ملخص
19 امرأة وطفل لبناني، ينتظرون تحركاً رسمياً من الدولة اللبنانية لتحريرهم من قيود مخيم الهول الذي تشرف عليه "قوات سوريا الديمقراطية" والمقاتلون الأكراد في شمال شرقي سوريا، كانت قد أسرتهم بعد انهيار "خلافة داعش". ويأمل الأهالي عودة أبنائهم بسرعة إلى بيروت بعد انهيار نظام الأسد في دمشق، إلا أن ثمة مخاوف جدية من تراخي المفاوضات وعدم الوصول إلى نتيجة.
ستة أعوام مضت على خروج "أم أنس" من مخيم الهول المخصص لعائلات عناصر تنظيم "داعش" إلا أنها لا تزال تنتظر عودة ابنتها خديجة إلى كنف العائلة في طرابلس، عاصمة شمال لبنان. تختصر تجربة هذه السيدة الأربعينية قصة "لبنانيات تائهات" بين ضفتي "داعش" و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).
في عام 2016، ركبت "أم أنس" الطائرة إلى إسطنبول من أجل الانضمام إلى زوجها المنتمي إلى تنظيم "داعش" في الرقة. وبعد وصولها إلى مقصدها عند الضفة الشمالية لنهر الفرات، أمضت العائلة المؤلفة من ستة أفراد، ثلاثة أعوام مليئة بالأخطار. مع اشتداد الحرب بين التنظيم المتطرف وقوات التحالف الدولي، بدأت عائلة "أم أنس" رحلة الانتقال والهرب من مكان إلى آخر، وصولاً إلى مقتل زوجها في إحدى المواجهات. بعدها بدأت العائلة في البحث عن طريق للعودة إلى لبنان، ولكن أفرادها وقعوا في شرك الاعتقال لدى القوات الكردية. تظاهرت "أم أنس" بأنها سورية، فما كان منهم إلا أن وضعوها برفقة أبنائها الصبيان في الجزء المخصص للسوريات في مخيم الهول، وهو "مكان أكثر حرية وأقل قيوداً من مأوى المهاجرات غير السوريات، إذ توجد سوق وأوقات للتنقل" على حد تعبيرها. في المقابل، اعتقلت ابنتها خديجة في عمر 13 سنة مع المهاجرات بسبب مرافقتها لأسرة لبنانية، ونقلت إلى مخيم "روج" حيث توجد منذ سبعة أعوام.
رحلة الهرب
في عام 2019، نجحت "أم أنس" وصبيانها الثلاثة في الهرب من مخيم الهول بالتعاون مع مهربين تقاضوا منها 8 آلاف دولار أميركي، وتشير إلى أن عائلتها في لبنان هي من تولت تأمين المال لإعادتها من سوريا. تصف السيدة "الرحلة بالمضنية"، فهي عاشت حالاً من الصراع بين تحرير أبنائها، والابتعاد عن ابنتها خديجة، فهي تركتها في سن 13 سنة، ولم تتمكن من سماع صوتها لسبعة أعوام متتالية، إذ اقتصر التواصل بينهما على رسائل مكتوبة بواسطة هواتف تابعة لعناصر "قوات سوريا الديمقراطية".
بعد وصولها إلى لبنان، خضعت "أم أنس" للمحاكمة، حيث قضت عاماً كاملاً في الحبس داخل "ثكنة بربر الخازن" في بيروت، قبل أن تعود إلى الحرية في منزل والديها في شمال لبنان.
إلا أنها عانت مشكلة في التكيف الاجتماعي، بحسب ما تروي لـ"اندبندنت عربية"، "فقد خشي كثير من الأقارب عودتنا، كما تجنبوا زيارتنا بسبب مخاوف شخصية لديهم". تنتظر "أم أنس" عودة ابنتها من مخيم "روج" إلى لبنان، حيث تعتقل بوصفها "مهاجرة" وتنتمي إلى جنسية غير سورية.
وينتظر بعض الأهالي عودة أبنائهم وأنسبائهم في القريب العاجل، إذ عبر أبو عدنان عن "مخاوف حقيقية على مصيرهم"، وقال إنه "بعد سقوط نظام الأسد كان لدينا أمل في عودتهم، إلا أن القضية دخلت في دهاليز المقايضات والتعقيدات السياسية".
ظروف صعبة
في السياق أظهرت فيديوهات خاصة حصلت عليها "اندبندنت عربية" الظروف الصعبة التي تعيشها معتقلات "الهول". حيث تنتشر الخيام وسط منطقة شبه صحراوية، وتحيط بها الأسلاك الشائكة وأبراج المراقبة، كما تمر أقنية المياه على الأرض بين الخيم. وتفيد شهادات بأن "سعر ظرف البنادول وصل الشتاء الماضي في المخيم إلى 200 دولار، والظروف تزداد سوءاً على أبواب الشتاء القادم"، إضافة إلى الحديث عن ألغام محيطة، إذ تشير الشهادات إلى إصابة إحدى اللبنانيات خلال محاولتها الهرب بفعل انفجار لغم أرضي، مما أدى لتعرضها إلى بتر في أطرافها. وينشط خالد أندرون، والد إحدى المعتقلات (أم لـثلاث بنات) على خط المطالبة بإعادة ابنته وبناتها من سوريا إلى لبنان من خلال الدولة اللبنانية أو المنظمات الحقوقية الدولية. ويتحدث عن جهد بذله عمره عقد من الزمن، بعدما تعرضت الفتيات إلى "التغرير بهن للحاق بأزواجهم"، إضافة إلى "تقصير الدولة اللبنانية في منعهن من المغادرة عبر المعابر الشرعية إلى تركيا عام 2014".
يلفت أندرون إلى أنه "في أعقاب تفجير مسجدي التقوى والسلام (23 أغسطس/ آب 2013 في طرابلس)، ظهرت حمية في صفوف الشباب، وتوجهوا إلى سوريا ظناً بأنهم سيقاتلون نظام الأسد الضالع في الجريمة، وكان صهري من بين من غادروا إلى تركيا في حينه بواسطة عبارة من مرفأ طرابلس، وما لبثت أن التحقت به زوجته بعد ستة أشهر، ظناً منها أنه هناك".
بعد ثلاثة أشهر على اختفائها، تلقى أندرون اتصالاً من رقم مجهول وإذ بصبية تقول له: "أبي، رجاء تعال إلى الرقة، وأعدني إلى لبنان، لقد تعرضت لعملية نقل خاطفة من تركيا إلى الرقة"، فما كان منه إلا أن أبلغ السلطات الرسمية اللبنانية، مضيفاً أنه سيحاول الدخول إلى سوريا من أجل إعادتها إن أمكن، "وكنت أخبرهم بكل التطورات". ويضيف أنه عام 2019، سلمت الابنة نفسها إلى "قسد" بطلب من الأمن العام اللبناني، الذي أوصاهن بأن "يقلن إنهن لبنانيات ولسن سوريات من أجل إعادتهن عبر الحكومة اللبنانية"، ولكن على رغم مرور أشهر عدة لم تتحرك السلطات اللبنانية مطلقاً، و"ما كان من العائلة إلا أن أرسلت 20 ألف دولار أميركي بتاريخ الـ23 من أكتوبر (تشرين الأول) 2020 لكي تؤمن الهرب من المخيم". تمكنت الشابة من الهرب من نقاط الحراسة في المخيم، ولكن عند نقطة معينة انفجر فيها لغم، وتضررت هي وبناتها الثلاث، وكانت أصغرهن الأكثر تضرراً، إذ لا يمكنها إلا تناول السوائل، وهي في حاجة إلى إجراء عمليات بانتظار عودتها إلى لبنان.
زار خالد أندرون مخيم الهول ثلاث مرات من أجل الاطمئنان على صحة المعتقلات، حيث "تواصلت معي قوات سوريا الديمقراطية، وأبلغتني أن ابنتي وحفيداتي بحالة سيئة". أمضى خالد 21 يوماً هناك، عايش الأحوال والظروف الصعبة، ظناً منه أنه سيتمكن في النهاية من إعادتهن إلى لبنان، إلا أن آماله تبددت، مضيفاً "لقد عرضنا أنفسنا للخطر، ودفعنا جميع مدخراتنا لإعادتهن حيث اضطررت لدفع 500 دولار رشوة في عهد نظام الأسد للانتقال من مطار دمشق إلى مطار القامشلي مثلاً، ولكن لم يسعفنا الحظ رغم حسن التنظيم والالتزام بالنظام من قبل قسد"، و"أبلغنا هؤلاء عدم إمكانية تسليم المعتقلات اللبنانيات من دون طلب رسمي من الحكومة اللبنانية، وهذا ما ننتظره بدءاً من عام 2019"، مطالباً بـ"المعاملة بالمثل مع بقية المعتقلين اللبنانيين في الخارج، وعدم التمييز في حق أبناء شمال لبنان... والأمل معقود على العهد الرئاسي الجديد والحكومة الحالية".
يروي خالد أن "الأطفال هناك لا يعلمون شيئاً عن العالم الخارجي، فحياتهم محصورة بالخيمة، ويعيشون وسط قيود، لا يدركون ماهية التلفزيون أو الفرش المنزلي أو وسائل النقل. نعتقد أنهم في حاجة إلى عملية تأهيل نفسي وفكري وتربوي لفترة طويلة بسبب جهلهم بجميع معالم الحضارة الحديثة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واجب مشترك
يطرح "الإطار القانوني الدولي الذي يرعى المعتقلات اللبنانيات في مخيم الهول" نفسه على طاولة البحث، فهؤلاء السيدات الـ19 معتقلات لدى مجموعة مسلحة وليس لدى "دولة معترف بها". ويؤكد المتخصص في القانون الدولي الإنساني، نضال جردي على ضرورة "تطبيق مندرجات القانون الدولي الإنساني على أي مجموعة مسلحة مسيطرة بصورة واقعية على الأرض، ولها هيكل تنظيمي"، معتبراً أن "لا شيء يحول دون تطبيق القانون الإنساني الدولي مكملاً بقانون حقوق الإنسان". ويضيف أن "على الدول التي تنتمي إليها تلك المعتقلات، على اختلاف جنسياتهن، المطالبة بهن أولاً، ومن ثم يأتي الدور المساعد للمنظمات الدولية، وهو ما ينطبق على الدولة اللبنانية في شأن المعتقلات اللبنانيات". من جهة أخرى يقر جردي بدور مهم للمنظمات الدولية، حيث تقع على عاتقها "مسؤولية ضمان احترام حقوق الإنسان، وإعادة كل مواطن إلى بلده بالتعاون مع الدولة الأم، ومحاسبة مرتكبي الجرائم، وإطلاق سراح البريء، وإعادة تأهيله من الأفكار المتطرفة، ليندمج مجدداً في المجتمع".
تحرك رسمي لبناني؟
تفيد المعلومات عن تواصل حصل أخيراً بين الحكومة اللبنانية ممثلة برئيسها نواف سلام ومجموعة ممثلة عن الأهالي من أجل إعداد ملف للمطالبة باللبنانيات الـ19 المعتقلات لدى "قسد" بوصفها مجموعة تتمتع باستقلالية نسبية عن الحكومة السورية المركزية التي زار وفد منها العاصمة اللبنانية أخيراً لبحث ملف الموقوفين في سجون بيروت، وعقدت اجتماعات ومفاوضات بهذا الشأن. كما يتولى النائب أشرف ريفي بالتواصل مع جهات محلية وخارجية متابعة الملف. ويلفت المحامي محمد صبلوح، الوكيل القانوني لأهالي المعتقلات، إلى أن "عدداً كبيراً من اللبنانيين تعاطف مع الثورة السورية، والبعض منهم التحق بـ’الجيش الحر‘ وآخر انضم إلى ’داعش‘ أو ’النصرة‘، وقد توفي كثير من الرجال في المعارك، فيما اعتقلت مجموعات من النساء والأطفال لدى ’قسد‘ في مخيمي الروج والهول".
يلفت صبلوح إلى ضرورة معالجة ملف عمره ثمانية أعوام، لأنه "بؤرة للتطرف بسبب تجميع عائلات عناصر ’داعش‘ في مكان واحد، والتعامل معهم بقسوة، مع وجود قابلية لتقبل الأفكار المتطرفة لدى البعض منهم"، داعياً لبنان إلى السير في طريق باقي الدول واستعادة معتقلاته وتأهيلهن، و"نحن أمام 19 معتقلة، ولا نحتاج إلى أكثر من باص واحد لإعادتهن".
يتحدث صبلوح عن "دور سلبي لعبه رؤساء حكومات سابقون، حيث كان يتم تحويل الملف إلى مدير عام الأمن العام في حينه اللواء عباس إبراهيم الذي لم يقارب الملف على قدم المساواة مع ملفات أخرى، حيث عالج ملف راهبات معلولا، والمتهمين بالانتماء لـ’حزب الله‘ في الإمارات، وغيرها من الملفات، إذ توسط لإعادة أبناء عائلتين من ألبانيا، لا بل أرسل كتاباً إلى ’قسد‘ بعدم إطلاق سراح أي معتقل لبناني من دون كتاب رسمي من الدولة اللبنانية، وهو ما عرض الأهالي لابتزاز المهربين، إذ باع بعضهم عقاراته لإعادة بناته".
يكشف صبلوح عن جهود مبذولة من قبل "الصليب الأحمر الدولي" لإعادة المعتقلات، إذ إنه "بعد سقوط نظام بشار الأسد أرسل وكلاء الأهالي كتاباً إلى الخارجية السورية من أجل إطلاق سراح المعتقلات، إلا أن الخلافات بين حكومة دمشق وقسد عرقلت معالجة الملف". ويضيف "تواصل الوكلاء القانونيون والنائب أشرف ريفي مع ممثلية قسد في لبنان، وجاءهم الرد بأن لا مشكلة لدى قسد في إعادة اللبنانيات، لأن هناك قراراً من التحالف الدولي بإعادة الرعايا الأجانب إلى دولهم، ولكن لبنان لم يوجه كتاباً جديداً لاستعادتهم، وكل ما لدى قسد كتاب قديم يقيد عملية تسليمهن". ويؤكد صبلوح أن "الفترة القريبة الماضية شهدت تبدلاً بالموقف الرسمي العلني، إذ تبلغ الأهالي بتوجه جديد لدى رئيس الحكومة نواف سلام، ووزير الداخلية أحمد حجار، ومدير عام الأمن العام حسن شقير بإعداد ملف لمعالجة المشكلة"، و"تبلغنا بعد زيارة إلى رئيس الحكومة نواف سلام أنه سيعد إطاراً للمعالجة، ونحن بانتظار كتاب رسمي لإعادة 19 امرأة وطفل من الجنسية اللبنانية، وهم غير ضالعين بارتكاب أي جرم على الأراضي اللبنانية أو حتى السورية"، مشدداً "على ضرورة إعادة هؤلاء وتأهيلهم، وعدم رهن تحريرهم بالمال". وخلص صبلوح إلى أن "الموضوع يشكل قنبلة موقوتة، كلفة علاجها اليوم أقل بكثير من تركها لتتعاظم مستقبلاً".