كثيراً ما يؤدي إلى تحميل الفتيان اللوم، فيما يعتقد 54 في المئة منهم بأن الفتيان يواجهون اليوم حياة أصعب من الفتيات.
وقال لي تشامبرز، المؤسس والرئيس التنفيذي لمنظمة "حلفاء الذكور في المملكة المتحدة" Male Allies UK التي أعدت التقرير، إن النتائج تظهر أن "غياب الإرشاد والمصادر الموثوقة للمعلومات يجعل كثيراً من الفتيان عاجزين عن فهم الكيفية التي ينبغي أن يتعاملوا بها مع الآراء التي يطالعونها يومياً، مما يؤدي إلى انقسام في المواقف حول قضايا أساسية".
وفي تعليقه على انعدام الثقة الواسع بالسياسيين، حذر تشامبرز قائلاً: "علينا أن نتعامل مع انعدام الثقة هذا بجدية، لأنه سيؤثر في طريقة تفكير هؤلاء الفتيان ومواقفهم عندما يبلغون سن الرشد".
وجرى تنفيذ الاستطلاع خلال العام الدراسي الماضي، وشمل 1032 فتى من 37 مدرسة بريطانية، في وقت تتصاعد النقاشات حول مفاهيم مثل الذكورية السامة و"عالم الرجال" manosphere، خصوصاً بعد عرض مسلسل "نتفليكس" الشهير "المراهقة" Adolescence، ومع ازدياد تأثير الشخصيات المعادية للنساء مثل أندرو تايت.
ويمثل "عالم الرجال" شبكة من المجتمعات الإلكترونية التي تنتج وتستهلك وتنشر محتوى موجهاً للرجال والفتيان، يقوم في معظمه على خطاب مناهض للنسوية.
ويروّج لهذا المحتوى عدد من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، أبرزهم أندرو تايت الذي ذاع صيته عام 2022. ويخضع تايت وشقيقه تريستان حالياً لتحقيقات في رومانيا بتهم الاغتصاب والاتجار بالبشر وغسل الأموال، كما يواجهان في المملكة المتحدة تحقيقات منفصلة تتعلق بتهمتي الاغتصاب والاتجار بالبشر.
وخلال الأعوام الأخيرة، وثقت حوادث عنف عدة مرتبطة بمحتوى "عالم الرجال"، إذ تروج تلك المجتمعات لأفكار تحض على العنف وتنشر أفكاراً مسيئة عن النساء والفتيات.
ويلحق هذا النوع من المحتوى الأذى أيضاً بالرجال والفتيان الصغار، إذ يستغل هشاشتهم ومشاعر انعدام الأمان لديهم لتغذية تصورات غير واقعية وتوجهات متطرفة، مما يؤدي إلى تدني احترام الذات واضطرابات نفسية، وفي بعض الحالات إلى الانتحار.
ويبرز تقرير "الفتيان في المدارس" الجديد هذه الظاهرة بوضوح، إذ يكشف عن مخاوف الفتيان من ضغوط النمو في عالم حديث سريع الإيقاع، ويظهر مدى هشاشتهم أمام الوحدة وسوء التوجيه أثناء محاولاتهم الموازنة بين الحياة الواقعية وتأثيرات الفضاء الرقمي. وأفاد 64 في المئة من المشاركين بأن المدارس يمكن أن تبذل جهداً أكبر في إعدادهم لهذه التحديات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما أظهر التقرير تبايناً واضحاً في مواقف الفتيان تجاه النسوية والذكورة، مما يعكس غياب النقاش الكافي حول هذين المفهومين في المدارس والمنازل. فبينما رأى 32 في المئة أن حقوق النساء ليست مهمة جداً، اعتبر معظمهم أنها مهمة (45 في المئة) أو مهمة جداً (23 في المئة) في عالم اليوم.
وأشار واحد من كل خمسة فتيان إلى أنه قام خلال الشهر الماضي بمبادرة دعم للنساء أو لتعزيز المساواة بين الجنسين، معبراً عن فخره بذلك، لكنه أوضح أن مثل هذه الخطوات تتطلب شجاعة، وأنه قد يكون من الصعب أحياناً مواجهة الأصدقاء أو تصحيح سلوكهم.
وقال 79 في المئة من الفتيان إن مفهوم الذكورة ما زال غامضاً وغير محدد بالنسبة إليهم. وعبّر أحدهم قائلاً: "الناس دائماً يتحدثون عما لا يجب أن تكون عليه الذكورة، لا عما تعنيه فعلاً"، وأضاف آخر: "يصفونها دوماً بالسمّية، هذا كل ما أسمعه عنها".
وذكر تشامبرز: "نسمع كثيراً في وسائل الإعلام عن ’الذكورة السامة’ وعن غياب القدوة الإيجابية للفتيان، لكن المسؤولية تقع علينا نحن لتغيير هذا الواقع".
وأضاف: "غالباً ما تكون هناك نزعة لترك الفتيان يتدبرون أمورهم بأنفسهم، لكن هذا التقرير يظهر أن كثراً منهم يشعرون بالإحباط بسبب غياب التوجيه، وبأنهم لا يُفهمون كما ينبغي".
وختم بالقول: "علينا أن نبدأ بإيلاء مزيد من الاهتمام وتقديم دعم يتناسب مع حاجات الفتيان، والتوقف عن التعامل مع قضاياهم بالأسلوب نفسه الذي كنا نتبعه قبل 10 أو 20 عاماً. فالإصغاء إلى أصوات فتيان اليوم، جيل المستقبل، بات أكثر أهمية من أي وقت مضى".
© The Independent