ملخص
تنتج أوكرانيا حالياً قذائف مدفعية أكثر من جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي البالغ عددها 32 دولة وأوروبا مجتمعة، ومنذ عام 2022، زاد الإنتاج المحلي لناقلات الجنود المدرعة بنسبة 400 في المئة والمدفعية بنسبة 200 في المئة والذخيرة بنسبة 150 في المئة والأسلحة المضادة للدبابات بنسبة 100 في المئة.
حوّل الهجوم الشامل الذي أطلقته روسيا في عام 2022 أوكرانيا لدولة تمتلك القطاع الدفاعي الأكثر ابتكاراً في العالم. ومنذ ذلك العام شهد قطاع الدفاع الأوكراني نمواً بنسبة 350 في المئة، مع طفرة ملحوظة بين عامي 2023 و2024، حيث زادت الاستثمارات بنسبة 900 في المئة.
لكن كيف استطاعت أوكرانيا أن تحتل صدارة العالم في الابتكار الدفاعي؟ وما التطورات التكنولوجية والعسكرية والأمنية التي جعلتها في هذه المرتبة؟
إنتاج الطائرات المسيرة والابتكار التكنولوجي
تعد أوكرانيا أكبر منتج للطائرات من دون طيار التكتيكية وبعيدة المدى في العالم، ويتوقع الخبراء أنها ستصبح بعد انتهاء الحرب "عاصمة الطائرات من دون طيار في العالم". ومن المتوقع أن يشهد قطاع الدفاع الأوكراني في الفترة بين 2025 و2026 توسعاً سريعاً أكبر، ينتقل فيه من نظام "طائرة من دون طيار واحدة لكل مشغل" إلى أسراب من الطائرات من دون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.
وتدعم منصة "برايف 1" التابعة للحكومة الأوكرانية 1500 شركة تقنية بمنح تبلغ قيمتها 30 مليون دولار، وتشمل هذه الشركات 140 شركة مصنعة للحرب الإلكترونية، ثلاث منها مطابقة لمعايير حلف شمال الأطلسي (الناتو)، إضافة إلى شركات تصنيع مركبات أرضية غير مأهولة، 40 منها مصممة وفقاً لمعايير "الناتو".
وقد نظمت هذه المنصة قمة "وادي التكنولوجيا الدفاعية" في مدينة لفيف في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي أكبر قمة استثمارية في تكنولوجيا الدفاع في العالم عقدت بحضور خمسة آلاف مشارك.
هيمنة الإنتاج والتنظيم الصناعي
تنتج أوكرانيا حالياً قذائف مدفعية أكثر من جميع الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي البالغ عددها 32 دولة وأوروبا مجتمعة، ومنذ عام 2022، زاد الإنتاج المحلي لناقلات الجنود المدرعة بنسبة 400 في المئة والمدفعية بنسبة 200 في المئة والذخيرة بنسبة 150 في المئة والأسلحة المضادة للدبابات بنسبة 100 في المئة.
ولنأخذ مدافع الهاوتزر كمثال، فبفضل قدرتها الإنتاجية الضخمة تسلم شركات الدفاع الأوكرانية هذه المدافع في غضون 60 يوماً مقابل 2.5 مليون دولار مقارنةً بالانتظار لفترة طويلة وكلفة 4.3 مليون دولار في المصانع العسكرية الغربية.
وتتكون غالبية قطاع الدفاع الأوكراني من شركات خاصة توفر الاستقلالية والمرونة وقدرة أكبر على الابتكار، مما يجعلها جذابة للمستثمرين والشركات وشركاء الابتكار. كما أن للبيروقراطية في هذه العملية تأثيراً محدوداً، وتختبر المعدات العسكرية الأوكرانية كنماذج أولية وتصنّع خصيصاً لساحة المعركة، وبالتالي تقوم القوات المسلحة الأوكرانية وليس البيروقراطيين أو الجنرالات بتقديم الطلبات في شأنها.
وتبتكر أوكرانيا بصورة أسرع وتعمل من دون تدخل حكومي. وبصفتها شركات خاصة، يمكنها تطوير معدات عسكرية جديدة بسرعة وبصورة مستقلة عن الحكومة، مما يستجيب للديناميكيات المتغيرة بسرعة في ساحة المعركة، وهكذا استغرقت شركة "ماكسون سيستمز" الأوكرانية سبعة أشهر فحسب لإطلاق شركتها الناشئة وبناء نظام اعتراض للطائرات من دون طيار يستخدم في ساحة المعركة بكلفة ضئيلة بلغت 3500 دولار.
وتتوقع أوكرانيا هذا العام تحقيق ما بين 10 و30 مليار دولار من مبيعات الأسلحة في الخارج، وأن تنتج 4.5 مليون طائرة من دون طيار، وتشدد أن لديها القدرة على زيادة الإنتاج إلى 10 ملايين طائرة من دون طيار سنوياً.
الشراكات الدولية والتكامل الأوروبي
مع توسع صناعة الدفاع المحلية في أوكرانيا، تتزايد شراكاتها مع الدول الأجنبية. وعلى سبيل المثال، تنتج شركة "ساين إنجينيرينغ" الأوكرانية أجهزة راديو وبرامج ملاحة للطائرات من دون طيار التي يستخدمها الجيش الأوكراني، وتصدّر منتجاتها إلى الولايات المتحدة وأوروبا. وقد أنشأت شركة "بايكار" التركية مصنعاً في أوكرانيا لتصنيع طائرات "بيرقدار" من دون طيار. كما تنتج الشركة التركية ذاتها طائرة "كيزيلما" من دون طيار، التي تستخدم محركاً نفاثاً أوكرانياً من إنتاج شركة "إيفشينكو-بروغريس"، قادراً على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت ويتميز بقدرة عالية على المناورة.
وتُستخدم طائرات "بيرقدار" من دون طيار على طول ساحل البحر الأسود الأوكراني ضد الأهداف العسكرية الروسية. فيما تتعاون شركة "راكوتين" اليابانية للتكنولوجيا مع شركات الدفاع الأوكرانية، بما في ذلك "سكاي فول إندستريز" و"سوارمر" و"دورارف إنجينيرينغ" ومنصة "غريزلدا" للاستخبارات.
الاستثمار الأميركي والدعم عبر الأطلسي
تخطط الولايات المتحدة لعقد صفقة بقيمة 100 مليار دولار مع أوكرانيا مقابل حقوق ملكية لبعض التقنيات العسكرية الأوكرانية، وهي المرة الأولى التي تشتري فيها الولايات المتحدة معدات عسكرية من دولة غير عضو في "الناتو". ولدى وزارة الدفاع الأميركية عقود مع شريكين أميركيين - أوكرانيين لتصنيع طائرات من دون طيار بعيدة المدى، وهما مدرجان في قائمة الموردين المعتمدين للجيش الأميركي.
وبدأت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" في مارس (آذار) الماضي العمل مع روبوتات أوكرانية من إنتاج شركة الدفاع الأوكرانية "درون يو إي". فيما يهدف منتجو الطائرات من دون طيار الأوكرانيون إلى الاستحواذ على خمسة في المئة من سوق الزراعة الأميركية بقيمة 135 مليون دولار، مع وجود بعض الطائرات من دون طيار قيد الاستخدام بالفعل في ولاية بنسلفانيا.
دور أوكرانيا في الأمن الأوروبي
تسهم أوكرانيا في الأمن الأوروبي من خلال اختبار المعدات العسكرية في ساحة المعركة، والتي يمكن لجيوش حلف شمال الأطلسي استخدامها لاحقاً. وفي ظل حالة عدم اليقين بشأن التزام الولايات المتحدة بالتحالف عبر الأطلسي، تعد صناعة الدفاع الأوكرانية أفضل وسيلة لتحقيق الاستقلال الاستراتيجي لأوروبا.
وتعتبر الخبرة العسكرية الأوكرانية حيوية لضمان أمن أوكرانيا وأمن الدفاع الأوروبي استعداداً لمواجهة عسكرية محتملة أوسع في المستقبل مع روسيا. وقد نبه إطلاق 19 طائرة من دون طيار روسية إلى بولندا وتحليق طائرات روسية فوق المجال الجوي الإستوني الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي إلى ضرورة دمج التكنولوجيا والتدريب العسكري الأوكراني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انطلاقاً من ذلك سيفتتح قريباً مركز تدريب بولندي-أوكراني في بولندا بالاستعانة بمدربين أوكرانيين لمناقشة تطبيق صناعة الطائرات من دون طيار الأوكرانية. ويتطلع قادة الاتحاد الأوروبي إلى أوكرانيا لمساعدتهم في بناء جدار من الطائرات من دون طيار على حدود أوروبا مع روسيا، مما يزيد من الدمج بين أوكرانيا وقطاعات الدفاع الأوروبية.
كما تستثمر ألمانيا في صواريخ أوكرانيا بعيدة المدى، وهي تمول أول صاروخ فرط صوتي أوكراني اسمه "هريم-2"، الذي يحمل ضعف حمولة صواريخ "إم جي إم-140 أتاكمز" الأميركية ويستخدم لتدمير المخابئ ومراكز الدعم اللوجستي والقواعد الجوية ومستودعات الذخيرة.
وتنشط الدول الثماني في منطقة الشمال الأوروبي والبلطيق أي النرويج وأيسلندا والدنمارك والسويد وفنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا بصورة خاصة في دعم شركات الدفاع الأوكرانية. وقد أطلقت هذه الدول تحالفاً لدعم تصنيع الطائرات من دون طيار لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2024.
المسيرات المدعومة بالذكاء الاصطناعي
بحلول نهاية عام 2025، من المتوقع أن تعمل 90 في المئة على الأقل من الطائرات من دون طيار الأوكرانية بالذكاء الاصطناعي. وتتميز الطائرات من دون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي بمعدل نجاح أعلى في إصابة أهدافها مقارنةً بالطائرات من دون طيار ذات الرؤية المباشرة. بعد تحديد أهدافها، تتحول الطائرات من دون طيار المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تحلق على ارتفاعات عالية إلى وضع الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها محصنة ضد الحرب الإلكترونية.
تتمتع الطائرات من دون طيار القاذفة المدعومة بالذكاء الاصطناعي بمدى أطول بكثير يصل إلى 1600 كيلومتر وحمولة أكبر لاستهداف مستودعات الذخيرة والمقار العسكرية وورش الإصلاح والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي خلف الخطوط الروسية. وتتميز أوكرانياً حقاً بتصنيع هذا النوع من الطائرات من دون طيار ولاسيما طائرة "أي أن-196 ليوتي" الفريدة التي شكلت 80 من الهجمات الأوكرانية، وألحقت أضراراً فادحة بالروس، ودمرت 20 في المئة من مصافي النفط الروسية خلال العامين الماضيين.