Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حافظ الشيرازي... شاعر الغزل المعادي للرياء والنفاق

بعد نحو سبعة قرون من زمانه لا تزال ملامح المجتمع الإيراني معاصرة لما وصفه

طابع بريدي للاتحاد السوفياتي بالذكرى الـ 650 لميلاد الشاعر الفارسي (ويكيبيديا)

ملخص

بعد نحو سبعة قرون من زمن حافظ، لا تزال ملامح المجتمع الإيراني معاصرة لما وصفه في شعره، فبدلاً من أن ينحسر التدين المزيف، ازداد حضور المحتسب القامع والصوفي المخادع والزاهد المتعالي والشيخ الظاهري والمنبر الملوث بالتزوير، فيما يتفشى الكذب والعقاب والفسق، ولهذا يلجأ كثر من الإيرانيين اليوم إلى أشعار حافظ في توصيف واقعهم.

يصادف يوم الـ12 من أكتوبر (تشرين الأول) مناسبة للاحتفاء بالشاعر الإيراني حافظ الشيرازي، الشاعر الذي وجه سهام نقده الحادة إلى المتشددين دينياً، فهاجم الزاهد المتظاهر، ولام الصوفي المخادع، وسخر من المحتسب، وتحدث عن "قطة الزاهد التي تصلي"، محذراً من زمن يسوده الرياء والتعزير، حيث الوعاظ يرتكبون في الخفاء ما ينهون عنه في العلن.

شاعر الغزل من شيراز ربما لم يتخيل أن قصائده ستبقى، بعد نحو سبعة قرون، من أبلغ ما يصف أحوال إيران اليوم، بخاصة عندما ينتقد المنافق، والمحتسب الفاسق، والزاهد الأناني، والصوفي المحتال.

حافظ: في مجلس، بارع في شرب الخمر، وفي محفل آخر، رجل حكمة

ولد شمس ‌الدین محمد حافظ الشيرازي عام 1327 في مدينة شيراز، التي كانت آنذاك مركزاً للفكر والأدب الفارسي، قضى أعوام طفولته في تعلم القرآن والعلوم الدينية، وتمكن من حفظ القرآن كاملاً برواياته الـ14.

نشأ حافظ في مجتمع كان يضج بالنفاق الديني والرياء والادعاء بالزهد والفسق والكذب، مما جعله يتألم من واقع يعج بالمتظاهرين بالتقوى، فجاء ديوانه الشعري بمثابة مواجهة مستمرة مع أولئك الذين يأمرون بالتوبة ولا يأتونها، ويقيمون حدود الورع ظاهراً ويهدرونها في السر.

الوعاظ الذين يظهرون التدين على المحراب والمنبر

تكشف حتى نظرة عابرة إلى ديوان حافظ أن تركيز هذا الشاعر الشيرازي في غزلياته انصب على نقد التدين المزيف، والرياء والكذب والتزوير. ففي شعره يصور الوعاظ الذين يقدمون أنفسهم كحماة للدين على أنهم ملوثون بالفساد، بينما الزاهد المتكبر ظاهر التدين لا يشغل نفسه إلا بالكلام الفارغ، وتبقى أسرار الكون محجوبة عنه لأنه لم يفتح بصيرته.

شاعر الغزل من شيراز يصعد من لهجة نقده في مواضع أخرى، ويقول بصراحة إن التجربة تكشف من يمارس الغش وتفضحه، كما يسخر من استخدام الدين والقرآن لتحقيق مآرب دنيوية.

في البيت الشعري "الصوفي نصب فخاً وكشفت خدعته... ومارس المكر مع السماء بمهارة محكمة"، والمقصود هنا بالصوفي هو الريائي الذي يرتدي نقاب التدين، والذي بلغ في المكر والخداع درجة جعلته يؤسس مكراً مع السماء نفسها، وفي موضع آخر يقول حافظ "... كم من رداء يستحق الحرق"، وفي كل أبياته، يحذر حافظ من انتشار التدين المزيف وارتقاء المرائين المتخفين في زي الدين إلى مواقع السلطة، ويضع في شعره شخصية يطلق عليها بالفارسية "رند" أي الذكي الفطن، في مواجهة هؤلاء.

وتم تأليف مئات الكتب والمقالات حول نقد حافظ للشيخ والمحتسب والزاهد والصوفي، إضافة إلى التزوير والكذب في شعره، ومن بين أهم هذه الأعمال كتاب "في زقاق الحاذقين" لعبدالحسين زرین ‌کوب (أديب ومؤرخ إيراني).

يرى زرین ‌کوب في هذا الكتاب أن الصراع الأساس في عالم حافظ يتمثل بين الزاهد المرائي والذكي الفطن، ويصنف شخصيات مثل الشيخ والمحتسب والفقیه والصوفي، غالباً، كجزء من فئة الزهاد المرائين.

ويؤكد زرین ‌کوب أن حافظ لم ينتقد الدين أو التصوف بحد ذاته، بل انتقد أولئك الذين استغلوا الدين والتصوف كوسيلة لمصالحهم الشخصية، قائلاً إن "ما يثير غضب حافظ ليس الزهد، بل التظاهر به، حافظ لا ينسجم مع الشيخ والزاهد اللذين يعيشان على الدين ويجعلان رداءهما فخاً للتزوير".

وفي وصفه لكل من هؤلاء في شعر حافظ، يكتب زرین ‌کوب أن "الشيخ في نظره رجل لا يفكر إلا في مصلحته الشخصية، والدين والأخلاق مجرد أدوات لتحقيق أغراضه. ومن هنا تظهر شخصيات الشيخ والزاهد والمفتي والفقیه في ديوانه بصورة مكروهة ومرائية. حافظ يرفض هذا الزهد المرائي المنتشر في كل مكان، ويستهزئ به بسخرية، قائلاً: قلبي اشتاق إلى دير المجانين والخمر الصافي، فلم أعد أطيق الأديرة وعباءة المنافقين".

وفي نظر حافظ، يمثل المحتسب السلطة الحاكمة التي تسعى بالقوة إلى إجبار الناس على دخول الجنة، بينما هو نفسه غير بريء من الفساد، إذ يصف عبدالحسين زرین‌ کوب هذا التناقض قائلاً إن "المحتسب في شعر حافظ هو حارس الشريعة، ولكن شريعة أصبحت مجرد هيئة ظاهرة فارغة من الروح والمعنى. عمله هو منع الناس من الملذات الحلال والطبيعية، بينما هو وطبقة من حوله منتظمون في أفعال أسوأ في الخفاء. حافظ لا يتحمل هذا التناقض، أما الذكي الفطن في شعره فيفصل نفسه عن المحتسب ولا يعترف بأمره لأنه يراه فاقداً للكفاءة الأخلاقية، في الحقيقة، الصراع مع المحتسب هو صراع مع قانون مراءٍ يطبق فقط على الضعفاء".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يا صوفي... تعال لنخلع رداء النفاق

في بيته الشعري القائل "بالله عليك، لا تجالس مرتدي العباءة الرثة (المتصوفة المرائين)، ولا تحجب وجهك عن الأذكياء التائهين"، يوجه حافظ تحذيراً واضحاً من مصاحبة من يرتدون العباءة الرثة ويدعون الزهد، مشيراً إلى أن الابتعاد عنهم والاقتراب من الذكي الفطن (تلك الشخصية المتمردة على الزيف الديني) هو الطريق نحو النور.

حافظ كان في صدام واضح مع الصوفيين الذين حولوا التصوف إلى وسيلة للنفوذ والشهرة وخداع الناس. ويكتب عبدالحسين زرین‌ کوب أن حافظ يرى في "الرداء الرث للمتصوفين" (الذي كان من المفترض أن يكون رمزاً للفقر والزهد) مجرد فخ للتزوير ودكاناً للمكر. فالصوفي في ديوان حافظ، هو من يدعي الفقر والزهد ظاهراً، لكنه في داخله طماع دنيوي، ولهذا يرمز حافظ إلى إبطال قداسته الكاذبة بتدنيس خرقته بالخمر الصافي.

وهذا الصوفي، ليس هو العارف المحب الذي يمدحه حافظ، بل مجرد ممثل، ويأتي "الذكي الفطن" في مواجهة مباشرة لهذا النفاق المتصوف.

ويذهب الباحث الإيراني إحسان يارشاطر بالقول إن حافظ سعى، كرد فعل على زمنه، إلى فضح رياء من نصبوا أنفسهم أوصياء على الدين وقضاة وأمثلة للأخلاق. ويرى يارشاطر أن حافظ عمد، لكشف زيف هؤلاء، إلى رفع مكانة الفئات المهمشة في المجتمع وجعلهم معياراً للتقوى، بل ووضعهم في مرتبة الشيوخ المتصوفة المقدسين.

وبعد نحو سبعة قرون من زمن حافظ لا تزال ملامح المجتمع الإيراني معاصرة لما وصفه في شعره، فبدلاً من أن ينحسر التدين المزيف ازداد حضور المحتسب القامع والصوفي المخادع والزاهد المتعالي والشيخ الظاهري والمنبر الملوث بالتزوير، فيما يتفشى الكذب والعقاب والفسق، ولهذا يلجأ كثر من الإيرانيين اليوم إلى أشعار حافظ في توصيف واقعهم.

نقلاً عن "اندبندنت فارسية"

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة