ملخص
على رغم إعلان ترمب عن تحقيق "السلام الكامل" في الشرق الأوسط، فإن الغارات الإسرائيلية التي أودت بحياة أكثر من 100 فلسطيني، والردود المتوترة بين إسرائيل و"حماس"، تكشف هشاشة وقف إطلاق النار وتظهر أن خطة السلام المزعومة تفتقر إلى الواقعية والتوافق الدولي.
تكثر التعابير الملطفة المستخدمة لوصف أحداث الأيام الأخيرة، التي انتهت بتوجيه الإسرائيليين ضربات جوية على غزة أسفرت عن مقتل أكثر من 104 فلسطينيين حتى اليوم.
بالنسبة إلى نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، لا ينبغي لأحد أن ينخدع بـ"الاشتباكات الصغيرة" ويظن أن وقف إطلاق النار لن يصمد. أما بالنسبة إلى جيش الدفاع الإسرائيلي، فالغارات كانت مجرد "تطبيق لوقف إطلاق النار". وإذا كان هذا كله متوافقاً مع نهاية الأعمال العدائية، فمن المغري أن نتساءل كيف سيكون شكل العودة الكاملة إلى الحرب.
ومع ذلك، فإن التفاصيل مهمة، كما هي دائماً في الشرق الأوسط. وقع حدثان منفصلان كانا السبب - أو الذريعة، بحسب منظورك - وراء "الضربات القوية" التي أمر بنيامين نتنياهو بتنفيذها يوم الإثنين الماضي. أحدهما وقع حين أعادت "حماس" إلى إسرائيل بعض رفات رجل قتل في هجومها يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لكن تبين أن القوات الإسرائيلية كانت استعادت جثمانه خلال وقت مبكر من الحرب، (يقول الجيش الإسرائيلي إن المسلحين وضعوا الرفات عمداً قرب موقع للحفر ثم حفروا وأخرجوها مجدداً كي يقدموها للصليب الأحمر على أساس أنهم اكتشفوها حديثاً).
"حماس" التي التزمت بإعادة جميع الرهائن المتبقين بموجب شروط وقف إطلاق النار، وقد سلمت جميع الرهائن الأحياء، أعادت أيضاً 15 من أصل 28 رهينة متوفاة. لكنها، وتحت ضغط متزايد للعثور على الـ13 المتبقين، قالت إن الأمر سيستغرق وقتاً لاسترجاعهم. وتزعم السلطات الإسرائيلية أن "حماس" تعرف مكان معظمهم.
وكانت الحادثة الثانية مصرع جندي إسرائيلي تعرض لإطلاق نار من مسلحين فلسطينيين في الجانب الذي تسيطر عليه إسرائيل وراء "الخط الأصفر" ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، وهو خط يقسم غزة من النصف تقريباً. وحملت إسرائيل "حماس" مسؤولية مقتل الجندي، فيما تصر "حماس" على أنها لا تقف وراء الهجوم وأنها لا تزال ملتزمة تماماً بوقف إطلاق النار.
يعد التساؤل إن كان حجم الهجوم الإسرائيلي مبرراً أساساً، مسألة قد تختلف فيها الآراء. ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة إلى مستقبل وقف إطلاق النار؟ بعدما انتهت غاراتها الجوية القاتلة - في الأقل خلال الوقت الحالي - تقول إسرائيل إنها ملتزمة دورها بالحفاظ عليه. السؤال الحقيقي هو: هل سيكون هذا الانتهاك الأخير هو آخر خرق كبير؟ وفي الواقع يمكن تقسيمه لسؤالين: هل ستصمد المرحلة الأولى الحالية من وقف إطلاق النار؟ وإن صمدت، فماذا سيحدث بعد ذلك؟
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يعتمد صمود المرحلة الأولى بصورة كبيرة الأميركيين. وسجل أمس الأربعاء مؤشراً آخر على نوع الضغط الذي يتعرض له نتنياهو من حلفائه اليمينيين المتطرفين. فقد انتقد وزير الأمن القومي اليهودي المتطرف إيتمار بن غفير، رئيس الوزراء الإسرائيلي لوقفه الرد على مقتل الجندي وسماحه بدخول مزيد من المساعدات الإنسانية - على رغم أن الوكالات الدولية تقول إن هذا الكم غير كافٍ لا من قريب ولا من بعيد لسد حاجة القطاع - "بدلاً من العودة إلى الحرب الشاملة".
في المقابل، من غير المرجح أن يرغب ترمب، الذي أعلن بكل فخر أمام العالم أن "الحرب انتهت"، في أن يحقق بن غفير مبتغاه. وهذا ما يفسر جزئياً تدفق الزوار الأميركيين إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، بقيادة فانس، للتأكيد شخصياً على التزام الرئيس بهذه المرحلة من وقف إطلاق النار - وهي عملية "مراقبة بيبي"، كما يسميها الدبلوماسيون على سبيل المزاح. وهذا يفسر أيضاً سبب إصرار واشنطن على أن يبلغ نتنياهو الولايات المتحدة مسبقاً بأية عمليات عسكرية. وهو أيضاً سبب نشر نحو 200 ضابط أميركي حالياً في مركز جنوب إسرائيل لـ"تنسيق" الخطوات العسكرية الإسرائيلية المستقبلية.
إن المرحلة الحالية من وقف إطلاق النار هشة تماماً كما تبدو، إذ يبدو أن الولايات المتحدة وافقت بالنتيجة على الضربات الإسرائيلية الأخيرة. ومع ذلك، فإن هذا يعني وجود فرصة في الأقل لاستمرار وقف إطلاق النار خلال الوقت الحالي - على رغم "المناوشات الصغيرة" التي ذكرها فانس.
لكن المشكلة أنه حتى لو صمد وقف إطلاق النار، فإن إعلان ترمب أنه حقق سلاماً دائماً في غزة، ناهيك بالمنطقة بأسرها، هو إعلان أجوف بقدر ما هو طموح. فلسنا نقلل من شأن إنجازه المتمثل في التوصل إلى وقف لإطلاق النار أبداً إن قلنا إن ما تبقى من خطة السلام المكونة من 20 نقطة التي يتباهى بها يبدو بصورة متزايدة وكأنه قائمة أمنيات مكتوبة على ظهر مغلف، ولا شيء غير ذلك.
لنأخذ مثالاً واحداً. من غير المرجح أن تقوم "حماس" بنزع سلاحها، كما تنص الخطة، ما لم تنسحب إسرائيل أولاً إلى حدودها. وفي الواقع، ربما يدرك نتنياهو هذا الأمر جيداً. في مقابلة مطولة مع إيزرا كلاين من صحيفة "نيويورك تايمز"، أشار المعلق الإسرائيلي اليميني أميت سيغال، الذي يعد مقرباً من تفكير حكومته، إلى أن تقسيم غزة وفق "الخط الأصفر" سيكون دائماً.
في مثل هذا السيناريو، كما يقول سيغال، فإن 53 في المئة من غزة ستتركز حول "رفح جديدة" التي تمولها السعودية والإمارات، والتي "لا توجد فيها أسلحة وتوجد فيها قوة شرطة فعالة - لا أنفاق، ولا كلاشينكوف، ولا كراهية" - وستكون غزة "المعتدلة". "أما غزة الأخرى، فهي كل ما يبقى في أنقاض مدينة غزة ومخيمات اللاجئين في وسط غزة".
وحتى لو قبلنا بافتراض سيغال غير الواقعي بأن دول الخليج مستعدة لتمويل هذا النموذج السوريالي والإشراف عليه، فإن ذلك لا يشكل بأية حال وصفة لسلام دائم. وربما يكون سيغال قد سبق اتصالاته الحكومية، لكن مجرد طرحه لهذا التصور يوضح غياب برنامج تفصيلي متفق عليه دولياً لتحويل خطة ترمب إلى واقع طويل الأمد.
لذا فإن وقف إطلاق النار، على هشاشته، هو الوصف الأدق للوضع الذي لا يزال - بالكاد - قائماً. أما ما أعلنه ترمب بفخر خلال الـ29 من سبتمبر (أيلول) الماضي على أنه "الصفقة الكاملة، حل لكل شيء... السلام في الشرق الأوسط"، حسناً، شتان ما بين هذا وذلك.
دونالد ماكنتاير هو مؤلف كتاب "غزة تستعد للفجر" (دار وان وورلد للنشر)
© The Independent