Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عاد من أسر تعسفي إلى غزة ولم يجد بيته ولا أهله

فلسطينيون يعودون إلى غزة بعد اعتقال دون تهمة في السجون الإسرائيلية يخبرون نضال حمدونة وبيل ترو عن عائلات مدمّرة ويزعمون تعرّضهم لاعتداءات على يد الجيش الإسرائيلي

بعد سنتين ونيّف من القتال، أصبحت غزة ركاماً وأنقاضاً (أ ب)

ملخص

 في غزة الفقدان متعدد الأبعاد ويشمل الأهل والدار والديار

 انتظر نسيم سنتين لحظة لقائه بزوجته وأطفال الأربعة مجدداً في غزة، بعدما نجا من معتقل إسرائيلي احتُجز فيه دون تهمة ممنوعاً من التواصل مع العالم الخارجي.

اعتُقل الفلسطيني البالغ من العمر 30 عاماً في ديسمبر (كانون الأول) عند حاجز أمني أقامه الجيش الإسرائيلي في غزة، وكان بين 1700 فلسطيني من القطاع -اعتُقلوا جميعاً من دون تهمة أو محاكمة- أُطلق سراحهم في عملية تبادل للأسرى جرت بموجب اتفاق وقف إطلاق النار المُبرم بوساطة دونالد ترمب.    

لكنه اكتشف عند عودته إلى دياره أنّ عائلته بأكملها قد قُتلت فيما سُوّي منزله بالأرض.

ويقول لإندبندنت بصوت يملؤه اليأس "إن صورة عائلتي لم تفارق ذهني أبداً. كان جلّ ما يشغل تفكيري عندما أُفرج عني أن أجتمع بهم. لكن هذا اللقاء الآن  سراب".   

لم يتبق له من العائلة سوى ابنته ذات السنوات الأربع "زوجتي وابني وابنتاي وحماتي- جميعهم قُتلوا. وأنا أسير حزني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في خضمّ حالة النشوة التي أعقبت اتفاق ترمب لوقف إطلاق النار، بدأ الفلسطينيون في غزة يدركون العواقب الكارثية لعملية القصف الإسرائيلي غير المسبوقة التي استمرت سنتين وحصدت أرواح أكثر من 67 ألف شخص وفقاً للمسؤولين المحليين فيما حوّلت مناطق واسعة إلى ركام.

بعد تحريرهم، وجد معتقلون كثر مثل نسيم أنه ما عاد لديهم ما يرجعون إليه. بدوره أيضاً، عاد الدكتور بلال المصري المُحتجز بلا تهمة منذ ديسمبر 2024 بعد محاصرة مستشفى كمال عدوان الذي يعمل فيه ومداهمته، إلى منزله ليجد حيه مدمّراً ويتكلّم عن كوابيس انتهاكات مزعومة حصلت له.

ويقول "عدت حراً إلى ديار واقع في الأسر [بلد أسير] من دون منزل ولا مستشفى ولا حياة. كان صراخ المعتقلين يبلغ مسامعنا في الليل".

نصّ الجزء الأول من صفقة ترمب على إطلاق "حماس" سراح الرهائن الإسرائيليين الـ48 المتبقين من أحياء ورفات، الذين اختطفتهم من إسرائيل خلال هجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). لا تزال الجماعة المسلّحة تسلّم رفات الرهائن، بينما لا يزال نحو 16 جثماناً في غزة، مما يسبب معاناة كبيرة لعائلاتهم.

في المقابل، أطلقت إسرائيل سراح نحو ألفي فلسطيني معتقلين في السجون الإسرائيلية، فضلاً عن مئات من جثامين فلسطينيين.

يُعتقد أنّ كافة الفلسطينيين المعتقلين من داخل القطاع منذ أكتوبر 2023 احتُجزوا مثل نسيم، بموجب القانون الإسرائيلي المثير للجدل [الذي يسمى] "المقاتل غير الشرعي".

ويسمح هذا القانون لإسرائيل باحتجاز الأفراد إلى أجلٍ غير مسمّى دون توجيه تهمة إليهم، وقد انتقدته مجموعات حقوقية لانتهاكه القانون الدولي.

من ناحية أخرى، يتكلّم المعتقلون المحررون من السجون الإسرائيلية عن تعرّضهم للاعتداء والتعذيب ويزعمون حتى وقوع عمليات إعدام دون محاكمة داخل مراكز الاعتقال.

 

 

شارك الأطباء الشرعيون داخل القطاع صور أكثر من 160 جثة أعيدت من الاحتجاز. وتحمل إحداها على الأقل علامات السحق فيما تظهر تجاويف وندبات كبيرة محفورة في الجسد يُخشى أن تكون آثار جنزير دبابة أو جرافة عسكرية.

يقول الدكتور أحمد ضهير، مدير الطب الشرعي في مستشفى ناصر المكلّف بمهمة التعرف إلى الجثث، إن العديد من الجثامين وصلت عارية إلا من الملابس الداخلية وفي بعض الحالات "كان المعصمين والكاحلين مقيّدين مع وجود آثار واضحة على الأجساد تشير إلى استخدام أدوات تعذيب".

في بيانه، قال الجيش الإسرائيلي إن كافة الجثامين التي أعيدت إلى غزة كانت "من معارك وقعت داخل قطاع غزة وليس لمحتجزين اقتيدوا أحياء إلى داخل إسرائيل".

وأضاف البيان أن الجيش "يعمل بشكل قطعي وفقاً للقانون الدولي، على عكس منظمة "حماس" الإرهابية التي قتلت مدنيين ودنّست جثامين".

قال جيش الدفاع الإسرائيلي في السابق إنه "يرفض تماماً كل مزاعم الاعتداء المنهجي على المعتقلين داخل مراكز الاعتقال".

وبدورها، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية إنها ليست على علم بالادعاءات المذكورة، وإنه "حسب علمها، لم تقع أي حوادث من هذا القبيل تحت مسؤولية مصلحة السجون".

وأضافت "يُحتجز جميع السجناء وفقاً للإجراءات القانونية، ويتم احترام حقوقهم، بما في ذلك الحصول على الرعاية الطبية وتأمين الظروف المعيشية الملائمة، من قبل موظفين مدربين تدريباً محترفاً".

لكن صحيفة إندبندنت كشفت من خلال تحقيقها الخاص حول المعاملة التي يتلقاها المعتقلون الفلسطينيون في عدة سجون في إسرائيل، وهي مراكز يديرها الجيش كما مصلحة السجون جزئياً، وجود أدلة على تعرّض المعتقلين لسوء المعاملة والتعذيب والعنف الجنسي فيما توفي بعضهم حتى أثناء الاحتجاز على مدار العامين الماضيين.

يزعم مجدي الداريني، وعمره 55 عاماً، وهو أب لخمسة أبناء من مخيّم جباليا وموظف لدى السلطة الفلسطينية، غريم "حماس"، أنه تعرّض إلى "ضرب مبرح واعتداءات وإساءات" وشهد عملية إعدام أثناء اعتقاله.

اعتُقل الرجل من غزة منذ شهرين من نقطة توزيع مساعدات إنسانية واحتُجز في معتقل سدي تيمان، القاعدة العسكرية السابقة التي حوّلت مركز احتجاز في جنوب إسرائيل.

وقال إن الجنود كانوا يشغّلون موسيقى صاخبة أحياناً "طيلة ساعات، فيمنعوننا من النوم".

ويروي أنه في إحدى المرات جرّوه بعنف إلى الخارج مع أربعة رجال آخرين وطلبوا إليهم الوقوف في صف واحد.

"سمعت صوت تلقيم السلاح للمرة الثانية وتبع ذلك إطلاق نيران كثيف. استدرت لأجد الرجال الأربعة غارقين بدمائهم على الأرض. أعدموهم قصداً من مسافة قريبة". 

طلبت إندبندنت من الجيش الإسرائيلي التعليق على هذه الادعاءات- ونفى الجيش إعدام المعتقلين دون محاكمة. 

كان الدكتور المصري المعتقل دون تهمة منذ ديسمبر 2024 واحداً من بين سبعة أطباء وعشرات الممرضين والمسعفين الذين أفادت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل أنه أُطلق سراحهم بموجب الاتفاق هذا الشهر.

من جانبها تقول منظمة مراقبة العاملين في الرعاية الصحية، وهي هيئة رصد فلسطينية، إن 115 فرداً من الكوادر الطبية الفلسطينية لا يزالون معتقلين دون تهمة داخل السجون الإسرائيلية، ومن بينهم الدكتور حسام أبو صفية وهو مدير المستشفى الذي كان يعمل فيه الدكتور بلال. وتقول المنظمة إن إسرائيل تعتقل أيضاً جثامين أربعة أطباء توفوا داخل الأسر.

 أصدرت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل عدة تقارير تتهم إسرائيل بتعمّد استهداف الطاقم الطبي والمستشفيات ونظام الرعاية الصحية في غزة بشكل عام. 

ويتكلّم الدكتور بلال عن المعاناة من الجوع والحرمان من المياه النظيفة والطعام والدواء أيضاً داخل سدي تيمان "لم يسمحوا لنا بالاستحمام أو تغيير ملابسنا ولم يوفّر العلاج الطبي للمرضى حتى".

من جهته، يصف معتقل محرر آخر اسمه سعد وعمره 37 عاماً، احتُجز هو الآخر داخل سدي تيمان قرابة السنتين، عن تعرّضه لمعاملة مشابهة بما فيها تشغيل الموسيقى الصاخبة والضرب.

ويروي "كنا شبه عراة في الشتاء نعاني من البرد القارص وأيدينا وأرجلنا مقيّدة ونتلقى معاملة الحيوانات. في أحد الأيام، سكبوا مياهاً ساخنة علينا كشكل من أشكال التعذيب".

لدى عودته إلى غزة، علم بمقتل عشرات الأفراد من عائلته- من بينهم أخوه وأعمامه وأخواله وأبناؤهم.

"شعرت كما لو أنني غادرت سجناً لأدخل سجناً آخر أكبر. أصبحت غزة اليوم غير صالحة للحياة. فحجم الدمار يتخطّى قدرتنا على التحمّل". 

الآن، يبدأ الأطباء في غزة مهمة طويلة للتعرف على هويات جثامين الفلسطينيين الذين أسرتهم إسرائيل.

بالنسبة إلى نسيم ومئات الأشخاص غيره، فقد بدأت الآن عملية طويلة للملمة نثر حياتهم المتشظية.

"يملأ قلبي حزن لا ينتهي. إنّ التحرر من خسارة الأحبة ليس حرية بل عودة إلى ألم أشدّ وطأة من الأسر نفسه". 

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات