ملخص
أمام تشكك البعض في أن تقود احتمالية عودة دخول واشنطن على خط أزمة سد النهضة إلى اختراق حقيقي، لا سيما في ضوء خبرة التدخل الماضية في عهد الرئيس ترمب ذاته خلال ولايته الأولى، يرد آخرون بأن السياقات الإقليمية والدولية هذه المرة تعزز من فرص النجاح الأميركي في حلحلة الأزمة.
في وقت مضت فيه كل من مصر وإثيوبيا نحو مزيد من تصعيد الاتهامات المتبادلة حول "سد النهضة" ، على وقع ما تصفه القاهرة بـ"الإدارة غير المنضبطة للسد" بعدما تسببت تدفقات غير منتظمة للمياه في أضرار تفاوتت تأثيراتها في دولتي المصب (مصر والسودان)، أحيت تصريحات مسؤولين أمريكيين في شأن احتمالات تدخل الرئيس دونالد ترمب على خط الأزمة، آمالاً في الأوساط المصرية في أن تدفع عودة واشنطن لأداء دور الوسيط إلى نهاية ذلك الصراع المستمر منذ أكثر من عقد ونيف.
"الوساطة الأميركية" المحتملة وإن لم تكن بجديدة على مشهد الصراع المائي بين إثيوبيا ومصر والسودان، وذلك بعد محاولة سابقة خلال ولاية ترمب الأولى لم يكتب لها النجاح، إلا أنها تبقى إحدى أبرز محاولات التدخل التي تسعى إليها القاهرة لما يملكه الرئيس الأميركي من أوراق ضغط تمكنه من تحقيق اختراق في أزمة تتخوف القاهرة أن تؤثر بتبعاتها بصورة كبيرة في أمنها المائي في الأعوام المقبلة.
والأسبوع الماضي بدت لهجة القاهرة أكثر هجوماً على أديس أبابا، حين جدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تعهده بأن "بلاده لن تقف مكتوفة الأيدي أمام نهج إثيوبيا غير المسؤول وسنتخذ كل التدابير لحماية أمننا المائي"، محملاً أديس أبابا مسؤولية الإضرار بدولتي المصب "نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي تم تصريفها (من السد) دون أي إخطار أو تنسيق مسبق"، لترد الأخيرة بأن "حقها السيادي" يمكّنها من استخدام "مواردها المائية" من دون تدخل من أحد، وأن "نهر النيل ينبع من أراضيها، وأنها وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية، تتمتع بحق مشروع وغير قابل للمصادرة في الاستفادة من مواردها المائية".
وعلى رغم تدشينه رسمياً في وقت سابق الشهر الماضي فلا يزال سد النهضة يثير مخاوف القاهرة والخرطوم في شأن التأثير في حصصهما المائية، وتطالبان بـ"اتفاق قانوني ملزم ينظم عمليات إدارة وتشغيل السد"، وهو الأمر الذي ترفضه أديس أبابا معتبرة أنها "تسعى إلى تحقيق التنمية لشعبها من دون أن تلحق ضرراً ملموساً بدول الجوار".
واشنطن على خط الأزمة مجدداً
وفق مصادر دبلوماسية مصرية فإن عودة دخول واشنطن على خط أزمة سد النهضة بين القاهرة وأديس أبابا، لا سيما تحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تبقى إحدى "الأوراق الناجعة" التي يمكن لها أن تحدث اختراقاً في تلك الأزمة، الذي تعول عليه دوائر صناعة القرار في مصر.
المصادر الدبلوماسية التي تحدثت إلى "اندبندنت عربية" في أحاديث مقتضبة، قالت إنه وعلى رغم أنه لا يزال من السابق لأوانه تأكيد عودة واشنطن للوساطة في ما يتعلق بسد النهضة من عدمها، فإن القاهرة "تحاول الاستثمار في زخم الانخراط الأميركي في الشرق الأوسط بعد وقف إطلاق النار في قطاع غزة بين ’حماس‘ وإسرائيل لحل أزمة السد الإثيوبي التي تهدد السلم والأمن في المنطقة برمتها".
وقال أحد المصادر في حديثه إلينا "تمثل أزمة سد النهضة مصدر تهديد كبير للأمن والاستقرار في المنطقة، والقاهرة لا يمكنها التغاضي عن الإضرار بأمنها المائي، وهو أمر تتفهمه واشنطن".
وقبل أيام تحدث مستشار الرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، عن وساطة أميركية "محتملة" في أزمة سد النهضة، قائلاً في تصريحات تلفزيونية "توجد احتمالية أن تكون هناك مبادرة للرئيس ترمب تجمع الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والإثيوبي آبي أحمد لحل المشكلة".
بولس أكد حول هذا الأمر أن "ملف سد النهضة مهم وإستراتيجي بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وأن بلاده تسعى إلى إيجاد حلول سلمية"، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن "موقف واشنطن في شأن السد واضح، ويقوم على التروي والحوار السلمي للوصول إلى إطار تقني متفق عليه"، وأن "السد أصبح واقعاً، والخلاف حوله تقني وليس سياسياً".
وجاءت تصريحات بولس، في وقت تبادلت فيه القاهرة وأديس أبابا الاتهامات حول السد المشيد على النيل الأزرق الرافد الرئيس لنهر النيل، إذ حمل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إثيوبيا مسؤولية الإضرار بدولتي المصب إثر "الإدارة غير المنضبطة للسد"، بعد أيام من إحداث تدفقات مائية غير مسبوقة أضراراً في مصر والسودان.
حديث السيسي الذي جاء الأسبوع الماضي، خلال الجلسة الافتتاحية لأسبوع القاهرة الثامن للمياه، قال فيه "مرت أيام قليلة على بدء تدشين السد الإثيوبي، وثبت بالدليل الفعلي صحة مطالبتنا بضرورة وجود اتفاق قانوني وملزم لأطرافه لتنظيم تشغيل هذا (السد)"، مضيفاً "في الأيام القليلة الماضية تسببت إثيوبيا من خلال (إدارتها غير المنضبطة للسد) في إحداث إضرار بدولتي المصب، نتيجة التدفقات غير المنتظمة التي تم تصريفها من دون أي إخطار أو تنسيق مـع دولتي المصب".
في المقابل ردت أديس أبابا على اتهامات السيسي قائلة إن "حقها السيادي يمكّنها من استخدام مواردها المائية"، معتبرة أن نهر النيل "النابع من أراضيها" يصوغ لها "التمتع بحقها المشروع وغير القابل للمصادرة في الاستفادة من مواردها المائية وفقاً للقانون الدولي ومبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية"، على حد وصفها، مشيرة إلى أن "هذا الاستخدام يهدف إلى تحقيق التنمية لشعبها من دون أن تلحق ضرراً ملموساً بدول الجوار".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورفضت الحكومة الإثيوبية في بيانها اتهامات استخدامها ما تصفه دولتا المصب بـ"الإجراءات الأحادية في التعامل مع قضية السد"، قائلة إنها "أدارت مشروع السد بشفافية كاملة، وقدمت بيانات فنية دورية حول مراحل الملء والتشغيل إلى كل من مصر والسودان، سواء عبر آليات الاتحاد الأفريقي أو القنوات الدبلوماسية المباشرة".
وعلى وقع الرد الإثيوبي، عادت القاهرة على لسان رئيس وزرائها مصطفى مدبولي لتتهم أديس أبابا مجدداً بـ"ترديد خطاب أحادي والترويج لمفاهيم مغلوطة حول ملكية النهر ومصادر مياهه، في محاولة لتبرير سياسات منفردة في إدارة مورد مشترك، بما يخالف مبادئ القانون الدولي ويفتقر إلى أبسط قواعد الشفافية والتنسيق بين دول الحوض".
وأعاد مدبولي التأكيد أن "الأمن المائي لمصر ليس مجالاً للمساومة أو التجريب السياسي، وأي تصور بإمكان المساس بحقوقها التاريخية والقانونية هو محض وهم لدى أصحابه، فالنيل بالنسبة إلى مصر قضية وجود لا تقبل المغامرة ولا المساومة، وستظل مصر ملتزمة التعاون القائم على القانون الدولي، وفي الوقت نفسه حازمة في الدفاع عن حقوقها بكل الوسائل المشروعة".
حدود وفاعلية التدخل الأميركي
على رغم تكرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أكثر من مناسبة منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) الماضي، الحديث عن سد النهضة والأزمة حوله بين مصر وإثيوبيا، زاعماً تمكنه خلال ولايته الأولى من "تجنيب البلدين حرباً محتملة حوله"، ومشيراً إلى أن أديس أبابا "بنت سداً من أكبر السدود في العالم، وهذا يؤثر في المياه المتدفقة إلى النيل، وهذه مشكلة كبيرة"، إلا أنه حتى اللحظة لم تعلن واشنطن رسمياً عودة انخراطها في الوساطة بعدما حاولت الإدارة ذاتها في وقت سابق خلال ولايتها الأولى حل الأزمة عبر رعايتها ست جولات تفاوضية بين البلدان الثلاثة (إثيوبيا ومصر والسودان) إلا أنها لم تنجح حينها في تحقيق اختراق في الأزمة.
لكن تواتر الأحاديث القادمة من واشنطن أخيراً في شأن احتمالية عودة الولايات المتحدة للتدخل على خط الأزمة، عزز الآمال في الأوساط المصرية بإمكان "حدوث اختراق" في أزمة السد الذي تخشى القاهرة أن يؤثر بشكل كبير في أمنها المائي، وفق ما يقول مراقبون تحدثوا إلى "اندبندنت عربية".
ويقول نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الأفريقية، السفير صلاح حليمة، إن "وجود دولة ذات ثقل وتأثير قادر على وضع الأمور في نصابها بما يحفظ مصالح الأطراف جميعاً"، موضحاً في حديثه معنا "ما من شك أن الرئيس ترمب وإدارته يأتي في هذا الإطار وبخاصة أنه أعلن في السابق بعد عودته إلى البيت الأبيض استعداده للتدخل وحل تلك الأزمة"، مشيراً إلى أن مسار واشنطن التفاوضي خلال ولاية ترمب الأولى في شأن السد كان الأقرب إلى تحقيق اختراق في الأزمة.
وينتقد حليمة السردية الإثيوبية في شأن "إدارة وتشغيل سد النهضة بصورة منفردة"، قائلاً إن القانون والأعراف الدولية ذات الصلة يؤكدان أن "الدول المتشاطئة على نهر دولي لها سيادة مشتركة وليست سيادة أحادية، ومن ثم يجب أن يكون هناك تعاون مشترك بين الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) في عملية الملء والتشغيل طبقاً للقانون الدولي وإعلان المبادئ الموقع في عام 2015"، موضحاً "أكد إعلان المبادئ الذي وقعته البلدان الثلاثة أهمية عدم حدوث ضرر جسيم لدولتي المصب، وهو الأمر الذي قد يحدث مع حالات الجفاف والجفاف الممتد والأعوام الشحيحة، أو في حال انهيار السد، أو في حال التصرفات المائية غير المنضبطة، وهى الحال التي حدثت في الأسابيع الأخيرة وأصابت السودان ومصر وإن بنسب متفاوتة".
وذكر حليمة أن الولايات المتحدة بما تملكه من علاقات وثيقة مع أطراف الأزمة يمكنها إحداث اختراق كبير وإنهائها حال تدخلها رسمياً، مشيراً إلى أن الأحداث والتطورات التي شهدتها المنطقة سواء في الشرق الأوسط أو القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، تجعلان من مصلحة واشنطن إقرار الأمن والاستقرار بها.
في الاتجاه ذاته، يقول مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير محمد حجازي، إن "دور الوسيط ووجود طرف ثالث جاد وفاعل دائماً ما كان مفيداً ومهماً في حلحلة النزاعات بصورة عامة والصراعات المائية بصورة خاصة"، مؤكداً في حديثه إلينا "حرص القاهرة على استخدام كل الأدوات التي من شأنها تأكيد حماية مصالحها والدفع بالتوصل لاتفاق سواء من خلال الضغط المباشر على الأطراف الإقليمية والدولية أو عبر الوساطة".
وذكر حجازي أن واشنطن قادرة على إحداث اختراق في هذا الأمر في الوقت الراهن، لا سيما بعد أن أثبتت التطورات الأخيرة في شأن أزمة السد، تضرر دولتي المصب من "التصرفات الأحادية لإثيوبيا في إدارة وتشغيل سد النهضة"، موضحاً "شهدنا خلال الفترة الأخيرة تبعات عملية التفريغ الجائر للسد الإثيوبي وبعدما امتلأ السد لمناسبة الافتتاح الرسمي (تم افتتاحه رسمياً في التاسع من سبتمبر ’أيلول‘ الماضي)، إذ قامت أديس أبابا نتيجة عدم تشغيل التوربينات بفتح فتحات السد بما أثر بشكل سيئ للغاية في السودان وأدى إلى غرق مناطق شاسعة به، وهو الأمر الذي عكس ضرورة تأكيد حقيقة أن المياه كمورد مشترك لا يمكن إدارته إلا بشكل مشترك، حتى لا تتعرض دولتا المصب لأخطار بصورة بالغة".
واعتبر حجازي أن "تدخل الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وإدارتها ست جولات تفاوض سابقة شكل رافعة مهمة أسفرت في فبراير (شباط) 2020 عن اتفاق كان من الممكن أن يكون حلاً بالنسبة إلى قضية إدارة ملف الموارد المائية بين البلدان الثلاثة، إلا أن الوفد الإثيوبي لم يأت إلى الحفل الختامي كما كان متفقاً ووقعت مصر بالأحرف الأولى، وظل الموقف منذ ذلك التاريخ معلقاً"، مضيفاً "بعد فشل كثير من محاولات التفاوض توصلت القاهرة إلى قناعة أن إثيوبيا لم تكن تتفاوض بحسن نية للتوصل لاتفاق، وتأكد الأمر بعد انتهاء عملية ملء السد حين لاحظنا سوء إدارة أديس أبابا له وتصريفها المياه من خلال تقديرات غير محسوبة أو منسقة مع دولتي المصب، الأمر الذي يعزز أنه لا بديل لإدارة هذا الملف عن حلول عملية تكفل لمصر الحفاظ على مصالحها المائية التاريخية، وتراعي كذلك في الوقت ذاته حقوق إثيوبيا في التنمية، وهو ما نأمل في أن تدفع باتجاهه الولايات المتحدة"، على حد وصفه.
على مدى أكثر من عقد لم تنجح محطات المفاوضات الممتدة والمحادثات الطويلة وحتى محاولات الوساطات المتعددة أو المبادرات المطروحة في إذابة الخلافات القائمة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا، وتكمن نقاط الخلاف بالأساس بين البلدان الثلاثة، في قواعد الملء والتشغيل، وحجم الأضرار على دولتي المصب، فضلاً عن عملية إدارة السد مستقبلاً، وتأثيره في قدرات مصر والسودان التخزينية للمياه.
هل من اختراق يمكن تحقيقه؟
وأمام تشكك البعض في أن تقود احتمالية عودة دخول واشنطن على خط أزمة سد النهضة إلى اختراق حقيقي، لا سيما في ضوء خبرة التدخل الماضية في عهد الرئيس ترمب ذاته خلال ولايته الأولى، يرد آخرون بأن السياقات الإقليمية والدولية هذه المرة تعزز من فرص النجاح الأميركي في حلحلة الأزمة.
يقول السفير صلاح حليمة، في حديثه معنا "بعكس محاولة تدخل واشنطن للوساطة السابقة، الأمر هذه المرة مختلف بالكلية"، موضحاً "عند النظر إلى السياقات والتوقيت نجد أننا أمام أوضاع في الشرق الأوسط ومنطقة البحر الأحمر تهدد الأمن والاستقرار، وهناك اتجاه أميركي ساعٍ إلى التهدئة ونزع فتيل النزاعات، انطلق من وقف الحرب على غزة وقد يمتد إلى مناطق أخرى في المنطقة".
ومضى حليمة في حديثه قائلاً "بعد وقف الحرب في غزة ترى الولايات المتحدة أنه يتحتم إنهاء النزاعات التي تهدد الأمن والاستقرار في منطقة البحر الأحمر وألا يكون هناك مصادر أخرى للنزاع في تلك المناطق، وانطلاقاً من اعتبار السد الإثيوبي أحد مصادر النزاع وزعزعة الاستقرار في تلك المنطقة فقد تكون هناك رغبة أميركية جادة لإنهاء الأزمة"، مشيراً إلى أن واشنطن تنتهج في الوقت الراهن مساراً لتهدئة الصراعات والنزاعات حول العالم.
وذكر حليمة أنه وعلى رغم التعويل الكبير على الدور الأميركي المحتمل، فإن القاهرة تتحرك في كل الاتجاهات لضمان الحفاظ على أمنها المائي، معتبراً أن هناك ثلاثة مسارات في الحسابات المصرية، الأول يتمثل في الضغط على أديس أبابا لـ"إعادة تقييم حساباتها وموقفها في شأن الأزمة بما يتسق مع القانون الدولي وإعلان المبادئ الموقع بين البلدان الثلاثة"، والثاني "دخول دولة ذات وزن وتأثير على خط الأزمة لدفع الأطراف إلى اتفاق منصف عادل"، فضلاً عن اللجوء إلى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وهي المؤسسة التي لجأت إليها مصر سابقاً للتأكيد أنها "ستدافع عن حقوقها وأمنها المائي بكل الوسائل المشروعة، وهذا يعني أنه يمكن اللجوء إلى الفصلين السادس أو السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والمتعلقين بأهمية التوصل إلى حل سلمي للأزمة أو اللجوء إلى حق الدفاع عن النفس بخاصة أن الخطر الجسيم يهدد الحياة والوجود لشعبي دولتي المصب، ويعد نوعاً من أنواع العدوان الذي يجب صده قبل وقوعه".
وعلى رغم استمرار أزمة سد النهضة منذ عام 2011 فإن انخراط الرئيس ترمب في ولايته الأولى (2017-2020) كان أكثر محاولات الوساطة الدولية قرباً لتحقيق اختراق في الأزمة.
ودخلت واشنطن حينها على خط الأزمة بعدما دعت في نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ولأول مرة، الأطراف الثلاثة إلى الاجتماع في واشنطن بحضور وزير الخزانة الأميركي ورئيس البنك الدولي، وصدر بيان مشترك في ختام الاجتماع بالتوافق على عقد أربعة اجتماعات عاجلة لوزراء مياه مصر والسودان وإثيوبيا بمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي، تنتهي بالتوصل إلى اتفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله خلال شهرين، بحلول منتصف يناير 2020.
وبالفعل عقدت الاجتماعات الأربعة وفق تلك الصيغة في عواصم الدول الثلاث بين نوفمبر 2019 ويناير 2020 لكنها لم تسفر عن شيء، لتتدخل واشنطن مجدداً باستضافة وفود أطراف الأزمة لتقييم نتائج الاجتماعات الأربعة خلال الـ15 من يناير 2020، مما أثمر توافقاً مبدئياً على إعداد خريطة طريق تتضمن ستة بنود، أهمها بالنسبة إلى مصر تنظيم ملء السد خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، وفي نهاية ذلك الشهر جرى الاتفاق على التوقيع على تفاهم في غضون 30 يوماً.
وعلى رغم الوتيرة المتسارعة باتجاه التوصل إلى اتفاق بعد التدخل الأميركي، تراجعت أديس أبابا معلنة عدم مشاركتها في الاجتماعات المقررة لتوقيع الاتفاق النهائي في واشنطن، الذي كان من المنتظر توقيعه بنهاية فبراير 2020، مما دعا مصر إلى توقيع الاتفاق منفردة بالأحرف الأولى.
وخلال أكتوبر 2020، أطلق ترمب تصريحه الأشهر بأن مصر "سوف تفجر السد"، إذ قال خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء السوداني آنذاك عبدالله حمدوك "إن الوضع خطر للغاية، لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة، وسينتهي بهم الأمر بتفجير السد، وقلتها، وأقولها مجدداً وبصوت عالٍ وواضح، سيفجرون ذلك السد، عليهم أن يفعلوا شيئاً ما".
حينها، لم يرد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد مباشرة على حديث ترمب ذلك، لكنه قال في بيان "إن إثيوبيا لن ترضخ لأي عدوان من أي نوع، لم يركع الإثيوبيون يوماً أمام أعدائهم، بل احترموا أصدقاءهم، ولن نفعل ذلك اليوم ولا في المستقبل"، وأضاف أن التهديدات في شأن هذه القضية تعد "مضللة، وغير مجدية، وانتهاكاً واضحاً للقانون الدولي".
وكان لافتاً معاقبة إدارة ترمب الحكومة الإثيوبية على "التعنت" في ملف سد النهضة، خلال سبتمبر 2020، من خلال تعليق مساعدات بقيمة 272 مليون دولار مخصصة لأديس أبابا، لكن الموقف الأميركي انقلب بعد شهر واحد من رحيل ترمب عن البيت الأبيض، فألغت إدارة جو بايدن خلال فبراير 2021 ربط المساعدات الأميركية لإثيوبيا بموقفها من سد النهضة، واكتفت إدارة بايدن على مدى نحو أربعة أعوام بالدعوة إلى حل تفاوضي للأزمة من دون تحرك جدي للضغط على إثيوبيا، وفق مراقبين.