Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صداقة جورج دبليو بوش.. للنخبة والأغنياء فقط كإلين ديجينيرس؟

إن المشاهير مثل إلين يباركون محاولات الرئيس بوش لإعادة تقديم نفسه كجد محبوب يرسم كلاباً بالألوان المائية، وخاصة المشاهير الذين من المفترض أن يتبنوا وجهات نظر معارضة له إلى حد كبير.

الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش أثناء حضوره مباراة كرة قدم بين فريقي دالاس كاوبويز وغرين باي باكرز (أ.ف.ب)

أُثير جدل واسع الأسبوع  الماضي على وسائل التواصل الاجتماعي عندما انتشرت مقاطع مصورة تظهر الكوميدية المعروفة إلين ديجينيرس والرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، في لقاء كان من المستبعد أن يجمعهما معاً، لكن بدا الاثنان وهما يضحكان سوية في مقصورة أثناء حضوره مباراة كرة قدم بين فريقي دالاس كاوبويز وغرين باي باكرز.

ووسط موجة من الاحتجاجات والاستغراب، أطلت ديجينيرس  في برنامجها "إلين شو" في وقت لاحق من الأسبوع الماضي مؤكدة "أنا صديقة جورج بوش. في الحقيقة، أنا صديقة كثير من الأشخاص الذين لا يشاركونني معتقداتي نفسها.. وأعتقد أننا نسينا أن هذا الأمر مقبول وأننا جميعاً مختلفون".

 

لكن على الرغم من أن بوش وديجينيرس قد تبادلا سابقاً المزاح وتعاملا مع بعضهما بعضاً  بشكل ودي، خاصة في حلقة من  برنامجها الحواري قدمتها في أعقاب تنصيب دونالد ترمب، إلا أن التباينات بينهما تبقى واضحة ولا يمكن التغلب عليها بسهولة من خلال الدردشة. إذ ينبغي أن يكون الاثنان على طرفي نقيض.

يُشار إلى أن  ديجينريس، وهي شخصيةُ مشهورة تتبنى علناً آراء سياسية ليبرالية، صارت أيقونةً ونموذجاً يُحتذى لـ "مجتمع ميم" (مثليي ومزدوجي الميول الجنسية والمتحولين والمحتارين جنسياً) عام 1997 ، عندما ظهرت على غلاف مجلة "تايم" ومن ثم أمام جمهور بلغ عدده حوالي 36 مليون مشاهد من خلال برنامجها الهزلي "إلين" على شاشة تلفزيون "إي بي سي". و ديجينيرس التي تعيش مع زوجتها الممثلة بورتيا دي روسّي منذ عام 2008، أي منذ أصبح زواج المثليين قانونياً في كاليفورنيا، تناضل منذ زمن طويل من أجل حقوق أفراد "مجتمع ميم"، حتى أنها استعانت بالآراء السابقة للمرأة المتحولة جنسياً كيتلين جينير حول زواج المثليين.

في المقابل، أكدّ بوش في سياق مناظرة في 11 أكتوبر (تشرين الأول) 2000 خلال الانتخابات الرئاسية التي كان من مرشحيها في ذلك العام، معارضته لزواج المثليين، على أساس أن الزواج هو "مؤسسة مقدسة بين رجل وامرأة"، وأنه يجب عدم منح المثليين "حقوقاً خاصة ... [أو] حالة وقائية خاصة"، رغم قوله إنه يريد لهم أن يتمتعوا بحقوق متساوية.

ومع أن خصمه آل غور في انتخابات عام 2000، والرئيس باراك أوباما الذي حلّ محله بنهاية ولايته الثانية، تراجع كل منهما منذ ذلك الحين عن معارضته السابقة لزواج المثليين، إلا أن بوش لم يُدلّل مثلهما على تغير في موقفه من تلك المسألة.

في الواقع، إن الدعم الذي قدمه بوش لبريت كافاناه، قاضي المحكمة العليا المحافظ بتطرف، حتى في خضّم  مواجهته اتهامات  باعتداءات ومضايقات جنسية عديدة، لعب دوراً فعالاً في تثبيت تعيينه في المحكمة. وأثناء كتابة هذه السطور، وفي اليوم نفسه الذي دافعت فيه ديجينيرس عن صداقتها مع بوش، ستقرر المحكمة العليا في الولايات المتحدة ما إذا كانت ستسمح لأرباب العمل بالتمييز على أساس الجنس أو الميل الجنسي. ضعوا في الحسبان، أنه سيكون لهذه قضية تداعيات مؤذية للغاية، وقد تؤثر على السكن والرعاية الصحية والعنف الذي يُضطر الأشخاص من أفراد "مجتمع ميم" (وخصوصاً النساء السوداوات المتحولات جنسياً) أن يتحملوه. إذا حكمت المحكمة لصالح التعصب، فإن دعم بوش لكافاناه ساهم في التسبّب بهذه التداعيات، ناهيك عن العواقب الوخيمة الأخرى لوجود هذا القاضي في المحكمة العليا.

وإذا تجاوزنا الهوية الخاصة بـ ديجينيرس، فإن الفجوة بين معتقدات بوش والمعتقدات التي نسبتها لنفسها، تصبح أوسع. فالرئيس الأسبق، الذي كان وراء حرب دارت لسنوات عدة  واندلعت على أساس كذبة من أجل النفط، تسبّب بزعزعة استقرار مناطق بأكملها في الشرق الأوسط وأفريقيا. وأدت "الحرب على الإرهاب" التي شنها  إلى سقوط عدد لا يحصى من الضحايا المدنيين في جميع أنحاء العالم وإلى أزمة لاجئين، كما أشرف على ممارسة التعذيب  بطرق لا إنسانية مروعة في سجن أبو غريب وفي خليج غوانتانامو. واعتُقل أكثر من 750 مسلماً أمريكياً بعد أحداث11 سبتمبر (أيلول)، لمجرد أنهم مسلمين، ومعظمهم من المسلمين الملونين.

وتشير مجلة "جاكوبين" أيضاً إلى أن بوش أدين غيابياً "بارتكاب جرائم ضد السلام" من قبل محكمة جرائم حرب مؤلفة من سبعة أعضاء في كوالالمبور. كما سلطوا الضوء أيضاً على حقيقة أن ريتشارد كلارك، وهو مسؤول سابق كبير في إدارة بوش لمكافحة الإرهاب، أعرب علناً على نحو موثق باعتقاده أن [بوش] وإدارته ارتكبوا جرائم حرب.

بالإضافة إلى ذلك، أظهر الرئيس الأسبق قدراً كبيراً من عدم الكفاءة  ونقصاً مذهلاً في التعاطف مع ضحايا فيضانات مدينة نيو أورليانز ذات الغالبية السوداء أثناء إعصار كاترينا. وأشارت مجموعات من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى إن مبادرته التعليمية التي تحمل اسم "لا أطفال مهملين"، فشلت بشكل بائس وألحقت أضراراً غير متناسبة بالطلبة ذوي الدخل المحدود والطلاب الملونين. كما أن قسطاً كبيراً من اللوم يقع عليه  لوقوع كارثة الركود الاقتصادي العظيم عام 2008.

القائمة تطول، لكن الفحوى واضح: كان جورج دبليو بوش من أسوأ الرؤساء الذين تسلّموا زمام الأمور في هذه البلاد على الإطلاق. يفصله عن ترمب المكروه على نطاق واسع، فارق ضئيل للغاية  يتمثل بتلك اللباقة الظاهرية التي يتمتع بها أبناء الطبقة العليا ومحاولاته لإعادة تقديم نفسه كجد محبوب يرسم كلاباً بالألوان المائية، ويعانق الآخرين بشكل دافئ، و "لا يحب" العنصرية المروعة بشكل صارخ لمرحلة ترمب. غير أن محاولاته لتسويق صورته هذه تنجح على وجه التحديد بفضل صداقاته العامة مع أشخاص مثل ديجينيرس.

بيد أن بوش يُعتبر شخصية مرعبة في رأي الكثيرين، ومحاولة حث ضحاياه على نسيان هذا تحت ستار الكياسة والوئام هي أمر بغيض.

قال بعضهم على وسائل التواصل الاجتماعي دفاعاً  عن تصرفات ديجينيرس، إن الموقف السلبي من الفنانة الكوميدية لا يقف عند هذا الحدّ بل يقود إلى مواقف أخرى مماثلة، فإدانتها تقتضي إدانة أشخاص مثل المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون والسيدة الأولى السابقة ميشيل أوباما لإظهارهما المودة تجاه بوش.

لكن كما يقول الكاتب عمران صدّيقي على تويتر، قد تكون هذه هي الخلاصة.  إذ يجب أن ننتقد بشكل دائم الأشخاص ممن يُعتبرون من النخبة، بغض النظر عن مدى روعتهم أو إعجابنا بهم. يجب أن ننتقد الأشخاص الذين اختارهم أعضاء النخبة كي يكونوا في محيطهم، والسياسات التي يدعمونها، والفظائع التي يسكتون عنها، ومقدار مراجعة الذات والندم الذي ينخرطون فيه.

إن القدرة على الامتناع عن  ممارسة هذا النوع من التحليل الذاتي والنقد موجودة فقط في صفوف النخبة، التي يبقى أعضاؤها في مأمن من القمع بفضل أموالهم ومكانتهم. وكما ذكر الكاتب هاملتون نولان في مجلة موقع "سبلينتر نيوز"  بينما " يضطر الشخص العادي إلى قضاء وقت طويل في التفكير في المشاكل البسيطة إلى الوجودية.. فإن الأشخاص المتربعين على قمة العالم ليسوا ملزمين بذلك.. وتُلبى احتياجاتهم. إنهم أحرار في توجيه طاقاتهم العقلية نحو بلوغ مستويات أعلى من تحقيق الذات. ومع أنهم قد يدركون مشاكل العالم بطريقة مجردة، إلا أنها ليست عقبات حقيقية أمامهم ".

لا أستطيع التحدث عما تعتبره ديجينيرس تهديداً حقيقياً لحياتها أو لرفاهها، لكن الحقيقة المتمثلة في قدرتها على أن تكون صديقة جورج دبليو بوش على الرغم من الدمار الواسع الذي أحدثه، وعدم ندمه الواضح على ما ارتكبه، تُظهر أنها ليست خائفة من العواقب العالمية المدمرة المحتملة لرد الاعتبار إليه.

إذا قبلنا رئيساً يسنّ سياسات لكراهية الأجانب، ويجرد المواطنين من حقوقهم، ويسحق دولاً بأكملها ، طالما أنه يفعل ذلك فيما ترتسم ابتسامة مهذبة على محياه   ويتفوه بعبارات فارغة عن السلام والوئام،  فكيف سنتحرر من مرحلة ترمب  ونُفلت من قبضتها حقاً؟

© The Independent

المزيد من آراء