Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فريدا ماكفادن تروي القصة المعقدة بين الزوجين والخادمة

رواية أميركية تتصدر المبيعات وتعتمد التشويق وفضح الشر الإنساني

الروائية الأميركية فريدا ماكفادن (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

في روايتها "سر الخادمة"، تطرح الأميركية فريدا ماكفادن أسئلة الفجوة الطبقية، والفقر المدقع، والثراء الفاحش، والصداقة الصادقة، والعلاقة العابرة، والقتل المجاني، والخيانة السهلة، والتعنيف الزوجي، والتضحية الشجاعة، والإحساس بالمسؤولية وغيرها

 ثمّة منظومتا قيم مختلفتان تتجاوران وتصطرعان وتنتصر إحداهما على الأخرى في رواية "سرّ الخادمة" للأميركية فريدا ماكفادن، الصادرة حديثاً عن الدار العربية للعلوم ـ ناشرون بتعريب زينة إدريس. وماكفادن كاتبة وطبيبة متمرّسة في إصابات الدماغ، تصدّرت رواياتها قوائم كبريات الصحف الأميركية، وفازت بعدد من الجوائز المرموقة، وتُرجِمت رواياتها إلى أكثر من أربعين لغة.

تتصدّر مساعدة الآخرين سلّم القيم في المنظومة الأولى، وتمثّلها الخادمة ميلي وبعض الشخوص الروائية، بينما يتبوّأ المال سدّة المنظومة الثانية، وتمثّله الزوجة ويندي وشخوص أخرى تتعالق معها. وعلى اختلاف المنظومتين، يجمع بينهما مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة، فتُستخدم وسائل غير مشروعة لتحقيق غاية مشروعة في الأولى، وغير مشروعة في الثانية. ويترتّب على هذا الاستخدام نتائج معيّنة، تختلف من منظومة إلى أخرى.

 تفكيك الأحبولة

في المنظومة الأولى، تتمحور الأحداث حول شخصية الخادمة ميلي، المقيمة في شقة صغيرة مؤلّفة من غرفة نوم واحدة في حي خطير جنوب برونكس النيويوركية، والمتموضعة بين طرد تعسّفي من الوظيفة، وماضٍ مثقل بسجل جنائي، وحاضر قلق، وخوف من تخلّي صديقها عنها، وحاجة ماسّة إلى المال.

 وعلى حراجة هذا التموضع، فإنها تشعر بمسؤولية اجتماعية عالية إزاء الآخرين، وتأخذ على عاتقها مساعدة النساء المعنّفات لا سيّما أن لها تجربة كبيرة، في هذا السياق، مع صديقها الإيطالي إنزو الذي يتوخّى أساليب غير مشروعة لمساعدتهن. لذلك، ما إن تكتشف أنّ في منزل مخدومها الجديد دوغلاس غاريك، رجل الأعمال الفاحش الثراء، زوجة معنّفة ومحتجزة داخل إحدى الغرف، حتى يستيقظ فيها حسّ المسؤولية وتقرّر مساعدتها وإخراجها ممّا تعاني منه، رغم تحذيرها من خطورة الزوج ومغبّة التدخّل في شؤونه. تكتشف بعد فوات الأوان أنها سقطت ضحية خداع زوجة جشعة، تظاهرت بتعرّضها للتعنيف الزوجي، واستدرجتها لتتخلّص بواسطتها من زوجها، وإلصاق تهمة قتله التي ترتكبها الزوجة بها، فيتم التحقيق معها، وتوشك على دخول السجن لولا بروز معطيات في نهاية الرواية تقلب الأمور في مصلحتها، فينتصر الحق على الباطل، وتتمّ تبرئتها ممّا نُسِب إليها. وخلال هذه المحنة، يتخلّى عنها صديقها الجديد المحامي المثالي بروك الذي يصدّق التهمة المنسوبة لها، والأدلّة الملفّقة لإثباتها، بعد أن كان يمنّي النفس بالاقتران بها. ويقف إلى جانبها صديقها السابق إنزو الذي يصدّقها، ويؤمن ببراءتها، ويساعد في تفكيك الأحبولة التي وقعت فيها.

 إغواء المال

في المنظومة الثانية، تتمحور الأحداث حول شخصية الزوجة ويندي غاريك، المقيمة في شقّة كبيرة في حي مانهاتن الراقي، والراتعة في نعيم المال وفاخر الرياش؛ فهذه الشخصية المتحدّرة من أصول اجتماعية متواضعة، عانت الفقر المدقع في طفولتها، وتعرّضت لتنمّر رفاق الصف الأغنياء، وتشهد على عجز أبيها عن تأمين القوت والدواء، مما يولّد فيها عقدة نقص مزمنة إزاء الأغنياء، ويجعل المال يتربّع على رأس سلّم قيمها. لذلك، تقوم بإغواء رجل الأعمال الثري دوغلاس غاريك، وتدفعه إلى الزواج منها، وتوقّع على اتفاقية زواج تحصل بموجبها على مؤخّر كبير في حالة الطلاق، وتقنع الزوج بشراء "البنتهاوس" الذي ترتع فيه، وتحاول تشكيل شخصيته كما يحلو لها، حتى إذا ما فشلت في ذلك، تُقدم على خيانته مع راسل سايموندز، تاجر الأثاث، الذي تعمل زوجته مساعدة لزوجها، وتتّخذه عشيقاً لها.

وحين يكتشف دوغلاس خيانتها، يقوم بتجميد بطاقاتها المصرفية، فتطلب الطلاق لعلّها تحصل على المؤخّر الكبير، حتى إذا ما اكتشفت أنّ في اتفاقية الزواج بنداً يحول دون حصولها على هذا الحق، في حالة الخيانة، يسقط في يدها، وتخطّط مع عشيقها راسل للتخلّص منه، فيقوم بانتحال شخصية الزوج، ويتظاهر بتعنيف الزوجة، ما يجعل الخادمة ميلي تسقط في الفخ وتحاول المساعدة، فتطلق النار على الزوج المزعوم، خلال تظاهره بخنق الزوجة، فيتظاهر بالموت ولا يموت باعتبار أن الرصاصة التي أُطلقت عليه خلّبية، وتظنّ الخادمة خطأً أنها ارتكبت جريمة قتل الزوج الحقيقي، وهو ما تتولاّه ويندي بنفسها بعد تردّد العشيق في تولّيه. وتنتهي الرواية بأن ينتقل الثنائي العاشق إلى كوخ عند ضفة البحيرة للاحتفاء بنصرهما، بعد أن ظنّا أنّهما نجحا في تمثيليتهما، والحصول على الثروة، وإلصاق الجريمة بالخادمة المخدوعة.

غير أنّ الأمور تنقلب رأساً على عقب حين تعلم ويندي من محامي الزوج أنه أوصى بثروته للجمعيات الخيرية، ومن المحقق أن ما نسبته إلى الخادمة من علاقة بالزوج المغدور ليس دقيقاً، وأنّه يرغب في الاستماع لأقوالها مجدّداً. وتكون الطامّة الكبرى، حين تتسلّل ماريبث، زوجة العشيق ومساعدة الزوج، إلى الكوخ، في غفلة من العاشقين المجرمين، فتذبح العشيق الخائن، وتدسّ دواء الديجوكسين في شراب العشيقة القاتلة لتتركها تموت ببطء، بعد إجبارها على توقيع اعتراف بأنهما أقدما على الانتحار. والمفارقة أن هذا الدواء كانت قد زوّدتها به ميلي، قبل انطلاقها في مهمّتها، ولعل هذا هو سر الخادمة الذي تبوح به في نهاية الرواية. وهكذا، تنتهي الرواية بمقتل الثنائي المجرم، وتبرئة الخادمة الشجاعة، واقترانها بصديقها المخلص إنزو الذي لم يتخلَّ عنها، وتنتصر منظومة الخير على الشر.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

منظوران مختلفان

تضع ماكفادن روايتها في أربعة أجزاء، وأربعة وسبعين فصلاً. وتسند عملية الروي فيها بالتعاقب والتناوب إلى الخادمة ميلي والزوجة ويندي، بوتيرة 52 فصلاً للأولى، و22 فصلاً للثانية. وهكذا، تتم رواية الأحداث من منظورين مختلفين، في إطار من التكامل فيما بينهما لروي الحكاية. على أن عملية الروي في كلا المنظورين تراعي التسلسل الزمني للأحداث، فيأخذ بعضها في ركاب بعض، داخل الفصل الواحي، وبين الفصول المتعاقبة، ما يتمخّض عن نصٍّ روائي متماسك في كل منظور، على الأقل، يخلو من الفجوات الزمنية، ويُعنى بالجزئيات والتفاصيل، ويترجح بين السرد والوصف. وبذلك، نكون إزاء بنية روائية تقليدية تقوم على العلاقات السببية بين وقائعها المروية، دون أن تخلو من مفاجآت معيّنة تشكّل نقاط تحوّل، صغير أو كبير، في مجرى الأحداث. وهذه العمليات مصوغة بلغة سلسة، رشيقة، تتدفق على رسلها، ما يصبّ في رصيد المترجمة، فتبدو الرواية كأنها عربية وليست معرّبة. ولعل هذه المواصفات، مضافةً إلى المناخ البوليسي الذي تجري فيه الأحداث، تجعل عملية القراءة محفوفة بكثير من المتعة، وتبرّر تصدّر روايات ماكفادن قوائم القراءة في كبريات الصحف الأميركية.  

 في "سر الخادمة"، تطرح فريدا ماكفادن أسئلة الفجوة الطبقية، والفقر المدقع، والثراء الفاحش، والصداقة الصادقة، والعلاقة العابرة، والقتل المجاني، والخيانة السهلة، والتعنيف الزوجي، والتضحية الشجاعة، والإحساس بالمسؤولية وغيرها، في مجتمع مديني يتصدّر المال سلّم قيمه، وتبرّر الغاية فيه الوسيلة، فيسهل على أفراده ارتكاب الموبقات، ويلتزم بعضهم التصدي لها، ما يضع الأمور في نصابها، ويعيد إلى المجتمع استقراره.              

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة