ملخص
يمكن القول إن كارين جان بيير لم تخرج من البيت الأبيض فقط بعد عامين ونصف العام من العمل فيه، لكنها بعد هنيهة من ذلك خرجت من الحزب الديمقراطي كله، أو خرجت عليه، موضحة أسباب ذلك في كتاب كامل ـ وإن لم يتجاوز 170 صفحة ـ عنوانه "المستقلة: نظرة من الداخل إلى البيت الأبيض المهشم، بعيداً من الخطوط الحزبية".
على مدى ثلاثة أعوام تقريباً عملت كارين جان بيير سكرتيرة صحافية في البيت الأبيض، فكانت وجهاً لإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في العالم من خلال الإيجازات الصحافية اليومية والرحلات في أرجاء العالم، وقد كانت جان بيير أكثر من هذا أيضاً، فهي وفقاً لما ذكره ديفيد سميث في تقرير مطول عنها بصحيفة "الغارديان" في الـ21 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري أول امرأة سوداء البشرة، وأول امرأة معلنة المثلية، وأول امرأة تنتمي إلى الجيل الأول من أبناء المهاجرين، تتولى منصب السكرتيرة الصحافية في البيت الأبيض.
لكن يبدو أن المقولة التي تذهب إلى أن حياة أي سياسي تنتهي بالفشل تنطبق أيضاً على المتحدثين الرسميين، فقد قضت كارين شهورها الأخيرة في الجناح الغربي من البيت الأبيض في التصدي لأسئلة عن قدرات بايدن الذهنية، وهي مهمة عدها كثر آنذاك دفاعاً عما لا يمكن الدفاع عنه، وشهدت كذلك إرث رئيسها يتقوض أمام عينيها، ومنجزاته الكثيرة تختفي وراء إخفاقه في منع رجوع دونالد ترمب إلى السلطة، وفقاً لسميث، ومن هنا لا غرابة في أن تكون تجربة كارين جان بيير برمتها قد انتهت بظهور البيت الأبيض متهشماً على غلاف كتابها الصادر حديثاً.
يمكن القول إن كارين جان بيير لم تخرج من البيت الأبيض فقط بعد عامين ونصف العام من العمل فيه، لكنها بعد هنيهة من ذلك خرجت من الحزب الديمقراطي كله، أو خرجت عليه، موضحة أسباب ذلك في كتاب كامل ـ وإن لم يتجاوز 170 صفحة ـ عنوانه "المستقلة: نظرة من الداخل إلى البيت الأبيض المهشم، بعيداً من الخطوط الحزبية".
توضح السكرتيرة الصحافية السابقة في إدارة جو بايدن في كتابها هذا أسباب استقالتها من الحزب الديمقراطي وإعلان نفسها مستقلة سياسياً، فتقول إن دافعها إلى ذلك هو "خيبة الأمل العميقة في قيادة الحزب التي خانت بايدن في تقديرها، ولم تقدم الدعم الاستراتيجي لنائبته كامالا هاريس، وواجهت بـ’ضعف صادم‘ تهديد الاستبدادية الذي تمثل في ترمب".
نقد لاذع للحزبين
يرى استعراض (ببليشرز ويكلي) الوجيز للكتاب أن كتاب جان بيير يمثل نقداً لاذعاً لنظام الحزبين كله، وأن أعوام عملها في البيت الأبيض وتجاربها داخل إدارة بايدن قد أفضيا بها إلى الخروج من الحزب الديمقراطي وإعلان نفسها "مستقلة"، إذ تحكي جان بيير كيف تبينت لها الحقيقة وكيف صدمتها ’روح الوضاعة‘ لدى قادة الحزب الديمقراطي في ضغطهم على الرئيس بايدن كي يتخلى عن ترشحه لانتخابات عام 2024 الرئاسية بعد مناظرته الكارثية مع ترمب (التي تصر جان بيير على أن أداء بايدن المتواضع فيها إنما كان سببه هو إصابته بالبرد)، وتصر أيضاً على أنها رأت بايدن وهو يؤدي مهامه ’صافي الذهن... واسع الاطلاع‘ وأن حملته ’كان يمكن أن تتجاوز انتكاسة المناظرة‘".
"وتصور جان بيير الفترة التي قضتها داخل البيت الأبيض بأنها كانت مليئة بالصعوبات في مواجهة ’جهاز إعلامي عدواني‘ يسدد أسئلة محرجة حول صحة بايدن، وكيف أنها حاربت سيلاً من تسجيلات فيديو جرى التلاعب بها ببراعة، عبر تغيير الصوت والسرعة، ’لإظهار بايدن ضعيفاً على المستويين الذهني والبدني‘، وتحكي أيضاً كيف احتملت خلافات ناجمة عن غيرة الزملاء ومنهم ’عضو أساس في فريق البيت الأبيض... كان ينسق حملة ترمي إلى إخراجي‘" وإن لم تسمه جان بيير باسمه.
في حوار مع ماجد الوحيدي وميشيل مارتين عبر إذاعة أميركا الوطنية، في الـ21 من أكتوبر الجاري، ذهبت جان بيير إلى أن ما أفضى بالحزب الديمقراطي إلى الهزيمة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة هو خلل داخلي في الحزب، وانعدام للولاء، وكلا الأمرين أسهم في تمهيد الطريق لتلك الهزيمة. وقالت أيضاً إن "عجز الديمقراطيين عن الاحتشاد حول بايدن كلفهم غالياً على المستوى السياسي، فـ ’بايدن، موضوعياً، قضى أربعة أعوام شديدة النجاح، فلما اقتربت انتخابات مصيرية وباتت على الأعتاب، وتحتم على الديمقراطيين الوقوف فيها وراء شخص، عجزنا عن ذلك، بينما استطاع الجمهوريون أن يفعلوا".
مظلمة شخصية
في استعراض آخر مطول للكتاب على صفحات "واشنطن بوست" منشور في الـ22 من أكتوبر الجاري، أوجزت بيكا روثفيلد الأزمة العميقة التي يواجهها الحزب الديمقراطي الآن، إذ عددت الأسباب التي كان يجدر بها أن تدفع عضواً في الحزب الديمقراطي إلى الاستقالة والاستقلال، فكتبت "تخيلوا أن ينفصل عضو عن الحزب الديمقراطي لا بسبب دعم الحزب الثابت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو ينتهك القانون الدولي ويشن حملة دامية على المدنيين في غزة، ولا بسبب فشل الحزب المهين في أن يشكل معارضة ذات شأن لهجوم إدارة ترمب على كل شيء تقريباً مما له قيمة في أميركا، ولا بسبب أن الحزب يستمر في تقديم مرشحين في السبعينيات والثمانينيات من عمرهم وإن آثر أحدهم أن يموت في السلطة عن 90 سنة على أن يتنازل عن كرسيه لمن يصغره، ولا بسبب عجز الحزب عن توسيع نطاق الرعاية الصحية أو حماية المهاجرين أو فرض ضريبة على الثروة أو إنجاز أي شيء على الإطلاق، ولا بسبب الخطاب السطحي الضحل أو ميل أعضاء الحزب إلى مخاطبة الشعب وكأنهم يخاطبون جمعية عمومية في شركة، ولا بسبب أن الديمقراطيين لا يملكون رؤية سياسية وذلك عيب كبير في أي حزب سياسي، ولكن بسبب الشيء الوحيد المعقول الذي تحتفظ الذاكرة الحديثة لهم بأنهم فعلوه ـ وإن تأخروا كثيراً ـ وهو إخراج جو بايدن المتهالك من السباق الرئاسي عام 2024".
ذلك في تقدير روثفيلد ما لا يفعله إلا الراسخون في الولاء الحزبي، "وهذا بالضبط هو شأن كارين جان بيير، الناشطة طوال حياتها في الحزب الديمقراطي، التي عملت أخيراً سكرتيرة صحافية للرئيس بايدن، والتي لا تزال تنزف من جراء الجراح التي أصابت الإدارة على أيدي الحزب الذي خانها، وتضيف ’لقد رأيت القيادة الديمقراطية وهي تتخلى عن رجل قاد بلدنا عبر وباء وعصر اضطراب سياسي تاريخي، بل وهي تخونه، والأسوأ من ذلك أن قادة الحزب اجترأوا على التشكيك في خلافة كامالا هاريس لبايدن، فقد كانت الدعوة إلى إجراء انتخابات داخل الحزب لاختيار خليفة لبايدن ’إهانة لهاريس‘ بحسب ما ترى جان بيير، دونما تفكير في أن قبول خلافة هاريس لبايدن دونما استشارة للناخبين كان إهانة لهم".
وترى روثفيلد أن جان بيير قد تمثل مستقبل الحزب الديمقراطي على رغم تنصلها النظري منه، "فلعلها تلقت نصيحة من متخصصين في استطلاعات الرأي والعلاقات العامة بالابتعاد من حزب يفقد شعبيته ودعمه بسرعة، غير أنها شأن زملائها في أروقة الكونغرس الأميركي تبدو غير مدركة للسبب في انهيار نسبة تأييد حزبها السابق، إذ يبدو أن النهج الذي تختاره في هذا الكتاب هو الإعلان الجهير لاستقلالها في محاولة بائسة لتنظيف يديها من وصمة حزبها، في حين تظل على تبنيها نفس النظرة القديمة للعالم بنفس النبرة المضجرة... والجانب الإيجابي في هذا كله هو أنها قدمت درساً عملياً في ما لا ينبغي عمله، فهل يستطيع الديمقراطيون أن يتعلموا الدرس؟".
تمضي روثفيلد في اشتدادها على الحزب الديمقراطي الذي كثر منتقدوه الآن، وعلى جان بيير نفسها، فتقول إن "شكواها تصفو في نهاية المطاف إلى محض إحساس مبهم بمظلمة شخصية"، ولعل صدى هذا يظهر في حوار جان بيير مع الإذاعة الأميركية الوطنية، إذ فسرت الانتقادات الكثيرة التي تعرضت لها خلال عملها في البيت الأبيض بقولها إنها كانت "امرأة سوداء، والأمور تكون مختلفة بالنسبة إلى أمثالي".
ولعل صدى المظلمة الشخصية يتأكد في فصل من كتابها عنوانه "رابطة الأخوة" تناولت فيه ولاء الناخبات السوداوات داخل الحزب وعلقت عليه في حوارها مع الإذاعة بقولها "أشعر أن من ينظر إلى السوداوات، يرى كيف يخرجن للتصويت مهما تكن الظروف، لأنهن يدركن الخطر... ومع ذلك فإننا نتعرض للتهميش... لقد كان كثر يشعرون أنهم مسموعون حينما يرونني على المنصة، معتلية ذلك المنبر، سواء من النساء السوداوات، أم مجتمع المثليين أم المهاجرين، كانوا يشعرون أنهم مسموعون ومرئيون، وكان هذا أمراً مهماً عندي".
غير أن "المظلمة الشخصية" تتسع في قراءة روثفيلد إذ تقول إن جان بيير رأت أن "الديمقراطيين تصرفوا مع بايدن، رئيسها، بوضاعة، وتصرفوا معها على المستوى الشخصي بوضاعة، كما توضح في انتقاد مطول لزملائها الذين سربوا معلومات غير طيبة عنها إلى موقع ’بوليتيكو‘، وتصرفوا بوضاعة مع هاريس إذ رفضوا ترشيحها إلا بعد شجار. وتوجز جان بيير شكواها حينما تكتب أنها ’مستاءة من طريقة الديمقراطيين الملتوية في العمل‘ ولكنها ـ كما نفترض لا محالة ـ غير مستاءة من العمل نفسه".
وإذا كان استعراض ببليشرز ويكلي يرى أن الكتاب نقد حاد لنظام الحزبين، فإن روثفيلد ترى أنه "في واقع الأمر، ما من لحظة في كتاب (المستقلة) تفصل فيه الكاتبة نقداً جاداً للسياسات الديمقراطية، وبدلاً من ذلك، ثمة محاولة مضطربة للارتقاء باحتقانها الشخصي إلى مستوى الاعتراضات المبدئية، فتنثر في الكتاب عبارات مسكوكة عن الحاجة إلى ’الانتقال إلى التفكير خارج الصندوق‘ ورفض ’القيادة النائية العاملة وفقاً لكتاب قواعد عفا عليه الزمن‘. ويصعب التعامل مع هذه الدعوات بجدية في وقت يبقى فيه تفكير جان بيير نفسه محصوراً عن قصد داخل الصندوق، وعندما يكون تصورها للقيادة المتماسة مع الناس متمثلاً في رجل تجاوز الـ80 سنة لا يستطيع أن يكمل مناظرة بعد التاسعة مساء".
وتضبط بيكا روثفيلد الكاتبة متلبسة مرة أخرى حينما تقول إن "مشكلة جان بيير الحقيقية، وموضوعها الحقيقي، يتمثل في افتقار الديمقراطيين إلى اللياقة، فبدلاً من محاولة إقناعنا بأن هاريس كانت المرشحة الرئاسية المثلى بسبب برنامجها أو بسبب شعبيتها" تذهب جان بيير إلى أن "هاريس كانت ’الخليفة المنطقية‘ لبايدن، وكانت بوضوح ’التالية له في الصف‘ وكان ’تجاوزها ليمثل قلة احترام للنساء السوداوات جميعاً‘، دونما أدنى مبالاة بما إذا كانت لها فرصة فعلاً في النجاح" وهذا على رغم اعترافها قائلة "لم أعتقد قط أن هاريس يمكن أن تفوز".
مستقبل الحزب الديمقراطي
وبعيداً من ملاحقة بيكا روثفيلد لجان بيير، على رغم إقناعها، قد نجد شيئاً من أفكار جان بيير، أقل تناقضاً أو تهافتاً، في تقرير ديفيد سميث في صحيفة "الغارديان"، إذ تقول "إنني لن أرجع بالزمن، ما حدث قد حدث... ونحن الآن حيثما نحن الآن، وتركيزي منصب على كيفية المضي قدماً، على خريطة الطريق للخروج من ظل هذا النظام شديد الاستبدادية الذي يبدو أننا نجد أنفسنا في ظله... على الديمقراطيين أن يفعلوا كثيراً ومزيداً، على الديمقراطيين أن يتصرفوا بوصفهم حزباً معارضاً في هذا الوقت، ولقد أظهر التاريخ هذا وأوضحه، فمن كان حزبه في المعارضة، ثمة أشياء يمكن أن يفعلها وينتفع بها البلد، ثمة فرصة لإعادة تخيل الأمر ومحاولة إيجاد حلول جديدة: كيف يمكننا فعل ذلك بصورة مختلف وفضلى؟".
يكتب ديفيد سميث أن جان بيير في الوقت الراهن "تقضي وقتاً مع ابنتها الصغيرة لتعويض ما فاتها، وليست لديها أي نية للترشح لمنصب سياسي، لكنها تأمل في أن يساعد إعلانها للاستقلال عن الحزب الديمقراطي على إثارة نقاش جوهري حول مستقبل الحزب الديمقراطي والبلد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حوار مع موقع "بوسطن دوت كوم" في الـ23 من أكتوبر الجاري، يمكن أن نجد مزيداً مما يسلط الضوء على رسالة الكتاب الأساسية، فقد قالت جان بيير "أنا مستقلة بالقطع، لكن الأمر معقد بعض الشيء، أليس كذلك؟ لا أزال إلى حد كبير أتفق مع الحزب الديمقراطي، ومع أيديولوجية الديمقراطيين، كل ما في الأمر أني أظن أن النظام انكسر وأن الأمور في حاجة إلى إصلاح، وأنا مستقلة بمعنى أنني لا أنتمي إلى أي من الحزبين الكبيرين، لكنني أعتقد أنه لا يزال لدي صوت وأمل".
وختمت بقولها "أعتقد أن نظام الحزبين قد تخرب، هناك ملايين الناس الذين لزموا بيوتهم عام 2024 بعدما خرجوا للتصويت عام 2020 ثم شعروا أن أصواتهم غير مسموعة، هناك ملايين من الشباب الذين يقررون الاستقلال الحزبي لأنهم يشعرون أن نظام الحزبين لا يصغي إليهم، لكن في نهاية المطاف، نحن في حاجة إلى أن يعمل الحزبان بحيث يشعر الناس أنهم مسموعو الصوت، ولو أن رئيس أحد الحزبين يميل إلى الاستبدادية والفاشية، فهذه مشكلة، يضاف إليها أن الحزب الديمقراطي يبدو كمن يتخلى عن قوته، إنني أريد أن ينجح نظام الحزبين، وما أفعله بنفسي هو أنني أتساءل كيف يمكن أن أدفع النظام إلى العمل من موقعي الذي أحتله الآن. وأشعر أن استقلالي عن الحزب يثير حواراً، فلا بد من وجود قوة خارج النظام الحزبي من أجل إصلاح النظام الحزبي، لو أن هذا منطقي".
العنوان: Independent:A Look Inside a Broken White House, Outside the Party Lines
تأليف: Karine Jean-Pierre
الناشر: Legacy Lit