Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تأثير إلغاء فرنسا اتفاق 1968 في الجالية الجزائرية

عدد المولودين في الجزائر والمقيمين فيها بلغ عام 2023 ما يقارب 890 ألفاً و600 شخص ويغادرها مهاجر جزائري واحد مقابل كل ثلاثة يصلون

الجزائر قد تجمد أو تلغي اتفاقات مع باريس، بخاصة اتفاق حماية الاستثمارات والمصالح الفرنسية لعام 1994 (أ ف ب)

ملخص

أدخلت تعديلات على الاتفاق خلال أعوام 1985 و1994 و2001، وكلها قلصت من عدد المزايا التي كان يتمتع بها الجزائريون.

هذا الاتفاق في الأصل جاء تعديلاً لـ"اتفاقات إيفيان" التي أقرت حرية الحركة للجزائريين، لكن بطلب من فرنسا وقع اتفاق 1968 الذي قام بالحد من حرية الحركة مقابل بعض الامتيازات للجزائريين.

لا يزال تصويت الجمعية الوطنية، البرلمان الفرنسي، على مشروع قانون يدين اتفاق الهجرة الموقع عام 1968 بين فرنسا والجزائر، يطرح استفهامات ويثير تساؤلات حول مصير الجالية الجزائرية وإمكان إلغائها بصورة أحادية ومستقبل العلاقات الثنائية.

بين الانتقام وإلهاء الرأي العام

وفتح تمرير المشروع أبواب التأويل على مصراعيها وكشف عن توتر لم يهدأ بين باريس والجزائر، على رغم الصمت الذي لازم العاصمتين خلال الأسابيع الأخيرة. وفي حين كانت فرنسا مشغولة بوضعها الداخلي الذي عرف تحركات سياسية ونقابية وشعبية، بداية مع دعوات إلى استقالة الرئيس وإسقاط حكومات، ثم تحرك النقابات احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية وختاماً بأعمال عنف طاولت غالبية المدن الفرنسية تنديداً بتدهور المعيشة جراء غلاء الأسعار وانخفاض الدعم الحكومي، اهتمت الجزائر بالتطورات الخارجية انطلاقاً من الأوضاع في غزة ولبنان والصحراء الغربية إلى "الصدام" مع باماكو والتهدئة مع إسبانيا.

وتصنف الخطوة في خانة "الانتقام" بسبب أن الاتفاق يعد من أبرز الملفات التي يهاجمها حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي تقوده مارين لوبن التي طالبت خلال مناسبات عدة وخطابات بضرورة إبطالها. وعلى رغم أن التصويت لا يحمل قوة قانونية، فإن المعارضة بما فيها اليسار لم تتمكن من حشد عدد كافٍ من الأصوات لإفشاله، مما يؤكد توسع دائرة الناقمين على الجزائر.

ولكن هناك من عدّها محاولة لتوجيه الرأي العام الفرنسي من خلال وضع الجزائر في قلب الصراع الفرنسي- الفرنسي، أي قضية داخلية، ولا سيما أن قرار الجمعية الوطنية غير ملزم، والاتفاق بات فارغاً من محتواه جراء التعديلات التي طرأت عليه، ويبدو أن توقيعه الذي جاء من أجل تنظيم الهجرة تحول إلى عقدة مستعصية بين البلدين، بعد أن أصبح تنظيم الهجرة مطلب أطراف فرنسية عدة.

أكبر جالية

وتتصدر الجزائر قائمة جنسية المهاجرين في فرنسا، وإذ تغيب الأرقام الحقيقية حول أعداد الجالية إلا أن الرقم المتفق حوله ينحصر بين 3.5 و5 ملايين جزائري مقيم بين قانوني وغير شرعي. ولعل الإحصاءات الأخيرة التي جاء بها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية الفرنسي كفيلة بالكشف عن حجم الوجود الجزائري في فرنسا، حيث أوضح أن عدد الجزائريين المولودين في الجزائر والمقيمين في فرنسا بلغ خلال عام 2023 ما يقارب 890 ألفاً و600 شخص، مما جعلها تحتل المرتبة الأولى بين الجاليات الأجنبية في فرنسا من ناحية عدد المولودين خارج التراب الفرنسي، متقدمة على الجاليتين المغربية والتونسية.

وأضاف التقرير أن هذا الرقم لا يشمل إلا الجزائريين المولودين في الجزائر، سواء كانوا يحملون الجنسية الفرنسية أو لا، مما يعني أنه لا يأخذ في الاعتبار أبناء وأحفاد المهاجرين الجزائريين المولودين في فرنسا، كما لا يشمل حاملي الجنسية المزدوجة أو أولئك الذين جرى تجنيسهم خلال العقود الماضية، مشيراً إلى أن معدل البقاء بات مرتفعاً، إذ يغادر فرنسا مهاجر جزائري واحد فقط مقابل كل ثلاثة يصلون، مما يعني تراكماً ديموغرافياً متصاعداً على مدى الأعوام الأخيرة.

الرد يكون شاملاً؟

وفي السياق، يرى أستاذ العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى أن الدعوة إلى إلغاء اتفاق 1968 هي نتيجة مسار ممنهج وممتد لأكثر من عامين بهدف الضغط على الحكومة الجزائرية ومساومتها حول مصالح ثقافية واقتصادية، وأمام رفض الجزائر لهذا الأسلوب لجأ اليمين واليمين المتطرف إلى التصعيد، موضحاً أن هذا الاتفاق في الأصل جاء تعديلاً لـ"اتفاقات إيفيان" التي أقرت حرية الحركة للجزائريين، لكن بطلب من فرنسا وقع اتفاق 1968 الذي قام بالحد من حرية الحركة مقابل بعض الامتيازات للجزائريين.

ويتابع أن اتفاق الهجرة جرى إفراغه من محتواه منذ فرض التأشيرة على الجزائريين، وقد أكدت الجزائر أن إلغاءها لن يؤثر في الجزائريين مسافرين كانوا أو جالية، مبرزاً أن ما يغضب الجزائر هو الإجراء الأحادي المخالف للأعراف ولبنود الاتفاق. وقال إن الجزائر هددت بأن الرد سيكون شاملاً، أي إنها قد تجمد أو تلغي اتفاقات مع فرنسا، بخاصة اتفاق حماية الاستثمارات والمصالح الفرنسية لعام 1994، وكذا الاتفاق البحري، وأردف أن الجزائر لا تنظر إلى الإجراء الفرنسي من ناحية النتائج، وإنما من ناحية المبدأ والقرار السيادي للدولة الجزائرية غير القابل للمساومة أو الابتزاز.

لا تأثير

من جانبها ترى أستاذة العلاقات الدبلوماسية والقنصلية الحقوقية الدولية سامية هميسي أن "تخبط فرنسا في أزمات داخلية سياسية واقتصادية واجتماعية أرغمها على فتح مواضيع أخرى تلهي بها الرأي العام الفرنسي، ففي وقت تتجه البوصلة نحو المصادقة على موازنة 2026 وما عليها من انتقادات، راح البرلمان الفرنسي، بتأثير من اليمين المتطرف، يفتح موضوع اتفاق الهجرة مع الجزائر"، وأوضحت أن "الامتيازات التي منحت للمهاجرين الجزائريين أفرغت حقيقة من محتواها بعد جملة من القرارات التعسفية"، مردفة أن "خطوة دراسة الاتفاق من جديد وطرحها، تعبير رمزي عن نية فرنسا في خلق توتر جديد ضمن العلاقات الثنائية".

وتواصل هميسي أن "الجزائر ليست حبيسة علاقاتها مع فرنسا ولن تكون بأية حال من الأحوال رهينة علاقات أحادية القطب"، مشيرة إلى أن الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا لا تحتاج إلى مجمل الامتيازات التي تتحدث عنها فرنسا، أما عن المقيمين غير الشرعيين فإن الجزائر قد وضعت شروطاً واعتبارات ترحيل خاصة من بينها التصريحان القنصلي والدبلوماسي، وفي ما يتعلق بالعمال الجزائريين، فإلغاء الاتفاق لا يؤثر فيهم لأنهم يزاولون نشاطاتهم بصفة قانونية وبحقوق متوازية مع المواطنين الأصليين.

المضمون والسياق التاريخي والمزايا

وبالعودة لما شهدته هذه الوثيقة من شد وجذب داخل فرنسا ومع الجزائر، كان لا بد من الخوض في محتواها وسياقها التاريخي لمعرفة أهميتها لدى الطرفين، فالبداية كانت مع توقيع البلدين على أول اتفاق لتنظيم هجرة العمال الجزائريين عام 1964 بعد ارتفاع عدد الجزائريين الذين كانوا يريدون السفر إلى فرنسا بحثاً عن العمل، منذ الإعلان عن الاستقلال في 1962، ثم ألغي الاتفاق بعد عامين من دخوله حيز التطبيق، ليجري التوقيع على اتفاق جديد ينظم حركة الهجرة والتبادلات التجارية بين البلدين في الـ27 من ديسمبر (كانون الأول) عام 1968، المعروف بـ"اتفاق 1968".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويصنف هذا الاتفاق على أنه تكملة لاتفاقات "إيفيان" التي وقعتها الجزائر وفرنسا في الـ19 من مارس (آذار) 1962 لإنهاء حرب التحرير الجزائرية التي استمرت سبعة أعوام من عام 1954 حتى عام 1962، وكان الهدف منها تنظيم حركة الهجرة بين البلدين مع تحديد دخول 35 ألف عامل جزائري سنوياً إلى فرنسا لمدة ثلاثة أعوام، نظراً إلى أن هذه الأخيرة كانت بحاجة ماسة إلى يد عاملة جزائرية لتشغيل المصانع والمناجم والعمل في قطاعات الزراعة والبناء والعمران وغيرها.

وبغية الحفاظ على هذه العمالة التي حققت من ورائها نهضة كبرى، سارعت فرنسا إلى منح بعض مزايا للجزائريين مثل تسهيل تقديم تصاريح الإقامة واستقدام العمال لعائلاتهم للعيش في المهجر من دون عقبات إدارية، إضافة إلى تسهيل الدخول إلى فرنسا والحصول على بطاقة إقامة وتخفيف شروط ممارسة أية وظيفة مستقلة مثل فتح محال تجارية ومطاعم وشراء الشقق والعمارات، كما جرى منح الأولوية للجزائريين في الحصول على بطاقة إقامة مدتها 10 أعوام بسرعة مقارنة بالجنسيات الأخرى، فضلاً عن سهولة لم الشمل واستفادة كل أفراد العائلة الذين يأتون من الجزائر إلى فرنسا من بطاقة إقامة مدتها 10 أعوام، وغيرها من الامتيازات.

3 تعديلات... وترحيب جزائري بالإلغاء

وبسبب تغيّر الأوضاع في البلدين وفي العالم، أدخلت تعديلات على الاتفاق خلال أعوام 1985 و1994 و2001، وكلها قلصت من عدد المزايا التي كان يتمتع بها الجزائريون، ففي 1985 قامت باريس بفرض التأشيرات على الجزائريين بينما كانوا في السابق يدخلون فرنسا من دونها، وعام 1994 فرض قانون يمنع على الجزائريين المقيمين مغادرة فرنسا لمدة تتجاوز ثلاثة أعوام وإلا سيفقدون بطاقة إقامتهم، أما في 2001 فجرى التقريب بين القانون العام المفروض على جميع الأجانب في ما يتعلق بالحقوق والواجبات والقانون الخاص الذي كان يقنن الهجرة الجزائرية، فجرى تقويض غالبية المزايا التي كان يستفيد منها الجزائريون وتشديد إجراءات الحصول على التأشيرة.

وتأخذ الجزائر على محمل الجد إلغاء هذه الوثيقة، إذ صرّح الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بأن اتفاق 1968 أصبح "قوقعة فارغة"، لذا "الجزائر مستعدة للنظر مجدداً في هذا الاتفاق بشرط أن يضمن حقوق الجزائريين".

فسخ الاتفاق بصورة أحادية ممكن... ولكن

وقالت المحامية المتخصصة في قانون الأجانب ليندة تاغبيت إنه يمكن لفرنسا أن تفسخ الاتفاق بصورة أحادية، لكن ذلك سيعقد العلاقة بينها والجزائر، متوقعة أن تفتح باريس مفاوضات مع الجزائر لإيجاد حل بدلاً من قطيعة مفاجأة وقاسية، وأوضحت أن فرنسا تريد إلغاء اتفاق 1968 لأنها ترى أنه مر عليه الزمن وأصبح يخلق نوعاً من عدم المساواة بين الجزائريين وباقي الأجانب في فرنسا.

وأشارت تاغبيت إلى أن اتفاق 1968 يعود بالمنفعة على الجزائريين، إذ يخضعون لنظام خاص في ما يتعلق بالهجرة، ويمنح لهم تسهيلات عدة، مبرزة أنه في الواقع المحافظات الفرنسية صعبت كثيراً شروط الإقامة بالنسبة إلى الجزائريين خلال الأعوام الأخيرة، كما أصبح من الصعب جداً الحصول على تأشيرة سفر أو على أوراق الإقامة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات