ملخص
على رغم قرارات الطوارئ لعام 1945 الموروثة من الانتداب البريطاني، التي ترتكز على إبقاء الأسرى في ظروف اعتقالية متدنية تلبي الحاجات الإنسانية الأولية فحسب، فإن إسرائيل أجرت تعديلات قانونية عدة في شأن وضع الأسرى بعد "السابع من أكتوبر"، فقد عدل الكنيست في قانون "المقاتلين غير الشرعيين" لعام 2002، إذ بات معتقلو غزة يخضعون مباشرة للجيش وليس لمصلحة السجون، الذي لا يصرح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم، وتمنع إسرائيل أي تواصل معهم من طريق الصليب الأحمر أو المحامين.
خلال ديسمبر (كانون الأول) 2022 تضمن الاتفاق الائتلافي الموقع بين "الليكود" وحزب "قوة يهودية" بزعامة إيتمار بن غفير التزاماً واضحاً بالمضي نحو تشريع عقوبة الإعدام بحق الفلسطينيين، ممن تصفهم إسرائيل بـ"الإرهابيين". إلا أن تحذيرات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن تشديد التنكيل بالسجناء الفلسطينيين وما قد يؤديه من تصعيد أمني خطر، إلى جانب اندلاع الحرب على قطاع غزة خلال السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، حالت دون تشريعه، وهو ما حول عقوبة الإعدام لبند رئيس يدعو إليه وزير الأمن القومي بن غفير علناً، بل ويهدد بربط دعم حزبه لاستمرار عمل الحكومة بتعجيل التشريعات اللازمة لاعتماد قانون إعدام الفلسطينيين المتهمين بتنفيذ عمليات كخيار عملي.
وعلى رغم تصاعد الخلافات داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي حول مشاريع القوانين ذات الطابع الأيديولوجي، نجح بن غفير بتهديداته، وأعلن مكتب رئيس الائتلاف الحكومي على إدراجه رسمياً ضمن جدول أعمال الكنيست، تمهيداً للمضي في إجراءات المصادقة عليه خلال الفترة المقبلة، على اعتبار أن صفقات التبادل الأخيرة أغلقت ملف الرهائن الأحياء، ولم تعد الحكومة الإسرائيلية تعتبر وجود أسرى إسرائيليين حاجزاً يمنع الدفع قدماً باتجاه عقوبة الإعدام، بل إن بن غفير شدد على ضرورة إنفاذ القانون خلال أقرب وقت ممكن، لتبرير تشريع العقوبة باعتبارها "ردعاً نهائياً ضد عمليات الخطف والهجمات المستقبلية".
فيما يؤكد مراقبون وحقوقيون أن القانون في حال إقراره سيشكل سابقة خطرة في النظام القضائي الإسرائيلي، إذ يستهدف الفلسطينيين دون غيرهم، وبخاصة أن لجنة الأمن القومي في الكنيست مررت خلال وقت سابق مسودة قانون الإعدام، مع خفض شرط الإجماع القضائي إلى قرار بغالبية ومن دون إمكانية تخفيف الحكم.
وينص مشروع القانون الذي صدق عليه الكنيست خلال مارس (آذار) 2023، بقراءة تمهيدية على "إيقاع عقوبة الموت بحق كل شخص يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي، بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل".
ووفقاً لما ذكره المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1967 عملت على إبقاء الموقف الرافض لتفعيل عقوبة الإعدام لاعتبارات استراتيجية وسياسية، تتعلق بصورة أساس بتجنب تحويل عقوبة الإعدام إلى محرض أساس ومباشر على تأجيج الصراع مع الفلسطينيين، لما يحمله الأسير الفلسطيني من رمزية وطنية عالية لدى الفلسطينيين، وللحفاظ على صورة إسرائيل الدولية في ملف حقوق الإنسان، كما أن الخشية من أن يؤدي تنفيذ أحكام الإعدام لمفعول عكسي يرتبط بتشجيع عمليات خطف الجنود والمدنيين بغرض المقايضة والإفراج عن المحكومين بالإعدام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توحش غير مسبوق
يرى مراقبون أن الزخم السياسي الضاغط، الذي يمارسه اليمين المتطرف بقيادة بن غفير، كان له دور حاسم جداً في جعل عقوبة الإعدام جزءاً فعلياً من الأجندة التشريعية الإسرائيلية للعام الجاري، فيما يعد رئيس الائتلاف أوفير كاتس أن الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو ملتزمة دفع القانون نحو الإقرار بأسرع وقت ممكن، معتبراً ذلك "واجباً وطنياً" يجب إنجازه من دون تأخير.
ووصفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية ونادي الأسر الفلسطيني ضمن بيان رسمي مشروع قانون إعدام أسرى فلسطينيين، بـ"توحش غير مسبوق" لإسرائيل. وأكدت المؤسستان أن "هذا القانون يضاف إلى منظومة تشريعية قمعية استهدفت منذ عقود مختلف جوانب الحياة الفلسطينية، وخطوة إضافية لترسيخ الجريمة ومحاولة لإضفاء الشرعية عليها". وقد أظهرت لقطات مصورة نشرت خلال أكتوبر الماضي بن غفير وهو يهدد فلسطينيين مقيدين يجلسون على الأرض، ضمن ظروف مهينة وقاسية داخل سجن "نوتشافوت"، مطالباً بإعدامهم وحرمانهم من أبسط الحقوق الأساس، وواصفاً إياهم بـ"الإرهابيين".
وبحسب الباحث في مركز التقدم العربي للسياسات والمتخصص في الشؤون الإسرائيلية أمير مخول، فإن قانون الإعدام سيضع بن غفير أمام مواجهة حادة مع المؤسسة الأمنية التي تصر بدورها على أن نفاذه سيؤدي لاشتعال الساحة الفلسطينية، وفقدان السيطرة على الأحداث. ومنذ تولي بن غفير وزارة الأمن القومي نهاية عام 2022، يشهد الفلسطينيون داخل السجون الإسرائيلية أوضاعاً مأسوية، ازدادت حدتها بصورة غير مسبوقة عقب السابع من أكتوبر 2023، وشهدت السجون الإسرائيلية تراجعاً حاداً في شروط احتجاز الأسرى، بالاستناد إلى منظومة من القوانين والتعليمات الهادفة إلى التضييق عليهم، وهو ما أدى بحسب مؤسسات فلسطينية تعنى بشؤون الأسرى إلى موت 78 أسيراً فلسطينياً، إما نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي.
ولفت المركز القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، عبر تقرير يستعرض واقع الحركة الأسيرة بسجون إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023، إلى أن المعاملة القاسية والتنكيل من قبل سلطات السجون ربما كانا سبب الوفاة في عدد من الحالات. وبحسب الشهادات التي أوردها المركز، تعرض المعتقلون الفلسطينيون لانتهاكات جسيمة واعتداءات جسدية وتحرش جنسي ومعاملة قاسية لا إنسانية ومهينة، وسط ترهيب وتهديد واعتداء على الكرامة الشخصية من السجانين بمصلحة السجون.
قانون طوارئ
وعلى رغم اعتماد إسرائيل في تعاملها مع الأسرى على قرارات الطوارئ لعام 1945 الموروثة من الانتداب البريطاني، والتي ترتكز على إبقائهم في ظروف اعتقاليه متدنية تلبي الحاجات الإنسانية الأولية فحسب، فإنها أجرت تعديلات قانونية عدة في شأن وضع الأسرى بعد "السابع من أكتوبر"، فقد أجرى الكنيست تعديلاً في قانون "المقاتلين غير الشرعيين" لعام 2002، إذ بات معتقلو غزة يخضعون مباشرة للجيش وليس لمصلحة السجون، الذي لا يصرح بأسمائهم أو ظروف احتجازهم، وتمنع إسرائيل أي تواصل معهم من طريق الصليب الأحمر أو المحامين. ويرى مراقبون وحقوقيون أن مصطلح "مقاتلين غير شرعيين" ابتكرته إسرائيل للالتفاف على تعريف أسرى غزة كأسرى حرب وإعفاء نفسها من واجب حماية حقوق من تعتقلهم، سواء كمدنيين أو كمقاتلين.
أما السجناء الأمنيون من الضفة الغربية والقدس ومناطق 48، فقد تم تعديل قانون أنظمة مصلحة السجون (حالة طوارئ اعتقالية) تعتمد على اتباع سياسة "الحد الأدنى" وتقليص شروط المعيشة للمصنفين أمنياً، وتضمن التعديل تقليص الحيز المعيشي وسحب الأسرة من المعتقلين والنوم على الأرض، وهو ما أدى لاكتظاظ الغرف واتباع سياسة الإغلاق التام، التي تتضمن إغلاق غرف السجن والعزلة التامة ومنعهم من رؤية ذويهم أو مندوبي منظمة الصليب الأحمر أو المحامين، وإلغاء إحضار المعتقلين للمثول أمام القضاة والاكتفاء بجلسات المحاكمة عبر الفيديو من بعد.
وعملت مصلحة السجون بأوامر من بن غفير على سحب كل مستحقات الأسرى التي حصلوها على مر الأعوام عبر الإضرابات عن الطعام والاحتجاجات الشعبية، وجرى إلغاء "الكانتينا" وإمكان شراء مواد غذائية، وصودرت كل حاجاتهم وممتلكاتهم، وقُطعت عنهم الكهرباء وسُحبت منهم كل الأجهزة الكهربائية وألغيت "الفورة" (الخروج للساحة)، أيضاً تقلصت إمكانية الاستحمام وغيرها من التضييقيات.
وفي السياق ذاته، حذرت مديرة المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى لينا الطويل من تفاقم أزمة الأسرى مع اقتراب فصل الشتاء، مشيرة إلى منعهم للعام الثالث على التوالي من استقبال الأغطية والملابس الشتوية. وأوضحت أن الأسرى يتعرضون لعقوبات تشمل العزل الانفرادي والحرمان من لقاء المحامين وفرض غرامات مالية باهظة وحرمان ذويهم من الزيارة عند طلب حقوقهم الإنسانية الأساس. ووثق المركز شهادات لفلسطينيين محررين تعرضوا لتعذيب جسدي ونفسي مميت.
اعتقالات متلاحقة
في ظل استمرار التحريض الرسمي من قبل حكومة الإسرائيلية على الأسرى الفلسطينيين سواء بسن قوانين وتشريعات أو ملاحقات دائمة، طالب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بإعادة اعتقال جميع الذين جرى إطلاق سراحهم في صفقة الأسرى في الضفة الغربية أخيراً، رداً على انتهاكات "حماس" المتكررة، بحسب تعبيره. وأكد نادي الأسير الفلسطيني ضمن بيان قبل أيام، أن إسرائيل أعادت اعتقال عشرات الأسرى الذين أفرج عنهم ضمن الصفقات التي نفذت خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 ويناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) 2025، من بينهم نساء وأطفال، كجزء من السياسة الإسرائيلية لإبقائهم تحت تهديد دائم ورقابة مشددة. وعلى رغم الإفراج عن الغالبية بعد أيام أو أسابيع من اعتقالهم مجدداً، أبقت السلطات الإسرائيلية على عدد منهم رهن الاعتقال، وحولت معظمهم إلى الاعتقال الإداري التعسفي (من دون تهمة أو محاكمة).
وبينت مؤسسات رسمية فلسطينية منذ بدء الحرب على غزة، قيام إسرائيل باعتقال أكثر من 20 ألف فلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس. وبحسب ما ذكرته القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن إسرائيل تدرس إعادة اعتقال الأسرى الذين أفرج عنهم بموجب الاتفاق، وذلك ضمن حزمة قرارات تدرسها كـ"عقوبات" بعد تأخير حركة "حماس" تسليم جثث الرهائن بحوزتها، إذ ما زالت الحركة تحتجز حتى اليوم جثث 11 رهينة إسرائيلي من بين 28 كانوا بحوزتها قبل الاتفاق.
محكمة جديدة
وتزامناً مع صخب بن غفير حول المسارعة لسن قانون إعدام الأسرى ومطالبة سموتريتش بمعاقبة "حماس" عبر إعادة اعتقال المحررين مجدداً، صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) بالقراءة التمهيدية على ما يعرف بـ"قانون قوات النخبة"، الذي ينص على إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة الفلسطينيين الذين شاركوا في هجمات السابع من أكتوبر 2023، وهو ما أثار جدلاً واسعاً داخل إسرائيل وخارجها كونه التحول القضائي الأخطر منذ قيام دولة إسرائيل، يكرس القضاء كأداة انتقامية. إلا أن النائبة يوليا مالينوفسكي من حزب "إسرائيل بيتنا"، التي كانت أحد المتقدمين لمشروع القانون، قالت إن إنشاء المحكمة الخاصة سيخفف العبء عن الجهاز القضائي، وأن هناك إمكانية لفتح محكمة عسكرية لمقاضاة من وصفتهم بـ"الإرهابيين".
ووفقاً لمراقبين، فإن إسرائيل وضمن مسارات "خارج القضاء" مارست حكم الإعدام في حق فلسطينيين، إما ضمن القوانين التي تشرع القتل المتعمد أثناء الاعتقال ومن دون قرار قضائي، أو عبر سياسة الاغتيالات التي شرعتها المحكمة العليا الإسرائيلية عام 2006، أو من خلال سياسات الإهمال الطبي في حق المعتقلين، أو التعذيب أثناء الاعتقال والتحقيق.