ملخص
"تبقى فاعلية المبادرة مرهونة بقدرتها على حشد الدعم الشعبي والسياسي الواسع وتحويل هذه الأهداف إلى خطة عمل واقعية في ظل الوضع الحالي".
دفعت أطراف سياسية وشخصيات مستقلة في تونس بمبادرة جديدة تستهدف "إحياء" المشهد السياسي الذي يعرف ركوداً غير مسبوق، في خطوة تثير تساؤلات حول ما إذا كانت تستهدف فعلياً توحيد المعارضة أم أنها إعادة "تدوير للوجوه نفسها" التي أدارت البلاد في وقت سابق أو تصدرت المشهد.
وكان لافتاً بروز القائم بأعمال منصب رئيس الجمهورية السابق، محمد الناصر، الذي ظل متوارياً فترة طويلة، وأيضاً أمين محفوظ وهو أستاذ قانون دستوري، ومشاركة الحزب الدستوري الحر المعارض وحركة "حق" وغيرهم مما أثار جدلاً واسعاً حول الأهداف الكامنة خلف هذه المبادرة.
وأكد الواقفون خلف مبادرة "التزام وطني" أن "الهدف منها هو تنقية المناخ السياسي وإصدار عفو عام عن كل المعتقلين السياسيين وإلغاء النصوص غير الدستورية"، مشيرين إلى ضرورة منع "عودة الاستبداد".
إعادة تدوير
وولدت هذه المبادرة في وقت تشهد فيه تونس انسداداً سياسياً مستمراً منذ إطاحة الرئيس قيس سعيد مجلس النواب والحكومة المدعومة منه برئاسة هشام المشيشي عام 2021.
وقاد الرئيس سعيد منذ ذلك الحين إصلاحات مثيرة للجدل، ولم تكن محل إجماع، فيما أوقف عدد كبير من النشطاء السياسيين ورجال الأعمال، في خطوات نددت بها المعارضة وعدتها "تصفية للحسابات السياسية".
وعلى هامش إطلاق مبادرة "التزام وطني" وجه عدد من قياداتها انتقادات حادة للمسار الذي تعرفه تونس، وسط دعوات إلى درء "التشرذم والانقسام وإرساء منظومة دستورية جديدة".
واعتبر النائب البرلماني السابق، مجدي الكرباعي، أن "هذه المبادرة تمثل إطاراً جديداً أطلقته مجموعة من النشطاء السياسيين والجامعيين وقيادات حزبية سابقة، وتأتي كرد فعل على حال الجمود السياسي والتدهور العام الذي تشهده تونس".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وضمن حديث خاص مع "اندبندنت عربية"، بين الكرباعي أن "من جهة الأهداف المعلنة، تسعى المبادرة إلى تقديم التزام أخلاقي وسياسي وإيجاد أرضية مشتركة للتشارك بهدف الخروج من الأزمة، وأبرز ما يميزها هو التركيز على نقاط محددة، من بينها البعد الدستوري والقانوني، إذ تهدف إلى وضع منظومة جديدة تؤسس لحكم جمهوري مدني يقوم على الفصل بين السلطات ومراجعة القانون الانتخابي، مما يعد تحدياً مباشراً للمسار السياسي الحالي الذي أرساه قيس سعيد"، وأردف "النقطة الثانية هي الحريات، إذ شددت على ضرورة إلغاء النصوص القانونية المقيدة للحريات، وعلى رأسها المرسوم 54 لعام 2022، وكذلك الخلاص الجماعي إذ تطرح المبادرة نفسها كإطار جامع يبتعد عن الاصطفافات الأيديولوجية القديمة ويدعو إلى التلاقي بين مختلف المكونات".
وأشار الكرباعي إلى أنه "مع ذلك تبقى فاعلية المبادرة مرهونة بقدرتها على حشد الدعم الشعبي والسياسي الواسع وتحويل هذه الأهداف إلى خطة عمل واقعية في ظل الوضع الحالي"، وشدد على أن "مشاركة شخصيات من الماضي مثل الرئيس السابق ورئيس البرلمان السابق محمد الناصر في هذه المبادرة تضعها تحت مجهر النقد باعتبارها إعادة تدوير لوجوه سابقة".
خطوة إيجابية
هذه ليست المرة الأولى التي تدفع بها قوى معارضة في تونس بشخصيات "من الماضي" في محاولة لفرض نفسها في المعادلة السياسية، إذ سبق أن أعادت إلى الواجهة الوزير السابق البارز المنذر الزنايدي، في مسعى إلى مزاحمة الرئيس قيس سعيد في انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2024.
وقاطعت معظم أحزاب المعارضة في تونس الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية التي عرفتها البلاد، وأيضاً الاستفتاء الشعبي على الدستور مما كرس قطيعة مع السلطة بقيادة الرئيس سعيد.
ورأى الباحث السياسي التونسي هشام الحاجي أن "كل مبادرة تسعى إلى المساهمة في تقديم تصورات ورؤى وحلول لحال الانسداد السياسي والمؤسساتي التي تعيشها تونس لا يمكن إلا أن تكون خطوة إيجابية".
وقال الحاجي "في اعتقادي، قبول الحزب الدستوري الحر فكرة العمل الجماعي هو في حد ذاته أمر مستجد، وقد يسهم في خلق ديناميكية جديدة، لكن من الضروري التأكيد أن كل مبادرة لا تولد مكتملة، وشخصياً أعتبر أن السيد محمد الناصر لا يمكن أن يقدم الجديد لكن لا يمكن أن نصادر حق كل إنسان في التفكير والتعبير والمشاركة في الحياة السياسية".
وأبرز أن "هذه المبادرة يمكن أن تخلق ديناميكية داخل الأحزاب السياسية تجعلها تتجاوز الصعوبات التي خلقتها حال عدد من قياداتها التي توجد في السجون أو خارج تونس".
منظوران مختلفان
من غير الواضح ما إذا كانت هذه المبادرة ستنجح في ما فشلت فيها سابقاتها، خصوصاً في ظل الجمود السياسي الذي تعرفه تونس مع انحسار دور أحزابها.
ويعتقد الكرباعي أن "تصدر شخصيات سبق أن أسهمت في إدارة المرحلة الانتقالية السابقة يتم تقييمه بمنظورين مختلفين، إذ ترى هذه الشخصيات نفسها أنها تمثل خبرة دستورية وشرعية سابقة، وأن عودتها تهدف إلى إحياء التضامن الوطني والمساهمة في بناء دولة ديمقراطية تضمن العيش الكريم"، وأضاف أنه "في المقابل تفسر هذه العودة على أنها محاولة من الجيل السياسي القديم لإعادة التموقع، مما قد يقلل من جاذبية المبادرة لدى فئة واسعة من التونسيين الذين فقدوا الثقة في الطبقة السياسية ما بعد 2011".