Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تشارلز ليفنسكي يرصد أحوال أوروبا المضطربة في القرن 19

رواية "ابنه" تضع التاريخ في إطار تخييلي عبر قصة ابن مزعوم للملك لويس فيليب

أوروبا القرن ال19 (الموسوعة الأوروبية)

ملخص

يسردالروائي السويسري تشارلز ليفنسكي في روايته "ابنه"Sein  Sohn قصة حياة "لويس شابو"، الذي كان في نهاية عمره على يقين من أن أباه هو الملك فيليب لويس الأول، الذي اعتلى عرش فرنسا عقب ثورة العام 1830.

(للنشر نهار الإثنين)رواية "إبنه" للسويسري تشارلز ليفنسكي، صدرت في زيورخ عام 2022، وهي كما تبدأ، تنتهي: حفارا قبور يعملان على دفن جثة مجهول مات بالكوليرا، في إحدى ضواحي باريس. وصلت إليهم الجثة عاريةً تماماً، فخمنا أن ملابسه سُرقت بعد موته، ولاحظا أن ثلاثة من أصابع يده اليمنى مفقودة: "ألقيا بالميت داخل الحفرة، وأهالا فوقها التراب من دون أن يتفقا على شكل الحياة التي قد يكون الرجل عاشها". ترجمت الرواية هبة شريف من الألمانية إلى العربية (دار العربي – القاهرة).   

ولد "لويس" على يد طبيب ماهر، يدعى "البروفيسور موسكاتي"، أنقذه من الموت مختنقاً في بطن أمه؛ لأنه كان في وضع مقلوب في رحمها. وعقب ولادته سلموه إلى "المارتينيت"، ملجأ الأيتام الخاص بالصبيان، ودفع "واحد من أهل البر والإحسان" مقدماً مصاريف إقامته في الملجأ حتى يبلغ 18 عاماً، ولم تتضمن بياناته سوى أن اسمه "لويس شابو"، ما يوحي أنه من أب فرنسي. وهكذا نشأ الطفل في وسط إيطالي. كان في السادسة من عمره عندما رسخت في ذهنه قصة حكاها مدرس الملجأ "ماورو" عن طفل لا يعرف له أباً أو أماً، ثم أتى ذات يوم رجل يدعى "هيرولد" فوق صهوة جواد وقال إنه يبحث عن صبي لديه شامة على صدره على شكل نجمة، ووجد تلك العلامة لدى ذلك الطفل ومعناها أنه ابن الملك المفقود، فأعاده إلى القصر حيث تزوج من أميرة رائعة الجمال واعتلى فيما بعد العرش وأصبح ملكاً.

أوضاع مضطربة

بعدما انتهى المعلم من سرد تلك القصة الأسطورية قال للأيتام: "كل منكم يمكن أن يكون ابناً لملك. ربما حتى لويس شابو الصغير هذا ابن الملك". وعندما بلغ الثانية عشر من عمره، كان عليه أن يمارس عملاً ما، لكن الأم الرئيسة، المشرفة على الملجأ، التابع لأحد الأديرة، لاحظت أن "لويس شابو" قصير القامة لا يملك أي موهبة، فتعرض على "الماركيز" أن يتخذه خادماً له في قصره، بعدما لم يعد يملك شيئاً سوى ذلك القصر الذي سبق أن أقنعته تلك الراهبة بأن يهبه بعد موته للدير توسيع مساحة "المارتينيت". لقد تدهورت أحواله المالية لدرجة أنه لم يعد قادراً على دفع أجرة خادم؛ "أدفع فقط أجرة هذه المرأة التي تأتي بعد الظهر من كل يوم لتطبخ لي شيئاً" ص 31.    

يتتبع ليفنسكي في هذه الرواية الأوضاع المضطربة التي عاشتها فرنسا عقب إعدام الملك لويس السادس عشر، وصعود نجم نابليون بونابرت بأحلامه التوسعية خصوصاً في المحيط الأوروبي الذي كان يرزح في ذلك الوقت تحت وطأة المجاعة، ثم تفشي وباء الكوليرا. وهنا يركز على انخراط لويس فيليب في الجيش الثوري، قبل فراره من فرنسا، لتجنب الحكم بإعدامه، وما أشيع عن ارتباطه بطاهية فقيرة وإنجابه منها طفلاً وُضِع في دار لرعاية الأيتام. لكن الثابت هو أنه تزوج من أميرة من بيت البوربون في نابولي، وبلغ عدد أبنائه منها ثمانية عند توليه عرش فرنسا. ووفقاً للموسوعة البريطانية، قام لويس فيليب بالتدريس في كانتون غريسون عقب فراره من فرنسا، وكان يُعرِف نفسه وقتذاك باسم "شابو دي لاتور".

غزو روسيا

ويبدو أن ليفنسكي قد اتكأ على تلك المعلومة لينسج حكاية الطفل "لويس شابو"، وفي متنها أنه ابن غير شرعي للويس فيليب. سيحتفظ "لويس" لنفسه بموسى الحلاقة الخاص بـ "الماركيز" بعد وفاة الأخير. عقب موت "الماركيز"، سيعود "لويس شابو" إلى الملجأ وقد بلغ السادسة عشرة من عمره، لكنه لن يتحمل قسوة العيش في المكان وسيهرب منه ليلتحق بجيش نابليون خلال محاولته الفاشلة لغزو روسيا، وسيصاب إصابة جسيمة سيترتب عليها بتر ثلاثة أصابع من يده اليمنى، وسيتركز اهتمامه على البحث عن أبويه، حتى بعد أن يتزوج وينجب ويصبح صاحب مصنع نبيذ في منطقة تقع ضمن ما سيصبح لاحقاً الاتحاد السويسري. في الملجأ كانوا يضربونه بسبب اسمه الفرنسي، وفي الجيش كانوا يسخرون منه بسبب لكنته الإيطالية، فيما كان الصراع بين الكاثوليك والبروتستانت طاحنا وعنيفا، على الصعيد العام في أوروبا في تك الحقبة.

رحلة البحث عن أبويه ستقوده، بعد أن بلغ التاسعة عشرة من عمره، إلى الشخص الموصوف بأنه من أهل البر والإحسان، الذي أودعه عقب ولادته في مستشفى "كاتارينا" في الملجأ. سيدله  "ألويس يوست"، على أمه وتدعى "ماريانا بانزوري" ليجدها نزيلة في مصحة للأمراض العقلية، بعدما فقدت الصلة بالواقع ولم تعد تتذكر هوية الشخص الذي أنجبت منه "لويس شابو" قبل أن ينتزع منها عقب ولادته مباشرة. قبل ذلك، في مدينة رايشناو، وتحديداً في القصر الذي عملت فيه أمه طاهية، سيعرف من مالك القصر، أن والده، من باريس وكان وهو في نحو العشرين من عمره يعمل مدرساً للغة الفرنسية في مدرسة خيرية ملحقة بالقصر ذاته.

السفر إلى باريس

سيرفض يوست أن يخبره بأي معلومات عن والده، بداعي أنه تعهد له بألا يخبر أي أحد بسره. لكن سيتضح أن يوست كان يراسل لويس فيليب ليقنعه بالاعتراف بإبنه، ولكن من دون أن يتلقى أي رد. تمر سنوات عدة قبل أن يعرف لويس شابو، السر ويقرر السفر إلى باريس، وهناك يبعث برسالة مع وسيط موثوق إلى السكرتير الشخصي للملك يطلب فيها السماح له بمقابلته باعتباره والده، لكنه يرد عليه بالتالي:  "أطالبك باسم جلالته بأن تصرف النظر عن إرسال أي رسائل وأن تكف في المستقبل عن هذا النوع من المضايقات" ص 283. ولكن عندما يقرر لويس شابو العودة إلى أسرته يائساً من إمكانية أن يعترف به "هذا الملك المثير للاشمئزاز"، بحسب تعبيره، يفاجأ بأن السفر صار محظوراً، إلى أن تنقشع غمة الكوليرا التي أهلكت الآلاف. ينجح في التسلل إلى قصر الملك، ويمزق صورة له معلقة في إحدى القاعات فيقبض عليه ويودع في مصحة للأمراض العقلية

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد مدة يتمكن من الهرب، ويحصل على بندقية من بعض باعة الروبابيكيا، ويخطط للكمون في مبنى مهجور سيمر الملك مع حاشيته من أمامه، وما إن يحدث ذلك حتى يطلق رصاصة باتجاه لويس فيليب لكنها تخطئه. لم ينتبه إلى أنه كان يرتجف من الحمى. سار لبضع خطوات قبل أن يسقط ميتاً. كانت حياته مأساوية من البداية إلى النهاية، ربما لأنه صدق أسطورة أنه ابن الملك، وأنه حتما سيخلفه في الحكم. لكن ليفنسكي وضع تلك الحكاية المأساوية، على أية حال، كإطار، يحتوي تفاصيل لا تقل مأساوية، عن أوضاع أوروبا في النصف الأول من القرن التاسع عشر، حيث تفشت المجاعات والأوبئة والحروب لأسباب دينية تارة ولمطامع استعمارية، تارة أخرى، وكان ضحاياها من طبقة لويس شابو، فيما طبقة الحكام تزداد طغياناً وتدفع بأسباب الثورة إلى الواجهة من جديد.                      

تشارلز ليفينسكي درس الأدب الألماني وعلوم المسرح في زيورخ وبرلين. يقيم حالياً بين سويسرا وفرنسا. عمل مساعد مخرج مع فريتز كورتنر، ثم مستشاراً درامياً ومخرجاً في مسارح مختلفة، وكذلك محرراً في التلفزيون السويسري. في عام 1984، نشر أول كتبه "هتلر في روتلي"، بالاشتراك مع دوريس مورف. اشتهر في منتصف التسعينيات بصفته مؤلف المسلسل الكوميدي Fascht e Familie (تقريباً عائلة).نال شهرة دولية بروايته "ميلنيتس" التي نالت الجائزة الفرنسية لأفضل كتاب أجنبي. وكانت روايته "أنديرسين" ضمن القائمة القصيرة لجائزة الكتاب السويسري لعام 2011. ورشحت روايته "كاستيلاو" لجائزة الكتاب الألماني 2014. وفي العام 2021 صدرت في القاهرة روايته "المتلعثم" مترجمة إلى العربية (دار العربي) بتوقيع نيفين صبح.

                 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة