Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفلسطينيون يراقبون تقلبات العلاقة التركية ـ الإسرائيلية

تحولت إلى مواجهات متقطعة ترتكز على التأثير الجيوسياسي أكثر من القدرات العسكرية

يتأمل المقدسي محمد سليمان إلى جانب آلاف المقدسيين في البلدة القديمة انتعاش مؤسسات وجمعيات تركية في تنفيذ عشرات المشاريع (مواقع التواصل)

ملخص

منذ إطلاق "خطة بالدرج" التي أعدها المجلس القومي الإسرائيلي عام 2018، حظرت إسرائيل نشاطات تركيا في القدس عبر وكالة الإغاثة التركية "تيكا"، بحجة أنها تعمل على تعزيز وضع أنقرة في القدس بصورة عامة والمسجد الأقصى بصورة خاصة.

ما إن أدت تركيا دوراً محورياً وفعالاً في جهود الوساطة لإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، في إطار خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب التي طرحت في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، يتأمل المقدسي محمد سليمان (35 سنة) إلى جانب آلاف المقدسيين في البلدة القديمة انتعاش مؤسسات وجمعيات تركية في تنفيذ عشرات المشاريع والمساعدات الإنسانية والتنموية كما في سنوات خلت، إذ كانت تتولى ترميم عشرات المساجد والبيوت والأوقاف الأثرية بالقدس، وتأثيث منازل الأسر الفقيرة، وتوزيع كسوة الشتاء والسلال الغذائية على الفقراء، وكذلك دعم حلقات القرآن الكريم، والطالب الجامعي المقدسي. وأدى التذبذب الحاد في العلاقات التركية - الإسرائيلية، خلال السنوات الأخيرة، وتأرجحها بين التقارب النسبي والخلافات المتكررة، مع تصاعد التوتر والمشاحنات لا سيما بعد الحرب على غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، وقرار تركيا الأخير قطع العلاقات التجارية وإغلاق الموانئ، لرفع شدة التضييقيات الإسرائيلية على الجمعيات الخيرية التركية في القدس والضفة الغربية، حيث عملت السلطات الإسرائيلية، بصورة حثيثة، إلى تقييد وتقنين دورها وأنشطتها المتعددة التي تنوعت بين العمل الجماهيري، وأنشطة التوعية والتثقيف، والأنشطة الفنية والإعلامية والحملات الخيرية لدعم المقدسيين. ووفقاً لما ذكرت القناة الـ10 الإسرائيلية في وقت سابق، فإن إسرائيل ترى أن النشطاء الأتراك يعملون على تأجيج المشاعر وتمويل النشاطات التحريضية، وأن تركيا تسعى إلى كسب مكانة خصوصاً لها في الحرم القدسي من خلال ضخ ملايين الدولارات إلى القدس الشرقية.

وتسعى الحكومة الإسرائيلية منذ العام الماضي إلى تشريع "مشروع قانون الجمعيات" المعدل لعام 2024، والمعروف باسم "قانون الضرائب على المنظمات غير الحكومية". الذي يسمح للمنظمات التي تتلقى تمويلاً من دولة إسرائيل أو إعفاءات وامتيازات ضريبية بالعمل بحرية، في حين تفرض على المنظمات والجمعيات التي لا تحظى بمثل هذا التمويل أو الإعفاء ضريبة بنسبة 80 في المئة كفيلة بشل عملها، أو سيجري حرمانها من إمكان تقديم التماسات إلى المحاكم. وهذا من شأنه أن يخلق نظاماً قائماً على اعتبارات سياسية، يحدد مصير بقاء المنظمة بناء على مدى توافقها مع مصالح الحكومة. وعلى رغم الاعتراضات الكبيرة والاحتجاجات والتظاهرات على مشروع القانون المعدل، الذي يعد، وفقاً لحقوقيين، محاولة واضحة لتقويض منظمات المجتمع المدني وربما تفكيكها، بما يشكل انتهاكاً مباشراً للحقوق الأساسية في حرية تكوين الجمعيات وحرية التعبير إلا أنه أقر بالقراءة التمهيدية في الكنيست مطلع العام الحالي.

 

