ملخص
المشهد الملحمي ليلة زيادة أسعار الوقود في محطات الوقود قال كثيراً، إذ التحمت جموع الشعب الراغب في "التفويل" بانتظار الدور، وعلى رغم ثقل الزيادة وهمّ الآثار المنعكسة تصاعدياً على كل كبيرة وصغيرة من سلع ومنتجات، فإن هالة من "البهجة" شاعت بين المنتظرين يفسرها بعضهم بأنها "بهجة التشارك في الهموم"، أو التسليم بالقدر والمكتوب.
بعض المصريين يقول إن المواطن اكتسب مناعة اقتصادية تقيه شرور صدمات الزيادات المباغتة وأوجاع المفاجآت الموجعة، وآخرون يرون أنها ليست مناعة بل "تناحة"، وهي خليط من الصلابة مع التجاهل مضاف إليه قدر من التسامي فوق الصعاب والتغاضي عن المشقات، وتبقى زيادات أسعار السلع والمواد الإستراتيجية قادرة على ضخ قوة ما غامضة في مناعة المصريين، وإضفاء هالة من "صمت العظماء" على مضيهم قدماً في حياتهم اليومية وكأن شيئاً لم يكن.
في التاسع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري خرجت عناوين الصحف والمواقع الإخبارية، ومنها إلى منصات الـ"سوشيال ميديا"، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن "لا زيادة في أسعار البنزين (الوقود)"، وأن "الإشاعات التي تروجها منصات الـ(سوشيال ميديا) حول زيادة أسعار المحروقات تهدف إلى إشاعة البلبلة"، و"أية تغييرات في أسعار البنزين يتم الإبلاغ بها رسمياً عبر القنوات الإعلامية المعتمدة فور صدورها عن لجنة التسعير التلقائي"، و"الوزارة ملتزمة الشفافية الكاملة في الإعلان عن أية قرارات تتعلق بتعديل أسعار الوقود".
هذا ما حدث فعلياً لمدة سبعة أيام بلياليها، في الـ16 من أكتوبر الجاري، أي بعد نفي الزيادة بأسبوع، امتلأت محطات الوقود في أنحاء مصر عن آخرها بـ"المفولين" (الراغبين في تزويد سياراتهم بالوقود حتى أقصى سعة).
من لم يكن متابعاً لمجريات الـ"سوشيال ميديا" على مدى الأيام السابقة أبدى تعجبه من هذا الزحام في المحطات، بل إن منهم من اعتقد أن شعب مصر قرر فجأة أن يتوجه لشرب القهوة في المقاهي التي باتت ملحقة بغالب المحطات في أنحاء مصر، في هذه الليلة، من كان يكتفي بـ10 أو 20 ليتراً، أو كان يطلب "تكة واحدة"، أي عدم ملء خزان الوقود كلية، طالب عامل المحطة بـ"تكتين" ولو أمكن ثلاث، ومع انتصاف ليل الخميس، وقع المحظور وأُثبِت المنفي، وتبدد كلام المصدر في هواء الـ13 في المئة زيادة هي الثانية خلال هذا العام. وشملت كل أنواع البنزين والسولار، وبلغت قيمتها جنيهين لليتر الواحد.
ملحمة في المحطة
المشهد الملحمي في محطات الوقود في هذه الليلة، وقبل صدور البيان الرسمي من وزارة البترول والثروة المعدنية قال كثيراً، التحمت جموع الشعب الراغب في "التفويل" بانتظار الدور، وعلى رغم ثقل الزيادة، وهمّ الآثار المنعكسة تصاعدياً على كل كبيرة وصغيرة من سلع ومنتجات، بدءاً بالجبن الرومي، مروراً بأجرة المواصلات غير الرسمية من ميكروباص وتوك توك، وانتهاء بظاهرة تثبيت الأسعار مع تقزيم العبوات، فإن هالة من "البهجة" شاعت بين المنتظرين، يفسرها بعضهم بأنها بهجة التشارك في الهموم، أو أدرينالين التغيير الذي يطاول الجموع، أو التسليم بالقدر والمكتوب.
الطريف أن شعوراً لحظياً بالانتصار وصل إلى درجة تلويح "المفولين" بعلامة الانتصار من شباك السيارة أثناء المغادرة، مع تحية الجموع الحاشدة لهم، وعلى رغم أن ملء الخزانات ولو عند "تكتين" لا يعني إلا مكسباً ينتهي بعد أسبوع أو 10 أيام على أقصى تقدير، وذلك مع نفاده والحاجة إلى موجة ملء ثانية بالأسعار الجديدة، فإن هذه الانتصارات الصغيرة باتت تعني كثيراً، لا سيما للطبقات المتوسطة وما فوق المتوسطة بقليل، وأحياناً بكثير، في ظل برامج الإصلاح الاقتصادي المتلاحقة.
الأكثر طرافة هو أن عموم المصريين، بمن فيهم أبناء الطبقات القابعة في قاعدة الهرم الاقتصادي، باتوا يتناقشون حول أسعار "خام برنت" ضمن نقاشاتهم الشعبية اليومية في الباص المزدحم، أو في الميكروباص المكتظ.
لذلك حين دقت الساعة وانتصف ليل الخميس الماضي وصدر بيان وزارة البترول بزيادة الأسعار لم تأت مفاجئة أو مباغتة أو حتى صادمة، فقط مستدعية موجة نقاش صاخبة، تليها هوجة تنظير زاعقة، ثم يعود كل إلى ممارسة تفاصيل حياته اليومية، بحسب "سردية الاقتصاد" من جهة، ومؤشر "خام برنت" من جهة أخرى، وتبقى مناعة الصدمات واضحة وجديرة بالإعجاب والتعجل، ويبقى قرار الانفصال عن الواقع على رغم الانغماس فيه عجيباً غريباً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
غرابة محتوى النقاش في الجلسة الصباحية بين "عم عبده" (حارس العقار) و"عم سيد" (مسؤول مرأب السيارات) تنتفي في هواء قدرة المصريين على التعامل مع الاقتصاد. الأول استفاض في إبداء تعجبه من ارتفاع أسعار البنزين، على رغم أن أسعار النفط العالمية حققت مكاسب ضئيلة في يوم الزيادة نفسه، مسجلة خسارة أسبوعية بنحو ثلاثة في المئة في ظل تخمة المعروض، وأن "خام برنت" انخفض ووصل لما دون الـ61 دولاراً، والثاني أبدى تعجباً، وعبر عن امتعاض، لاستشعاره أنه ما دمت ذكرت كلمة "انخفاض" فإن الزيادة في سعر البنزين لدينا غير مفهومة، على رغم أنه سأل في ما بعد عن المقصود بـ"خام برنت"، والمعني بـ"تخمة المعروض".
دورة حياة الموجة
جانب من محادثات المصريين في ضوء الزيادة الأخيرة سيدور حول الأسعار ومصاعب المعيشة، ولكنها موجة تظل لها دورة حياة محددة، تشتعل أياماً، أقصاها أسبوع، ثم يعود الجميع إلى المحادثات المعتادة حيث فستان الفنانة فلانة الجريء، ومدرب الأهلي الجديد، والعثور على تمساح في حديقة، والتنقيب عن آثار أسفل بيت مواطن أو مكتب حكومة أو قصر ثقافة، وذلك لحين قدوم موجة جديدة، وهلم جرا.
تواتر الموجات أسهم في تهدئة الشارع، بين تفسيرات في ضوء نظرية المناعة المكتسبة، وأخرى تصر على التجاهل المقصود والتغاضي الواعي، سواء تسليماً بالأمر الواقع، أو إلماماً بحال اقتصاد العالم وأحوال الإقليم وظروف البلاد، أو من باب حسابات المكسب والخسارة الفطرية، وترجيح كفة السلام النفسي، وواقعية التوقف عن مصارعة طواحين الهواء، سيجد المصريون وسيلة تعايش ما في ضوء موجة الزيادة الجديدة التي ستلقي بآثارها على غالب السلع والخدمات.
اللافت في الموجة الحالية، وعلى رغم واقعية التعامل ومعرفة شعبية يقينية بأنها "يومين برطمة (ضجر وتبرم) وخلاص"، لكن كثيرين يصولون ويجولون في سرديات رسمية تصاعدت على مدى الأسابيع القليلة الماضية حول نجاحات الاقتصاد وثمار الإصلاح وأرقام رائعة ونسب واعدة وشهادات دولية مشرفة، وغيرها مما وصفه بعضهم بـ"موجة إشادة حكومية بأداء الاقتصاد".
في سبتمبر (أيلول) الماضي استيقظ المصريون ذات صباح على "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، كلمة "سردية" ليست شائعة في الشارع المصري، لكنها أصبحت أشبه بـ"الترند" بين كتاب ومثقفين ومنظرين يستخدمونها في الأعوام الماضية بكثرة وكثافة. السردية أو الحكاية الوطنية للتنمية الاقتصادية أطلقتها الحكومة، وتحديداً وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي في "احتفالية" – لا مؤتمر أو اجتماع أو لقاء - ضخمة حضرها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي ومسؤولون حكوميون وممثلون عن القطاع الخاص وهيئات ومنظمات دولية.
في "الاحتفالية" عرضت وزيرة التخطيط السردية، وبين إعادة تعريف دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وتمكين القطاع الخاص في مسيرة التنمية، وبرنامج عمل الحكومة بحسب "رؤية مصر 2030"، وكذلك المتغيرات التي فرضتها المستجدات الإقليمية والدولية، وتأكيد الاستمرار في مسار الإصلاح، والإشارة إلى الصندوق السيادي المصري باعتباره "الأداة الاستثمارية للدولة لإدارة الأصول العامة"، وإعادة إحياء العلامات التجارية الوطنية وتعظيم القيمة المضافة للأصول وإعادة هيكلة الهيئات بهدف تعظيم العائد الاقتصادي وتقليل التداخل في الاختصاصات وترشيد الإنفاق العام، مع التلميح إلى مسارات مقترحة مثل التحويل إلى هيئات عامة أو الدمج أو التصفية، مع التأكيد والتكرار بأن "المواطن على رأس الأولويات"، وجد المصريون أنفسهم – باختلاف طبقاتهم وفئاتهم - يوم السردية في حال عدم يقين، مصحوبة بانعدام اتزان، مع قدر من التشكك في ما وراء هذه السردية.
ميراث طويل من عدم الثقة أو استشعار الخطر أو الإصرار على وجود ما ينبغي قراءته بين السطور يحمله المصري على مدى عقود، من "عنق زجاجة" الذي أبى الاقتصاد المصري أن يجتازه في السبعينيات والثمانينيات، إلى أرقام ونسب في الأداء الاقتصادي صفق لها العالم في التسعينيات وأوائل الألفية، وشكا المواطن من انعدام أو ضعف انعكاسها عليه، ثم مرحلة انتقالية تلو أخرى عقب أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011، عاش المصري وعوداً وتأجيلات وتسويفات اقتصادية لا حصر لها.
ومع استتباب الأوضاع الأمنية بعد أحداث يونيو (حزيران) عام 2013 وما نتج عنها من عمليات إرهابية ومحاولات نشر الفوضى، بدأت جهود ومحاولات، لا للتعافي فقط، ولكن للإصلاح الاقتصادي الجذري، الذي برع نظام الرئيس السابق الراحل محمد حسني مبارك في تأجيله تارة ووضعه "أون هولد" (على خاصية الانتظار) تارة أخرى لترحيل غضبة المصريين الكبرى.
نجاح ودواء
وسواء نجحت جهود الإصلاح الاقتصادي الجذري على مدى العقد الماضي، أو جانب بعضها التوفيق، أو حاد جزء منها عن معالجة أسباب قبل أخرى كان لها أولوية المداواة، وكذلك اتباع طريقة "داوها بالتي كانت هي الداء"، ما نجم عنه ارتدادات عكسية، إضافة إلى عامين من الإغلاق بسبب "كوفيد-19"، وحرب روسيا في أوكرانيا، وحرب غزة وانعكاساتها التي ضربت كثيراً من جوانب الاقتصاد المصري، فإن قدرة المصري على الصمود والخروج بسبل بقاء غير تقليدية، وتراكم خبرات الماضي ودروس الحاضر في خلاصة قوامها الحكمة ومحتواها الصبر والمعافرة، تجلت في أروع صورها في الزيادة الأحدث لأسعار الوقود، وفي كيفية التعامل مع "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية"، وفي طريقة التجاوب مع تواتر وتصاعد أخبار نجاحات الاقتصاد عام 2025.
"الاقتصاد المصري يسجل أعلى معدل نمو في عامين بـ4.4 في المئة خلال 2024 - 2025"، و"صندوق النقد الدولي يؤكد أن برنامجه في مصر حقق تقدماً في تأمين الاستقرار الاقتصادي، ويرفع توقعاته لنمو الاقتصاد المصري"، و"خطوات مشجعة للاقتصاد المصري"، و"الاقتصاد المصري يبدأ مرحلة جديدة من الثقة والتفاؤل"، و"متخصصو الاقتصاد يؤكدون نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي ويشددون على أهمية استمراره"، و"مؤشرات أداء الاقتصاد المصري تسير بصورة إيجابية"، و"تباطؤ التضخم"، و"انخفاض التضخم"، و"توقعات بانخفاض قياسي للتضخم"، وغيرها من عناوين الاقتصاد التي تطارد المصريين وتحاصرهم أينما ذهبوا على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وجدت حائط صد قوياً وجدار صمت عصياً.
ويبدو أن رد الفعل الشعبي الهادئ والحذر تجاه سردية الاقتصاد، وعناوين تحسن الأداء وتفاؤل التوقعات، يعود إلى تراكم الخبرات من جهة، وانتظار ما ستسفر عنه الأخبار "الطيبة" من انعكاسات على الجيب من جهة أخرى.
ليس هذا فقط، بل تسمع أصداء أحاديث شعبية تردد ما يقوله المتخصصون الموثوق في تحليلاتهم شعبياً، "تحسن مؤشرات الاقتصاد لا يعني بالضرورة عمران الجيب بالأموال"، بمعنى آخر، ما دأب الاقتصادي ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير التعاون الدولي الأسبق زياد بهاء الدين على قوله عشرات المرات على مدى عمر برنامج الإصلاح الاقتصادي الحالي ترسخ في عقول المصريين "تحسن مؤشرات الاقتصاد بالأرقام، وإشادة المؤسسات الدولية عبر البيانات لا يعبر بالضرورة عن واقع الاقتصاد الذي يعيشه المصريون"، و"الفجوة بين الأرقام الجيدة المعلنة، وما يعانيه المواطن العادي ليست مفاجئة"، و"هذا لا يعني خطأ الأرقام، ولكن يعني وجود واقعين متوازيين، لم يتقاطعا بعد".
في تصريحات تلفزيونية لبهاء الدين قبل أيام، قال "حين تنخفض درجة جرارة المريض المصاب بالحمى، فهذا لا يعني أنه لا يعاني أوجاعاً أو أعراضاً أخرى، الرقم (الاقتصادي) ينظر إلى شيء محدد، والواقع قد يكون في مكان آخر تماماً".
وأضاف أنه في مسألة مثل "الغلاء"، التي تعد الأبرز على قائمة أولويات المصريين وهمومهم، "حين تعلن الحكومة انخفاض معدل التضخم من 30 إلى 15 في المئة، أي نصف معدل التضخم، فإن الرقم صحيح وأنا أصدقه، لكنه لا ينعكس بالضرورة على جيب المواطن ومعيشته، الرقم يعبر عن الأسعار التي كانت تزيد بنسبة 30 في المئة كل عام على مدى ثلاثة أعوام متتالية، وأصبحت حالياً تزيد بنسبة 15 في المئة، الانخفاض جيد ومفيد، لكن هل أثر في ما يدفعه المواطن لشراء حاجاته؟ لا، لم يؤثر كثيراً؟".
زياد بهاء الدين وغيره كثير من محللي ومتخصصي الاقتصاد يتحدثون هذه الأيام بما بات يعرفه المصريون علم المعرفة، سواء بطريقتهم البسيطة العادية، حيث "الحاجة غليت"، و"قدر الله وما شاء فعل"، وربما "حسبنا الله ونعم الوكيل"، أو بطريقة أكثر تعقيداً حيث "معدل زيادة الأسعار يشهد تغيراً"، و"على الدولة أن تجد طريقة ما لينعكس أداؤها الاقتصادي الجيد على حياة الناس".
قدر ومكتوب
مع دورة حياة موجة زيادة أسعار الوقود وتأثير الدومينو المتوقع على بقية السلع والخدمات، ثم قدر من الضجر والتبرم على أثير الـ"سوشيال ميديا"، تليه إعادة هيكلة لأولويات الإنفاق مع مزيد من ترشيد الاستهلاك، وأخيراً تعايش وتأقلم مع الأوضاع انتظاراً لموجة جديدة، يضاف عنصران جديدان نسبياً في نبض وإيقاع الشارع.
الأول حال من السكون والسكوت، مع قدر من الوجوم، في أعقاب الزيادة الأحدث، وكأنها كانت متوقعة أو معروفة على رغم نفي الحكومة قبل الزيادة بأسبوع. والثانية أحاديث جانبية تتبرم، لا من الزيادة التي انتقلت من خانة الغضب والحنق إلى مرتبة "قدر ومكتوب"، ولكن مما وصفه بعضهم بتصاعد تصريحات وتأكيدات تحسن الاقتصاد وروعة الأرقام وإشادة المؤسسات في أيام ما قبل الزيادات، آخرون وصفوا تصاعد التصريحات التي تدق على تحسن الأداء بأنها أشبه بالعلاجات النفسية أو المسكنات الموضعية التي تجعل المريض يشعر بانتعاش موقت أو ازدهار زائل، وذلك قبل أن تعاوده الآلام مجدداً.
هي مرحلة جديدة من مراحل الواقعية المصرية الشعبية، مصحوبة برغبة متعقلة في أن تأخذ السرديات الحكومية ذكاءهم في الحسبان قبل إطلاق العنان لحديث الأرقام.
وفي هذا الشأن، تحدث زياد بهاء الدين عن حقائق مختلفة في شأن الاقتصاد، لا حقيقة واحدة، "الهم ليس في الأرقام والبيانات بحد ذاتها، بل ما تعبر عنه من واقع اجتماعي، معدل التضخم أم قدرة الناس على العيش الكريم في ظل الأسعار الجارية؟ توافر فرص العمل أم الأجور التي تتيحها؟ عدد كيلومترات الطرق الجديدة أم انسياب المرور وسلامة الطرق؟ إنشاء مدارس جديدة أم جودة التعليم؟".
وأضاف في مقال عنوانه "رؤيتان اقتصاديتان: واحدة تتحسن والأخرى في محلها" (أكتوبر 2025)، أن "المخرج من هذه الإشكالية هو أن تتعاون مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين على تقديم رؤية مختلفة ومعايير مستقلة للتعبير عن حقيقة الوضع الاقتصادي والمعيشي، ومناقشتها مع الجهات الحكومية وتقديمها للمجتمع بعيداً من المبالغة في الإنجازات، أو التجاهل التام لكل تطور إيجابي"، مشيراً إلى أن أهمية مثل هذا القياس الموضوعي للمجتمع كله "للمواطنين، والمعلقين، وأعضاء البرلمان، والإعلاميين، ومجتمع الأعمال، وحتى الجهات الرقابية، لكي يكون الحوار بينهم وبين الحكومة وتقييمهم لها صادقاً ومعبراً عن الواقع، ومفيداً في الاستعداد لكل الاحتمالات والأخطار، بدلاً من الاكتفاء بالأخبار الجيدة وتجاهل ما يحدث على أرض الواقع".
مقترح الاتفاق على "سردية" اقتصادية اجتماعية تعطي الحكومة حقها من ناحية الإنجازات، وتحترم عقل المواطن من جهة فهم أن الإنجاز لا ينعكس بالضرورة على الجيب، وأن الإشادات المتصاعدة تعني بكل تأكيد زيادة تلوح في الأفق، ينتظر الترجمة على أرض الواقع، مع قدوم موجة جديدة من الإشادة، ثم الزيادة، قبل الإعادة.
ولحين قدوم الموجة يشغل المصريون أحاديثهم في الشارع وعلى الأثير بتتبع أداء "خام برنت"، وتأثير الدومينو في الشاي والزيت وأجرة الميكروباص، مع ترقب بشائر إشادة أو ملامح تحسن أداء لاتخاذ اللازم.