ملخص
مذكرات نيكولا ستورجن تكشف عن جوانب شخصية مؤثرة، لكنها تتجنب المواجهة الصريحة مع القضايا السياسية الكبرى، لتتحول إلى سرد انتقائي يوازن بين الاعترافات الذاتية وتبرير القرارات المثيرة للجدل.
في مقدمة كتابها الذي يحمل عنوان "بصراحة" Frankly، تؤكد نيكولا ستورجن، رئيسة وزراء اسكتلندا السابقة، أنها حاولت تجنب "الغرور وتبرير الذات اللذين يطبعان عادة مذكرات السياسيين". وأفهم تماماً ما تعنيه بذلك، فأنا قبل 10 سنوات اضطررت إلى قراءة ومراجعة كتاب أليكس سالموند، الذي سبقها في شغل المنصب نفسه مرتين، "الحلم لن يموت أبداً" The Dream Shall Never Die، وربما كان أسوأ مذكرات سياسية كتبت على الإطلاق: نص سطحي، متضخم بالأنانية، ومليء بمحاولات التبرئة. صحيح أن "بصراحة" أفضل بكثير، لكنه يظل بعيداً من المثل التي رفعتها ستورجن، وبالنسبة إلى أي شخص تابع مسيرتها السياسية على مدار ثلاثة عقود، يبقى الكتاب مليئاً بالأسئلة التي لم تجد جواباً.
من المهم أولاً الإشارة إلى أن ستورجن كتبت هذا العمل بنفسها، بلا استعانة بكاتب محترف، فقد عرفتها وتعاملت معها منذ عام 1992، وعليه فإنني أميز صوتها في النص، كما أن المحررين لم يكلفوا أنفسهم عناء تصحيح أخطائها النحوية المعتادة.
نجد في صفحات الكتاب المزيج المثالي من الاعترافات المدوية، والاتهامات المذهلة التي يستحيل إثباتها، والذكريات الشخصية المفعمة بالعاطفة، وكلها عناصر كافية ليضمن الناشر استرداد المبلغ الضخم الذي دفعه مقدماً وقدره 300 ألف جنيه استرليني. تكشف ستورجن مثلاً عن أنها انهارت نفسياً تماماً بفعل جائحة كورونا والتحقيق العام الذي تلاها، مما دفعها إلى اللجوء للعلاج النفسي بعد أن أصبحت غير قادرة على السيطرة على نوبات البكاء المفاجئة التي كانت تجتاحها.
تقول ستورجن بعد انهيارها على منصة الشهادة، إن "التحقيق كان القشة التي كادت تقصم ظهر البعير. بالكاد استطعت أن أعمل. بكيت، بصورة متقطعة، لأيام متتالية".
لجأت ستورجن إلى دعم اختصاصي وخضعت لفترة من جلسات الاستشارة النفسية، وتكتب: "لم أشعر يوماً بأنني تائهة بهذا القدر عن أي إدراك عقلاني لهويتي، أو عاجزة تماماً عن عدم الشعور بالثقل في كل جوانب حياتي".
أما استقالتها المفاجئة وغير المبررة من منصب رئاسة الوزراء، التي جاءت بعد أيام قليلة فقط من تصريحها بأنها ما زال لديها "الكثير لتقدمه"، فلم تكن بسبب التحقيقات الجنائية في الملفات المالية للحزب القومي الاسكتلندي، بل نتيجة إرهاق شديد وإدراكها أنها أصبحت شخصية مثيرة لانقسام حاد.
تضيف "وأخيراً، لعبت عملية إعادة تقييم الذات في مرحلة منتصف العمر دوراً. فقد كنت أواجه منذ فترة أعراض انقطاع الطمث، وكان أحد أعمق مخاوفي أن أنسى فجأة كلماتي أثناء إجابتي في جلسات أسئلة رئيس الوزراء. كان قلبي يخفق بعنف كلما وقفت في قاعة البرلمان، وهو أمر مثبط ومرهق".
لكن الاعتراف الذي سيشعل عناوين الصحف الشعبية هو قرار ستورجن مواجهة السؤال المثير للجدل حول ميولها الجنسية، ذلك الموضوع الذي طاوله القيل والقال لسنوات، حتى بلغ الأمر حد إشاعة غريبة على الإنترنت تزعم أنها أقامت "عش حب سحاقي" قرب مدينة ستيرلينغ مع السفيرة الفرنسية السابقة.
تضحك ستورجن من هذه القصة، لكنها تكشف في الوقت ذاته: "العلاقات الطويلة مع الرجال شكلت أكثر من 30 عاماً من حياتي، لكنني لم أنظر يوماً إلى الميول الجنسية، بما في ذلك ميولي، باعتبارها ثنائية". وهي تصر على "استعادة حياة خاصة، وألا تشعر بعد الآن أن هوية من أكون معه في علاقة أمر يخص أي شخص سوى نفسي".
في جوهره، يبدو "بصراحة" وكأنه الحكاية المعروفة لفتاة عادية من الطبقة العاملة، تعلمت كيف ترقص تحت المطر بعدما انتقلت من مسكن اجتماعي في أيرشير لتخطو خطواتها على الساحة العالمية كعملاقة سياسية، بل وتتصدر جلسة تصوير في مجلة "فوغ"، وكل ذلك بينما كانت تخوض صراعاً دائماً مع الرجال. كلمة "كراهية النساء" وردت 16 مرة في فهرس الكتاب، بينما ورد اسم بوريس جونسون 10 مرات.
لكن الكتاب تحركه العيوب ذاتها، الغرور وتبرير الذات، التي قالت ستورجن إنها أرادت تجنبها. هي عيوب لا مفر منها، بل وكأنها جزء أصيل من بنيته. فأي مذكرات سياسية، في النهاية، هي فعل غرور يصدر عن شخص يظن أن العالم مهتم حقاً برأيه. أما بالنسبة إلى تبرير الذات، فهي تدرك أنه لا يمكن الهرب من بعض الملفات: فضيحة الحزب القومي الاسكتلندي المالية، وإدارتها لجائحة كورونا، وقضية أليكس سالموند الجدلية. لكن، في رأيي، ما تقوله حول هذه القضايا لا يرتقي إلى مستوى الصراحة الذي يوحي به عنوان الكتاب.
تعترف ستورجن بوضوح بآلامها الشخصية تجاه سالموند، سلفها في رئاسة الوزراء، الذي كان صديقها ومرشدها لأكثر من عقدين، وتقول إنها ما زالت تستيقظ أحياناً من أحلام تراودها عن تصالحهما. ومع ذلك، يتضح أن فتوراً تسلل إلى علاقتها به قبل وقت طويل من الانفصال الذي فجرته اتهامات التحرش الجنسي ضده.
وفقاً لـ ستورجن، كان سالموند "نادراً ما يشارك" في إعداد الورقة البيضاء حول الاستقلال التي جرى تحضيرها قبل استفتاء عام 2014. فقد دفع سالموند تقييمات الاقتصاديين الحكوميين "إلى حدود الصدقية القصوى"، وتقول إنها "تخلت عنه" عندما قرر القيام برحلة استمرت أسبوعاً إلى الصين قبل أيام قليلة من إطلاق الوثيقة، وأجرى مكالمة هاتفية إلى مكتبها وهو في حالة سكر من مضمار السباق في هابي فالي بهونغ كونغ.
لا تعتذر ستورجن عن دورها في التحقيق الداخلي للحكومة الاسكتلندية في شأن اتهامات التحرش الجنسي ضد سالموند.
سالموند لجأ إلى المحكمة العليا وفاز بتعويض قدره 500 ألف جنيه استرليني، لكن ستورجن تقول إن ذلك كان ببساطة بسبب "خطأ إجرائي". المحكمة وصفت التحقيق بأنه "غير قانوني"، و"غير عادل"، و"يشوبه الخلل"، وهذا وصف لا يستهان به.
الآن، بعد وفاة سالموند، تشعر ستورجن بالحرية للتحدث عنه كما تشاء، ولا تضبط نفسها. فهي تلومه على تسريب تفاصيل التحقيق للصحافة باستخدام ما تصفه بـ"تكتيك المقامر"، بغية صرف الأضواء عن نفسه. وحتى الآن، كانت الشكوك تحوم حول أحد مساعدي ستورجن الذي شوهد في حانة البرلمان يتحدث همساً مع الصحافي الذي نشر القصة، لا شك أنهم يشعرون بالارتياح الآن.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتستذكر ستورجن أيضاً أنه خلال التحقيق في هذه الفوضى: "تمت تبرئتي عبر عملية مستقلة من تهمة... تضليل البرلمان"، لكن تقرير هاميلتون الصادر في مارس 2021 قال فقط إن روايتها "الناقصة للأحداث... على رغم أنها قد تقابل بالريبة وحتى الشك من البعض، إلا أنها ليست مستحيلة"، وعبارة "ليست مستحيلة" لا تعني بالضرورة أنها "صحيحة".
تصر ستورجن على أن "المؤامرة" ضد سالموند كانت "اختلاقاً، من نسج رجل لم يكن مستعداً لمواجهة سلوكه بصدق".
ومع ذلك، يجدر التوضيح أنه تمت تبرئة سالموند من جميع التهم، وأن الأدلة التي أراد تقديمها أمام لجنة التحقيق في هولي رود جرى حظرها من مكتب النيابة العامة قبل نشرها. من وجهة نظر ستورجن، فإن هذه الفوضى لم تكن لها علاقة بها على الإطلاق، وهي نفسها متسامحة تجاه دورها في التعامل مع جائحة كورونا. تسأل قائلة: "هل كان بإمكاننا حماية نزلاء دور الرعاية بصورة أفضل مما فعلنا؟".
والإجابة، بالطبع، نعم. كان بالإمكان، على سبيل المثال، التوقف عن إرسال المرضى المصابين من المستشفيات إلى دور التقاعد، لكن من كان ليتوقع أن إطلاق هذا الفيروس بين كبار السن الضعفاء سيؤدي إلى وفاة الآلاف؟
أما بالنسبة إلى التحقيقات الجنائية حول حسابات الحزب القومي الاسكتلندي، التي شهدت اعتقال ستورجن وتوجيه اتهامات لزوجها السابق، بيتر موريل، فالأفضل الاكتفاء بالصمت. لقد تم توقيت صدور كتاب "بصراحة" بحيث يكون على رفوف المكتبات قبل أن يمثل موريل أمام المحكمة، ومن الواضح أنه سيكون من الخطأ تماماً التعليق على أي أمر قد يؤثر في سير الإجراءات القانونية.
لا بد أن ستورجن تتوق إلى شرح ما دار في ذهنها حين ظهرت فجأة على موقف السيارة أمام بيت أهل زوجها سيارة تخييم قيمتها 110 آلاف جنيه استرليني، وربما تشعر بألم شديد لتكشف عما دار في حديثها حين عثر موريل على 100 ألف جنيه استرليني فائضة عن حاجته استطاع إقراضها للحزب القومي لإسكتلندي، لكنها مجبرة على الصمت. تصف المداهمة عند الفجر حين اقتحم رجال الشرطة المنزل وألقوا القبض على زوجها وهي مستلقية في السرير، والرعب المتزايد عند اعتقال أمين صندوق الحزب، وتقول: "في تلك اللحظة، اندفعت داخلي قوة صلابة لم أكن أعلم بوجودها. وفي اليوم الذي سبق ذهابي إلى مركز الشرطة، أجريت القسم النظري من اختبار القيادة ونجحت فيه".
إنه أمر غريب، تماماً كتبريرها لإنفاق 500 ألف جنيه على قضية خاسرة أمام المحكمة العليا ضد الحكومة البريطانية في محاولة لإجراء استفتاء ثان على الاستقلال. وتقول: "كان الحكم حاسماً، كنت آمل أن تفاجئنا المحكمة بحكم إيجابي، لكنني لم أكن أتوقعه. الوضوح الذي حصلنا عليه كان هو ذاته الذي توقعته، وكان الوضوح الذي اعتقدت أنه ضروري".
نصف مليون جنيه استرليني كانت كافية لشراء أجهزة غسيل كلى، لكنها لم تشتر. لا بأس، في الأقل حصلنا على "الوضوح".
كما تقول نيكولا ستورجن "في النهاية، على القادة أن يقودوا، أن يختاروا جانباً ثم يوضحوا الأسباب التي دفعتهم إلى هذا الاختيار". حتى لو جاؤوا بالأسباب لاحقاً، بعد وقت طويل. نعم، هذا الكتاب سيحقق مبيعات ويستمر في البيع. فالجمهور نفسه الذي اشترى كتاب سالموند سيشتري هذا الكتاب أيضاً، لكنني أشك أن أحدهم سيعيد قراءته مرتين.
© The Independent