Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفن التشكيلي المغربي يفتح مساحات بصرية للشعر

معرض مشترك يضم لوحات عبد الله بلعباس وكلمات ليلى بارع

الشعر والرسم يلتقيان في المعرض المغربي (خدمة المعرض)

ملخص

شهد مزار للا خديجة في مدينة أزمور المغربية معرضاً فنياً جمع بين التشكيل والشعر، أقامه الفنان عبدالله بلعباس، إذ اشتغل على نصوص شعرية مختلفة للشاعرة ليلى بارع، ورافق المعرض قراءات شعرية ونقاش حول العلاقة بين الكتابة الأدبية والتشكيل.

تعود الشاعرة المغربية ليلى بارع، رفقة الفنان عبدالله بلعباس، ليقفا معاً على الجسور التي تربط بين الحقول الفنية، وحيث يتشكل العمل الفني تحديداً من التلاقح بين الشعر والتشكيل. وإذا كان فن الإكفراسيس يقوم على إنتاج نصوص موازية للوحات الفنية قراءة وامتداداً وتفاعلاً، فإن ما اقترحه المعرض الأخير لبارع وبلعباس يذهب في الاتجاه المضاد، أي تشكيل أعمال فنية انطلاقاً من نصوص شعرية.

إن مثل هذه التجارب تقع في مناطق المراهنة والمغامرة باستمرار، لذا يواجه الفنان تحدياً كبيراً وهو يلج باللغة المكتوبة والوسائط البصرية إلى المختبر نفسه، متوخياً الوصول إلى مخرجات إبداعية تتلاءم من جهة مع تطلعات المتلقي على اختلاف درجاته، وتحافظ من جهة أخرى على الحضور المتناغم لجنسين فنيين مختلفين، هما الشعر والرسم، بحيث لا يطفو أحدهما على حساب الآخر، لذلك يحتاج مثل هذا التجريب إلى مداخل وتصورات، ولهذا السبب فطن الفنان، وربما معه الشاعرة، إلى فن البورتريه باعتباره قادراً على نقل ما يعتمل في الداخل/ الذات إلى ما يتشكل في الخارج/ الوجه، فرسام البورتريه لا ينقل لنا فقط ملامح الوجه، بل ينقل إلينا أيضاً المزاج والحال النفسية لحامل هذا الوجه.

عمل الفنان المغربي عبدالله بلعباس على إبداع لوحات فنية لا تتشكل من كلمات الشاعرة فحسب، في سياق كاليغرافي واضح، بل من ملامح وجهها أيضاً، فقد اقترح أن تضم أعماله الفنية رسومات لوجه الشاعرة، أو أجزاء منه، تظهر من زوايا مختلفة، وفي حالات نفسية متباينة، وكل حال نفسية يظهر بها ملمح مادي في لوحة ما هي ترجمة في الآن ذاته لدلالات النص أو المقطع الشعري الذي يهيمن على فضاء اللوحة نفسها.

مساحات جديدة للشعر

يرسم الفنان عبدالله بلعباس ملامح وجه الشاعرة ليلى بارع، لا ليرسخ حضور الشاعرة، ولا ليقول للمتلقي هذا هو الوجه المرهف الذي شكل هذه الترسانة اللغوية اللافتة، وإنما ليقول له هكذا أرى وجه الشاعرة، أو هكذا أتوقع شكله خلال الكتابة، كتابة المقطع المرافق تحديداً. هاته الافتراضات تستمد مشروعيتها من رغبة الفنان في تشسيع مساحات الكتابة الأدبية، أو في الانتقال بالكتابة الأدبية من مساحاتها الكلاسيكية إلى مساحات جديدة.

لماذا يرسم عبدالله بلعباس ملامح وجه الشاعرة جنب كلماتها؟ إذا ما تجاوزنا أفق ترسيخ المعنى الذي تنحو إليه هذه اللوحات، فإننا نفترض أيضاً أنها لن تخلو من مسحة تخليدية، فمنذ ما قبل الميلاد كانت الأقنعة الجنائزية توضع على وجه المتوفى خلال طقوس الدفن، وكانت تلك الأقنعة بمثابة بورتريهات للموتى، فإذا تحلل الجسد واختفت ملامح الوجه فإن الوجه البديل سيظل خالداً ويقاوم عوامل الزمن لقرون لاحقة، ومن ثم يغدو الفن هو تلك المعركة الدائمة مع الزمن، أو تلك المقاومة التي تستند إلى ما هو هش ورمزي لمواجهة سطوة الزمن واستبداده.

وخلال فترة عرض لوحات عبدالله بلعباس تم تخصيص أمسية قرائية ألقت فيها الشاعرة نصوصاً مختلفة من مجاميعها الشعرية القديمة والجديدة، وقدم الناقد والكاتب سعيد منتسب مداخلة معمقة حول التجربة، معتبراً أن الوجه حرف سائل وأن الحرف وجه متجمد، لذا فهذا التداخل بين الأنواع الفنية يجسد واقع الإبداع المعاصر، حيث لم نعد أمام جزر منعزلة، بل عوالم متداخلة تسعى إلى التعبير عن هشاشة الإنسان، وعن الحاجة إلى أشكال جديدة للبوح. يقول سعيد منتسب في هذا الصدد: "تقدم لنا لوحات المعرض وجوهاً أنثوية بكامل نقصانها، عيوناً في وضعيات مختلفة، ابتسامات واجمة، ظلال جفون، أنوفاً متشامخة... إلخ، كل الوجوه شاخصة إلى شيء ما، إلى ما نراه، إلى ما يستأثر بالنظرة ويحملها على النظر بعيداً، ربما إلى المعنى الذي يقع خارج نطاق العين".

 يضيف منتسب: "هذا التشظي البصري يوازيه تشظٍّ آخر لا يقل أهمية أو دلالة، حيث القصيدة، كما يتبدى من اللوحات، تعمل ضد البناء المغلق، ذلك أن الوجه نفسه هنا ليس بورتريهاً واقعياً يمكن للعين أن تتحمس له بشراهة، بل أكثر من ذلك هو علامة نصية غير معتادة، عين تتكلم بدلاً من أن ترى، ملامح تقول ما لا تستطيع اللغة التصريح به".

سيرة شعرية مرسومة

وفي تصريح خاص لـ"اندبندنت عربية" أوضحت الشاعرة ليلى بارع أن معرض "وجوه ونصوص" محطة إبداعية تفتح عوالم جديدة لرؤية تجربتها الشعرية من زوايا أخرى، فهي "فرصة هائلة ومتميزة لتمدد النص الشعري خارج إطاره المألوف، بفضل الاشتغال المذهل للتشكيلي عبدالله بلعباس على النصوص بصورة غير مألوفة ضمن تجربته المعروفة في فن البورتريه، وهي تجربة قديمة وأخذت شكلها الكامل في هذا المعرض، وتبقى قراءة التجربة رهينة بالنقاد بخاصة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعن أسباب اختيار نصوص دون غيرها لهذه التجربة تقول بارع: "من الصعب تحديد أسباب اختيار نصوص معينة للاشتغال عليها في هذه التجربة الثنائية التي توجت بمعرض نصوص ووجوه الذي نظمه المعهد الفرنسي بالجديدة. التجربة كانت تحمل بداخلها قوتها باعتبار أننا معاً ندرك مجال اشتغالنا الفني جيداً، ولكنها أيضاً حملت هشاشتنا وأسئلتنا وقلقنا وتفاؤلنا، فلم نكن نشتغل في المكان نفسه ولم نلتق من قبل، بل اشتغلنا من بعد مؤمنين بالتجربة، تبادلنا النصوص والنماذج الأولى واستمعنا، في احترام تام، لآراء بعضنا بعضاً، حتى تشكلت ملامح هذه التجربة".

يتساءل المتلقي إن كانت هذه التجربة سيرة للشاعرة بالكلمة والصورة، تجيب ليلى بارع: "هناك تقاطعات كثيرة، ما يمكنني قوله إن الشعر هو أقرب سيرة للشاعر، إلى حد كبير، لكن في معرض ’وجوه ونصوص‘ تم الاشتغال بصورة أساسية على نصوص كتابي الشعري القادم (الموجة السابعة) وأيضاً جزء كبير من نصوص (مسافة وظلال) وهو كتاب شعري آخر".

 يبدو أن حالات التفاعل بين الشعراء والتشكيليين في المغرب نادرة، كأن الأمر يرتبط بنوع من التوجس والخوف من خوض المغامرة، تقول ليلى بارع في هذا الصدد: "لا وجود لأجوبة جاهزة، كل شيء يحدث داخل الدائرة المضيئة للمعرفة، لا يمكنك الاقتراب من الآخر من دون معرفته وتقبله واحترامه، كل تعاون بين التشكيلي والشعري هو نتيجة التقاء وتقاطع الرغبة في التجدد الإبداعي، غالباً الأعمال المشتركة ثمرة لانسجام في الجوهر الإبداعي وللنضج الفني".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة