ملخص
تتعمد المنصات التي ترتبط بالأحزاب إلى عدم تثقيف المواطن في شأن الانتخابات، إذ من شأن ذلك أن يرفع نسبة المشاركة في الاقتراع مما يعني تقليل حظوظ الحزب أو المرشح، بينما عدم التثقيف يعني اقتصار المشاركة على جمهور الحزب أو المرشح المنتفع منه ومن ثم زيادة حظوظه بالفوز، وباتت منصة "صوتك أمانة" أول نظام رقمي انتخابي يسمح باستعراض القوائم في كل محافظة ودائرة، ويؤمن الاطلاع على أرقام القوائم وتسلسل المرشحين وسيرهم الذاتية.
القاسم الانتخابي واحتساب المقاعد للمرشحين والكتل الفائزة وكوتا النساء و"سانت ليغو" مصطلحات ومفاهيم انتخابية غالباً ما وجد فيها الجمهور ضبابة لغوية عصيةً على الفهم، فعلى رغم تعدد التجارب التشريعية التي عاشها العراق بعد عام 2003، فلا يزال الناخبون والمرشحون يوصفون بالتقليديين، فالمؤتمرات الانتخابية للمرشحين تنشغل بحضّ الجمهور على التصويت ولا تراعي أهمية التثقيف الانتخابي، فيما يصوت الجمهور بحسب الانتماءات الضيقة بعيداً من الكفاءة ومحاولة فهم من هو الأفضل، لتبقى الانتخابات بالنسبة إلى الجمهور عبارة عن ورقة اقتراع توضع في صندوق الانتخابات، وينتظر إعلان الكتل التي حازت أكبر نسبة من الأصوات.
جهود فردية ظهرت خلال التحضير للانتخابات التشريعية المقررة في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، أخذت على عاتقها التثقيف الانتخابي عبر منصات وقنوات وتطبيقات رقمية، تهدف إلى جعل المفاهيم المتعلقة بالانتخابات واضحة لكل من يتصفح هذه التطبيقات.
خلاصة تجربة العمل
وقال نائب رئيس مجلس مفوضية الانتخابات الأسبق، سعد الراوي، "منذ بدايات تأسيس المفوضية عام 2004 كنت من ضمن العاملين فيها، إذ تم اختياري كمدير مكتب الانتخابات لمحافظة الأنبار، وعام 2007 أصبحت عضو مجلس مفوضية الانتخابات لغاية عام 2012. وخلال هذه الفترة اكتسبت خبرة بعد تجارب عدة مع مفوضيات دول ديمقراطية عريقة مثل الهند وكوريا الجنوبية وأستراليا وماليزيا وروسيا ولبنان، وغالب هذه الورش بمعية متخصصي المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والـ’أيفس‘ (المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية) وعملت كمراقب دولي في استفتاء جنوب السودان مع جامعة الدول العربية، وفي مراقبة انتخابات تونس مع مركز كارتر".
وبعد انتهاء عمله في مفوضية الانتخابات العراقية كتب الراوي عشرات الأوراق البحثية حول الانتخابات العراقية والعربية وأعد كراسات متخصصة في التوعية الانتخابية، كذلك يواظب على كتابة مقالات متخصصة في الصحف الرسمية ومواقع غير رسمية مقدماً ملاحظاته حول إمكان إصلاح المنظومة الانتخابية وتعديلها بما يتوافق مع المعايير الدولية. وسعى الراوي إلى تقديم تجربته ومعلوماته حول الانتخابات للجمهور إذ بادر إلى إطلاق قناة عبر تطبيق "تيليغرام" وأخرى عبر "واتساب" من أجل تعزيز الثقافة الانتخابية وشرح كثير من التفاصيل المتعلقة بالانتخابات التشريعية على نحو بسيط يسهل فهمه على أي متلقٍّ، وعُززت القناة ببوسترات وموضوعات تلخص بعض تفاصيل عملية الانتخابات منها طريقة ترسيم الدوائر الانتخابية والمعادلة الرياضية لاحتساب المقاعد وكوتا النساء والاستبدال، وقدم مقترحات تخص كوتا النساء، فقال إن "هناك مقترحاً مهماً بدأت بكتابته سأطرحه للجهات المختصة بأن أقدم طريقة توزيع المقاعد واحتساب كوتا النساء من دون أي استبدال لتلافي الإشكالات التي حصلت في الدورات السابقة".
كما يشير الراوي إلى أن "معظم الأحزاب السياسية لا تمتلك مكاتب انتخابية متخصصة تؤدي دورها في وضع الخطط وتثقيف جمهور الحزب وعقد ندوات وورش لإدارات الحملات الانتخابية وللمرشحين الجدد. ويتضح ذلك الفقدان في الدعايات الانتخابية لكثير من الأحزاب والمرشحين التي تجاوزت القوانين والأنظمة والتعليمات التي تصدرها مفوضية الانتخابات".
ويرى السؤول السابق أن ما تقدمه قناته على "تيليغرام" و"واتساب" غير كافٍ لتعزيز ثقافة الانتخابات، فقال "نحتاج إلى استحداث معهد متخصص للثقافة الديمقراطية وجعلها في مناهج كل المراحل الدراسية للطلبة وعقد ورش وندوات مستمرة بالتعاون مع الشركاء في العملية السياسية، لا يزال هذا الأمر شبه غائب في العراق". ويقارن الراوي تجربة العراق مع التجارب التشريعية لدول عربية أخرى، فقال إن "تشريع أي قانون لا بد من أن يظهر للعلن ويُعرض على كل المهتمين والمختصين بالقانون لفسح المجال لتدوين الملاحظات والمقترحات، وهذا شبه مغيب في العراق، وأذكر مثالاً لتشريع قانون انتخابي في بلد عربي، عام 2014 عُرض في تونس قانون الانتخابات في الموقع الرسمي للسلطة التشريعية وقدمتُ بعض الملاحظات والمقترحات بعد قراءته كمختص في الانتخابات، ودُعِيت إلى تونس في ورشة خاصة مع فريق اللجنة التشريعية ومختصين آخرين من أكثر من 10 دول وبوجود شركاء العملية السياسية داخل تونس". ويختم الراوي قائلاً "مثل هذا الإجراء شبه مغيب في العراق فحتى القانون الانتخابي النافذ حالياً لا نعرف النسخة المتكاملة بكل فقرات القانون المتسلسلة والمفصلة".
أول موقع إخباري مختص بالانتخابات
في المقابل، تحدث رئيس تحرير "شبكة أخبار الانتخابات العراقية" إبراهيم صالح عن إنشاء الشبكة، فقال "كانت الفكرة في البداية إنشاء مجموعة مواقع متخصصة بموضوعات مختلفة، لكن نظراً إلى قرب الانتخابات النيابية قررتُ أن يكون الموقع مخصصاً للانتخابات كأول موقع إخباري من نوعه، ليكون موقعاً مرجعياً لأخبار الانتخابات في العراق، سواء النيابية أو المحلية، وحتى انتخابات النقابات والاتحادات والأندية". وأضاف أن "شبكة أخبار الانتخابات العراقية" تهدف إلى تثقيف الجمهور، معتبراً أن "المنصات الأخرى تفتقر إلى وسائل التثقيف كونها مدعومة من أطراف سياسية ومرشحين وهي بطبيعة الحال تعمل على الترويج لحزب أو مرشح ما، لذا من مصلحتها عدم التثقيف لكون التثقيف سيرفع نسبة المشاركة في الانتخابات مما يعني تقليل حظوظ الحزب أو المرشح، بينما عدم التثقيف يعني اقتصار المشاركة على جمهور الحزب أو المرشح المنتفع منه ومن ثم زيادة حظوظه في الفوز".
مصدر رئيس للعملية الانتخابية
ونجح موقع "شبكة أخبار الانتخابات العراقية" في أن يكون مرجعاً لجهات مختلفة، لا سيما غرف أخبار في القنوات والمواقع الإخبارية والصحافيين المستقلين والناشطين، وصولاً إلى جهات رسمية عدة كمفوضية الانتخابات ومفوضية حقوق الإنسان التي عدت الشبكة مصدراً رئيساً في رصدها العملية الانتخابية، ويوضح إبراهيم صالح أنه "لا يمكن القول إن الموقع كان مصدراً رئيساً للجمهور بصورة عامة، لكن جمهور الموقع هو من الصحافيين ووسائل الإعلام والجهات المختصة بالانتخابات، وتركز هذه الفئات على أخبار الموقع لتثقيف الجمهور حول طريقة الانتخابات وغيرها من المعلومات والإحصاءات والإعلانات التثقيفية وصولاً إلى معرفة القوانين والتعليمات ومعرفة طريقة احتساب الفائز، وغالباً ما يقدم الموقع أخباراً تسبق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات"، إذ يقول صالح "راسلني ضابط رفيع في الجيش العراقي وأبلغني أنه يتابع شبكتنا كونه ينتظر نتيجة لجنة تحقيقية شُكّلت للنظر في شموله بإجراءات المساءلة والعدالة، وكان يترقب أي خبر يتضمن اسمه قد يرد في موقعنا لكوننا ننشر قوائم المشمولين وغير المشمولين حتى قبل مفوضية الانتخابات أحياناً".
صحافة نوعية
"يختلف التفاعل في موقع شبكة أخبار الانتخابات العراقية من مادة إلى أخرى، لكن بصورة عامة تحصد أخبار الاستبعاد من الانتخابات وغيرها من قرارات تخص المرشحين، قراءات مرتفعة، كذلك تجذب الأخبار المتعلقة بتوقعات النتائج الانتخابية القرّاء على نحو واسع"، بحسب إبراهيم صالح، مضيفاً أن "نسبة المشاهدة للأخبار والتقارير في الموقع متواضعة نسبياً إذ تُقدَّر بالمئات فقط لكل مادة، وأحياناً حتى بعشرات القراءات، وهناك متابعون لا يتجاوزون بضعة آلاف للقنوات والحسابات الخاصة بالموقع على وسائل التواصل الاجتماعي، وعندما نبحث في مَن هؤلاء سنجد أن غالبهم من الصحافيين والإعلاميين والباحثين والناشطين والموظفين المعنيين بالعملية الانتخابية، لذا يمكن القول إن الموقع يقدم تجربة مميزة لصحافة نوعية، ليس مهماً فيها عدد المتابعين بقدر ما تُقدمه من معلومات للجمهور".
منصة "صوتك أمانة" أول نظام رقمي انتخابي
"بدأت فكرة منصة ’صوتك أمانة‘ منذ سنوات عدة واستغرق العمل لإنجازها 18 شهراً بمشاركة فريق من المبرمجين من العراق ومن خارج العراق، منصة ’صوتك أمانة‘ هي أول نظام رقمي مسجل ببراءة اختراع محلياً وعربياً وعالمياً"، هذا ما يذكره لنا أحد أعضاء فريق منصة "صوتك أمانة"، موضحاً أن "المنصة التي تقدم المعلومات باللغات العربية والإنجليزية والكوردية صُممت بهدف زيادة عدد المشاركين في الانتخابات والحد من الفوضى الانتخابية، وتعزيز الثقة بين الناخب والمرشح فضلاً عن القضاء على التزوير والمعلومات السياسية المضللة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
التحول الرقمي
من السهل استخدام تطبيق "صوتك أمانة"، إذ لا يتطلب بيانات دقيقة من الناخب ويمكن تحميله عبر روابط خاصة، ويسمح التطبيق باستعراض القوائم الانتخابية في كل محافظة ودائرة انتخابية، ويؤمن الاطلاع على أرقام القوائم وتسلسل المرشحين وسيرهم الذاتية، ويتيح التطبيق التواصل المباشر مع كل مرشح برسائل رقمية فورية.
يقول أحد أعضاء المنصة "تولدت فكرة التطبيق من الحاجة الملحة إليها، فالقوائم عدة وهناك صور وبرامج انتخابية متشابهة، فيتوه الناخب بين آلاف صفحات ’فيسبوك‘ و’إنستغرام‘ التي تقدم دعايات للمرشحين، فلم يعد الناخب بعد استخدام المنصة بحاجة إلى البحث بين ملايين البطاقات التعريفية واللافتات الورقية للمرشحين التي تُرمى في مكبّات النفايات، فالمنصة هي بوابة عصر رقمي تفاعلي حيث يكون الهاتف المحمول هو بوابة القرار والمعرفة والاختيار الحر الواعي".
ما الذي تقدمه المنصة للناخب؟
تقدم منصة "صوتك أمانة" للناخب الذي يرغب بالاطلاع على المرشحين وبرامجهم إمكان الوصول المباشر إليهم، وتؤمّن المنصة حرية الاطلاع على السيرة الذاتية للمرشح وبرنامجه الانتخابي، ويمكن من خلال التطبيق التواصل مع المرشحين عبر الرسائل والمشاركة في النقاشات والمجموعات العامة، ويمكن التواصل مع مديري الحملات الانتخابية أو المراقبين الانتخابيين المعتمدين داخل التطبيق عند الحاجة ومراقبة سير العملية الانتخابية.
كيف يستفيد منها المرشح؟
أما المرشح فستسمح له المنصة بإنشاء ملف قيادي احترافي يُظهر الصور الخاصة مع السيرة الذاتية والبرنامج الانتخابي، وتربط المنصة كل مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمرشح بالملف ذاته، بحيث يتعرف الناخب إلى كل المنصات الخاصة بالمرشح، ويمكن إدارة وتنظيم فريق الحملة من مكان واحد، ويتيح التطبيق إصدار بطاقات انتخابية رقمية قابلة للمشاركة عبر كل وسائل التواصل تحوي رابطاً و"كيو آر" QR كوداً بمجرد الضغط عليه ستعيد توجيه الناخب إلى الملف الخاص بالمرشح، ويؤمن التطبيق إمكان الاتصال بالناخب مع خاصية إخفاء الرقم، إذ يظهر اسم المرشح فقط، ويمكن تفعيل خاصية السماح لبعض الناخبين أو كلهم بالاتصال بالمرشح، ويتضمن التطبيق خاصية نظام تحديد الموقع، إذ سيرتبط بمراكز الاقتراع وموقعها على الخرائط، وفي يوم الاقتراع سيسجل الناخب الذي ذهب فعلاً إلى مركز الاقتراع، كذلك يتيح التطبيق للمرشح فرصة إجراء استفتاءات أسبوعية لمعرفة خارطة الحملة الانتخابية والأعداد الحقيقية التي تصوت للمرشح، صُمم التطبيق لدعم المنافسين المستقلين الذين لا دعم لديهم لمنحهم الفرصة بأداة ذكية رقمية تسهم وتساعد بحملتهم الإلكترونية.
تحديات العمل
يأمل مبرمجو هذا التطبيق في أن تتحول عملية الاقتراع مستقبلاً إلى عملية رقمية، وأن يغادر العراق الطريقة التقليدية للانتخابات التي تستنفد المليارات من أموال الدولة، وكذلك الأموال التي تُصرف من قبل المرشحين، ولهذه الخطوة جانب بيئي أيضاً، من خلال تقليل الاعتماد على ملايين البطاقات الورقية.
وقال أحد أعضاء المنصة إن "العمل لم يخلُ من تحديات، فلم تكن الكتل السياسية ومرشحوها جادين بالتعاون من أجل نجاح المنصة، فبعد موافقة المرشحين على جعل الحملات الانتخابية رقمية، وبعدما أمضى فريقنا ساعات طويلة مع المرشحين لعرض كيفية إدارة حملاتهم الانتخابية، لكننا فوجئنا بأنهم اعتذروا عن تسديد المبلغ المالي الزهيد، بل حاول بعضهم إنشاء منصة مشابهة بكفاءة أقل، وهم يجهلون أن التطبيق والفكرة محميان دولياً في مكتب براءة الاختراع وأن أي شكوى ضدهم سيكون لها أثر في الصعيدين المحلي والدولي"، ويختم بالقول إن "هذه المنصة ترضي الناخب بوضوحها وتجذب السياسي بقدرتها على تحويل كل تواصل إلى قيمة، وكل قيمة إلى صوت وهذه هي الديمقراطية، لكنها بحاجة إلى وعي وتثقيف بأهميتها".