Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدراجة المسروقة" توثق ثقافة الأقليات في تايوان

الروائي وو مينغ يي يبحث في سر اختفاء الاب ودراجته

الروائي التايواني وو مينغ يي (دا رالعربي)

ملخص

يسلط الكاتب التايواني وو مينغ يي في روايته "الدراجة المسروقة" التي تضمنتها القائمة الطويلة لجائزة "البوكر" عام 2018، الضوء على تاريخ بلده، من نصوع هويته إلى التباسها، مركزاً على 100 عام (خضعت تايوان في 50 عاماً منها للحكم الياباني)،  تمتد من 1901 عندما اكتمل بناء جسر ميجي، وتنتهي بتدمير الجسر نفسه عام 2002.   

يتكئ وو مينغ يي، Wu Ming-yi وهو كاتب ورسام ومصور وأستاذ جامعي في الأدب والكتابة الإبداعية وعالم فراشات ولد عام 1971، على حيلة فنية لكتابة روايته "الدراجة المسروقة"، (ترجمتها من الإنجليزية إلى العربية علا الشربيني لحساب دار "العربي" - القاهرة) مفادها بأن كاتباً يقرر البحث عن دراجة والده تايوانية الصنع بعد 20 عاماً على اختفاء الأب والدراجة معاً، فتنفتح أمامه عوالم الحرف اليدوية المهددة بالانهيار، وخبايا لغات وثقافات "السكان الأصليين" الموشكة على التلاشي، في ظل تنامي التطور التكنولوجي والصناعي في تايوان التي عانت خلال القرن الـ17 الاستعمار الهولندي، ثم الإسباني، والهجرات إليها من البر الرئيس للصين، ثم من الاستعمار الياباني الذي اتخذ منها منطلقاً لمشروعه الإمبراطوري في شرق آسيا والذي انتهى بنهاية الحرب العالمية الثانية. فقد احتلت اليابان تايوان عام 1895، وأثناء "حرب المحيط الهادئ الكبرى" (الحرب العالمية الثانية) كان اليابانيون يحلمون بالقضاء على الأسطولين الأميركي والبريطاني (كانوا يسمون جنود هذين البلدين "الشياطين البيضاء")، وكان ذلك في سياق حلم مجال "الرخاء المشترك في شرق آسيا الكبرى".

وتشكل قومية الهان الصينية 95 في المئة من نحو 24 مليون نسمة يشكلون إجمالي سكان تايوان حالياً، يعيشون على مساحة 36 ألف كيلومتر مربع، والنسبة الباقية موزعة على السكان الأصليين 2.4 في المئة وينتمون إلى 16 قبيلة معترف بها، والمهاجرين من الصين وجنوب شرقي آسيا 2.6 في المئة.

يقوم بناء الرواية التي جاءت ترجمتها إلى العربية في 390 صفحة، على الـ"ميتا سرد"، إذ يقرر السارد أنه كتب من قبل رواية تنتهي أحداثها باختفاء البطل تاركاً دراجته، أمام قاعة "شانغ شان" في منطقة البوابة الغربية بمدينة تايبيه، ثم وصلته رسالة من قارئ تدعوه إلى كتابة رواية أخرى تتبع مصير تلك الدراجة. وعقب اكتمال متن الرواية الجديدة، يلحق به وو مينغ يي نصاً شارحاً عنوانه "ما بعد النص: وقت تشعر فيه بما يفوق الحزن"، يعيد فيه ذكر تلك الواقعة المرتبطة بروايته "مسارات الأحلام" التي كتبها عام 2006 عن العمال الشباب التايوانيين الذين صنعوا طائرات مقاتلة في اليابان. ولكتابة رواية "الدراجة المسروقة"، بدأ المؤلف كما يقول في سياق النص الشارح نفسه، البحث عبر الإنترنت لاستكشاف تاريخ صناعة الدراجات في تايوان، "ولكن كانت هناك أشياء لا يمكنك الشعور بها، ما لم تمسكها بيدك.

هكذا أصبحتُ جامعاً للدراجات، وتعرفتُ إلى عدد كبير من البائعين وهواة الجمع، وبدأت البحث عن دراجات شاردة عندما أسير في الشارع: كنت أترك قصاصات من الورق بها معلومات الاتصال بي" (صفحة 387). أما في متن الرواية، فيؤكد السارد – المؤلف الافتراضي أنه "في نظر المهووسين بالدراجات كنتُ أعد فاشلاً لأني أشعر بأن القصة الكامنة خلف الدراجة أهم من الدراجة نفسها" (صفحة 136). وهكذا تحول البحث عن دراجة العائلة المفقودة، إلى بحث عن هوية تايوان الحديثة وصلتها بتاريخ هذا البلد الذي يعد من أقدم الجغرافيات التي عمّرها بشر برعوا لآلاف السنين في الزراعة والصيد، وفي كثير من الحرف اليدوية.     

ويسبق المتن الاستهلال التالي "منذ عشرين عاماً، عندما اختفى والدي، ظننتُ أننا إذا تمكنا من العثور على دراجته، قد نجده هو أيضاً. عندها فقط اكتشفنا أن دراجته قد اختفت بدورها وأن أبي وحصانه الحديدي قد تركانا معاً". وتستعرض الرواية التي فازت عام 2015 بجائزة تايوان الأدبية، وجائزة الكتاب المفتوح المقدمة من جريدة "التايمز" الصينية، وجائزة "مؤلف العام" من مكتبات Eslite، نحو 100 عام من تاريخ تايوان، تبدأ باكتمال بناء جسر ميجي في 1905، وتنتهي بتدمير الجسر نفسه عام 2002.   

ضمير المخاطب

يتولى السرد كاتب روائي يدعى "تشنغ"، يصف نفسه بأنه "كاتب مستقل"، يعمل أيضاً كمصور في وكالة إعلانات وفي شركة إنتاج سينمائي. هو أصغر أبناء أسرة ريفية، يعد أسلافها من الصينيين الأوائل الذين نزحوا إلى تايوان قديماً. يحضر ضمير المخاطب، كثيراً، بما أن السارد يتوجه إلى مهتم افتراضي، أو إلى القارئ الذي سبق أن طلب من المؤلف أن يكتب رواية عن الدراجة التي تركها صاحبها ودخل غابة لم يخرج منها أبداً قبل نحو نصف قرن. بالنسبة إلى الأم، "لا يوجد رجال عظماء، ولا أبطال، ولا قصف لبيرل هاربور". إنها تتذكر فقط أشياء "تبدو تافهة – لكنها مصيرية – أشياء مثل اختفاء الدراجات"، يقول السارد. كلمة "مصير" في لغة الماندرين هي "مينغ – ين"، وتعني حرفياً "حظ الحياة"، أو "دور القوى العليا"، "لكن القدر في لغة أمي الأصلية، التايوانية، هو العكس "أون – ميا"، أي إنه يعني ألا يؤمن المرء بالأمور القدرية، ووضع الحظ أمام الحياة، وأن بإمكانك إدارة عجلة القدر بنفسك، بدلاً من انتظار أوامر السماء".

وهنا يريد السارد، ومن ورائه الكاتب طبعاً، التمييز بين "لغتين" وثقافتين" لغة الماندرين السائدة في الصين وكذلك في تايوان، واللغة التايوانية التي يسبق وجودها في الأرخبيل الذي تعده جمهورية الصين الشعبية جزءاً منها، لغة جحافل الصينيين، وغالبيتهم من قومية الهان الذين توافدوا على تايوان عقب عام 1949. لكن الثابت تاريخياً هو أن وجود الصينيين في هذا الأرخبيل يرجع إلى آلاف السنين ونسل هؤلاء ينظرإليه على أنهم السكان الأصليون، أو بلغتهم "تاكا ساهو". ووفقاً للغة الأم فإن الدراجة تسمى "ثاي بي"، أي "الحصان الحديدي"، أما الوافدون من جنوب الصين لاحقاً، فيطلقون عليها أسماء أخرى. واحتلت اليابان تايوان في 1895، وأثناء "حرب المحيط الهادئ الكبرى"، كان اليابانيون يحلمون بالقضاء على الأسطولين الأميركي والبريطاني. كانوا يسمون جنود هذين البلدين "الشياطين البيضاء"، وكان ذلك في سياق حلم مجال "الرخاء المشترك في شرق آسيا الكبرى".

ازدهار وانهيار

يخصص المؤلف مقاطع مستقلة داخل متن الرواية لتتبع تاريخ صناعة الدراجات في تايوان، خصوصاً تلك التي كان الجنود يستخدومنها كناقلات جنود وعتاد وأمتعة عسكرية. وبحسب أحد هذه المقاطع، تأسس أول مصنع في هذا المجال في تايوان عام 1918 بواسطة شخص ياباني يدعى أساكورا كيوماتسو، وبحلول الثمانينيات من القرن الماضي تدهورت تلك الصناعة الوطنية. كما يتتبع في مواضع أخرى من سرده الروائي الابتكارات في الحرف اليدوية القائمة على الفراشات التي يؤكد أنها كانت نتيجة للأبحاث اليابانية في هذا المجال، متكئاً هنا بصفة خاصة على معلومات مهووس آخر بالدراجات يدعى "ليتل هيسيا". ويؤرخ المؤلف للأحداث بأعوام الحكم الياباني، فمثلاً العام الـ19 من حكم الإمبراطور هيرو هيتو، أو شووا ، هو عام 1945، وهو عام هزيمة اليابان وإنهاء توسعها الإمبريالي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي النماذج الأولى من دراجات "لاكي"، لاحظ السارد أن شعار العلامة التجارية والمصدات الهوائية كانا مصنوعين من البرونز، المطلي بالمينا، في حين صنعت في وقت لاحق من صفائح الألمنيوم المطبوعة. أما النماذج التي أنتجتها الشركة في نهاية عهدها، فتحولت فيها هذه الأجزاء لمجرد ملصقات. وفي سياق رصده لتراجع الحرف اليدوية وتدهورها، يوثق المؤلف لتحول الدراجة "من رمز للمكانة الاجتماعية لطبقة الصفوة، إلى وسيلة نقل شعبية منتشرة في كل مكان" (صفحة 129). ويقوده بحثه إلى عجوز من قبائل تسو يدعى "باسويا" وولده الذي يدعى "عباس"، ولكل منهما اسم صيني واسم ياباني غير اسمه الذي عرف به في قبيلته عقب ولادته. وحارب "باسويا" في صفوف الجيش الياباني، ضمن فرقة العمليات الخاصة "العجلة الفضية"، وسجل ذكرياته في هذا الصدد بلغته الأم المطعمة ببعض المفردات اليابانية، فتولى السارد بمساعدة زميلة له في عمله الصحافي إلى ترجمة تلك المذكرات إلى لغة الماندرين في صيغتها التايوانية التي ترتكز كتابتها على الرموز الصينية الكلاسيكية، وليس الرموز الحديثة التي تقوم عليها الكتابة الصينية في الوقت الراهن.

المصيري والعابر

ويعتقد "باسويا" بأن قومه "من سلالة أوراق القبقب، نسل الجبال الجديدة. هامو (إله السماء) هز شجرة القبقب فأصبحت الأوراق المتساقطة هي أسلاف قبيلة تسو" (صفحة 144). واعتاد بعض شيوخ القرية القول إن اليابانيين "هم شعب المايا المفقود منذ زمن طويل" (صفحة 145). أما "عباس"، فانشغل بعد انتهاء أعوام خدمته الإلزامية في الجيش، بالعمل مصوراً للحروب في آسيا الطريق، وبمشروع توثيق طريق سلكه اليابانيون من جنوب تايلاند إلى جزيرة الملايو في ماليزيا، في بدايات "حرب المحيط الهادئ"، بالصور الفوتوغرافية.

والأحداث التي يتوقف عندها كاتب رواية "الدراجة المسروقة"، تجمع بين ما هو مصيري،  وما هو "عابر"، وإن كانت له دلالات عميقة الأثر مثل أول قصة دراجة مسروقة في تايوان وقد نشرتها جريدة "تايوان نيتشي نيتشي شيمبو" بتاريخ الـ27 من سبتمبر (أيلول) عام 1905، وافتتاح حديقة حيوان "ماروياما" رسمياً في أبريل (نيسان) 1916 على الضفة الجنوبية لنهر كي لونغ، وهدم سوق "شانغ هوا" في 1992 الذي أعقبه اختفاء والد السارد الذي كان يمتلك محلاً لبيع الملابس الجاهزة في السوق نفسها واختفاء دراجته، أو بلغة عائلته "ثاي بي"، "الحصان الحديدي"، "يا له من تعبير جميل، يجمع بين الطبيعة والجهد البشري! تخيل أن الله يضع طبقات من الصخور الغنية بالحديد، ليستخرجها الناس، ويصقلونها لتصبح فولاذاً كربونياً يتشكل على هيئة حصان!" (صفحة 17).

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة