Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عودة شبح الزر الأحمر تربك العالم

تصريحات الرئيس الأميركي في شأن استئناف الاختبارات النووية ربما تكون حلقة في سباق التسلح الجاري بالفعل أو محاولة للضغط

تجربة نووية أميركية عام 1964 (غيتي)

ملخص

يأتي إعلان ترمب في وقت تتصاعد التوترات بين القوى الكبرى وتقترب معاهدة "نيو ستارت" من الانتهاء دون بديل، وسط غياب اتفاقات جديدة للحد من الأسلحة النووية، ويرى خبراء أن العودة للتجارب النووية قد تُنهي حقبة خفض الترسانات وتفتح الباب أمام سباق تسلح غير مسبوق.

كشف الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن توجيهات للـ "بنتاغون" لاستئناف الاختبارات النووية "على أساس المساواة" مع الدول الأخرى التي تجري اختبارات نووية، في تحول كبير محتمل في سياسة الولايات المتحدة المستمرة منذ عقود، وفي تحول عن موقف ترمب نفسه الذي أعرب قبل أسابيع قليلة عن استعداده تمديد معاهدة "نيو ستارت" مع روسيا والتي تنتهي صلاحيتها في فبراير (شباط) 2026.

وفي منشور على منصة "تروث سوشال" كتب ترمب أن "الولايات المتحدة تمتلك عدداً من الأسلحة النووية أكثر من أي دولة أخرى"، مشيراً إلى أن روسيا تأتي في المرتبة الثانية، بينما تحتل الصين المركز الثالث بفارق كبير، لكنها تسعى إلى اللحاق بالركب، مضيفاً "نظراً إلى برامج الاختبارات التي تجريها دول أخرى فقد وجهت وزارة الحرب لبدء اختبار أسلحتنا النووية على أساس المساواة، وستبدأ هذه العملية فوراً".

وسرعان ما دعت روسيا والصين اليوم الخميس الولايات المتحدة إلى إدراك أخطار قرار استئناف التجارب النووية، وقالت موسكو إنه إذا تخلت أية دولة عن الالتزام بوقف التجارب النووية فإن روسيا ستتصرف وفقاً لذلك، وقد سعى الكرملين إلى تبرير التجربة الأخيرة لصاروخ "بوريفيستنيك" وأكد المتحدث ديمتري بيسكوف أنها لا تعد تجربة نووية، كما طالبت بكين واشنطن بالالتزام الجدّي بالحظر العالمي المفروض على إجراء تلك التجارب.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أعلن هذا الأسبوع أن بلاده اختبرت صاروخ كروز جديداً يُعرف باسم "بوريفيستنيك" وقادر على حمل رؤوس نووية، إضافة إلى طوربيد نووي يعمل بالطاقة النووية يعرف باسم "بوسيدون"، الذي تباهى بوتين بأنه لا نظير له، وفقاً لما نقلته وسائل الإعلام الرسمية الروسية.

ويأتي التحول في موقف ترمب في وقت تتصاعد التوترات بين القوى العظمى المسلحة نووياً، ويعتبر مراقبون أن المنافسة المتنامية بين الولايات المتحدة والصين تعيد للأذهان أصداء الحرب الباردة، وفي الوقت نفسه فإن الحرب المستمرة التي تخوضها روسيا في أوكرانيا تزيد خطر اندلاع مواجهة أوسع بين موسكو والغرب.

الاختبارات النووية

ولم تُجر أي من القوى العسكرية الثلاث الكبرى في العالم اختباراً نووياً منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ أجرت الصين آخر اختبار معروف لها عام 1996، أما الولايات المتحدة فأجرت آخر اختبار نووي لها عام 1992 عندما بدأت تجميداً طوعياً لمثل هذه التجارب التفجيرية، ومن غير الواضح مدى سرعة استئنافها لهذه الاختبارات، إذ ذكر تقرير صادر عن خدمة أبحاث الكونغرس (CRS) في أغسطس (آب) الماضي أن الولايات المتحدة ستحتاج إلى ما بين 24 و36 شهراً لتنفيذ اختبار نووي بعد صدور أمر رئاسي بذلك، ولم يتّضح حتى الآن إذا كان ترمب يشير إلى اختبار سلاح نووي فعلى أم إلى اختبار نظام سلاح قادر على حمل رأس نووي. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول مراقبون غربيون إنه إذا كان ترمب يشير إلى استئناف التجارب النووية التفجيرية فسيكون ذلك خطوة مؤسفة للغاية ومؤشراً مؤلماً، إذ إن مثل هذه الخطوة ستُتبع حتماً بسلسلة من الإعلانات المتبادلة بالمثل من دول أخرى تمتلك أسلحة نووية، ولا سيما روسيا والصين، مما سيُكرس سباق تسلح متسارعاً يعرضنا جميعاً لخطر جسيم، كما من شأن هذه التجارب أن تخلق أخطاراً عميقة تتعلق بالتلوث الإشعاعي عالمياً، وحتى إن أُجريت هذه الاختبارات تحت الأرض فإنها تحمل خطر تسرب المواد المشعة وانبعاثها، إضافة إلى احتمال تسربها إلى المياه الجوفية.

لماذا تُجرى التجارب النووية؟ 

يقول الباحث لدى "جامعة ملبورن" وعضو الحملة الدولية لإزالة الأسلحة النووية تيلمان روف إنه خلال أعوام مضت كان الغرض من التجارب النووية فهم آثار هذه الأسلحة والضرر الناتج من الانفجار على مسافات مختلفة، مما يوفر الثقة في تدمير هدف عسكري معين، كما يساعد الجيوش في فهم عواقب استخدام الأسلحة النووية، وإلى حد ما حماية معداتها العسكرية وأفرادها من الاستخدام المحتمل لها من قبل الخصوم، مضيفاً أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية استخدمت الدول التجارب في الغالب كجزء من تطوير تصاميم أسلحة جديدة، وكانت هناك أعداد كبيرة جداً من التجارب، أكثر من 2000 تجربة، معظمها يسعى إلى فهم كيفية عمل هذه الأسلحة الجديدة.، غير أن المشكلات البيئية والصحية الهائلة التي سببتها التجارب النووية دفعت الدول إلى الاتفاق على وقف موقت للتجارب في الغلاف الجوي لبضعة أعوام في أوائل ستينيات القرن الماضي. 

وفي عام 1963 حظرت معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية إجراء التجارب النووية في جميع البيئات إلا تحت الأرض، ومنذ ذلك الحين توقفت الدول المالكة للأسلحة النووية عن إجراء التجارب التفجيرية في أوقات مختلفة، كما أنه لم يُعرف عن الصين وروسيا أنهما أجريتا أية تجارب منذ منتصف التسعينيات، وتُعد كوريا الشمالية الدولة الوحيدة التي أجرت علناً تجربة سلاح نووي في هذا القرن، وكانت المرة الأخيرة عام 2017.

وأوضح روف أن هذه التوقفات حدثت خلال التسعينيات لسبب وجيه وهو أنه في ذلك الوقت أصبح من الممكن اختبار تصاميم الأسلحة النووية الجديدة بصورة موثوقة من خلال التطورات التقنية والحاسوبية، ومن دون الحاجة إلى تفجيرها فعلياً، وبالتالي توقفت الدول النووية، وبخاصة الأكثر تقدماً منها، عندما لم تعد بحاجة إلى اختبار تصاميم الأسلحة الجديدة تفجيرياً لمواصلة تحديث ترساناتها، وهو ما تفعله حتى اليوم.

سباق تسلح جديد يلوح بقوة

وقعت 187 دولة على "معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية"، وهي من أوسع معاهدات نزع السلاح دعماً في العالم، وقد وقّعت الولايات المتحدة على المعاهدة قبل عقود لكنها لم تصادق عليها بعد، ومع ذلك فهي ملزمة قانونياً بعدم انتهاك روح وأهداف المعاهدة طالما بقيت موقعة عليها.

غير أن التقييم السنوي الصادر في يونيو (حزيران) الماضي عن "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" حول حال التسليح ونزع السلاح والأمن الدولي، أفاد بأن سباقاً نووياً جديداً وخطراً بدأ يظهر في وقت تتراجع بشدة فعالية نظم الرقابة على الأسلحة، وكشف عن أن جميع الدول التسع التي تمتلك أسلحة نووية تقريباً، الولايات المتحدة وروسيا والمملكة المتحدة وفرنسا والصين والهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، واصلت برامج تحديث نووية مكثفة عام 2024، شملت تحديث الأسلحة القائمة وإضافة نسخ أحدث.

ووفق التقييم فإنه من بين إجمال الترسانة النووية العالمية المقدرة بـ 12241 رأساً نووياً في يناير (كانون الثاني) 2025، كان 9614 رأساً في مخزونات عسكرية جاهزة للاستخدام، وقد جرى نشر 3912 من هذه الرؤوس على الصواريخ والطائرات، بينما البقية في المخازن المركزية، وكان 2100 من الرؤوس المنتشرة في حال تأهب تشغيلي عال على الصواريخ الباليستية، ومعظمها تابع لروسيا أو الولايات المتحدة، مع احتمال أن تكون الصين تحتفظ الآن ببعض الرؤوس على الصواريخ خلال أوقات السلم.

وبحسب اتحاد العلماء المعنيين فإن روسيا تمتلك 6 آلاف رأس نووي، بينما تمتلك الولايات المتحدة عدداً أقل قليلاً، وهو ما يشكل 90 في المئة من الترسانة النووية في العالم، ومنذ نهاية الحرب الباردة كانت عملية تفكيك الرؤوس النووية المتقادمة في روسيا والولايات المتحدة تتجاوز عادة نشر رؤوس جديدة، مما أدى إلى انخفاض تدرجي في المخزون النووي العالمي من عام إلى آخر، لكن هذا الاتجاه من المرجح أن ينقلب خلال الأعوام المقبلة، إذ يتباطأ معدل التفكيك بينما تتسارع عملية نشر الأسلحة النووية الجديدة، ويقول مدير "مشروع المعلومات النووية لدى اتحاد العلماء الأميركيين" هانس كريستنسن إن "حقبة تقليص عدد الأسلحة النووية في العالم التي استمرت منذ نهاية الحرب الباردة قد انتهت، وبدلاً من ذلك نرى اتجاهاً واضحاً لتزايد الترسانات النووية وتصاعد الخطاب النووي الحاد والتخلي عن اتفاقات السيطرة على الأسلحة."

"معاهدة نيو ستارت"

وحذّر مدير "معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام" دان سميث من التحديات التي تواجه نظام ضبط الأسلحة النووية ومن احتمال اندلاع سباق تسلح نووي جديد.، إذ يرى سميث أن "نظام ضبط التسلح النووي الثنائي بين روسيا والولايات المتحدة دخل أزمة منذ أعوام وهو الآن على وشك الانتهاء تماماً، فعلى رغم أن معاهدة 'نيو ستارت'، آخر معاهدة قائمة تحد من الترسانات النووية الإستراتيجية الروسية والأميركية، لا تزال سارية حتى أوائل عام 2026، لكن لا توجد أية مؤشرات على مفاوضات لتجديدها أو استبدالها، ولا يبدو أن أياً من الطرفين يرغب في ذلك."

وأصر ترمب خلال ولايته الأولى وكرر ذلك في ولايته الحالية من أن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يشمل أيضاً قيوداً على الترسانة النووية الصينية، وهو ما يعتقد المراقبون أنه سيضيف مزيداً من التعقيد إلى مفاوضات صعبة بالفعل، وعندما سُئل اليوم الخميس عما إذا كان العالم يدخل في "بيئة أكثر خطورة" في ما يتعلق بالقضايا النووية فقد أكد أن هدفه هو خفض التصعيد، وقال "أود أن أرى نزعاً للسلاح النووي"، مشيراً إلى الترسانات النووية لدى الولايات المتحدة وروسيا والصين، ومضيفاً "نحن نتحدث بالفعل مع روسيا في شأن ذلك، وستضاف الصين إلى هذه المحادثات إذا قمنا بخطوة في هذا الاتجاه".

وعندما تنتهي معاهدة "نيو ستارت" فلن يكون على الولايات المتحدة وروسيا أية قيود قانونية ملزمة على قواتهما النووية، وسيفقد البلدان القيود المفروضة على الرؤوس النووية المنتشرة وأيضاً آليات المراقبة والشفافية التي تفرضها المعاهدة، والتي ساعدت الطرفين في إدارة التنافس النووي، وتجنب سوء الفهم وتقييمات أسوأ الاحتمالات لأكثر من 50 عاماً، وتقول الزميلة لدى "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" إيمي وولف إن "البيئة الأمنية الدولية تغيرت جذرياً منذ دخول 'نيو ستارت' حيز التنفيذ عام 2011، فعدم التزام روسيا بالمعاهدات السابقة وغزوها أوكرانيا وأنشطتها الخبيثة عبر أوروبا، كلها أثارت تساؤلات حول ما إذا كانت شريكاً موثوقاً به في اتفاقات ضبط التسلح المستقبلية، أما توسع الصين في قوتها النووية والعسكرية وتحدياتها لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة في منطقة المحيط الهندي والهادئ، فقد أثارت تساؤلات عما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة توسيع ترسانتها النووية رداً على ذلك أو الدخول مع الصين في مفاوضات ضبط التسلح، وفي غياب اتفاق جديد يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تتفقا على الحفاظ على قواتهما ضمن حدود "نيو ستارت" حتى بعد انتهاء المعاهدة.

المزيد من تقارير