ملخص
مع أن منظمات حقوقية إسرائيلية تطعن في قرار المنع لدى المحكمة العليا الإسرائيلية منذ مطلع عام 2024، لكن الحكومة الإسرائيلية تطلب من المحكمة تأجيل تلك القضية.
على رغم تعرض اللجنة الدولية للصليب الأحمر لانتقادات فلسطينية وإسرائيلية طاولت عملها، لكن دورها يبقى محورياً في الصراع بين الجانبين، وبخاصة في ما يتعلق بصفقات تبادل الأسرى، وظروف اعتقال السجناء.
منذ أسابيع تنشط اللجنة الدولية في تسهيل الإفراج عن جثث الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، بعد إشرافها على تسليم 20 رهينة إسرائيلي الشهر الماضي، مقابل إفراج إسرائيل عن 1808 أسرى فلسطينيين.
ويوجد ممثلون عن الصليب الأحمر في مواقع البحث عن جثامين الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، كما يعملون على تسلمها من "كتائب عز الدين القسام" الجناح العسكري لحركة "حماس" وتسليمها إلى الجيش الإسرائيلي.
وبطلب من الطرفين وبالتنسيق المباشرة معهما، يعمل موظفو اللجنة الدولية على "ضمان نقل آمن وكريم للرهائن والمعتقلين".
ومنذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2023، سهلت اللجنة الدولية إطلاق سراح ونقل 172 رهينة إسرائيلياً و3472 أسيراً فسطينياً في إطار اتفاقات وقف إطلاق النار.
وتعمل اللجنة الدولية على "التخفيف من تأثير النزاعات المسلحة وأعمال العنف الأخرى والاحتلال على المدنيين من خلال أنشطة الحماية وبرامج المساعدة".
ومنذ سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 تعمل اللجنة الدولية على زيارة الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، والحفاظ على الروابط العائلية من خلال "برنامج الزيارات العائلية".
انتهاك واضح
لكن جولات ممثلي اللجنة الدولية التفقدية للسجون أوقفتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، ومنعت زيارة أهالي الأسرى الفلسطينيين لأبنائهم في السجون.
وأرجعت إسرائيل خطوتها تلك إلى منع حركة "حماس" ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة.
لكن بعد إطلاق حركة "حماس" الرهائن الأحياء ومعظم جثث الأموات منهم، مدد وزير الدفاع الإسرائيلي قرار المنع لأن تلك الزيارات "قد تشكل مساساً خطراً بأمن إسرائيل".
لكن المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر بيار كراهنبول رفض القرار الإسرائيلي، مشدداً على أن زيارات اللجنة للأسرى "لا تشكل تهديداً أمنياً على إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب كراهنبول إسرائيل بالسماح باستئناف زيارات ممثلي اللجنة الدولية إلى السجون الإسرائيلية، واستئناف برنامج الزيارات العائلية.
ومع أن منظمات حقوقية إسرائيلية تطعن في قرار المنع لدى المحكمة العليا الإسرائيلية منذ مطلع عام 2024، لكن الحكومة الإسرائيلية تطلب من المحكمة تأجيل تلك القضية.
وطلبت الحكومة الإسرائيلية من المحكمة العليا منذ ذلك الوقت 27 تمديداً لتقديم ردها إلى المحكمة، وفي كل مرة يحدد فيها موعد جلسة جديدة كانت الحكومة تطلب تأجيلها مجدداً.
وتعد "الجمعية الإسرائيلية لحقوق المواطن" من أبرز المنظمات المتقدمة بذلك الطعن. وعدت أن منع اللجنة الدولية من الوصول إلى السجون الإسرائيلية يشكل
"انتهاكاً واضحاً للقانونين الإسرائيلي والدولي".
وأشارت إلى أن "تقاعس أحد أطراف النزاع عن تمكين الصليب الأحمر من الزيارات لا يعفي الطرف الآخر من التزامه القانوني في هذا الشأن، وفق القانون الدولي".
واتهم المستشار القانوني للجمعية عوديد فلر إسرائيل بتحويل "مراكز الاعتقال والسجون إلى جحيم حقيقي، في ظل شهادات مروعة عن ممارسات وحشية شملت التعذيب والضرب والاعتداءات الجسدية والجنسية ووفاة عشرات الأسرى".
ادعاء عبثي
واستبق وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس جلسة المحكمة العليا للنظر في القضية بتوقيعه أمراً يمنع ممثلي اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة الأسرى.
وقال كاتس إن القرار صدر "بعد تلقيه تقارير أمنية تشير إلى أن لقاءات بين ممثلي الصليب الأحمر والسجناء الأمنيين "قد تشكل مساساً خطراً بأمن الدولة".
وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن قرار كاتس "يستند إلى توصية من جهاز الأمن العام الذي اعتبر أن الزيارات قد تتيح للسجناء نقل معلومات لعناصر من ’حماس‘".
لكن دبلوماسيين أوروبيين لدى إسرائيل رفضوا هذا الادعاء، ووصفوه بأنه "عبثي، فمن السخيف الاعتقاد أن ممثلي الصليب الأحمر السويسريين سينقلون معلومات".
وأوضح الدبلوماسيون الأوروبيون أن خطوة المنع "ستلحق ضرراً كبيراً بإسرائيل، لأن اللجنة الدولية هي الجهة الوحيدة المخولة قانوناً بموجب اتفاقات جنيف بمراقبة ظروف الأسرى في حالات النزاع".
وأوضح أن اللجنة الدولية "ليست كغيرها من المؤسسات الدولية، فهي طرف محايد ومتخصص في متابعة شؤون المعتقلين، ولها خبرة طويلة في هذا المجال".
ويرى رئيس نادي الأسير الفلسطيني عبدالله الزغاري أن تمديد قرار المنع الإسرائيلي للجنة الدولية للصليب الأحمر يهدف إلى "توفير غطاء إضافي لاستمرار منظومة سجون الاحتلال في جرائمها والتستر عليها، ومنها عمليات القتل البطيء".
وبحسب الزغاري، فإن "جرائم الحرب الإسرائيلية ضد الأسرى الفلسطينيين مستمرة منذ أكثر من عامين في غياب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بتعليمات من مسؤولين إسرائيليين".
لا تتكلم
ويرى مدير مركز "حريات" للدفاع عن الأسرى حلمي الأعرج، أن الفلسطينيين كانوا قبل السابع من أكتوبر يطالبون بـ"دور أوسع وأكبر للجنة الدولية للصليب الأحمر".
لكن الأعرج أشار إلى أنه "بعد ذلك التاريخ أصبحنا نحن واللجنة الدولية في الخانة نفسها، ونطالب بالضغط على السلطات الإسرائيلية لعودة اللجنة الدولية إلى مهامها التي أوقفتها تلك السلطات".
وطالب الدول المتعاقدة على اتفاق جنيف الرابع بـ"الضغط على إسرائيل لتمكين اللجنة الدولية من القيام بدورها في تنفيذ رسالتها الإنسانية، عبر استئناف زيارات الحركة الأسيرة وتنظيم زيارات أهالي الأسرى".
وأشار الأعرج إلى أن الفلسطينيين ينظرون "بعين الارتياح للجنة الدولية، لأنها واكبت الحركة الأسيرة الفلسطينية منذ نشأتها، ووثقت جرائم الاحتلال، وشكلت حماية معنوية للأسرى".
واتهم تل أبيب بـ"انتهاك اتفاقها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، الذي يعمل على ضمان تطبيق اتفاق جنيف الرابع، الهادف إلى توفير الحماية للمدنيين تحت الاحتلال".
وبحسب الأعرج، فإن عمل اللجنة الدولية في السجون الإسرائيلية سيؤدي إلى "كسر الغيتو الإسرائيلي المضروب على الحركة الأسيرة في محاولة للاستفراد بها، وممارسة شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، وارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية غير مسبوقة ضد الأسرى في ظل غياب الرقابة الدولية والمساءلة".
وعلى رغم أن الأعرج أشار إلى أن اللجنة الدولية تعمل وفق مبدأ "ترى وتسمع ولكنها لا تتكلم، فإن إسرائيل لا تريد لها القيام بهذا الدور".
دور هامشي
لكن مدير مؤسسة "الحق" لحقوق الإنسان شعوان جبارين يرى أن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي "هامشي للغاية، ولا أهمية له"، مطالباً اللجنة الدولية بإعلان "انسحابها من فلسطين وإسرائيل، لأن ذلك أفضل للفلسطينيين من بقائها وممارسة هذا الدور الهامشي".
ووفق جبارين، فإن وجود اللجنة الدولية "لم يمنع إسرائيل من انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني بصورة ممنهجة ومتواصلة، والانقلاب على اتفاقها مع اللجنة الدولية".
وبحسبه، فإن اتفاق إسرائيل مع اللجنة الدولية "يتضمن نصوصاً قديمة تجاوزها الواقع، مثل زيارة الأسير بعد فترة زمنية محددة، فالمحامون أصحبوا يقومون بذلك قبل الصليب الأحمر".
وأوضح جبارين أن اللجنة الدولية "تعمل على الإشراف على تطبيق واحترام القانون الدولي الإنساني بكل تفاصيله، لكن سياسية الحياد لا يجب أن تصل إلى درجة السلبية".
وأشار إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر "تمنح الشرعية لإسرائيل في انتهاك اتفاق جنيف الرابعة، التي تحظر نقل الأسرى وبخاصة الإداريين منهم إلى إقليم الدولة القائمة بالاحتلال".
ومع أن جبارين أشار إلى أن المادة 78 من اتفاق جنيف الرابع تعطي الحق للحاكم العسكري في أن يحتجز الأشخاص إجرائياً ووقائياً لسبب قاهر، فإن ذلك يكون بشرط توافر ضمانات، ولفترة محدودة، وألا ينتهك الإجراءات القانونية"، موضحاً أن إسرائيل تستخدم الاعتقال الإداري كـ"سياسة عقابية".
وأضاف جبارين أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر "انتقدت دورها خلال الحرب العالمية الثانية وخلال المحرقة ضد اليهود، وأشارت حينها إلى أنه كان يجب أن تتدخل بصورة مبكرة".