ملخص
الأمر غير مقتصر على مساعدات الإيواء ولوازم الشتاء، إذ لا تزال إسرائيل تفيد بدخول الدجاج واللحوم والبيض لغزة، وتشترط تسليم الرفات لتوريد هذه الأصناف للقطاع، وحالياً تكتفي بتزويد القطاع ببعض أنواع المعلبات والنودلز السريعة التحضير.
تستغل إسرائيل صعوبة وبطء عثور "حماس" على جثث الرهائن المحتجزين في غزة لفرض عقوبات ووقائع جديدة تخالف اتفاق وقف إطلاق النار الذي توصل إليه الوسطاء حسب خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وتتحجج بأن الحركة الفلسطينية تعرف أماكن الرفات وتماطل في تسليمها لكسب الوقت من أجل إعادة تثبيت حكمها في القطاع المدمر.
بحسب خطة "السلام والازدهار"، فإنه في غضون 72 ساعة من قبول إسرائيل العلني بهذا الاتفاق، سيتم تسليم جميع الرهائن، أحياء كانوا أو أمواتاً، وفور دخوله حيز التنفيذ سيتم إدخال 600 شاحنة مساعدات إنسانية عاجلة لغزة بصورة يومية.
مساعدات الإيواء ممنوعة
لكن الواقع كان مغايراً، إذ لم تستطع "حماس" تسليم جميع الرفات دفعة واحدة لأسباب مختلفة، وهذا ما دفع إسرائيل إلى فرض عقوبات متنوعة على الغزيين، وأبرزها مواصلة انتهاج سياسة التجويع، وإغلاق معبر رفح، وزيادة المساحة التي تسيطر عليها في غزة.
بعد خمسة أيام فقط من دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مواصلة إغلاق معبر رفح ومنع المرضى والجرحى من السفر للعلاج، وكذلك قلص المساعدات الإنسانية التي تدخل غزة تدرجاً حتى منعها الكامل وبقاء سلاسل التوريد التجارية فقط.
في معبر كرم أبو سالم الذي يربط بين غزة وإسرائيل، لا تزال تل أبيب تقيد دخول كثير من مساعدات الإيواء والطعام، يقول مفوض وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني "نولي أهمية قصوى للمساعدات الإنسانية، باختصار سكان غزة تحولوا إلى فقراء لا يستطيعون شراء الطعام ومستلزمات الحياة الأساسية".
ويضيف لازاريني "نواجه تحديات كبيرة وعراقيل، تواصل إسرائيل منع دخول المعونات لغزة، إنهم يرفضون السماح لمساعدات الإيواء ولوازم الشتاء، هذه المساعدات لا تزال محتجزة في مستودعاتنا، الأمم المتحدة تمتلك المواد المطلوبة لكنها عاجزة عن إيصالها للنازحين بسبب القيود الإسرائيلية المستمرة".
الدجاج والبيض مقابل الجثث
والأمر غير مقتصر على مساعدات الإيواء ولوازم الشتاء، إذ لا تزال إسرائيل تفيد بدخول الدجاج واللحوم والبيض لغزة، وتشترط تسليم الرفات لتوريد هذه الأصناف للقطاع، وحالياً تكتفي بتزويد القطاع ببعض أنواع المعلبات والنودلز السريعة التحضير، وهذا ما يقرأه مراقبو التغذية بأنه تحايل ومواصلة سياسة التجويع.
القيود على المعونات ليست خيار إسرائيل الوحيد في معاقبة سكان غزة على تأخر "حماس" في تسليم الرهائن، بل تستغل هذا الموضوع لانتهاك اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع بالقصف البركاني المدمر على القطاع الذي تحول إلى أنقاض، وعرقلة فتح معبر رفح البري مع مصر.
وعلى رغم أن الوسطاء يعرفون جيداً الصعوبات التي تواجهها "حماس" في العثور على جثث الرهائن، ويقرون بذلك إذ يقول نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس "أماكن بعض جثث المحتجزين المتوفين في غزة غير معروفة، القضية صعبة ولن يتم حلها بين عشية وضحاها"، فإن إسرائيل تعتبر ذلك ذرائع وتبحث تفعيل عقوبات أشد قسوة على الغزيين.
لكن على رغم كل توضيحات الوسطاء فإن المجتمع الإسرائيلي يضغط على نتنياهو، إذ طالب تجمع عائلات المختطفين والمفقودين الإسرائيليين، حكومة تل أبيب والوسطاء بتفعيل أدوات الضغط على حركة "حماس" التي تعرف جيداً مكان وجود جميع الجثامين، بعد انتهاء المهلة المحددة لإعادتهم دون أي تقدم.
توسيع الخط الأصفر
عقد نتنياهو اجتماعاً أمنياً مع كبار المسؤولين الإسرائيليين لبحث عقوبات ضد "حماس" التي تماطل في تسليم جثث الرهائن المتبقية في غزة، وناقش هذا الموضوع مع مسؤولين أميركيين بهدف تنسيق الخطوة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
اقترح وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش أن تتم إعادة اعتقال الأسرى الفلسطينيين الذين أطلق سراحهم في صفقة التبادل الأخيرة، الموجودين في الضفة الغربية، كإجراء عقابي ضد "حماس".
لكن نتنياهو يبحث عن عقاب أقسى وأشد تأثيراً ليس على "حماس" وحدها، وإنما على كل الغزيين، وقرر توسيع المنطقة التي يسيطر عليها جيشه في قطاع غزة إلى ما بعد الخط الأصفر.
السيطرة على 70 في المئة
بحسب اتفاق "السلام والازدهار"، فإن إسرائيل ستنشر قواتها في غزة على مساحة 53 في المئة من إجمال مساحة القطاع، وبمجرد الانتهاء من تسليم الرفات وبدء المرحلة الثانية ينسحب الجيش إلى منطقة أقل مساحة لكنه سيبقى داخل القطاع.
المنطقة التي لا تزال إسرائيل تسيطر عليها داخل غزة تسمى الخط الأصفر، وجرى ترسيم تلك الحدود الجديدة للقطاع بعلامات صفراء واضحة حتى لا ينتقل الغزيون إليها، ولكن هذه البقعة التي تقضم نصف مساحة القطاع لم تعد تكفي نتنياهو ويريد التوسع أكثر.
بحسب القناة "14" العبرية، فإن نتنياهو قرر توسيع مساحة السيطرة التي يفرضها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة من 53 في المئة إلى نحو 70 في المئة، وهذا يعني نزوحاً جديداً للسكان وتقليص المساحة الجغرافية عليهم، لكن هذا القرار لم يدخل حيز التنفيذ ولايزال لم يحظ على موافقة الولايات المتحدة ولا غرفة تنسيق المهمات العسكرية المدنية التي تشارك فيها دول كبيرة لضمان تنفيذ خطة "السلام والازدهار".
هل "حماس" تماطل فعلاً؟
يقول المتحدث باسم مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلي هاني مرزوق إن "حماس" تماطل في تسليم جثث الرهائن و"إنها تعرف مواقع الرفات لكنها ترفض تسليمها، إنهم يحاولون خلق انطباع زائف بأنهم يبذلون جهوداً للعثور على جثث الرهائن، لذلك سيدفعون الثمن".
ويضيف مرزوق "تدعي ’حماس‘ أنها بحاجة إلى معدات هندسية وفرق للبحث معها، لكن الحقيقة ما تطلبه ليس ضرورياً، الحركة تستخدم هذا الملف لأغراض دعائية وسياسية، فهي تريد تثبيت حكمها في القطاع وهذا لن يحدث إطلاقاً".
في غزة، سلمت "حماس" جميع جثث الرهائن التي تمكنت من انتشالها، ما عدا جثتين جديدتين عثرت عليهما أخيراً وقررت إرجاء تسليمهما بسبب خرق إسرائيل للاتفاق، وفي حال إرسالهما للصليب الأحمر يتبقى 11 جثة إسرائيلية في القطاع، من المقرر أن تقوم "حماس" بتسليمها بعد العثور عليها، لكن هناك تقديرات تشير إلى عدم وجود معلومات تفصيلية عن نحو خمس جثث، وهو ما قد يعني عدم تسليمها مرحلياً.
"حماس" تدرك أن العقوبات آتية لا محالة
في أي حال، في الميدان تبذل "حماس" جهوداً لانتشال الرفات، لكنها تواجه صعوبات، يشرح القائم بأعمال رئيس المكتب السياسي لـ"حماس" خليل الحية قائلاً "الحركة جادة في إيجاد هذه الجثث، وعدم إعطاء إسرائيل ذريعة للعودة إلى الحرب، لكن هناك إشكاليات كبيرة في البحث عن الرفات، هناك تغييرات حصلت في أرض غزة نتيجة عمليات التدمير والنسف الهائلة، إلى جانب أن بعض الجثث دفنت وقتلت المجموعات الآسرة المكلفين بحراستها، فضلاً عن نقص المعدات".
تعرف "حماس" أن إسرائيل تخطط لاتخاذ إجراءات عقابية ضدها، يضيف الحية "لا نمارس التباطؤ، هذه ادعاءات إسرائيلية لا أساس لها من الصحة هدفها تضليل الرأي العام، تل أبيب تسعى إلى فبركة ذرائع زائفة تمهيداً لاتخاذ خطوات عدوانية جديدة ضد الغزيين".
لتثبت "حماس" جديتها، طلبت من الصليب الأحمر ومصر التنسيق مع إسرائيل للدخول وراء الخط الأصفر للبحث عن الرفات، وبالفعل وافقت تل أبيب على دخول عناصر "حماس" مع فرقة المعدات المصرية وفريق من الصليب الأحمر، لكن بعد يوم واحد عادت ومنعتهم من التنقيب عن الجثث وأجبرتهم على مغادرة مناطق سيطرتها.
دواع أمنية وسياسية
بعد لقاء مع الوسطاء، طرحت الدول التي وقعت على اتفاق السلام مبادرة لتشكيل فريق متعدد الأطراف يتكون من إسرائيل والولايات المتحدة وقطر وتركيا ومصر، لدخول غزة، والمشاركة في القدرات والمعلومات الاستخباراتية المتقدمة لتحديد مكان بقايا الرهائن واستعادتهم، لكن تل أبيب رفضت ذلك كلياً ومنحت فريقاً مصرياً صغير العدد إذن للقيام بذلك.
في الواقع التعقيدات الإسرائيلية بمنع البحث خلف الخط الأصفر ومنع فريق دولي من دخول غزة وفرض عقوبات على المساعدات من ورائها أهداف مرعبة، يقول مدير مركز "عروبة للأبحاث والدراسات الإستراتيجية" أحمد الطناني "هذا الملف بات يستخدم ذريعة سياسية لتثبيت حال اللاسلم واللاحرب ومنع الانتقال إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس الأميركي".
ويضيف الطناني "تحاول إسرائيل الترويج لسردية تلاعب ’حماس‘ بملف الجثث من أجل تبرير استمرار عدوانها، والحفاظ على حال استنزاف دائمة في غزة، حيث إن هذه السياسة تمنح الجيش الإسرائيلي حرية الحركة، وتبقي القطاع في دائرة التوتر الأمني، وتحد من قدرة الوسطاء على إنجاز ملفات الحكم والإدارة في القطاع لإفشال أي مسار يمكن أن يترجم إلى واقع سياسي جديد أو يعيد ترتيب المشهد الداخلي الفلسطيني".