ملخص
شهدت الضفة الغربية من بداية الحرب تصاعداً في عنف المستوطنين، مصحوباً بتواطؤ القوات الإسرائيلية وصمت المجتمع الدولي. وفي وقت تتجاهل خطة ترمب للسلام هذه الجبهة المشتعلة، فإن الضفة تتحول تدريجاً إلى ساحة حرب خفية موازية لغزة، يواجه فيها الفلسطينيون القتل والاعتقال والطرد من أراضيهم.
ترك سيف الله مرمياً ساعتين ونصف الساعة حتى مات من دون أن تقدم له أية مساعدة طبية، فيما كان يتنفس بصعوبة والدماء تملأ رئتيه وعظامه محطمة بعد تعرضه لضرب شرس على يد المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة.
كان الشاب يبلغ من العمر 20 سنة ويحمل الجنسية الأميركية ويدير متجراً لبيع المثلجات في فلوريدا، وكان توجه إلى قرية المزرعة الشرقية الواقعة شمال رام الله بهدف قضاء الصيف مع العائلة والأصدقاء.
وفي الـ11 من يوليو (تموز) الماضي هاجم مستوطنون مسلحون الشاب وأقاربه فيما كانوا يقفون في أرضهم، كما تقول عائلته.
ومع أن سيف- كما كانوا يدعونه- كان بحال حرجة، فإن قوات الأمن الإسرائيلية منعت سيارة الإسعاف الفلسطينية التي طلبت لنجدته، من المرور وفقاً لشقيقه الأصغر محمد الذي كان يحاول مساعدته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعدما أصابه الذعر حين رأى وجه سيف يتحول إلى الأزرق، اتصل محمد بوالدهما، كامل مسلط الذي كان على بعد 10 آلاف كيلومتر في تامبا وعاجزاً عن القيام بأي شيء.
توفي سيف قبل أربع دقائق تماماً من وصول سيارة الإسعاف إليه، وقبل أن ينقل أخيراً- من دون جدوى- على الحمالة.
يقول كامل لـ"اندبندنت" بصوت مرتجف، متحدثاً للمرة الأولى عن تلك اللحظة التي ضرب فيها ولده حتى الموت "حاولوا إنعاشه، وحاولوا كل شيء لكن الأوان كان قد فات".
ويضيف "تقول التقارير الطبية إن سيف تعرض للضرب على ظهره وعلى كتفيه وتعرض لإصابات في رأسه- يحتمل جراء الضرب بالقضبان. وفقد القدرة على التنفس كما يجب، وتوقف قلبه بسبب نقص الأوكسيجين".
يقف محمد المراهق قرب مكان وقوع الهجوم، ويقول بصوت هادئ ولطيف إن تلك اللحظة التي كان فيها راكعاً إلى جانب أخيه الأكبر وعاجزاً عن فعل أي شيء لا تزال تطارده.
ويتابع "ملأ الدم فمه وأخذ يتقيأ، وكانت الكدمات تغطي ظهره وساقيه وكل مكان. لم يكن قادراً على الكلام، ولا على الرد. ثم تحول لونه إلى الأزرق"، ثم توقف عن الكلام.
ويضيف "بدأت اتصل بوالدي وبكل من أعرفهم، كي أفعل أي شيء وحسب. لم يستطِع أحد الوصول إلينا، ولا حتى سيارة الإسعاف. لم أكن قادراً على فعل أي شيء بمفردي. بدأت أصلي لكي يأتي أحدهم ويساعدنا".
سيف الله هو واحد من بين 1000 شخص تقريباً - بينهم أربعة مواطنين أميركيين – قضوا على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023.
وفي الواقع، بلغت حصيلة القتلى درجة من الارتفاع دفعت منظمات حقوقية دولية وإسرائيلية عدة إلى القول إنها الفترة الأكثر دموية التي تعيشها المنطقة منذ احتلال إسرائيل لهذه الأراضي في 1967 أي منذ أكثر من 60 عاماً.
ومن دواعي الخوف أنه على رغم صمود وقف إطلاق النار الهش في غزة، فهو لا يطبق هنا، إذ إن "خطة السلام" التي وضعها دونالد ترمب في 20 نقطة لا تأتي حتى على ذكر الضفة الغربية أساساً.
وعلى رغم إعلان الرئيس الأميركي عن بزوغ "فجر" جديد للسلام في الشرق الأوسط خلال زيارته إلى إسرائيل هذا الأسبوع، لم يأتِ أبداً على ذكر المواطنين الأميركيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية والمستوطنون الإسرائيليون ولا أولئك المعتقلين في السجون الإسرائيلية.
ونفت إسرائيل مراراً قيام جنودها بانتهاك القانون الدولي، محملة مسؤولية ارتفاع وتيرة العنف لهجمات الفلسطينيين على المواطنين الإسرائيليين: تظهر معلومات الأمم المتحدة مقتل 41 إسرائيلياً في الضفة الغربية، 23 من بينهم من الجنود، منذ أكتوبر 2023.
وقال الجيش الإسرائيلي إن جنوده "يعملون لمنع وقوع أحداث العنف التي يرتكبها المواطنون الإسرائيليون في منطقة (الضفة الغربية) وإن واجبه هو حماية السكان كافة- الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء". لكنه رفض التعليق بالتفصيل على مقتل سيف، قائلاً إن الحادثة لا تزال قيد التحقيق.
إن أصعب ما يمكن لأب أن يفعله هو أن يدفن ابنه كامل مسلط
الولايات المتحدة، من جانبها، تدخلت بالفعل. فقد زار سفيرها لدى إسرائيل، مايك هكابي، عائلة الشاب وتعهد شخصياً بالتحقيق في المسألة والعثور على مرتكبيها "ووصف (مقتله) بالعمل الإرهابي"، كما يقول كامل.
لكن الأسرة توضح أن شيئاً لم يحدث حتى الساعة. ودفع اليأس كامل إلى السفر إلى واشنطن في سبتمبر (أيلول) الماضي بهدف تقديم التماس إلى إدارة ترمب طلباً للمساعدة، وحصل على دعم بعض أعضاء الكونغرس، بمن فيهم براميلا جايابال وتشوي غارسيا ورشيدة طليب ومارك بوكان ولطيفة سايمون.
وعقدوا مؤتمراً صحافياً مشتركاً في الكونغرس، مطالبين بالكشف عن إجابات حول مقتل سيف، وغيره من المواطنين الأميركيين الذين قتلوا، ومن بينهم عائشة نور أزغي، وهي امرأة تحمل الجنسيتين التركية والأميركية قتلت برصاص القوات الإسرائيلية خلال تظاهرة مناهضة للمستوطنات غير الشرعية قرب نابلس في سبتمبر الماضي.
وخلال التجمع، قالت جايابال إنه "لم يُحرز أي تقدم على الإطلاق" لجهة المحاسبة ولم يفتح أي تحقيق بقيادة الولايات المتحدة "ولا (وجود لأي) إصرار على أن تحمي الولايات المتحدة مواطنينا الأميركيين في الأقل من قوات الحكومة الإسرائيلية".
وتواصلت "اندبندنت" مع وزارة الخارجية الأميركية، لكنها لم تتلقَّ أي رد منها حتى الآن.
وفي الضفة الغربية المحتلة، تقول الأسرة بدورها إنها لم تتلقَّ أية معلومات من السلطات الإسرائيلية.
أما كامل، فلا يزال عاجزاً عن التوقف عن التفكير في آخر اتصال هاتفي أجراه مع ابنه الذي أخبره بأنه تعرف إلى شابة يرغب في الزواج بها. ويقول كامل إن ذهنه لا يزال عالقاً في ذكرى رعب ذلك اليوم.
ويردف "كنت في حال من الصدمة. وقعت على ركبتي وجمدت في مكاني. إن أصعب ما يمكن لأب أن يفعله على الإطلاق هو أن يدفن ابنه".
يذكر أن إسرائيل استولت على أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة خلال حرب عام 1967 في الشرق الأوسط وهو احتلال اعتبرته محكمة العدل الدولية غير قانوني ويتعارض مع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم.
ومنذ ذلك الحين، قامت إسرائيل ببناء مستوطناتها وتوسيعها إلى درجة أن عدد المستوطنين الذين يسكنون بالضفة الغربية يتخطى الآن 500 ألف مستوطن.
ويعيش 3 ملايين فلسطيني محاطين بهذه البؤر والبلدات وحتى المدن الاستيطانية التي لا تنفك تتوسع- وهي غير قانونية بموجب القانون الدولي- ويمارس عليهم الحكم العسكري الإسرائيلي، فيما تمارس السلطة الفلسطينية حكماً ذاتياً بصورة محدودة في مناطق متفرقة.
ومع أن أعمال العنف تتواصل منذ أعوام، لكن لم يكن أي منها يقارن بدموية الفترة التي أعقبت هجمات "حماس" القاتلة في السابع من أكتوبر 2023 في جنوب إسرائيل والقصف المدمر الذي شنته إسرائيل على غزة والذي خلص تحقيق الأمم المتحدة إلى أنه إبادة جماعية.
إسرائيل تخطط "تقسيم الضفة الغربية إلى جزئين"
في فبراير (شباط) الماضي، اقتحمت القوات الإسرائيلية أربع مخيمات للاجئين- في جنين ونور شمس وطولكرم والفارعة- وأفرغتها من سكانها الذين يزيد عددهم على 40 ألفاً وهجرتهم قسراً من ديارهم.
في المقابل، سلحت الدولة المستوطنين وجندتهم في ما تسميه "وحدات الدفاع الإقليمية"، وهي مجموعات ترى المنظمات الحقوقية الدولية والإسرائيلية والفلسطينية أنها تزداد جسارة وعنفاً يوماً بعد يوم.
وتشعر الدول الأجنبية ومن بينها المملكة المتحدة بقلق شديد من تصاعد حدة العنف، مما دفعها إلى فرض عقوبات على أفراد من المستوطنين.
وتسود مخاوف عميقة في الوقت الحالي من إراقة مزيد من الدماء وحتى الضم في أعقاب موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة الشهر الماضي على مشروع استيطاني كبير، اسمه "إي-1" E1، على مقربة من القدس.
وتقول الجماعات الحقوقية إن هذا المشروع سيقسم الضفة الغربية إلى نصفين ويعزلها على نحو أكبر عن القدس الشرقية، مما يجعل من إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة أمراً مستحيلاً.
وفي الواقع، تباهى وزير المالية اليميني المتطرف في حكومة نتنياهو، بتسلئيل سموتريتش، بأن خطة بناء "إي-1" كفيلة "بدفن" فكرة قيام دولة فلسطينية، فيما نشر بصورة منفصلة خرائطه الخاصة التي تضم أكثر من 80 في المئة من الضفة الغربية المحتلة، وهي خطة يقول إنها ستستولي على أكبر مساحة من الأراضي التي سيكون عليها "أدنى عدد ممكن" من الفلسطينيين.
وبلغ الوضع درجة مأسوية جعلت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة تخلص الشهر الماضي إلى أن إسرائيل أبدت "نية واضحة لتهجير الفلسطينيين، وتوسيع رقعة وجود المدنيين اليهود الإسرائيليين، وضم كامل أراضي الضفة الغربية".
من جهته، يقول شاي بارنس من منظمة "بتسليم" الإسرائيلية لحقوق الإنسان إنه منذ عام 2023، لا يقتصر دور الجيش الإسرائيلي على حماية سلوك المستوطنين العنيف ودعمه، بل إن المستوطنين أنفسهم يحصلون على أسلحة من الدولة وأصبحوا "في الواقع جزءاً من الجيش الآن".
ويضيف أنهم "يتمتعون بحصانة تامة. وفي السابق، كانت هذه الهجمات تحدث في الليل، وكانوا يتأكدون من ارتداء الأقنعة. أما الآن، فهم لا يأبهون حتى إذا كانت الهجمات تحدث في وضح النهار من دون أية تغطية للوجه".
تصوير عنف المستوطنين
في بعض الحالات، يبدو أنهم لا يكترثون حتى إن سجلت الكاميرات أفعالهم بصورة مباشرة.
وهذا ما حدث في يوليو الماضي في قرية أم الخير التي تقع في مسافر يطا جنوب الضفة الغربية المحتلة، المنطقة التي صور فيلم "لا أرض أخرى" الحائز جائزة "الأوسكار" محنة سكانها من الفلسطينيين والهجمات المستمرة التي يتعرضون لها من قبل المستوطنين.
هناك، قام عودة الهذالين، الناشط الفلسطيني البالغ من العمر 31 سنة الذي عمل على الفيلم الوثائقي، بتصوير مقتله بنفسه.
ووقع ذلك في الـ28 من يوليو، بعد بضعة أسابيع فقط من مقتل سيف.
ويبين مقطع الفيديو المرعب الذي صوره بهاتفه المحمول، واطلعت عليه "اندبندنت"، أن الأب لثلاثة أطفال يقف بكل وضوح على بعد 50 متراً خلف سياج من الأسلاك مغطى جزئياً بقطعة قماش مشمع.
وأكد ذلك عدد من شهود العيان وأفراد الأسرة الذين أشاروا إلى بركة دماء عودة، وهي لا تزال على الأرض حيث سقط الرجل.
ويظهر الفيديو المستوطن ينون ليفي الذي فرضت عليه المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات، وهو يلوح بمسدسه في وجه مجموعة من السكان الفلسطينيين، بينما يرافق جرافة كانت أصابت لتوها فلسطينيين آخرين كانوا حاضرين في المكان.
وفرضت إدارة بايدن عقوبات على ليفي بسبب العنف الذي مارسه ضد هذه التجمعات السكانية في أوائل عام 2024. لكن هذه العقوبات رفعت بموجب أمر تنفيذي وقعه ترمب في بداية رئاسته، والذي أزال أيضاً اسم ليفي وغيره من "قائمة الرعايا المعينين خصيصاً والأفراد المحظورين" الأميركية.
وفي المقطع، يظهر ليفي وهو يصرخ ثم يلقم مسدسه ويصوبه مباشرة نحو عودة قبل أن يطلق النار عليه، ويسقطه أرضاً.
ويقول أحمد، ابن عم عودة البالغ من العمر 30 سنة، والذي كان شاهداً على الحادثة، إن المستوطنين من مستوطنة كرمل المجاورة الواقعة على حدود قريتهم، قادوا جرافة عبر أراضيهم وتجاهلوا السكان الفلسطينيين الذين أخبروهم أن ذلك ممنوع.
ويوضح أحمد أنه أصيب بجرح في رأسه وكتفه جراء ضربة من مخلب الجرافة الضخم الذي يزن أطناناً عدة، وهو لا يزال يعاني هذه الإصابات حتى اليوم. ثم تصاعدت حدة الموقف فاستدار ليفي وأطلق النار على عودة، على رغم أنه لم يكن قريباً من الحشود.
ويتابع وهو جالس إلى جانب بركة الدم الجافة "كانت إصابة عودة قاتلة. اتصلنا بالإسعاف. وعلى رغم أن سيارة الإسعاف الإسرائيلية كانت على بعد دقيقتين فقط ويمكنها أن تصل إلى المكان إلا أنها لم تفعل. وفي كل الأحوال، كانت إصابات عودة خطرة وقاتلة. بعد نحو ساعة ونصف، أبلغونا أن عودة قد مات".
وتقول منظمة "بتسليم" إن ليفي وضع قيد الإقامة الجبرية قبل أن ترفع عنه العقوبة بعد أيام قليلة في الأول من أغسطس (آب) الماضي. وفي الرابع من أغسطس، التقطته عدسات الكاميرات مرة أخرى وهو يقتحم أراضي أم الخير بمرافقة مستوطن مسلح آخر من دون أن يعترض طريقهما شيء.
ويوضح خليل، شقيق عودة، أن الإسرائيليين اعتقلوا في هذه الأثناء عدداً من الأفراد من سكان التجمع الفلسطيني واحتجزوا جثمان عودة 11 يوماً.
وعندما أعادوا جثته في نهاية المطاف، حولت القوات الإسرائيلية هذه المنطقة موقتاً إلى منطقة عسكرية كي لا يتسنى لأحد الدخول إليها لحضور جنازته.
ويقول بصوت مرتجف "مستحيل أن أصف لك شعورنا".
وفي أواخر أغسطس، ذكرت العائلات في أم الخير أن المستوطنين ركنوا سبع مقطورات جديدة لهم بمحاذاة منازل السكان مباشرة.
وفي وقت لاحق، قطع المستوطنون إمدادات المياه عن السكان، مما حرمهم من الوصول إلى الخدمات الأساسية أكثر من أي وقت مضى. ثم ظهر ليفي بنفسه مع جرافة، وقطع خط الكهرباء. وأفاد السكان بأن جنوداً ومستوطنين مسلحين قطعوا 120 شجرة زيتون قبل موسم الحصاد ودمروا السياجات.
ويشرح إيتان بيليغ، المحامي الإسرائيلي الذي يمثل عائلة عودة، أنه في ظل هذه الأجواء السائدة من الإفلات من العقاب، ليس لديهم أمل كبير في تحقيق العدالة "إن القاتل ليس في السجن، ولا يخضع للإقامة الجبرية، ويمكنه أن يفعل ما يحلو له".
ويضيف "خلال الأعوام الـ20 الماضية، لم تسفر التحقيقات المماثلة عن إدانة أي أحد".
وسألت "اندبندنت" جيش الدفاع الإسرائيلي عن اتهامات ممارسات العنف. ورد الجيش بقوله إن مهمته هي "ضمان أمن جميع سكان المنطقة والعمل على منع الإرهاب والأنشطة التي تعرض مواطني دولة إسرائيل للخطر"، فضلاً عن حماية الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
لكنه رفض التعليق مباشرة على مقتل عودة، وأحال الاستفسارات كافة حول هذا الموضوع إلى الشرطة، مضيفاً أنه "في الحالات التي لا يمتثل فيها الجنود لأوامر جيش الدفاع الإسرائيلي، يجري التحقيق في الحوادث بصورة كاملة، واتخاذ الإجراءات التأديبية المناسبة".
وتواصلت "اندبندنت" مع المتحدث باسم "المجلس الإقليمي لجبل الخليل"، وهو هيئة إسرائيلية تدير المستوطنات في المنطقة، لكنه أبلغها بأنهم "غير مهتمين" بالتحدث إلى وسائل الإعلام البريطانية.
وقال أحد زعماء المستوطنين الإسرائيليين والناشط يشاي فلايشر إن الاتهامات بزيادة موجة العنف من قبل المستوطنين "معادية للسامية".
وأضاف "من الواضح بالنسبة لي أن اليهود هم ضحية العنف الجهادي. وأحياناً يقابل العنف بالعنف".
كما هاجم فرض بريطانيا عقوبات على مستوطنين من بينهم ليفي، متهماً الحكومة البريطانية بأنها واقعة "تحت السيطرة الذهنية للفكر الجهادي".
وبالعودة للمزرعة الشرقية، لم تحصل عائلة سيف الله بعد على أية معلومات جديدة بخصوص مقتل ابنها، ولا تملك وقتاً لكي تقيم حدادها عليه لأنها تواجه كابوساً آخر: قريب سيف الأصغر، محمد الذي بلغ للتو عامه الـ16، هو الآخر يخضع للحبس المتواصل.
ففي فبراير، اقتحم الجنود الإسرائيليون منزل العائلة في منتصف الليل، فعصبوا عيني محمد – وهو لم يزل في الـ15 من العمر حينها - زاعمين أنه قد رمى حجارة، وهو ادعاء تنفيه عائلته بقوة.
ولم يسمح لعائلة محمد التي تحمل الجنسية الأميركية مثل عائلة سيف - بزيارة المراهق الذي بلغ الـ16 في الأسر، في سجن مجيدو الإسرائيلي سيئ السمعة حيث يحتجز عدد كبير من القاصرين.
آلاف المراهقين محتجزين بلا تهمة
على رغم أن محمد لا يزال طفلاً، غير أنه واحد من بين أكثر من 3500 فلسطيني قيد الاعتقال الإداري في السجون الإسرائيلية، وهو حكم يمكن تجديده إلى ما لا نهاية ويعني أنه لم توجه له أية تهمة رسمية ولا حوكم.
ووفقاً لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية، "هموكيد" (أو مركز الدفاع عن الفرد) فإن 87 في المئة من الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية معتقلون من دون تهمة أو محاكمة- مما تصفه منظمات حقوق الإنسان بأنه اعتقال تعسفي.
من جهتها، نفت مصلحة السجون الإسرائيلية في الماضي مزاعم انتهاك حقوق الإنسان، قائلة إنها تعمل تحت سقف القانون.
وجاء في بيان للمصلحة "إن جميع السجناء محتجزون وفقاً للقانون. وتطبق جميع الحقوق الأساسية الضرورية بالكامل من قبل حراس سجن مدربين تدريباً احترافياً".
لكن محمد، طالب المدرسة المراهق، منع من زيارات العائلة والمكالمات الهاتفية، ونقل منذ ذلك الوقت إلى سجن عوفر الإسرائيلي سيئ السمعة، حيث كشفت "اندبندنت" عن أدلة تظهر وقوع حالات عدة من التعذيب والاعتداءات والعنف الجنسي والوفيات أثناء الاحتجاز والإهمال الطبي.
وقال زاهر، والد محمد، إن مسؤولي السفارة الأميركية تمكنوا من رؤيته لفترة وجيزة وأخبروه بأن ابنه الذي كان أصلاً ضئيل الحجم نسبة إلى سنه، خسر كثيراً من وزنه ويعاني الجرب.
وكانت الأسرة تأمل في أن يدرج اسمه ضمن قوائم عملية تبادل الرهائن خلال الهدنة الأخيرة، غير أن ذلك لم يحدث.
كما قدم كامل التماسات إلى الحكومة الأميركية طلباً للحصول على أية مساعدة أو إجابات - سواء في شأن القتل أو الاعتقال – لكن من دون جدوى.
ويقول بنبرة يائسة، وهو يقف إلى جانب قبر ابنه، فيما يرفرف علم فلسطين في الهواء "لقد أرسلنا رسائل إلكترونية. وتوجهنا بخطابات إلى السفارة، وحاولنا التحدث في كل مكان. نحن نمر بظروف بالغة الصعوبة كعائلة، فقد قتل ابني، وسجن ابن أخي بسن الـ15 بتهمة إلقاء حجر مزعوم. فيما الولايات المتحدة لم تفعل شيئاً".
ويشرح كامل أنه لم يحدث أي تطور في قضية سيف كذلك، مضيفاً أنهم يشعرون "بالخوف على حياتهم" بسبب وجود المستوطنين المسلحين في المكان.
ويقول واضعاً يده على شاهد قبر ابنه "كأب، تظن دائماً أنك ستشيخ، وأن ابنك سيتزوج وينجب أطفالاً، ثم يكون هو من يدفنك عندما تموت. لا تتخيل أبداً أن يحدث العكس".
ويضيف "لا أريد أن أرى هذا يتكرر أبداً. لا أريد لآباء آخرين أن يدفنوا أبناءهم. رسالتي هي أننا بحاجة إلى العدالة".
ويختم "نريد أن يتوقف المستوطنون أخيراً، بطريقة ما... أن يتوقفوا عن إرهابنا، عن سلب أراضينا، عن القتل. أخشى أن يظل العالم صامتاً".
© The Independent