ملخص
بحسب "كان" فإن الوضع الجديد في غزة يقلق إسرائيل، إذ هناك رقابة أميركية خانقة على تل أبيب، وكيف أخذت الولايات المتحدة المبادرة في القطاع، وأصبحت تقرر في الشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية بصورة مباشرة.
أثار كل هذا استياءً في تل أبيب، إذ يعدون أن الولايات المتحدة منعت إسرائيل من اتخاذ أية خطوات ضد "حماس"، وعملياً تحولت أميركا إلى الجهة التي تقرر في شأن قطاع غزة.
لم يشن الجيش الإسرائيلي هجماته على قطاع غزة عقب زعمه أن حركة "حماس" خرقت اتفاق وقف إطلاق النار إلا بعدما وافق مركز المهام الذي تديره الولايات المتحدة من داخل الأراضي الإسرائيلية، وهذا ما أثار تساؤلات مهمة أبرزها، هل بات الصراع في غزة دولياً؟ وهل تل أبيب تحت الوصاية الأميركية أم القطاع المدمر الذي ربما يستعد ليتحول إلى ريفييرا هو تحت وصاية واشنطن؟ وماذا في شأن القرار الإسرائيلي المستقل؟
أمس، خرج عناصر "حماس" من فتحة نفق في مدينة رفح التي ما زالت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وفتحوا النار صوب قوة من وحدة "كفير"، وكذلك أطلقوا قذيفة مضادة للدروع على جنود ينفذون أعمالاً هندسية داخل المنطقة الصفراء، تسبب ذلك في إصابة بالغة الخطورة لجندي إسرائيلي، ومباشرة ردت القوات بإطلاق قذائف مدفعية.
تنسيق مع الأميركيين
لم تعتقد إسرائيل رد الجنود بإطلاق القذائف في الميدان بأنه ردها الرسمي، وقرأت ذلك بأنه مجرد دفاع عن النفس، وعدت الحادثة خرقاً لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة يستوجب الرد العسكري وقصف غزة، وربما تفجير خطة ترمب للسلام والازدهار والعودة للحرب.
مباشرة اجتمع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع مسؤولين عسكريين لدراسة طبيعة الرد، وعلى رغم تعدد الخيارات التي وضعت أمامه، فإنه لم يتخذ قراراً فورياً، وأنهى الجلسة الأمنية بقوله "ستكون هناك حاجة للتنسيق مع الأميركيين لمعرفة الخطوات الممكن تنفيذها".
هذه العبارة أغضبت إسرائيل كثيراً، إذ كيف لرئيس وزراء تل أبيب أن يستأذن بقرار أمني ويحصل على موافقة من الولايات المتحدة، ثم يعود ليقرر ما هو مسموح تنفيذه في غزة بعد خرق "حماس" اتفاق وقف إطلاق النار وتهديد أمن الجنود.
تنصل "حماس"
وبالفعل تواصل نتنياهو مع إدارة مركز المهام للشؤون المدنية والعسكرية في مدينة كريات جاد، الذي أنشأته واشنطن في إسرائيل لمراقبة آليات تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وضمان الاستقرار في المنطقة والحفاظ على الاتفاق الهش، ثم قرر بعد ذلك ضرب أهداف في غزة كانت دامية ومروعة وعنيفة.
وعلى الفور، أكدت "حماس" ألا علاقة لها بالحادثة في رفح، وأنها ملتزمة اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وقال الناطق باسمها حازم قاسم "القصف الإجرامي الذي نفذته إسرائيل يعد انتهاكاً صارخاً لاتفاق وقف إطلاق النار، هذا امتداد لسلسلة الخروق التي ارتكبت خلال الأيام الماضية".
لم يتحدث أي مسؤول إسرائيلي عن ضربات غزة ولا عن الإذن الذي أخذته تل أبيب من مركز التنسيق المدني - العسكري، وإنما الذي تصدر الموقف كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي بات يعرف عن نفسه بـ"رئيس مجلس السلام في غزة"، حين قال "وقف إطلاق النار المدعوم من الولايات المتحدة ليس في خطر بعد الضربات الإسرائيلية الدامية في غزة، لا شيء سيهدد الاتفاق، لقد قتلوا جندياً ولذلك رد الإسرائيليون، وكان عليهم أن يردوا".
أما نائبه جي دي فانس كان أكثر وضوحاً عندما لمح إلى أن الولايات المتحدة أعطت ضوءاً أخضر لنتنياهو للرد على "حماس" ضمن حدود محسوبة، يقول "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها، لكن بما يضمن أن يصمد الاتفاق من دون العودة الحرب".
يجب الحصول على موافقة
هذه التصريحات الأميركية أغضبت الإسرائيليين على جميع المستويات (السياسية والعسكرية وحتى على مستوى الشعب)، إذ كشفت عن أن أي خطوة تريدها تل أبيب يجب أن يوافق عليها مركز تنسيق المهام المدنية والعسكرية الذي أقيم على أراضيهم، وبعد ذلك يتحول التنفيذ إلى الجيش.
عندما توقفت الحرب على غزة، أنشأت الإدارة الأميركية مركزاً للمهام في مدينة كريات جاد الإسرائيلية وحددت وظيفته، يقول المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية الكولونيل تيم هوكينز "إنه قاعدة عمليات تتيح المراقبة الفورية لما يجري داخل غزة، يمكننا من رؤية ما يحدث على الأرض فور وقوعه، ونحن نجمع البيانات من شركاء دوليين ومنظمات غير حكومية ومؤسسات لديها عيون وآذان على الأرض، مما يضمن استمرار وقف إطلاق النار".
ويضيف هوكينز "مسألة مراقبة وقف إطلاق النار جوهر المهمة، غزة المستقرة والآمنة هي محور تركيزنا، ولهذا أنشئ هذا المركز، لدينا تنسيق وثيق مع الجيش الإسرائيلي". وعقب سؤاله عن حقيقة أن واشنطن تحد من حرية عمل إسرائيل في غزة، رد "الولايات المتحدة لديها تسعى إلى تحقيق غزة مستقرة وسلمية، القادة الأميركيون الكبار كانوا واضحين في مواقفهم".
ويوضح هوكينز أن الأمر لا يتعلق فقط بضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وإنما يهتم كثيراً بالملفات الأمنية، ويبرر ذلك بأن الوضع في غزة هش للغاية، فالخروج من عامين من الصراع ليس بالأمر السهل.
يتمحور حديث هوكينز حول ضرورة عدم السماح لإسرائيل بخرق اتفاق وقف إطلاق النار والعودة للحرب، وأن مركز المهام يجب أن يتولى قرار أي فعل عسكري في غزة قبل تنفيذه حتى يكون محدوداً ولا يؤدي لعودة القتال مرة جديدة بطريقة عنيفة.
هيمنة على إسرائيل
تقييد عمل إسرائيل العسكري في غزة لم يخفه المسؤولون داخل تل أبيب، إذ ذكرت هيئة البث الإسرائيلية "كان" أن أية خطوة تتخذ في القطاع رداً على ما يُعد خرقاً يجب أن توافق عليها الولايات المتحدة، ولهذا السبب حرك ترمب الأسبوع الماضي جسراً جوياً لكبار المسؤولين في إدارته وصلوا إلى إسرائيل تباعاً لتثبيت هذه المعادلة.
تقول "كان" إنه لا يمكن لإسرائيل تنفيذ كل ما تريده، بسبب القيود التي تفرضها الولايات المتحدة، التي تطلب أن نبلغها مسبقاً قبل أي هجوم عسكري في القطاع، وبهذا يكون ترمب أحكم هيمنته على القرار المتعلق بغزة، وكل ذلك من منطلق الحرص على ديمومة الهدنة.
أثار كل هذا ضيقاً داخل تل أبيب، إذ يعدون أن الولايات المتحدة رسخت هيمنتها على إسرائيل ومنعتها من اتخاذ أية خطوات ضد "حماس"، وعملياً تحولت أميركا إلى الجهة التي تقرر في شأن قطاع غزة وليس إسرائيل أو الفصائل الفلسطينية.
نتنياهو غاضب… ويبرر
بالفعل، بدأت الولايات المتحدة في تعزيز سيطرتها على قطاع غزة برقابة مباشرة لصيقة، تسمح لها بتوجيه إسرائيل و"حماس"، إذ حلقت طائراتها المسيرة للمراقبة فوق قطاع غزة، لمعرفة ما يحدث في القطاع على نحو مستقل عن تقارير تل أبيب، وتراقب بث كاميرات مباشرة الوقائع والتطورات.
وبحسب "كان" فإن الوضع الجديد في غزة يقلق إسرائيل، وهناك رقابة أميركية خانقة على تل أبيب، وكيف أخذت الولايات المتحدة المبادرة في القطاع، وأصبحت تقرر في الشؤون الأمنية والسياسية الإسرائيلية بصورة مباشرة، مما حول تل أبيب إلى "محمية أميركية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
شعر نتنياهو بالإحراج واضطر لتبرير الموقف قائلاً "إسرائيل تتخذ قراراتها باستقلالية، هناك مزاعم سخيفة حول علاقة واشنطن في غزة وعلاقتها معنا، عندما كنت في الولايات المتحدة قيل إنني أتحكم بالإدارة الأميركية، والآن يدعون عكس ذلك بأن الإدارة الأميركية تسيطر عليَّ وهي تملي سياسة إسرائيل الأمنية، هذا غير صحيح، هذا غير صحيح".
وبلهجة غاضبة أضاف غاضب نتنياهو "علاقاتنا هي علاقات شراكة، وهذه الشراكة بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق، نحن نعمل معاً على تغيير وجه الشرق الأوسط، وسنواصل التحكم بمصيرنا".
خطوة لتدويل الصراع أو محاولة لتنفيذ الريفييرا؟
من إسرائيل يقرأ الباحث السياسي إيتامار آيشنر ذلك بأنه مجرد تدويل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، يقول "تحاول الولايات المتحدة تدويل الصراع ومشاركة قوات إقليمية في المنطقة، وعلى رغم تعيين الجيش ممثلاً عنه في مقر غرفة تنسيق المهام المدنية والعسكرية، لكنه لن يستطيع اتخاذ قرار وحده بل بإجماع الدول المشاركة".
أما الفلسطينية الباحثة في القضايا السياسية ميساء غنام تقول "تحولت غزة لولاية أميركية، الآن ترمب هو رئيسها الفعلي ورئيس مجلس السلام الخاص بالقطاع والشرق الأوسط. ما يجري على أرض الواقع هو اهتمام شديد من ترمب للمضي قدماً في تحويل غزة إلى منطقة دولية حرة وقاعدة أميركية، وربما تحويل المدينة المدمرة بالكامل إلى ريفييرا الشرق الأوسط".