ملخص
يرصد التقرير التحولات في علاقة الطفل السعودي بالقراءة خلال زمن تغول الشاشات، مستنداً إلى نتائج استطلاع وطني أظهر تراجع عادة القراءة لمصلحة الترفيه الرقمي.
طرحت ندوة حوارية أقيمت في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025 الأسبوع الماضي، وحملت عنوان "من طفولة الكتب إلى طفولة الشاشات" سؤالاً لافتاً، إذ ناقشت الندوة كيف تغيرت علاقة الأطفال بالقراءة في عصر التقنية، واستعرض من خلالها خبير استطلاعات الرأي العام وأبحاث السوق سعود الغامدي نتائج دراسة ميدانية شملت 1489 مشاركاً من مختلف مناطق السعودية، ليكشف مشهداً جديداً من عادات القراءة في البيوت السعودية.
أرقام تكشف المشهد الجديد
بحسب الدراسة، يشغل تصفح الجوال النسبة الأكبر من وقت الفراغ لدى السعوديين بنسبة 23 في المئة، بينما يقضي 63 في المئة من المستخدمين وقتهم على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يشير إلى أن القراءة ليست ضمن الخيارات الأولى لدى غالب أفراد المجتمع. وتبين أن متوسط ساعات القراءة الأسبوعية يبلغ خمس ساعات لتحتل السعودية المركز السادس عالمياً.
وأظهرت النتائج أن الإناث أكثر ميلاً للقراءة بنسبة 34 في المئة مقارنة بالذكور، وأن المدينة المنورة تتصدر مناطق السعودية في معدلات القراءة بنسبة 57 في المئة.
وحول مكتبات المنازل، أوضحت الدراسة أن 62 في المئة من المشاركين لديهم أقل من 30 كتاباً في المنزل، فيما رأى 51 في المئة أن أسعار الكتب مرتفعة. أما بالنسبة إلى الأطفال، فأشارت النتائج إلى أن الترفيه الرقمي يتصدر أنشطة وقت فراغهم بنسبة 28 في المئة، وأن 54 في المئة منهم يميلون إلى ألعاب الفيديو، بينما بلغت نسبة الأطفال الذين قرأوا كتاباً خلال العام الماضي 36 في المئة فحسب، وغالباً ما يفضلون القصص المصورة والحكايات على غيرها من الأنواع.
وأظهرت الدراسة وجود ارتباط واضح بين قراءة الوالدين لأطفالهم واستمرار عادة القراءة، إذ تبين أن 47 في المئة من الآباء قرأوا لأطفالهم وأن 75 في المئة ممن قُرئ لهم في طفولتهم يحرصون اليوم على القراءة لأبنائهم. وأفاد 45 في المئة من الآباء بأنهم يستخدمون كتب الأطفال لاستكشاف اهتماماتهم وتنمية قدراتهم، وأوضحت نتائج الاستطلاع أن 80 في المئة من أولياء الأمور يشعرون بالقلق تجاه مهارات القراءة لدى أطفالهم.
سحر القصص تحكيه دينا الزبدة
ومع كل رقم تتشكل صورة أكثر وضوحاً، الكتاب الورقي لم يعد وحده في الساحة بل يزاحمه ضوء الشاشة بكل ألوانه وإغراءاته. لكن بين هذا الزحام تلمع أسماء ما زالت تؤمن بسحر القصة، ومن بينها الكاتبة دينا الزبدة الأردنية التي بدأت حلمها في العاشرة حين أرادت إصدار مجلة للأطفال، واليوم تدير دار نشر متخصصة في أدب الطفل، أصدرت أكثر من 16 كتاباً وتبنت نشر أكثر من 50 قصة.
تبتسم الزبدة وهي تتحدث عن التحولات في عقل الطفل الحديث "الطفل اليوم لا يحب الوعظ المباشر، إنه يريد أن يعيش القصة وأن يرى نفسه فيها ويكتشف الرسالة بنفسه".
في إحدى قصصها التي تحمل عنوان "اتركني وحدي"، تكتب عن طفل يختفي في عالم الألعاب الإلكترونية حتى يوشك أن ينسى صوته الحقيقي. تقول إن القصة ولدت من ملاحظتها لأطفال يقضون ساعات أمام الشاشات كأنهم في عوالم بديلة.
ومع ذلك لا ترى دينا في التقنية عدواً، بل تحدياً مثيراً يجعل الكتاب أكثر ابتكاراً في صنع قصص تفاعلية وصور مبهرة تناسب وعي الجيل الجديد، وتقول "نريد أن يشعر الطفل أن الكتاب مغامرة، وليس واجباً مدرسياً".
العائلة مفتاح العادة القرائية
وفي المقابل، يؤكد الاستطلاع أن الأطفال الذين يُقرأ لهم في الصغر يحتفظون بعادة القراءة أكثر من غيرهم، إذ قال 75 في المئة ممن قُرئ لهم في الطفولة إنهم يفعلون الشيء نفسه اليوم مع أبنائهم. إنها سلسلة الحكايات التي لا تنقطع، تنتقل من جيل إلى جيل، ومن قلب إلى قلب.
جيل يقرأ بعينين
وفي ختام الندوة، أجمع الخبراء على أن الخطر الحقيقي ليس في الشاشات نفسها، بل في غياب الحوار والوقت المشترك حولها، فالطفل الذي يسمع قصة قبل النوم أو يشارك والديه قراءة كتاب مصور لا يخسر سحر الخيال، حتى لو كان يعيش وسط ألف شاشة.
ولإعادة الطفل إلى حضن القراءة لا بد أن تتحدث القصة بلغة جيله وتنافس ألوان الشاشة بخيال أوسع منها، فالطفولة لا تحتاج إلى إطفاء الشاشات بل إلى إضاءة القصص من الداخل.
انخفاض عالمي
وعلى مستوى العالم، تشير تقارير دولية حديثة إلى تراجع واضح في معدلات القراءة لدى الأطفال حول العالم خلال الأعوام الأخيرة.
فبحسب تقرير "ناشيونال ليتراسي ترست" البريطاني لعام 2024، عبر 34.6 في المئة فقط من الأطفال والشباب الذين تراوح أعمارهم بين 8 و18 سنة عن استمتاعهم بالقراءة خلال أوقات فراغهم، وهو أدنى مستوى منذ بدء إجراء هذا المسح، فيما قال 20.5 في المئة فقط إنهم يقرؤون يومياً خلال أوقات الفراغ.
وأظهرت دراسة "PIRLS" الدولية لقياس مهارات القراءة انخفاضاً في متوسط نتائج طلاب الصف الرابع بين عامي 2016 و2021 في عدد كبير من الدول، مما يعكس تراجعاً عاماً في مهارات الفهم القرائي.
ووفقاً لتقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فإن هذا الانخفاض يعادل ما يقارب نصف عام دراسي من الفاقد التعليمي في بعض الدول، في ما وصفته المنظمة بأنه "تراجع غير مسبوق في مستويات الإلمام بالقراءة" على مستوى العالم.