ملخص
يربط متخصصون بين حشود مولد السيد البدوي ومعدل الفقر في البلاد، حيث يجد الزائر هناك الخدمات من طعام وخلافه من دون مقابل، إضافة إلى أسباب سياسية وراء الاهتمام الواضح باحتفالات الصوفية، بوصفها وسيلة لصرف الانتباه عن الضغوط الاقتصادية.
في طنطا شمال مصر، تدفقت الحشود بالآلاف نحو مسجد السيد البدوي. فامتلأت الساحات بالأناشيد والرايات وأصوات المريدين القادمين من محافظات عدة. لكن المشهد المألوف في ظاهره اتخذ هذا العام طابعاً مختلفاً، مع حضور شخصيات رسمية، بينها وزير الأوقاف أسامة الأزهري، مع انتشار واسع لمقاطع المريدين على منصات التواصل الاجتماعي.
وتداول مستخدمون مقاطع لأشخاص يتمسّحون بالضريح، وآخرين يرتدون ملابس زاهية الألوان، ويرددون الأدعية، طالبين من السيد البدوي تحقيق أمانيهم، وسط حشود ضخمة، قدرت بين مليون وثلاثة ملايين شخص، بحسب تقديرات غير رسمية، إذ لا توجد إحصاءات رسمية لأعداد المصريين الذين شاركوا في المولد، كذلك احتشد المريدون في ساحة واحدة تحت تأمين أمني مكثف، في مشاهد أثارت تساؤلات حول الأسباب التي جعلت مولد السيد البدوي هذا العام يحظى بكل هذا الاهتمام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يرى مختصون في علم الاجتماع السياسي، تحدثوا إلى "اندبندنت عربية"، أن حضور وزير الأوقاف كان عاملاً رئيساً في إثارة الجدل، لأنه أعطى انطباعاً بأن الدولة تدعم التصوف بوصفه "اتجاهاً دينياً رسمياً". رابطين بين هذا المشهد وتصاعد الأزمات الاقتصادية الأخيرة، مثل رفع أسعار الوقود والسلع الأساسية، معتبرين أن التركيز على المولد جاء لـ"صرف الأنظار عن الضيق المعيشي"، وهو ما يتماس مع جوهر التصوف، حيث الزهد والاستغناء.
الجدل يكمن في التفاصيل
وبين فريقين، أحدهما ينجذب إلى هذه الاحتفالات بوصفها تعبيراً عن التدين الشعبي، وآخر يراها مبالغة لا تمثل المنهج الديني المعتدل. قال الباحث في علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن إن ما جرى في مولد السيد البدوي هذا العام "يختلف عن الأعوام السابقة في حضور وزير الأوقاف أسامة الأزهري والمفتي السابق علي جمعة، وكلاهما على صلة بالمؤسسات الرسمية، ما جعل البعض يربط بين المولد وتوجه ديني تميل إليه الدولة، ما أثار استياء بعض أصحاب الاتجاهات الدينية الأخرى، حتى من بين المعتدلين الذين لا يتفاعلون عادة مع الطرق الصوفية".
من جانبه وصف المجلس الأعلى للطرق الصوفية في مصر الجدل الذي أثير حول المولد بأنه "مصطنع ومفتعل". مؤكداً أن الاحتفال بموالد آل البيت وأولياء الله الصالحين "شعيرة مشروعة وموروث أصيل من ميراث الأمة الإسلامية". ومضيفاً أن جمهور المولد يضمّ قطاعاً واسعاً من عامة المصريين الذين يشاركون بدافع المحبة والولاء، ولا ينتمون بالضرورة إلى الطرق الصوفية، ومن ثمّ فإن نسبة أي تجاوز إلى التصوف هي تضليل مقصود.
كذلك أوضح محمد عبد الغني، أحد أتباع الطرق الصوفية المشاركين في مولد السيد البدوي بمدينة طنطا، إن ما ظهر في المقاطع المتداولة لم يكن سوى جزء من احتفال امتد سبعة أيام متواصلة. موضحاً أن الحشود ملأت ساحة الساري بطول نحو سبعة كيلومترات وصولاً إلى مسجد السيد البدوي، حيث جاء الزائرون من مختلف المحافظات للمشاركة في المولد.
وأضاف عبد الغني أن المقاطع المنتشرة على مواقع التواصل كانت تخص الليلة الختامية فقط، بينما شهدت بقية الأيام حضوراً واسعاً أيضاً. مشيراً إلى أن الاحتفالات تنقسم إلى ثلاث مراحل تبدأ بزيارة المقام صباحاً، ثم الحضرة في فترة العصر، وتنتهي بالإنشاد الديني مساءً، مع انتشار قوات الأمن لتأمين الميدان وتنظيم حركة الدخول إلى محيط المسجد.
يقول المتخصص في الاجتماع السياسي عمار علي حسن إن هناك تصوراً شائعاً في المجتمع المصري مفاده أن السلطة السياسية تلجأ أحياناً إلى ما يشغل الناس عن الأزمات، وانتشار المقاطع المصورة للمولد تزامن مع قرار رفع أسعار المنتجات البترولية، ما جعل البعض يراه محاولة لصرف الأنظار عن الضغوط المعيشية.
وينظم عمل الطرق الصوفية في مصر القانون رقم 118 لسنة 1976، الذي يحظر أي ممارسات تخالف القواعد الدينية أو الأخلاقية في أثناء الموالد. وتنص مادته 41 على عدم جواز أن يصاحب الموالد أو المواكب أي أفعال تتنافى مع الخشوع أو الوقار أو الآداب الشرعية أو النظام العام. كذلك تحظر المادة الثانية على أعضاء الطرق الصوفية تبني أفكار أو ممارسات تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية أو النظام العام أو الآداب العامة.
وقال عمار علي حسن إن مسؤولية ضبط أي تجاوزات تقع على عاتق الدولة، التي غالباً ما تتسامح مع بعض المظاهر في الموالد أو الفعاليات الدينية الأخرى. معتبرة ذلك جزءاً من البهجة العامة، أو مسلكاً دينياً اجتماعياً مغايراً في مواجهة التيارات المتشددة التي لجأت إلى العنف في فترات سابقة.
دعوة إلى الاستغناء أم ماذا؟
وبينما تُثار تساؤلات حول تبني الدولة المصرية الصوفية منهجاً لها بصيغة غير رسمية، اعتبر مشرف وحدة رصد اللغة التركية بمرصد الأزهر لمواجهة التطرف، حمادة شعبان، أن المسألة ليست في أن الدولة تدعو للتصوف، بل إن مصر بطبيعتها تميل إلى التصوف، سواء من خلال علماء الأزهر أو المؤسسات الدينية الرسمية، مثل وزارة الأوقاف ودار الإفتاء. موضحاً أن دراسة التصوف موجودة داخل مناهج الأزهر، وأن الموالد تكتسب طابعاً شعبياً أكثر منه صوفياً.
ومرصد الأزهر لمكافحة التطرف هو مؤسسة تابعة للأزهر، أُنشئت لمواجهة الفكر المتطرف وتفنيد الأفكار المغلوطة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويعمل بـ13 لغة أجنبية إلى جانب اللغة العربية.
يقول شعبان، لـ"اندبندنت عربية"، إن مواقع التواصل الاجتماعي هي التي أسهمت في الضجة حول مولد السيد البدوي، والحشود مشهد شائع في كل عام. وبسؤاله عن الربط بين تجديد الخطاب الديني والتوجه نحو التصوف، قال إن الأمر ليس كذلك، لكن انتشار أضرحة آل البيت في غالبية المحافظات "جعل الاتجاه الصوفي هو الغالب".
ويختلف مع هذا الرأي رئيس مجلس شيوخ حزب النور، يونس مخيون، وهو الحزب الوحيد المحسوب على تيار الإسلام السياسي والممثل في البرلمان المصري، والمنبثق من الدعوة السلفية. إذ يقول لـ"اندبندنت عربية" إن اللجوء إلى الأضرحة والمقابر وطلب النفع أو دفع الضر من الأموات، أو الطواف والذبح والنذر والدعاء عندها، شرك بالله، لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده.
وأضاف مخيون أن من يمارس هذه الأفعال يفعلها عن جهل، نتيجة ما وصفه بتلبيس الأمر عليهم من بعض من يظنون أنهم علماء يشجعون على الموالد. معتبراً أن ما يحدث يمثل مشكلة ثقافية واجتماعية تتجسد في التعلق بالخرافات والممارسات مثل الحضرات والرقص، وهي ممارسات تُسيء إلى صورة الإسلام. لافتاً إلى أن وزير الأوقاف معروف بانتمائه إلى الطريقة الشاذلية الصديقية التي أسسها علي جمعة، وكان عليه، بحسب قوله، أن لا يتبنى اتجاهاً دينياً بعينه، لأن موقعه يمثل جميع المسلمين.
ضغوط اقتصادية
يشدد أستاذ علم الاجتماع السياسي سعيد صادق على أن معدل الفقر هو السبب الرئيس في زيادة الإقبال على مولد السيد البدوي هذا العام، حيث يجد الزائر هناك الخدمات من طعام وخلافه من دون مقابل، إضافة إلى أسباب سياسية وراء الاهتمام الواضح باحتفالات الصوفية، بوصفها وسيلة لامتصاص الغضب الشعبي أو صرف الانتباه عن الضغوط الاقتصادية.
وأضاف صادق أن مشاهد الأشخاص الذين يرتدون ملابس غير مألوفة من المريدين ليست جديدة، موضحاً أن الحكومات في مصر دأبت على تشجيع هذا التيار حتى ينصرف الناس عن السياسة، خصوصاً أن غالبية الحضور من البسطاء القادمين من محافظات مختلفة، حيث توزع الأطعمة وتقام حلقات الإنشاد والرقص، باعتبارها متنفساً لمن لا يملكون أي وسيلة ترفيه أخرى في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة.
وللطرق الصوفية أقطاب رئيسة، ومنها أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي وعبد القادر الجيلاني وأبو الحسن الشاذلي وأحمد الرفاعي.
وأشار أستاذ علم الاجتماع إلى أن هذه المشاهد تتفاقم مع تدهور الوضع الاقتصادي وانتشار الجهل وارتفاع نسبة الأمية وغياب السياسة في مصر، ما جعل شريحة واسعة من الناس تميل إلى الخيالات والخرافات، والتغطية الإعلامية للمشهد كانت متعمدة لصرف الأنظار عن أزمات أخرى، مثل ارتفاع أسعار المنتجات البترولية. مؤكداً أن حضور وزير ومحافظ في المولد يعطي انطباعاً بأن الدولة تدعم الاتجاه الصوفي، وهو أمر يتكرر بين الحين والآخر.