قلق مستمر

منذ إطلاق "خطة بالدرج" التي أعدها المجلس القومي الإسرائيلي عام 2018، حظرت إسرائيل نشاطات تركيا في القدس عبر وكالة الإغاثة التركية "تيكا"، بحجة أنها تعمل على تعزيز وضع أنقرة في القدس بصورة عامة والمسجد الأقصى بصورة خاصة، وتتضمن بنود الخطة إلزام الزوار الأتراك بعدد معين من الأيام لزيارة القدس والتكثيف من إصدار قرارات الاعتقال والاستجواب في حق النشطاء والزائرين الأتراك أثناء عودتهم لبلادهم، خصوصاً أن أعداد الزوار الأتراك لمدينة القدس في زيادة مستمرة، لا سيما بعد أن أصدرت وزارة الشؤون الدينية التركية عام 2015 قراراً عممته على المواطنين العازمين على الحج بتقديس حجتهم في المسجد الأقصى، ووضعت هدفاً للوصول بعدد زوارها إلى 100 ألف مواطن سنوياً، كما يدعو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بصورة متكررة، شعبه بضرورة تكثيف زياراتهم لمدينة القدس. وبحسب إحصاءات الهيئات الدينية لعام 2016، فإن أكثر من 15 ألفاً و800 تركي زاروا القدس، وارتفع العدد عام 2018 إلى أكثر من 43 ألفاً، لتصل عام 2022 إلى 50 ألفاً. وتتهم السلطات الإسرائيلية على الدوام الجمعيات والمؤسسات التركية خصوصاً العاملة في القدس، بالتواصل مع شخصيات لها علاقة بـ"الحركة الإسلامية" في داخل إسرائيل وتقديم مال ومعلومات حساسة لحركة "حماس". إلى جانب ذلك فرضت شروط مجحفة ومعايير معقدة وملزمة لمنح التصاريح والسماح للجمعيات والمنظمات التركية بإقامة أنشطة وفعاليات داخل القدس، كما فرضت غرامات باهظة على مخالفي تلك الشروط.

ولا تكمن دوافع التحريض الإسرائيلي على النشاط التركي في القدس لمجرد أن الجمعيات والمؤسسات التركية تستثمر مليارات في شرق القدس، وترمم المنازل وتمول مخيمات صيفية للأطفال وتدعم الأسر الفقيرة والأعمال التجارية المنهكة اقتصادياً، بل لأن المقدسيين من وجه نظر مدير معهد القدس لبحث السياسات ديفيد كورين، باتوا ينظرون إلى أردوغان على أنه الزعيم الوحيد في الشرق الأوسط الذي يهتم لأمرهم. ووفقاً لكورين فإن تأثر المقدسين بالسياسات التركية يظهر جلياً عند رؤيته الأعلام التركية منتشرة بكثرة في بعض الأحياء العربية بالقدس الشرقية، كما أن تركيا في السنوات الأخيرة باتت الوجهة المفضلة لعشرات آلاف الفلسطينيين من سكان القدس.

تدهور العلاقات

منذ حادثة السفينة "مافي مرمرة" عام 2010 التي أسفرت عن مقتل 10 نشطاء أتراك على يد القوات البحرية الإسرائيلية خلال محاولة كسر الحصار البحري عن غزة، تدهورت العلاقات التركية - الإسرائيلية بصورة كبيرة، وشهدت العلاقات شداً وجذباً استمر سنوات، تحولت فيه العلاقات إلى نمط من المواجهات المتقطعة غير المباشرة التي ترتكز على التأثير الجيوسياسي أكثر من القدرات العسكرية. وعلى رغم أن المصالح الاقتصادية المشتركة والعلاقات الوثيقة بالولايات المتحدة، نجحت في بث أجواء من التفاهم الضمني المتبادل بين الدولتين، وحافظت على مستوى عال من التعاون في العقدين الأخيرين، إلا أن العلاقات بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023، تدهورت إلى حضيض جديد، وكشفت عن توترات وتباينات استراتيجية عميقة، إذ وصف أردوغان إسرائيل بأنها "دولة إرهابية"، وانضم إلى جهود إدانتها في المحافل الدولية، ودافع عن "حماس" التي تعتبرها إسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، معتبراً أنها "حركة تحرير"، كما حظر العلاقات التجارية مع إسرائيل وأوقف الرحلات الجوية إليها، وشمل الحظر في مرحلته الأولى منع تصدير 54 فئة من المنتجات التركية إلى إسرائيل، كان أبرزها مواد البناء والحديد والزجاج والأسمنت. ولاحقاً، جرى توسيع نطاق الحظر ليشمل عقوبات على مجمل التبادل التجاري بين البلدين. وفي فترة زمنية قصيرة، تراجعت الواردات الإسرائيلية من تركيا بأكثر من النصف، وفقاً لمعطيات دائرة الإحصاء الإسرائيلية، من نحو 4.6 مليار دولار عام 2023 إلى ما يزيد قليلاً على ملياري دولار فقط عام 2024، أي ما يعادل نحو 2.2 في المئة من مجمل الاستيراد إلى إسرائيل. ويعد هذا المستوى الأدنى منذ عام 2010، وأشارت صحيفة "غلوبس" الاقتصادية في سبتمبر الماضي إلى أن التجار الإسرائيليين وجدوا طرقاً متعددة للالتفاف على قرار تجميد الصادرات التركية إلى إسرائيل، تمثلت أولاً في التوجه إلى أسواق بديلة للاستيراد، وثانياً في الاستيراد غير المباشر من تركيا عبر وسطاء في دول عربية مجاورة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معارضة صلبة

قلق إسرائيل من تعاظم الدور التركي، لم يتوقف عند حدود القدس والضفة الغربية، فهي اليوم تعترض على قيام تركيا بإرسال آليات ضخمة ومتطورة للتفتيش عن جثث المحتجزين الإسرائيليين القتلى في غزة، كما ترفض بصورة قطعية فكرة مشاركة تركيا في إعادة إعمار القطاع والإشراف الأمني على تنفيذ خطة ترمب، على رغم التأكيدات الأميركية أن هناك دوراً لتركيا في هذا الإطار. ووفق التقديرات الإسرائيلية التي نشرتها صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قبل أيام، فإن الرفض الإسرائيلي تجاه الدور التركي في غزة ينبع من الخشية من أن يكون هدفها دعم بقاء "حماس" لا تفكيكها، والتخوف من وقوع اشتباكات عرضية بين الجنود الإسرائيليين والأتراك في غزة، إلى جانب رغبة الحكومة الإسرائيلية في كبح جماح تركيا لتعزيز مكانة أردوغان على الساحة الدولية والمحلية، وتأمين دور لشركات البناء التركية. وقد أكد وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أن اسرائيل لن تقبل بوجود قوات مسلحة تركية في قطاع غزة ضمن أية خطة دولية مقترحة لإنهاء الحرب هناك. في المقابل، قال الرئيس التركي أردوغان وفق تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" إن تركيا التي رعت إلى جانب الدوحة والقاهرة وواشنطن، اتفاقاً لإنهاء الحرب في غزة، ستراقب عن كثب تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، وستشارك في إنفاذه وإعادة إعمار القطاع، بما في ذلك تقديم المساعدات، وتسيير دوريات أمنية، ومراقبة الحدود. وعلى رغم طموح أنقرة بالمساهمة في ترتيبات ما بعد الحرب في غزة، يرى محللون أن رفض إسرائيل أي دور تركي حاسم في غزة قد يفسح مجالاً لإسرائيل للمساومة مستقبلاً، ففي مقابل دور محدود في القطاع قد تضطر تركيا إلى التنازل في الملف السوري.

لاعب مؤثر

بموازاة إصرار الإدارة الأميركية على إنجاز خطة ترمب بالكامل، تخشى تل أبيب من موطئ قدم تركي جديد على البحر المتوسط وتأثيره في الغاز الطبيعي وموقع إسرائيل الاستراتيجي، على اعتبار أن هذه الخطوة تشرع طموحات الهيمنة التركية في المنطقة، وتضع إسرائيل وشركاءها في المنطقة أمام تحد مباشر. وقال الباحث في المركز الإسرائيلي للاستراتيجية الكبرى ICGS، وخبير دراسات الأمن والاستخبارات كوبي ميخائيل، إن ترمب "لم يأخذ بالاعتبار أن قطر وتركيا ستبذلان جهداً للحفاظ على نفوذ ومكانة "حماس" كلاعب مؤثر ومهم في الساحة الفلسطينية، وفي تهيئة الظروف لسيطرتها اللاحقة على المنطقة بأسرها، كبديل للسلطة الفلسطينية، وليس كشريك فيها". وقالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حدد للوفد الأميركي، برئاسة نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، ثلاثة خطوط حمراء لا ينوي التراجع عنها، يتعلق الأول برفض إسرائيل القاطع لوجود أية قوات تركية داخل قطاع غزة، وتمثل الثاني بعدم السماح لحركة "حماس" بأي دور في إدارة القطاع بعد الحرب، في حين يؤكد الثالث على بقاء القوات الإسرائيلية داخل غزة إلى حين نزع سلاح "حماس" بالكامل.

ومن المقرر ضمن خطة ترمب، إنشاء قوة دولية لإرساء الاستقرار، تكلف بالقيام بدوريات أمنية وحماية البنى التحتية المدنية والمساعدات الإنسانية وأمن الحدود وتدريب قوات الأمن المحلية ومراقبة وقف إطلاق النار. وعلى رغم مرور نحو ثلاثة أسابيع على التوصل إلى الاتفاق، تجد واشنطن صعوبات متزايدة في تجنيد دول للمشاركة في هذه المهمة. وبحسب ما أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن دولاً عدة معظمها عربية، رفضت المشاركة بالقوة "خشية التورط في مواجهة مع حماس"، خصوصاً في ظل هشاشة وقف إطلاق النار، الذي شهد خروقات عدة منذ إعلانه. ونقلت الصحيفة عن باحثين في معهد "دراسات الأمن القومي" الإسرائيلي تحذيرات من أن دور الرئيس التركي في قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة "قد يتحول إلى كابوس لإسرائيل". وبحسب الباحثة في الشأن التركي غاليا ليندنشتراوس، "فإن امتلاك تركيا قدرات عسكرية وتنظيمية يجعلها فاعلاً مؤثراً في أية قوة مراقبة أو حفظ سلام يجعلها خطراً محتملا على إسرائيل"، وأضافت "مجرد وجود جنود أتراك قرب قوات إسرائيلية يفتح الباب أمام حوادث قد تفجر أزمة دبلوماسية أو عسكرية."

المزيد من تقارير