Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

في العراق "مياه مالحة" وحياة بلا طعم

زيادة قياسية بمعدلات الملوحة تجعلها لا تصلح للشرب أو الري وتقضي على مصادر رزق مزارعين

مريم سلمان تعاني هيا وابنتها طفحا جلديا بسبب سوء نوعية المياه في البصرة (أ ف ب)

ملخص

تصريف مياه شط العرب تراجع هذا العام بصورة ملحوظة بسبب تراجع مستوى دجلة والفرات، مما أثر في تقدم مياه الخليج المالحة نحو شط العرب.

في جنوب العراق، تخشى أم علي على مصدر رزقها الأساس بعدما فقدت عدداً من دواجنها، جراء زيادة قياسية بمعدل ملوحة المياه جنوب العراق، مما يجعل المياه غير قابلة للشرب بل حتى لأي استعمال.

في منزلها المتواضع داخل منطقة المسحب شمال محافظة البصرة، تقول الأم لثلاثة أطفال لوكالة الصحافة الفرنسية "وجدت الحلال ميتاً بسبب المياه المالحة، وصرت أبكي قهراً، لأن كل تعبي راح".

وتضيف الأرملة البالغة 40 سنة "في الماضي، كنا نشرب من مياه النهر ونستخدمها للغسل والطبخ، لكنها باتت تؤذينا حالياً"، مشيرة إلى أن نوعية المياه قضت على 40 بطة و15 دجاجة هذا الموسم.

ويشهد العراق واحدة من أكثر أعوامه جفافاً وأسوأ أزمة شح مياه في تاريخه الحديث، جراء قلة المتساقطات وارتفاع درجات الحرارة، إضافة إلى تراجع قياسي في مستوى نهري دجلة والفرات اللذين يرويان المنطقة منذ آلاف الأعوام.

ويلتقي هذان النهران في البصرة حيث يشكلان نهر شط العرب الذي يصب في الخليج العربي، محملين بالتلوث الذي "يراكمانه على طول مقطع جريانهما"، مما يؤدي إلى أن يكون "تركز الملوثات بالمياه والملوحة أعلى من أي مكان آخر في العراق"، بحسب الأستاذ في جامعة الكوفة حسن الخطيب.

يقول الخطيب لوكالة "الصحافة الفرنسية" إن تصريف مياه شط العرب تراجع هذا العام بصورة ملحوظة، بسبب تراجع مستوى دجلة والفرات، مما أثر في تقدم مياه الخليج المالحة نحو شط العرب.

خلال الـ23 من سبتمبر (أيلول) الماضي وصل مستوى الملوحة في مركز محافظة البصرة إلى نحو 29 ألف جزء في المليون مقارنة بـ2600 في المنطقة نفسها خلال اليوم نفسه العام الماضي، بحسب وثيقة حصلت عليها وكالة الصحافة الفرنسية من وزارة الموارد المائية العراقية.

وقال المتحدث باسم الوزارة خالد شمال "لم نشهد مثل هذه المستويات من الملوحة منذ 89 عاماً".

وتحدد هيئة المسح الجيولوجي الأميركية مستوى المياه "المتوسطة الملوحة" بين ثلاثة و10 آلاف جزء في المليون، فيما تعد أن المياه التي تحوي أكثر من 35 ألف جزء في المليون من الملح هي مياه المحيطات.

"لا يمكن سقي الزرع"

تقول المزارعة زليخة هاشم (60 سنة) "هذا العام أصبحت المياه مالحة لدرجة أنه لا يمكن سقي الزرع بها"، متخوفة من تأثير ذلك في خراطيم الري على المدى الطويل بالتالي في استمرارية عملها ضمن مشتل تديره منذ أكثر من 15 عاماً وتزرع فيه التوت والتين والرمان والسدر والمانغا.

وفيما تباع المياه الصالحة للشرب بنحو 10 آلاف دينار (7 دولارات) لكل ألف ليتر في منطقتها، تؤكد هاشم عدم قدرتها على شراء "المياه الحلوة لي وللزرع" في آن معاً.

وتتابع "لا يمكننا أن نهاجر. فإذا قررنا الهجرة، أين نذهب؟".

وتعمل نحو 25 في المئة من النساء داخل محافظة البصرة ومحافظات جنوبية مجاورة في مجال الزراعة، وفق الأمم المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2024، كان نحو 170 ألف شخص نازحين داخل وسط وجنوب العراق بسبب عوامل مناخية وبيئية بينها زيادة ملوحة المياه، وفق المنظمة الدولية للهجرة.

ومن بين هؤلاء مريم سلمان التي نزحت قبل ثلاثة أعوام من محافظة ميسان إلى البصرة بحثاً عن المياه للجواميس التي تربيها مع زوجها والتي تحتاج إلى البقاء في المياه أكثر من 14 ساعة يومياً خلال الصيف ولشرب عشرات الليترات.

وتقول السيدة الثلاثينية "كان الوضع جيداً حين وصلنا هنا، لكن الآن وضع المياه سيئ"، حتى إن طفلتها البالغة ثلاثة أعوام بدأت تعاني طفحاً جلدياً تقول إنه بسبب سوء نوعية المياه.

وشاهدت وكالة "الصحافة الفرنسية" هياكل عظمية لثلاثة جواميس قال سكان محليون إنها قضت قبل نحو شهرين بسبب قلة المياه والملوحة.

"نغضب"

خلال منتصف يوليو (تموز) الماضي، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية لوكالة الأنباء العراقية، إن الحكومة "اتخذت حزمة من الإجراءات الفاعلة للحد من تفاقم أزمة اللسان الملحي في شط العرب، وفي مقدمها زيادة الإطلاقات المائية".

وأكد أن "العراق لا يزال يعاني عجزاً كبيراً في الإيرادات المائية الواردة من دول الجوار"، مشدداً على "أن الجهود مستمرة داخلياً وخارجياً لمعالجة الأزمة".

 

وتندد حكومة بغداد بانتظام بإقامة تركيا وإيران المجاورتين سدوداً على المسطحات المائية التي تتشاركها مع كل منهما، متهمة إياهما بأنهما تقللان بصورة كبيرة من تدفق دجلة والفرات لدى وصولهما إلى الأراضي العراقية.

ويتلقى العراق اليوم أقل من 35 في المئة من الحصة المائية التي يفترض أن تصل إليه من هذين النهرين، وفق السلطات.

ويؤكد الخطيب ضرورة أن "يطالب العراق الدول المجاورة بالمياه"، إضافة إلى الاعتماد على تحلية جزء من مياه شط العرب لتلبية الطلب.

وأطلق رئيس الحكومة محمد شياع السوداني نهاية يوليو الماضي مشروع محطة لتحلية مياه البحر في البصرة بطاقة مليون متر مكعب يومياً.

في قرية أبو ملح، تؤكد حمدية مهدي (52 سنة) أن ملوحة المياه أثرت في عمل زوجها بصيد الأسماك، بالتالي على الأجواء المنزلية بسبب قلة الإمكانات المادية.

وتقول داخل منزلها الذي يفتقر للأثاث، إنها تعاني وبعض من أطفالها وأحفادها حساسية في كل جسمهم "بسبب المياه القذرة والمالحة".

وتتابع "ماذا عسانا أن نقول؟ لا مال لدينا ولا مياه. كلنا نغضب من بعضنا بعضاً بسبب هذا الوضع".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات