ملخص
نظمت مسابقة عالمية تحت إشراف منظمة "اليونيسكو" والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين لاختيار التصميم الأنسب للمتحف، وشارك في المسابقة 1557 تصميماً، تأهل منها ثلاثة، ثم اختير التصميم الحالي عبر لجنة دولية ضمت خبراء في العمارة والآثار من الجمعية المعمارية الدولية و"اليونيسكو" ووزارة الثقافة.
في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، تبدأ مصر صفحة جديدة في تاريخها الثقافي مع الافتتاح الرسمي للمتحف المصري الكبير، أضخم صرح مخصص للحضارة المصرية القديمة في العالم. ينتظر العالم هذا الحدث منذ أكثر من عقدين، حين كان مجرد فكرة وضع لها حجر أساس، وبعد سلسلة من التأجيلات تراوحت بين اضطرابات 2011 وجائحة كورونا والأزمات الإقليمية التي عطلت التمويل والإنشاءات في مراحل مختلفة.
وراء هذا الافتتاح تاريخ طويل من التحديات، بدأ منذ طرح فكرة المشروع في مطلع الألفية الجديدة، ومر بمحطات صعبة تطلبت قرارات حاسمة لاستكماله. ومع اكتمال بنائه، تستعد القاهرة لاستقبال رؤساء دول وملوك ورؤساء حكومات، في احتفال يصفه كثيرون بأنه إعلان رسمي لاستعادة مصر موقعها الثقافي في قلب العالم.
10 أسئلة وإجاباتها تكشف عن أسرار المتحف المصري الكبير، منذ أن كان فكرة على الورق وحتى اكتمال جميع مراحل بنائه بعد أكثر من 20 عاماً من العمل المتواصل.
1 ـ متى بدأت فكرة المتحف؟
تبلورت فكرة إنشاء المتحف المصري الكبير خلال تسعينيات القرن الماضي في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وتحديداً عام 1992، ووضع حجر الأساس له عام 2002.
أجريت بعدها دراسات فنية وإنشائية وجيولوجية دقيقة، شملت تحليل ميكانيكا التربة وحركة الرياح والنشاط الزلزالي، إلى جانب دراسة إمكانية دمج الأهرامات ضمن منظومة العرض المتحفي.
صاحب الفكرة كان وزير الثقافة السابق فاروق حسني، الذي اقترح إقامة المتحف بجوار الأهرامات، بعد أن لاحظ تراكم القطع الأثرية في متحف التحرير بأعداد كبيرة حالت دون عرضها بالصورة المناسبة. غير أن الفكرة واجهت في بدايتها معارضة من عدد من كبار الأثريين في مصر، الذين رفضوا إنشاء مبنى ضخم لعرض القطع الأثرية خارج النطاق المتحفي القائم في وسط القاهرة.
2 ـ من وقع عليه الاختيار لتصميم البناء؟
نظمت مسابقة عالمية تحت إشراف منظمة "اليونيسكو" والاتحاد الدولي للمهندسين المعماريين لاختيار التصميم الأنسب للمتحف، وشارك في المسابقة 1557 تصميماً، تأهل منها ثلاثة، ثم اختير التصميم الحالي عبر لجنة دولية ضمت خبراء في العمارة والآثار من الجمعية المعمارية الدولية و"اليونيسكو" ووزارة الثقافة.
فاز بالمسابقة مكتب "هينغهان بنغ" للمهندسين المعماريين من أيرلندا، الذي استلهم تصميمه من التقاء أشعة الشمس المنبعثة من قمم الأهرامات لتشكل كتلة هندسية تنسجم مع طبيعة المكان وتعبر عن امتداد حضارته.
3 ـ ما مساحة المتحف المصري الكبير؟
يمتد المتحف المصري الكبير على مساحة إجمالية تقارب 500 ألف متر مربع، وتبدأ حدوده من ساحة الدخول الرئيسة المعروفة باسم ميدان المسلة المصرية، التي تغطي نحو 27 ألف متر مربع، وتشكل المدخل الأساس المؤدي إلى قلب المتحف.
تتقدم الساحة واجهة معمارية ضخمة تعرف باسم "حائط الأهرامات"، بعرض يقارب 600 متر وارتفاع يبلغ نحو 45 متراً، لتكون أبرز عناصر التصميم وأكثرها لفتاً للانتباه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خلف الواجهة يمتد المبنى الرئيس الذي يتكون من قسمين معماريين متكاملين: الجنوبي يضم مبنى العرض المتحفي على مساحة 92623 متراً مربعاً، بينما يحتل القسم الشمالي مركز المؤتمرات على مساحة 40609 أمتار مربعة.
يربط بين القسمين بهو المدخل المركزي، الذي يتوسطه تمثال الملك رمسيس الثاني، ليكون نقطة الاستقبال الأولى للزائرين وبداية مسارهم داخل المتحف.
4 ـ ما كلفة إنشاء المتحف؟
يقدر الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف أحمد غنيم الكلفة الإجمالية للمتحف المصري الكبير بنحو 1.2 مليار دولار، منها 750 مليون دولار قروضاً، والباقي هو تمويل حكومي مصري.
قدمت اليابان قرضين على فترتين: الأول بقيمة 280 مليون دولار عام 2006 بفائدة 1.5 في المئة يسدد خلال 30 عاماً، والثاني بقيمة 460 مليون دولار عام 2016 بفائدة 1.4 في المئة على 25 عاماً لاستكمال أعمال البناء.
انطلقت أعمال الإنشاء في مايو (أيار) 2005 بتهيئة الموقع، وتبعها في العام التالي إنشاء مركز ترميم الآثار، الذي يعد الأكبر في الشرق الأوسط، خصص لترميم المقتنيات الأثرية المعدة للعرض، وافتتح رسمياً في يونيو (حزيران) 2010.
5 ـ مما يتكون المتحف المصري الكبير؟
يضم المتحف 12 قاعة عرض رئيسة صممت لتقديم تجربة متكاملة تجمع بين الأثر والمعرفة والترفيه، يبدأ من المدخل الرئيس الذي يحتضن تمثال رمسيس الثاني وخمس قطع ضخمة، ويقود إلى الدرج العظيم بارتفاع يعادل ستة طوابق ويضم 87 قطعة أثرية، كما تضم قاعة "توت عنخ آمون" أكثر من 5 آلاف قطعة من كنوزه.
تمتد قاعات العرض الدائم على 18 ألف متر مربع لعرض آثار الحضارة المصرية، إلى جانب قاعات عرض موقتة، ومتحف للطفل مزود بتقنيات تفاعلية، وقاعات للحرف وذوي القدرات الخاصة، ومخازن تضم 50 ألف قطعة أثرية.
يضم المتحف أيضاً مكتبة علمية، ومركز مؤتمرات يشمل قاعة رئيسة تتسع لـ900 شخص، وقاعة عرض ثلاثية الأبعاد، ومركزاً ثقافياً، ومطاعم وساحة طعام، وممشى تجارياً يضم محالاً وأكشاكاً.
تحيط بالمبنى حدائق ومعارض خارجية تشمل متحف مركب الشمس، وحديقة المعبد، وحديقة أرض مصر التي تحاكي البيئة الزراعية القديمة، وحديقة ترفيهية، ومدرجاً مطلاً على الأهرامات، بما يجعل المتحف مركزاً ثقافياً وسياحياً متكاملاً يعرض تاريخ مصر القديمة.
6 ـ ما أبرز مقتنيات المتحف الكبير؟
مقتنيات "توت عنخ آمون" لا سيما قناعه المصنوع من الذهب، إلى جانب مركبي الملك خوفو اللذين نقلا من موقعهما الأصلي إلى المتحف، وتمثال رمسيس الثاني في بهو المدخل، والمسلة المعلقة عند ساحة الدخول، وعمود مرنبتاح، وتضم القطع الثقيلة على الدرج العظيم آثاراً من عصر الدولة القديمة، مروراً بالدولة الوسطى والدولة الحديثة وحتى العصر اليوناني الروماني.
ويعتمد المتحف على أنظمة عرض رقمية تتيح للزائر إعادة بناء المشاهد التاريخية، وتستخدم تقنيات الواقع المعزز في قاعات معينة لتوضيح مراحل بناء الأهرام أو طقوس الدفن، كما تدار بيئة المتحف بالكامل بنظام ذكي للتحكم في الإضاءة والرطوبة لضمان حفظ القطع.
7 ـ ما عدد القطع المعروضة في المتحف؟
يعرض المتحف المصري الكبير حالياً نحو 30 ألف قطعة أثرية داخل قاعاته المجهزة لاستيعاب ما يصل إلى 50 ألف قطعة، إضافة إلى مخازن تستوعب العدد نفسه، مما يجعل طاقته الإجمالية تتجاوز 100 ألف قطعة أثرية.
القطع الأثرية المعروضة في المتحف المصري الكبير جمعت من متاحف ومخازن أثرية في مختلف محافظات مصر تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، وجرى نقلها من المتحف المصري بالتحرير ومواقع أثرية متعددة في أنحاء البلاد.
يقول المدير التنفيذي للترميم ونقل الآثار بالمتحف المصري الكبير عيسى زيدان، إن مركز ترميم المتحف يعد أحد أكبر المراكز المتخصصة في علم الترميم على مستوى الشرق الأوسط، وجميع القطع التي تنقل إلى المتحف تمر أولاً عبر المركز، إذ تفحص وترمم قبل عرضها.
يضم المركز نحو 57 ألف قطعة داخل المخازن، ويحتوي على معامل متخصصة وفق طبيعة المادة الأثرية، وتشمل معامل لترميم الأخشاب، والأحجار، والآثار الثقيلة، والآثار العضوية وغير العضوية، إضافة إلى معامل للفحوص والتحاليل مزودة بأحدث الأجهزة لرصد الإصابات الدقيقة في القطع الأثرية ومعالجتها.
8 ـ ما الذي يجعله مختلفاً عن المتاحف المصرية؟
يضم المتحف للمرة الأولى مجموعة الملك توت عنخ آمون الكاملة التي تحتوي على أكثر من 5 آلاف قطعة أثرية، ويعد أكبر متحف أثري في العالم مخصص لحضارة واحدة هي الحضارة المصرية القديمة، كما يعد أول متحف أخضر في أفريقيا والشرق الأوسط بفضل استخدامه أنظمة تحكم ذكية لإدارة استهلاك المياه والطاقة.
تمنحه مساحته الشاسعة وإطلالته المباشرة على الأهرامات تميزاً بصرياً فريداً يربط بينه والموقع الأثري المحيط، ويضم مركزاً عالمياً للحفظ والترميم ومرافق بحثية متخصصة، إضافة إلى توظيف تقنيات حديثة تشمل الشاشات التفاعلية والواقع الافتراضي المعزز لعرض المقتنيات الأثرية.
يؤكد رئيس اللجنة الهندسية والمشرف العام السابق على مشروع المتحف المصري الكبير اللواء عاطف مفتاح أن فلسفة المتحف تقوم على جعل الزيارة تجربة متكاملة يقضي فيها الزائر يومه بالكامل، خلافاً لما كانت عليه الحال في المتاحف السابقة التي افتقرت إلى الخدمات الجاذبة للجمهور.
وأضاف مفتاح لـ"اندبندنت عربية" أن دراسة أجرتها الهيئة الهندسية على ثلاثة مراكز تجارية في مناطق مدينة نصر والتجمع الخامس و6 أكتوبر أظهرت أن عدد زوارها مجتمعين يتجاوز 100 مليون شخص سنوياً في مقابل نحو 16 مليون سائح يزورون مصر، بناء على ذلك صيغت رؤية تستهدف جذب العائلات المصرية من خلال أنشطة وخدمات تجعل المتحف وجهة دائمة لا تجربة لمرة واحدة.
9 ـ ما المعوقات التي تسببت في تأخر الافتتاح؟
واجه المتحف المصري الكبير سلسلة من الأزمات التي عطلت سير العمل في مراحل مختلفة، أبرزها اضطرابات عام 2011 وما تبعها من توتر عام وعدم استقرار، مما أدى إلى توقف الأعمال لفترات طويلة.
وتعددت مواعيد افتتاح المتحف منذ عام 2020، إذ كان من المقرر افتتاحه في الربع الأخير من ذلك العام، قبل أن يجري تأجيله بسبب جائحة كورونا إلى عام 2021 نتيجة استمرار تداعيات الفيروس، ثم أرجئ مجدداً بعد تحديد يوليو (تموز) 2025 موعداً جديداً لافتتاحه بسبب التوترات الإقليمية في المنطقة.
10 ـ ما أبرز التحديات التي واجهت فرق العمل بالمتحف؟
بحسب رئيس اللجنة الهندسية لمشروع المتحف المصري الكبير، شكل نقل القطع الأثرية الضخمة ووضعها داخل قاعات العرض أحد أصعب التحديات. على رأس هذه القطع تمثال الملك رمسيس الثاني، الذي نقل عام 2006 إلى موقع موقت في محيط المتحف، وبقي في العراء نحو 12 عاماً قبل إدخاله إلى بهو المدخل في يناير (كانون الثاني) 2018 بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ويضيف أن صعوبات واجهت نقل مركب خوفو الأولى، بعد أربع محاولات فاشلة على مر التاريخ أشرفت على بعضها بعثات أجنبية اعتبرت نقله مستحيلاً، مشيراً إلى أن الفريق تمكن في أغسطس (آب) 2021 من نقل المركب قطعة واحدة من دون تفكيك، على مدار ثلاثة أيام من العمل المتواصل.
ويقول رئيس اللجنة الهندسية للمشروع إن المرحلة الأولى كانت عبارة عن تمهيد الأرض، ومن ثم إنشاء مركز الترميم الذي يضم البيت والمعامل والمخازن المخصصة لاستقبال جميع القطع الأثرية من المواقع الأثرية والمتاحف وفق سيناريو عرض متحفي محدد.
وتستقبل القطع أولاً في منطقة استقبال للتنظيف والترميم الأولي، ثم تودع في المخازن وتحصل على كود خاص بها، أما القطع التي تحتاج إلى ترميم دقيق فتحال إلى المعامل للفحص والترميم قبل منحها الكود النهائي، لتنتقل إلى الأماكن المخصصة لها داخل المتحف.
وواجه المشروع صعوبات منذ بدايته، إذ يقول مفتاح إنه عند توليه المسؤولية في يناير 2016 لم تتجاوز نسبة التنفيذ 15 في المئة فقط بعد ست سنوات من العمل على البناء منذ 2010، أي بمعدل 2.5 في المئة سنوياً، قبل أن يستكمل خلال السنوات الأخيرة.
ويضيف "توجيهات القيادة السياسية في 2016 كانت بالانتهاء من المشروع في أقل من أربع سنوات، وكلفت مباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسي بإتمامه بحلول 2020، لكن أحداث عدة، أبرزها جائحة كورونا، أدت إلى التأجيل".
عند تسلم المشروع كان غير مكتمل والعقد الأصلي ناقص التفاصيل، وكانت فرق التصميم خارج مصر، مما تسبب في تأخر الرد على الاستفسارات، بحسب رئيس اللجنة الهندسية للمشروع، الذي يلفت إلى أنهم منعوا احتكار توريد خامات مستوردة من محجر في مقدونيا بأسعار مرتفعة للغاية، ولولا متابعة واهتمام الرئيس لما اكتمل المشروع وخرج إلى النور.