ملخص
انضمت بريطانيا إلى مشروع تطوير مقاتلات "أف 35" مطلع الألفية الجديدة، وبعد مرور ربع قرن تقريباً باتت تمتلك 37 طائرة فقط من أصل 138 كانت تخطط لاقتنائها، أما السبب وفق تقرير برلماني حديث فهو موازنات التقشف التي تبنتها الحكومات المتعاقبة في لندن، وأثرت ليس فقط في الإنتاج من ناحية الكم وإنما الكيف أيضاً.
عام 1995 بدأت وزارة الحرب الأميركية مشروع تطوير مقاتلة متعددة المهام من الجيل الخامس، وبعد ستة أعوام انضمت المملكة المتحدة لها رسمياً كشريك رئيس مع توقيع اتفاقية تعاون بقيمة نحو ملياري دولار. شاركت شركات بريطانية بفاعلية في تطوير أنظمة الهيكل والذيل والإقلاع العمودي لطراز "أف 35 بي"، وفي 2018 دخلت المقاتلة الحديثة الخدمة ضمن سلاح الجو الملكي والبحرية الملكية.
كانت المملكة المتحدة تخطط لأسطول مكون من 138 طائرة من مقاتلات "أف 35" التي تعد الأسرع والأكثر قدرة على التخفي بين نظيراتها حول العالم، لكنها بعد مرور ربع قرن على انضمامها للمشروع لا تمتلك إلا 37 قطعة، والسبب بحسب تقرير برلماني حديث هو موازنات التقشف التي اتبعتها الحكومات البريطانية المتعاقبة، لافتاً إلى أن ضعف الإنفاق لم يؤثر من ناحية الكم فقط وإنما الكيف أيضاً.
التقرير الصادر عن لجنة "الحسابات العامة" في البرلمان، يقول إن نقص التمويل دفع بوزارة الدفاع إلى تأجيل طلبيات المقاتلات تكراراً، ومع مرور الوقت ارتفعت كلفة الإنتاج مع ازدياد الأسعار وصعود معدلات التضخم، أما المتضررون بصورة رئيسة فهم كثر ليس أولهم الجيش البريطاني وليس آخرهم دافعي الضرائب.
التقرير يضع إشارة استفهام كبيرة حول التصريح الذي خرج به رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر خلال يونيو (حزيران) الماضي، في شأن نية بلاده شراء مقاتلات متطورة قادرة على حمل أسلحة نووية أميركية، فيشدد التقرير على أن حكومة لندن العمالية لم تضع إطاراً زمنياً للصفقة وقيمة تقديرية دقيقة لها.
الانتقادات التي يتضمنها تقرير البرلمان موجهة بصورة أساسية إلى رئيس الأركان البريطاني الجديد السير ريتشارد نايتون الذي شغل سابقاً قائد سلاح الجو الملكي، وقبلها كان الضابط الأعلى رتبة في قطاع تطوير القدرات بوزارة الدفاع، أي إنه كان المعني ببرنامج مقاتلات "أف 35" منذ مراحله الأولى قبل أعوام عدة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أنفقت بريطانيا وفق التقرير عشرات المليارات من الدولارات على مشروع "أف 35" مقابل 37 طائرة لا تتمتع بالقدرة المثالية التي يجب أن تنطوي عليها، ذلك لأن التقشف كان يطاول حتى تحديث الميزات التي أضيفت إلى مقاتلات مشابهة في دول أخرى، وعلى رأسها خاصية التخفي التي تمنح "أف 35" أفضلية في السماء.
تقليص الموازنات الذي اعتمدته الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ بداية الألفية الجديدة شمل أيضاً وزارة الدفاع، والآلية التي اتبعها القادة العسكريون في ما يخص برنامج "أف 35" هي تأجيل الطلبيات من أجل توفير المال على المدى القصير، ولكن تمديد الآجال رفع الكلفة على دافعي الضرائب وقيد خطط تحديث الطائرات والخاصيات التي تجعلها وفق تقارير عسكرية متخصصة، المقاتلات الأكثر فتكاً ودهاءً حول العالم.
اللجنة البرلمانية خلصت في تقريرها إلى خمس نقاط رئيسة، الأولى هي أن تأجيل ترقية ميزة الرصد في المقاتلات عام 2021 لتوفير نحو 108 ملايين دولار في موازنة الدفاع قاد إلى كلفة إضافية تزيد على 20 مليون دولار في الطائرات المتوقع دخولها الخدمة عام 2032، كما يمكن أن يقلص الاستفادة من الطائرات عملياً.
النقطة الثانية هي أن تأجيل إنجاز البنية التحتية لمقاتلات "أف 35" المطلوبة للبحرية الملكية مدة ستة أعوام، قد يرفع كلفة العمل إلى أكثر من 200 مليون دولار مقارنة بنحو 74 مليون دولار قدرت أساساً للمشروع عند إقراره، أما الثالثة فهي أن وزارة الدفاع فشلت في تحديث تقديراتها لامتلاك 138 طائرة بحلول 2069.
الملاحظة الرابعة هي أن الأسطول الحالي من مقاتلات "أف 35 بي" في المملكة المتحدة لن تسلح بصواريخ تقليدية لضرب أهداف على الأرض من مسافة آمنة حتى مطلع ثلاثينيات القرن الـ21. وقد نوه التقرير البرلماني بأن "هذه القدرة حاسمة في الحرب الحديثة عند العمل ضد دولة مثل روسيا تمتلك أسلحة دفاع جوي متطورة، ويمكنها تفجير الطائرات النفاثة من مسافة بعيدة في السماء".
الاستنتاج الأخير في تقرير "لجنة المحاسبة" هي أن القوات المسلحة البريطانية ستعلن تشغيلاً كاملاً لبرنامج "أف 35" نهاية العام الحالي، وهو موعد تأخر لأعوام عن الجدولة الزمنية الأساسية، كذلك فإن المقاتلات الموجودة وفي طور التسليم القريب لن تكون مزودة بصواريخ بعيدة المدى وتعاني مشكلات تسليحية أخرى.
بعيداً من التصنيع ثمة مشكلة إضافية تواجه برنامج تطوير أسطول "أف 35" في بريطانيا، تتمثل بنقص المهندسين المتخصصين بهذا النوع من الأسلحة، فيقول التقرير البرلماني إن وزارة الدفاع تحتاج إلى توظيف 168 مهندساً جديداً من أجل المشروع، لتزيد عدد العاملين فيه اليوم بنسبة 20 في المئة، وفق الأرقام الرسمية.
ويعد التقشف أيضاً من أسباب نقص المهندسين المتخصصين في هذا البرنامج، ليس فقط من ناحية الرواتب وإنما أيضاً من جانب توفير مقار إقامة جيدة للعاملين فيه، أما الرد الرسمي في شأن كل ما ورد في التقرير البرلماني فكان تصريحاً أدلى به المتحدث باسم وزارة الدفاع وأكد فيه بأنها ستأخذ في الاعتبارات كل الملاحظات، وهي تعمل أصلاً على معالجة جميع المشكلات التي تعوق تطوير أسطول "أف 35".