Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بيروت تتغير: كيف أعادت الحروب والهجرة رسم هويتها؟

تحول لبنان نحو الاقتصاد الصناعي والخدماتي في منتصف القرن الـ20 أسهم في تسريع الهجرة من الريف إلى العاصمة

كانت بيروت عبر تاريخها ساحة عبور أكثر منها مستقراً، تولد وتدمر ثم تولد من جديد (صورة مصممة بواسطة الذكاء الاصطناعي) 

ملخص

ليست بيروت التي نعرفها، المدينة التي كانت تجمع أبناء الجبل والبحر صارت خريطة طبقات متحركة: نازحون من الحرب الأخيرة، ولاجئون قدامى، وطبقات جديدة صعدت من اقتصاد "الكاش"، بيروت تعيش بين ذاكرة تُمحى وأحياء تُباع، ومع ذلك تبقى القلب الذي يضخ الحياة في بلد يتداعى.

بيروت ليست مدينة تروى، بل تستعاد، كل مرة نحاول أن نكتبها، تنبعث من تحت الركام وتعيد ترتيب ذاكرتها كما تشاء، فهي لا تعرف الزمن في خط مستقيم، بل في دوائر تتسع وتضيق، كما البحر الذي يجاورها ويبتلع أسرارها في الوقت نفسه.

كانت بيروت عبر تاريخها ساحة عبور أكثر منها مستقراً، تولد وتدمر ثم تولد من جديد، لا بقرار عمراني بل باندفاع الحياة نفسها. مدينة تشبه الموجة، كلما ظننت أنها هدأت كانت تخبئ في أعماقها هجرة جديدة أو طبقة تنقلب على أخرى.

فيها امتزجت اللغات واللهجات والصلوات، وتزاوج الريف والبحر، والفقر والترف، والذاكرة والنسيان، ومن هذا التناقض خلقت هوية بيروت: مدينة لا يمكن تحديدها على الخريطة إلا عبر وجوه من سكنوها وغادروها واشتاقوا إليها.

في القرن الـ19 حين كانت مدن المشرق تتلمس طريقها إلى الحداثة كانت بيروت سباقة في خلق ذاتها، خرجت من عباءة الجبل، وفتحت نوافذها على المتوسط، واستدرجت التجار والرحالة والكتاب، فصارت مختبراً للتمدن ولتجربة التنوع التي لم تنته بعد.

ومنذ ذلك الحين تغيرت جغرافيتها كما تتغير قصيدة لا يرضى عنها شاعرها، أحياء تمحى وأخرى تستحدث، أسماء تختفي من اللافتات وتبقى في الذاكرة، ومبانٍ تهدم لتشيد مكانها أبراج لا تعرف القصص التي سكنت قبلها، ومن يسير اليوم في شوارع العاصمة يشعر أن بيروت القديمة تهمس تحت أسفلتها، وأن سكانها الجدد يسكنون مدينة لا يعرفون تماماً تاريخها، لكنهم يكتبون فصلاً آخر من سيرتها المتحولة.

هنا تبدأ الحكاية، في سعي إلى فهم كيف تبدلت التركيبة السكانية للأحياء، وكيف أعادت موجات النزوح والهجرة رسم ملامح الهوية الحضرية؟

التحولات السكانية وبدايات التمدن

حول هذا المسار، أشار المؤرخ الدكتور سهيل منيمنة، المتخصص في التاريخ الحضري لمدن المشرق، إلى أن "التحولات السكانية في بيروت بدأت مع القرن الـ19، حين شهدت المدينة توسعاً عمرانياً ملحوظاً في ظل الحكم العثماني، وبرزت ثقافة كوزموبوليتانية جعلت منها مركزاً تجارياً وثقافياً بارزاً في المشرق"، وقال إن "هذا التنوع العمراني والثقافي أسهم في تسارع وتيرة الهجرة من الريف إلى المدن، ولا سيما إلى بيروت، حيث بدأ الوافدون الجدد يتوافدون إلى أطرافها ويقيمون في أحياء مكتظة، لكنهم في المقابل وفروا اليد العاملة وأسسوا مساحات اجتماعية جديدة"، وأوضح أن "هذه الأحياء كانت تحتضن أسواقاً ومقاهي وورشاً حرفية، ومع ازدهار النشاط التجاري والمرفأ بدأت بيروت تأخذ دورها كميناء رئيس على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، مما جذب إليها مزيداً من السكان من المناطق الجبلية والداخلية اللبنانية، وحتى من سوريا المجاورة"، وأشار إلى أن "هذه الهجرات الداخلية والإقليمية معاً شكلت مجتمعاً متعدداً دينياً ولغوياً ومهنياً، وأن هذا التنوع انعكس على الحياة التجارية والثقافية والمدرسية في المدينة، فكانت بيروت تنتج ثقافة مميزة تجمع بين المحلي والعالمي"، وأضاف أن "تدفق اللاجئين والأقليات أسهم في إحياء مؤسسات مجتمعية جديدة تركت بصمتها على البيئة السكانية في بيروت"، موضحاً أن "هجرة الأرمن بعد عام 1915 وهجرة الفلسطينيين بعد عام 1948 أدتا إلى نشوء أحياء جديدة تضم مدارس وكنائس ومطابع وشبكات تجارية وثقافية متكاملة"، مؤكداً أن "هذه الجماعات حافظت على لغاتها وذكرياتها الخاصة، وأسهمت في الوقت ذاته في تعزيز النسيج الثقافي المتعدد للمدينة، من خلال الموسيقى والمسرح والصحافة والحرف اليدوية"، مشيراً إلى أن "منطقة برج حمود (في الضفة الشرقية لنهر بيروت) تعد مثالاً كلاسيكياً على هذا النسيج الأرمني البيروتي".

وعن الهجرة الداخلية، لفت منيمنة إلى أن "تحول لبنان نحو الاقتصاد الصناعي والخدماتي في منتصف القرن الـ20 أسهم في تسريع الهجرة من الريف إلى بيروت، مما أدى إلى تغير الحياة اليومية والنسيج الاجتماعي"، موضحاً أن "الوافدين الجدد توزعوا في أحياء مكتظة أنشأوا فيها شبكات اجتماعية واقتصادية جديدة غيرت ملامح المدينة القديمة"، وبرأيه "كانت هذه التحولات إيجابية إلى حد بعيد، لأنها أتاحت فرصاً للحراك الاجتماعي وأسهمت في خلق تنوع مكاني واجتماعي جديد في العاصمة".

الحرب الأهلية وانكسار الذاكرة الحضرية

الحرب الأهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990، ينظر إليها المؤرخ منيمنة بأنها "شكلت نقطة تحول حاسمة في تاريخ بيروت الديموغرافي، إذ تسببت بنزوح داخلي واسع وهجرة خارجية وتقسيم فعلي للأحياء على أسس طائفية، مما جعلها أكثر تجانساً وانغلاقاً في الوقت عينه"، مضيفاً أن "الأساسات الثقافية والاجتماعية التي كانت تجمع السكان تضررت بشدة أو انتقلت إلى أماكن أخرى، وأن الحرب مزقت طبقات عدة من الذاكرة الحضرية المشتركة لبيروت"، ولفت إلى أن "المرحلة التي تلت عام 2000 شهدت أيضاً تدفقاً جديداً للاجئين وضغوطاً اقتصادية واجتماعية متزايدة، خصوصاً بعد اندلاع الأزمة السورية عام 2011 التي أدت إلى تدفق واسع للسوريين إلى لبنان"، وقال أيضاً إن "هذا التدفق المستمر أضاف إلى بيروت فئات اجتماعية جديدة ولغات وممارسات مختلفة، لكنه خلق في الوقت نفسه منافسة شديدة على الخدمات والسكن والوظائف، مما أثر في التماسك الاجتماعي والعلاقات اليومية بين فئات المجتمع"، وبين أن "التقارير الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والتصريحات الحكومية الأخيرة تشير إلى أن عدد النازحين السوريين في لبنان يتجاوز المليون، مع تركز كثيف في بيروت وضواحيها، مما يجعل هذا الواقع واحداً من أبرز العوامل المؤثرة في المشهد السكاني والاجتماعي للعاصمة".

 

محطات أعادت رسم الخريطة السكانية

بالحديث عن المحطات التاريخية الرئيسة التي أعادت تشكيل الخريطة السكانية لبيروت، يشير منيمنة إلى أن "أبرزها الانفتاح الاقتصادي وتوسع المرفأ في القرن الـ19 الذي جعل المدينة مركزاً تجارياً إقليمياً ونقطة جذب لليد العاملة والتجار"، مضيفاً أن "أحداث عام 1860 في جبل لبنان ودمشق، المعروفة بالمجازر، تسببت بنزوح جماعي وبتشكيل تركيبات اجتماعية وسياسية جديدة في المنطقة، مما أدى إلى تغير التوازنات المحلية"، وأشار إلى أن "عام 1915 شهد تدفق اللاجئين الأرمن، مما أدى إلى نشوء أحياء ومؤسسات أرمينية مركزة مثل برج حمود، بينما جاء عام 1948 ليحمل معه موجة اللجوء الفلسطيني التي غيرت المشهد السياسي والاجتماعي في بيروت ومحيطها"، موضحاً أن "هذه المحطات التاريخية أسهمت في تراكم التنوع السكاني، لكنها في الوقت ذاته ولدت طبقات اجتماعية متباينة"، وتابع قائلاً إن "الحرب الأهلية اللبنانية وما رافقها من نزوح جماعي وتقسيم طائفي وتدمير للمساحات العامة المشتركة، تلاها في التسعينيات مشروع إعادة إعمار عمراني اتسم بالنزعة النيوليبرالية، أعاد صياغة المشهد العمراني والاجتماعي للمدينة"، لافتاً إلى أن "هذه المشاريع التنموية فضلت الاستثمارات الرأسمالية والسياحية على حساب الإسكان الاجتماعي، مما أدى إلى نزوح كثير من العائلات البيروتية إلى خارج العاصمة نحو مناطق مثل عرمون وبشامون والسعديات وغيرها".

وبرأيه، فإن "هذا التحول ليس فريداً من نوعه في التاريخ، إذ يلاحظ في مدن كبرى كثيرة أن العائلات الأصيلة تميل مع مرور الزمن إلى الانتقال خارج مراكز المدن بسبب الضغوط الحضرية والضوضاء"، مضيفاً بنبرة ساخرة أن "البيروتي، بطبيعته، يحب أن يرتاح بعد العمل ليشرب نارجيلته، لا أن يعيش في زحمة المدينة وضوضائها الدائمة".

الهجرة الداخلية والذاكرة الاجتماعية

وعن الهجرة الداخلية من المناطق اللبنانية، رأى منيمنة أنها "حملت إلى بيروت عادات ولهجات وممارسات قروية ودينية، مثل الاحتفال بالقديسين (أعياد المسيحيين) أو الأعياد الإسلامية، فضلاً عن مهارات حرفية متوارثة، وأن هذه العناصر انعكست على الثقافة الحضرية عبر الأجيال"، موضحاً أن "الشوارع والأحياء تحولت إلى مخطوطات تحمل ذاكرة المهاجرين وتقاليدهم، ومع الوقت طورت كل منطقة هويتها الخاصة، سواء كانت طائفية أو مهنية أو ثقافية"، وأشار إلى أن "هذه الهوية انعكست في المهرجانات والأندية وأماكن العبادة والمدارس المهنية التي حافظت على الذكريات ونقلتها بين الأجيال"، لكنه لفت أيضاً إلى ما سماه "التشرذم والنسيان الانتقائي" الناتج من الحرب والنزوح والتحديث العمراني، مؤكداً أن "هذه العوامل أدت إلى انقطاع بعض خيوط الذاكرة الجماعية، وإلى محو آثار مادية كثيرة مثل الأسواق القديمة والمباني التراثية، مما أضعف المراسي الملموسة للذاكرة البيروتية"، وأضاف أن "الجماعات المهاجرة واللاجئة استخدمت ذاكرتها الجماعية كوسيلة للمطالبة بحقوقها وتعزيز انتمائها السياسي والاجتماعي"، مشيراً إلى أن "الأرمن والفلسطينيين شكلوا نموذجاً واضحاً لذلك عبر مؤسساتهم الثقافية والتعليمية التي حافظت على التاريخ واللغة ورسخت هوية مستقلة ضمن النسيج العام للمدينة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بيروت بين الجامعة والمجزأة

ورداً على توصيف بيروت كمدينة جامعة، رأى منيمنة أن "المدينة لا تزال تحتفظ بخصائصها الكوزموبوليتانية على رغم التصدعات العميقة التي خلفتها الحروب والأزمات الاقتصادية"، موضحاً أن "المؤسسات الثقافية والتعليمية ووسائل الإعلام والمأكولات والفنون ما زالت تعبر عن روح بيروت المنفتحة، لكنها تعيش جنباً إلى جنب مع واقع اجتماعي هش ومتعدد الطبقات"، وقال إن "فقدان الأحياء التاريخية، وتركز اللاجئين، وظهور مستوطنات عشوائية، أدت إلى تفاقم عدم المساواة في الوصول إلى الخدمات، وخلقت تنافساً على المساحات العامة والتراث الثقافي، مما أضعف التماسك الاجتماعي الذي كان يميز العاصمة اللبنانية".

نسأل عن مستقبل بيروت فيؤكد أنه "يتوقف على الخيارات السياسية والعمرانية المقبلة"، موضحاً أن "إعادة الإعمار الحقيقية يجب أن تقوم على رؤية شاملة تشمل الإسكان الميسور الكلفة، وحماية التراث، وتوسيع الفضاءات العامة، وربط الأحياء بشبكات نقل حديثة، إضافة إلى سياسات دمج عادلة بين السكان الأصليين والوافدين"، محذراً من أن "استمرار النهج الاستثماري الضيق الذي يغلب العائد العقاري على الحق في المدينة سيقود إلى مزيد من التشرذم، في حين أن التخطيط القائم على العدالة والمشاركة يمكن أن يعيد لبيروت دورها التاريخي كمدينة جامعة ومتنوعة الهوية".

من التاريخ إلى الاقتصاد: المدينة بوصفها سوقاً ومختبراً اجتماعياً

ومع كل موجة سكانية جديدة، كانت بيروت تعيد اختراع نفسها كمنظومة إنتاج واستهلاك واستثمار: من المرفأ التجاري في القرن الـ19 إلى الأبراج الزجاجية في القرن الـ21، لقد أفرزت هذه التحولات خريطة اجتماعية جديدة، تُرسم فيها الحدود بالقدرة الشرائية أكثر منها بالانتماء الطائفي أو المكاني، فالأحياء التي كانت تعرف يوماً بطابعها الشعبي أو المهني تحولت إلى مراكز عقارية وسكنية للأثرياء، بينما انسحبت الطبقات الوسطى تدريجاً نحو الضواحي، هكذا، تغير ميزان المدينة، وتحول المشهد الديموغرافي إلى مشهد طبقي بامتياز.

في السياق، رأى المتخصص الاقتصادي بلال علامة أن "التحولات التي شهدتها التركيبة السكانية في بيروت، من منظور اقتصادي، كانت في جانب منها مفيدة للعاصمة، إذ أسهمت في إعادة تنشيط حركتها التجارية والعقارية".

وشرح علامة أن "من يقصد بيروت اليوم للسكن هم الفئات التي تتمتع بمستوى دخل مرتفع، لا سيما في الأحياء الحديثة من العاصمة، فالمناطق الساحلية مثل الرملة البيضا ومحيطها، إلى جانب فردان وساقية الجنزير والأحياء القريبة من الروشة، باتت مقصداً للطبقات الميسورة ورجال الأعمال وأصحاب المداخيل العالية، مما انعكس تأثيراً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي في المدينة"، غير أنه لفت إلى جانب آخر أكثر تعقيداً في المشهد، قائلاً "المزعج في الأمر أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي ضربت لبنان أدت إلى تبدل في طبيعة الطبقات الاجتماعية، فهناك من كون ثروات في ظل الانهيار، وهناك من فقد قدرته الشرائية بالكامل، لقد دخلنا في ما يعرف باقتصاد ’الكاش‘، وهو بيئة تتيح للبعض تحقيق أرباح سريعة بعيداً من أعين الرقابة، مما فتح الباب أمام فئات جديدة - لم تكن سابقاً جزءاً من النسيج البيروتي - لتصبح من سكان العاصمة ومستثمريها".

 

وتابع علامة أن "الحرب الأخيرة مع إسرائيل زادت من زخم هذه التحولات، بعدما شهدت بيروت موجة نزوح جديدة من سكان الضاحية الجنوبية الذين لجأ كثر منهم إلى أحياء العاصمة الآمنة نسبياً، خصوصاً في المزرعة والحمرا ورأس بيروت، وبعض مناطق الأشرفية"، موضحاً أن "هذا النزوح الموقت خلق طلباً سريعاً على الشقق المفروشة والإيجارات القصيرة الأمد، مما حرك سوق العقار والإيجارات مجدداً في ظل ركود عام، ورفع الأسعار في بعض الأحياء بنسبة تجاوزت 20 في المئة خلال أسابيع قليلة"، ورأى أن "هذه الحركة المفاجئة، على رغم طابعها الإنساني، كشفت هشاشة البنية السكنية للعاصمة وقدرتها المحدودة على استيعاب موجات النزوح، لكنها في الوقت نفسه ضخت حياة جديدة في الدورة التجارية اليومية، من المطاعم إلى محال الخدمات، وأعادت لبيروت دورها كمركز استقطاب حتى في الأزمات".

ولفت علامة إلى أن "بيروت لا يمكن وصفها اليوم بأنها مدينة منقسمة اقتصادياً بقدر ما يمكن القول إنها شهدت إعادة ترتيب للطبقات الاجتماعية، فقد تحولت بعض أحياء بيروت القديمة إلى مناطق شعبية يقطنها أهلها الأصليون، فيما اجتذبت الأحياء الجديدة رؤوس الأموال وحديثي النعمة الذين دخلوا بقوة إلى السوق العقارية، مما أحدث تحولاً تدريجاً في وجه المدينة وميزانها الطبقي".

وعن تأثير الهجرة على هذا الواقع، أشار علامة إلى أن "فئة المهاجرين غالباً ما تضم اليد العاملة المنتجة وأصحاب الكفاءات والمتعلمين، مما يعني خسارة العاصمة جزءاً من طاقتها البشرية المنتجة، لكن في المقابل تسهم تحويلاتهم المالية إلى عائلاتهم في دعم الاقتصاد العائلي وتعزيز مستوى المعيشة داخل الأحياء الشعبية أو المتوسطة في بيروت، وهو ما يخلق نوعاً من التوازن بين الخسارة والإنعاش"، وأكد أيضاً أن "بيروت، بصفتها العاصمة التجارية للبلاد، لا يمكن أن تؤثر في هيكلة الاقتصاد المحلي إلا بصورة إيجابية، فحين تستقطب الاستثمارات إلى المدينة، بغض النظر عن هوية أصحابها ومستوياتهم الاجتماعية، فإن ذلك ينعكس نمواً على الاقتصاد الوطني، فالمقيم في بيروت غالباً ما يؤسس عملاً أو مشروعاً فيها، مما يفعل الدورة الاقتصادية ويعزز الحركة التجارية".

وختم علامة "على رغم كل الإيجابيات يجب الاعتراف بأن الكثافة السكانية والاقتصادية في بيروت باتت تفوق قدرتها الاستيعابية، فالازدحام المروري والتخمة في النشاط التجاري والتداول اليومي أصبحت تعوق جزئياً الحركة الاقتصادية، وتحد من المساهمة التي تقدمها العاصمة للاقتصاد الوطني، وكل تطور إيجابي في بيروت ينعكس بطبيعة الحال على لبنان بأكمله، لأن العاصمة ستظل القلب النابض للحياة الاقتصادية في البلاد".

المزيد من تحقيقات ومطولات