Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نهاية أيديولوجية غوارديولا... فما الاتجاه القادم لكرة القدم؟

بعد 15 عاماً من الهيمنة بدأت أفكار الإسباني القائمة على الضغط والاستحواذ التي سيطرت على اللعبة في التفكك لتفسح المجال أمام التحولات السريعة والمواجهات في الكرات الثابتة... فهل هذه لحظة "نهاية التاريخ"؟

بيب غوارديولا المدير الفني لنادي مانشستر سيتي الإنجليزي لكرة القدم (أ ف ب)

ملخص

في ظل تصاعد الالتحامات والكرات الطويلة على حساب المهارة والسيطرة، تشهد كرة القدم تحولاً جذرياً يتحدى هيمنة "اللعبة التموضعية"، ويعيد رسم معالم الأسلوب الأمثل في زمن بلا ضمانات.

في ملاعب تدريب الدوري الإنجليزي الممتاز في الوقت الراهن هناك شكوى بات كثير من اللاعبين يعبرون عنها: لم تعد اللعبة تتمحور أساساً حول المهارة أو السرعة أو حتى التحولات السريعة، كما كانت الحال حتى موسم (2022 - 2023)، بل أصبحت تدور حول "الالتحامات والالتحامات والالتحامات"، كما تذمر مدافع بارز في جلسة خاصة. وهذه واحدة من الأسباب التي جعلت متوسط عدد الرميات الجانبية الطويلة في المباراة يتضاعف من 1.52 في الموسم الماضي إلى 3.03 هذا الموسم، بعدما كان 0.89 فقط في موسم (2020 - 2021)، هذه الطريقة تفرض مزيداً من الالتحامات داخل منطقة الجزاء، مما قد ينتج منه ارتدادات أو ركلات ركنية أو حتى أهداف.

هالاند وغابرييل... صراع يعيد أمجاد المواجهات التقليدية

ومن أفضل الأمثلة على ذلك واحدة من أبرز المواجهات الفردية بين إيرلينغ هالاند وغابرييل، اللذين يحبان الدخول في هذا النوع من الصراع التقليدي بين المهاجم وقلب الدفاع، وهو النمط الذي أعرب أرسين فينغر في 2014 عن أسفه لاختفائه، وقد وصف أحد مسؤولي أرسنال هالاند بأنه "اللاعب المثالي للكرات الطويلة" نظراً إلى قوته البدنية الهائلة.

غوارديولا يتخلى عن مثاليته... ويتبنى خططاً مغايرة

وهكذا سقطت فكرة أن بيب غوارديولا استطاع تطويع النرويجي داخل منظومته التكتيكية، بل إن هالاند كان واحداً من عوامل عدة أجبرت غوارديولا نفسه على التنازل عن بعض من قناعاته، وهو أمر لم يكن من الممكن تصوره في 2009، ففي آخر تعادل (1 - 1) أمام أرسنال اختار غوارديولا عملياً تطبيق خطة إنترناسيونالي تحت قيادة جوزيه مورينيو.

وهنا قد نكون تجاوزنا لحظة "نهاية التاريخ" التكتيكية، لنخلق بدلاً منها حالاً جديدة من عدم اليقين حول مستقبل اللعبة كما تلعب اليوم، وكما أعلن فرانسيس فوكوياما، بشكل شهير، أن سقوط جدار برلين مثل النصر النهائي للديمقراطية الليبرالية، فقد اعتبر صعود غوارديولا مع برشلونة إشارة إلى أن "كرة القدم الشاملة" قد انتصرت بالكامل إلى الأبد، فـ"اللعبة التموضعية" المعاد تفسيرها غيرت كل شيء.

لم يكتمل هذا الغزو التكتيكي إلا عندما غير غوارديولا شكل كرة القدم الإنجليزية أيضاً، ومن بين الإحصاءات الدالة على ذلك، أن وتيرة تنفيذ ضربات المرمى الطويلة كانت تتناقص في كل موسم منذ موسم غوارديولا الأول في (2016 - 2017) إلى أن بدأت ترتفع الآن.

العودة إلى الواقعية بعد أعوام من الهيمنة الكتالونية

بفضل التقدم العلمي وتعقيد الأيديولوجيا ضمنت تلك المقاربة (الكتالونية - الإسبانية) أسلوباً مثالياً وواضحاً للعب على مدى نحو 16 عاماً، وهي فترة طويلة، فإذا لم تسع للسيطرة على الكرة والميدان من خلال الاستحواذ والضغط العالي فأنت على الأرجح ستخسر على المدى الطويل، لقد أصبح هذا الأسلوب هو الممارسة المثلى، بما أن معظم الفرق البطلة كانت تلعب بهذه الطريقة.

لكن بحلول كأس العالم 2022 بدا أن اللعبة قد أصبحت متجانسة تكتيكياً إلى حد مبالغ فيه، وحتى في يونيو (حزيران) الماضي، عبر توماس توخيل عن شعوره بالملل من كثرة الفرق في الدوري الإنجليزي التي تلعب بالأسلوب نفسه، وتبدأ بناء اللعب من جهة الظهير الأيمن،

ومع ذلك كانت أي انحرافات بسيطة عن هذا النهج تبدأ بالفعل بإحداث تأثير غير متناسب، ففوز الأرجنتين بكأس العالم جاء جزئياً نتيجة استعداد ليونيل سكالوني للاعتماد على الإبداع الفردي.

أما الآن فقد انفجرت هذه الانحرافات بصورة واضحة، وقد تجلى تسارع التغيير في سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما لم يستطع توخيل إلا أن يلاحظ كيف أن "الرميات الجانبية الطويلة والكرات الطويلة والعرضيات... كل هذه الأنماط عادت".

لذا فهذا ليس مقالاً آخر عن نهاية مبادئ غوارديولا، بل هو عن المرحلة التي تليها، لأنه إن لم يعد اتباع ما قامت به أفضل الفرق على مدى 16 عاماً هو "أفضل ممارسة" فنحن حقاً أمام عالم جديد كلياً، إذ لم يعد هناك أسلوب مثالي، مما يعني زوال الضمانات التي رافقته.

ويمكن رؤية ذلك في حقيقة أن إنفاق ليفربول لم ينعكس مباشرة في النتائج حتى الآن، مع انتقالهم من أسلوب آرني سلوت المعتمد على "اللعبة التموضعية" إلى تركيز أكبر على الموهبة الفردية، الأمر نفسه ينطبق على أندوني إراولا، الذي حرر لاعبي بورنموث من القيود التكتيكية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد اتجه كثر إلى التركيز على الكرات الثابتة والهجمات المرتدة، وقد لاحظت ندوات رابطة مدربي الدوري (أل أم أي) أن معظم الفرق المتصدرة لجدول الترتيب في دوريات الكرة الإنجليزية باتت تحتل مراكز أدنى بكثير في تصنيفات الاستحواذ مقارنة بأي وقت في الأعوام القليلة الماضية. إن الجمود العقائدي بدأ يفسح المجال للبراغماتية.

ومن المفارقات الدالة على شخصية مدرب مانشستر سيتي أن الرجل نفسه هو من قاد هذا التيار المناهض لمدرسته الفكرية، من خلال انحرافه عن أيديولوجيته أكثر من أي شخص آخر، فلا أحد من تلامذته الكثيرين قد اختار ذلك النهج "المورينيوي"، حتى ميكيل أرتيتا في أكثر لحظاته تركيزاً على الكرات الثابتة لم يفعل ذلك.

ومن سمات غوارديولا كذلك أنه الأكثر حرصاً على شرح هذا التحول، فجزء من هذا التغيير يعود بطبيعة الحال إلى أن كرة القدم أصبحت متجانسة تكتيكياً إلى درجة جعلتها تتوق لأي انحراف أو تجديد، وجزء آخر، كما أشار مدرب السيتي، يعود إلى اتساع جدول دوري الأبطال، مما يجعل من المستحيل على أي فريق كبير أن يتدرب على "اللعبة التموضعية" بما يكفي ليتقنها ويتفوق بها على الآخرين.

فنهج غوارديولا لا يمكن أن يكون فعالاً بالقدر نفسه ما لم يتم ضبطه بأدق التفاصيل، وحين لا يحدث ذلك تظهر الثغرات الهيكلية والانهيارات في الضغط.

ضغط جدول المباريات يفرغ التكتيك من دقته

وقال غوارديولا أخيراً في إشارة إلى تأثير جدول المباريات "اليوم، كرة القدم الحديثة ليست تموضعية، ببساطة لأننا لا نملك اللاعبين... كل الفرق تعاني إصابات كثيرة عندما تلعب كل ثلاثة أيام".

وقد يكون من القصص الرمزية المعبرة عن كرة القدم الحديثة أن يؤدي ازدياد عدد المباريات إلى تراجع جودة الأداء، باستثناء أن كثراً من المتابعين باتوا يرغبون فعلاً في حدوث نوع من التغيير، نوع من العودة إلى السحر الفردي.

وهنا تحديداً قد تكون ساحة المعركة الأيديولوجية المقبلة: بين عشوائية الإبداع غير المدرب وتكرار تمارين الكرات الثابتة أو ربما حتى مزيج من الاثنين.

أرتيتا وتطوير فلسفة السيطرة لتناسب الواقع الجديد

ففي أرسنال، على سبيل المثال، يصر البعض على أن التركيز على الكرات الثابتة ليس انحرافاً عن "اللعبة التموضعية"، بل تطور لها.

ويمثل فريق أرتيتا حالياً انحرافاً عن نتائج بحوث رابطة المدربين، إذ يبلغ متوسط استحواذه على الكرة 57.6 في المئة، فالمدرب الباسكي لا يزال متمسكاً في جوهره بفكرة "التحكم" قبل أي شيء آخر، إنه يفضل "اللعبة التموضعية" لأنه يؤمن بأن السيطرة على المساحات والكرة تمنح الفريق أعلى احتمالية للفوز، وكثيراً ما يتحدث عن "الاحتمالات".

ولنأخذ رد فعل أرتيتا على الموسم الماضي كمثال، فغوارديولا نفسه أشار صراحة إلى معاناة أرسنال من الإصابات في ذلك الحوار، لم يكن بإمكان أرتيتا تطبيق أسلوبه المثالي بسبب الغيابات، لذا عمد ببساطة إلى تقليل تأثير تلك الغيابات، فعمق تشكيلته وأضاف إلى مجموعة نواتية تفهم أيديولوجيته جيداً.

حتى أولئك الذين يسعون إلى الانحراف عن هذا النهج يقرون بأن عناصر جوهرية من فلسفة غوارديولا – كالضغط والتقنية – قد أصبحت مدمجة في بنية اللعبة، وهي لن تزول.

لكن بما أن هذه الأيديولوجيا لم تعد تقدم ضمانات الفوز كما في السابق، فمن المنطقي أن أرتيتا بدأ يفكر في ما هو قادم، فإذا واجه ضغط واستحواذ أرسنال دفاعات متكتلة، وزادت معه الكرات الركنية والرميات الجانبية، فمن المنطقي تماماً أن يتحول التركيز إلى تحسين تنفيذ هذه الكرات، إنها "ميزة تفاضلية" جديدة، ومن هنا جاء التركيز الأكبر على الالتحامات، لكن كلما حدث ذلك أكثر أسهم أكثر في الابتعاد عن الأيديولوجيا الغوارديولية ككل.

ببساطة: لا يمكنك أن تمارس الاستحواذ بالقدر ذاته إذا كنت تتجنب الركلات الركنية القصيرة لمصلحة إرسال كرة عالية نحو المهاجم الطويل.

الاحتمالات هي المفتاح في عالم بلا يقين

ومن المفارقات أن صعود السلطوية والأزمة المالية في 2008 دفعت فرانسيس فوكوياما إلى الاعتراف بخطأ نظريته، على رغم أن المقارنة في سياق كرة القدم قد تبدو تبسيطية، لكن اليوم، في كرة القدم، الجميع يبحث عن "الاحتمالات" في عالم لم يعد يقدم أي ضمانات، وقد تأخذنا اللعبة في مسار لم يتنبأ به أحد بعد.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من رياضة