ملخص
دان رئيس الجمهورية جوزاف عون "الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت بلدات عدة في الجنوب وطاولت منشآت مدنية"، معتبراً أن "العدوان الإسرائيلي المتكرر يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي واستهداف الاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة".
لم تمض ساعات قليلة على ما تداولته وسائل إعلام لبنانية نقلاً عن مصادر دبلوماسية عن أن "الرئاسة الأولى اللبنانية تلقت رسالة تدعو إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل"، مضيفة أن "رئيس الجمهورية جوزاف عون رفض التفاوض المباشر مقترحاً مفاوضات غير مباشرة وهو ما لم يلق ترحيباً في واشنطن"، حتى شنت إسرائيل سلسلة غارات على لبنان تنقلت بين البقاع (شرق) ومناطق عدة في الجنوب بين أقضية صيدا والنبطية ومرجعيون، كانت أشدها غارات تدميرية متتالية على منشآت معمارية قريبة من الساحل الجنوبي، مما اعتبرها محللون سياسيون رسائل ضغط لجر لبنان إلى تفاوض مباشر تحت النار الإسرائيلية، فيما أعادت هذه الغارات بقسوتها مشاهد الحرب ورعبها إلى الأذهان، ولا سيما في الجنوب اللبناني
أيضاً المنشآت المعمارية
وعلى نحو كل مرة تستهدف فيها المقاتلات الإسرائيلية منشآت معمارية ومنها جرافات وحفارات ومجابل أسمنت ومعامل لإنتاج مواد البناء، سارعت إسرائيل إلى الإعلان عن استهدافها منشآت قالت إنها تستخدم من قبل "حزب الله" لترميم بنيته التحتية، ونقلت القناة الـ12 الإسرائيلية خبراً عاجلاً بعد غارات المساء على المنطقة الواقعة بين أنصار وسيناي (النبطية) القريبتين من الساحل "أن الغارات في لبنان طاولت مصنع أسمنت يستخدم من قبل ’حزب الله‘ لترميم بنيته التحتية".
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إن "الغارات في منطقة مزرعة سيناي في جنوب لبنان استهدفت بنى تحتية استخدمها ’حزب الله‘ في محاولاته لإعادة إعمار قوته العسكرية"، وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي هاجم بنى تحتية لـ’حزب الله‘ في منطقة مزرعة سيناي في جنوب لبنان استخدمت في محاولات إعادة إعماره، حيث تم استهداف مقلع استخدمه الحزب لإنتاج الأسمنت بهدف إعادة بناء وتعمير منشآت وبنى تحتية تم استهدافها وتدميرها خلال حرب السيوف الحديدية، بخاصة خلال عملية سهام الشمال. هذه البنية التحتية مكنت محاولات ’حزب الله‘ لإعادة الإعمار بغطاء مدني"، وأفاد بأنه "استهدف هدفاً تابعاً لجمعية ’أخضر بلا حدود‘، استخدمه ’حزب الله‘ لإخفاء أعمال إعادة تعمير بنى تحتية للتنظيم في جنوب لبنان تحت غطاء مدني مزعوم. وسبق أن كشف النقاب عام 2018 أن جمعية ’أخضر بلا حدود‘ تعمل بغطاء مدني لإخفاء وجود ’حزب الله‘ في منطقة السياج مع إسرائيل"، وتابع "نعمل ضد ’حزب الله‘ والمقاولين والمهندسين ورجال الأعمال والعناصر المحلية التي تفضل الأرباح الشخصية من صفقات بتمويل إيراني على حساب سكان الجنوب. في الأسبوع الماضي شن جيش الدفاع غارة على منطقة المصيلح ضد آليات هندسية لشركة بملكية عائلة طباجة التي فرضت على أبنائها عقوبات أميركية بسبب دعمها الاقتصادي لـ’حزب الله‘".
الأعنف منذ اتفاق وقف إطلاق النار... سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان والجيش الإسرائيلي يقول إنه استهدف بنى تحتية لحزب الله#نكمن_في_التفاصيل pic.twitter.com/pj1tgaPzNo
— Independent عربية (@IndyArabia) October 16, 2025
حزام ناري متنقل
وتنقلت، الخميس، الاستهدافات والغارات الإسرائيلية بين جنوب نهر الليطاني الخاضع لحيثيات القرار الأممي 1701 وشماله وصولاً إلى بلدة شمسطار غرب بعلبك (البقاع الشرقي)، وأسفرت عن مقتل شخص في شمسطار وإصابة آخر في بنعفول قرب صيدا، وستة آخرين في غارات أنصار، وتسببت في أضرار واسعة في المنشآت المدنية، لكن أعنف هذه الغارات كانت مع ساعات المساء الأولى، حين نفذت مقاتلات حربية إسرائيلية سلسلة غارات قرب أنصار، تداول ناشطون، على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها بلغت 15 غارة متتالية بعدما التقطوا صوراً وفيديوهات للكتل النارية الضخمة التي كانت تومض من انفجار القنابل الضخمة التي ألقيت على المواقع المستهدفة ووصل دوي انفجاراتها إلى مسافة أكثر من 30 كيلومتراً.
وتعتبر هذه الغارات بمثابة حزام ناري تواظب إسرائيل على اعتماده أسلوباً هجومياً تدميرياً من الجو منذ إعلان حربها على "حزب الله" ولبنان، ويتمثل بتنفيذ سلسلة غارات سريعة وبعشرات الصواريخ الثقيلة على موقع محدد، لكنه كان الأعنف، أمس، بعد أربعة أحزمة نارية كررتها المقاتلات الحربية الإسرائيلية، منذ قرار وقف إطلاق النار، على الأطراف الشرقية لمدينة النبطية في منطقة "علي الطاهر" (وهو مقام ديني) في الثامن من مايو (أيار) الماضي، والـ27 من يونيو (حزيران)، ثم خلال الـ31 من أغسطس (آب) الماضي، والثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري.
ونقلت الصور مشاهد لانفجارات شبه بركانية سرعان ما تتحول إلى كتل نارية دائرية تترافق مع دوي كبير، وقدر متابعون عسكريون أن الطائرات استخدمت في غاراتها صواريخ ثقيلة تزن مئات الكيلوغرامات ذات قوة تدميرية وزلزالية، استخدمتها إسرائيل سابقاً في عملية تدمير الأنفاق خلال حرب الـ66 يوماً بين الـ23 من سبتمبر (أيلول) عام 2024 والـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) تاريخ قرار وقف إطلاق النار برعاية أميركية - فرنسية، وكذلك في حرب العامين التي بدأت في الثامن من أكتوبر عام 2023 بعد حرب "إسناد غزة" التي أعلنها "حزب الله" ولم تنته حتى اليوم من الجانب الإسرائيلي على رغم قرار وقف إطلاق النار، وأفيد بأن الغارات دمرت، بصورة كاملة، المنشآت المعمارية المنتشرة في المنطقة من مباني الإدارة إلى الكسارة ومجبل الباطون ومجبل الزفت في قرية سيناي ومزرعة بصفور القريبة منها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لماذا "أخضر بلا حدود"؟
وزارة الخزانة الأميركية كانت أعلنت خلال الـ16 من أغسطس 2023 فرض عقوبات على منظمة "أخضر بلا حدود" ورئيسها زهير صبحي نحلة "بشبهة دعم حزب الله اللبناني". وقالت الوزارة آنذاك "إن الجمعية تعمل غطاء لأنشطة ’حزب الله‘ على طول الخط الأزرق، إذ لدى المنظمة مواقع يديرها أعضاؤها في عشرات النقاط"، وأضافت الخارجية الأميركية آنذاك في بيان "الجمعية التي يتمثل هدفها المعلن بالحفاظ على المساحات الطبيعية وزراعة الأشجار تشكل في الواقع غطاء لأنشطة ’حزب الله‘ على طول الخط الأزرق، إذ لدى الجمعية مواقع يديرها أعضاؤها في عشرات النقاط"، وذكر البيان أن "هذه المواقع هي غطاء لمخازن تحت الأرض وأنفاق يخزن فيها ’حزب الله‘ ذخائر، ويستخدم الحزب هذه المواقع كذلك لتدريب عناصره على الأسلحة وتسيير دوريات"، وتابعت أنه "منذ عام 2013 (تاريخ إنشاء الجمعية)، استخدمت ’أخضر بلا حدود‘ مواردها لدعم أنشطة ’حزب الله‘، وقد ارتبطت رسمياً بشركة البناء التابعة له، والتعاون بين ’حزب الله‘ والجمعية وثقته الصحافة على نطاق واسع، بخاصة وسائل الإعلام الرسمية التابعة للحزب". وشملت العقوبات رئيس الجمعية زهير صبحي نحلة الذي قالت الخارجية الأميركية إنه "اعترف بأن دور جمعيته غير الحكومية هو توفير جدار لحماية ’حزب الله‘، وأقر، مرات عدة، بانتمائه هو وجمعية ’أخضر بلا حدود‘ إلى الحزب".
وتنص العقوبات، بصورة أساس، على تجميد أصول الجمعية ورئيسها في الولايات المتحدة، إضافة إلى منع أي مواطن أو كيان أميركي من إجراء تبادلات تجارية معهما.
وكانت إسرائيل قد وجهت اتهامات لجمعية "أخضر بلا حدود"، منذ أعوام عدة، بدعوى ارتباطها بالحزب، واتهم الجيش الإسرائيلي الحزب بإقامة نقاط مراقبة تحت غطاء أنشطة بيئية قائلاً "إن جمعية ’أخضر بلا حدود‘ ليست هنا لزراعة الأشجار، بل هي واجهة للحزب"، لكن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان "يونيفيل" نفت عام 2017 هذه الاتهامات، مؤكدة أن جمعية "أخضر بلا حدود" زرعت بالفعل أشجاراً في المنطقة.
إدانة لبنانية
ودان رئيس الجمهورية جوزاف عون "الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت بلدات عدة في الجنوب وطاولت منشآت مدنية"، معتبراً أن "العدوان الإسرائيلي المتكرر يأتي ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى تدمير البنى الإنتاجية وعرقلة التعافي الاقتصادي واستهداف الاستقرار الوطني تحت ذرائع أمنية زائفة"، وقال "إن هذا السلوك التصعيدي يشكل خرقاً جسيماً للقرار 1701 وللاتفاق على وقف الأعمال العدائية لعام 2024، ويؤكد أن إسرائيل تواصل انتهاك التزاماتها الدولية واستخدام القوة خارج أي إطار شرعي أو تفويض دولي مما يفرض موقفاً دولياً يضع حداً لهذه الانتهاكات المدانة".
استهداف قطاع البناء
لم تكن غارات أمس هي الأولى التي تستهدف منشآت معمارية أو آليات حفر وجرف وشاحنات نقل لإزالة ركام الدمار الضخم الذي أصاب مناطق واسعة في جنوب لبنان، وتحديداً في بلدات وقرى الحافة الأمامية التي تجاوزت نسبة الدمار فيها الـ70 في المئة، وكذلك مدن وقرى النبطية وصور وصيدا ومرجعيون وبنت جبيل، إلى البقاع وبعلبك وضاحية بيروت الجنوبية، منها سلسلة غارات (12 غارة) فجر السبت الماضي، على 10 معارض لبيع آليات البناء والتعمير في منطقة المصيلح (الزهراني - صيدا) على مسافة 200 متر من دارة رئيس مجلس النواب نبيه بري، وأدت إلى تدمير نحو 300 جرافة وحفار وآلية، وسقوط قتيل سوري خلال عبوره بسيارته على الطريق العام التي قطعتها الغارات مدة من الوقت.
سبق هذه الغارات هجوم جوي عنيف شنته المقاتلات الإسرائيلية، في الثالث من سبتمبر الماضي، استهدف بلدتي أنصارية وعدلون الساحليتين قرب الزهراني (صيدا)، واستهدف ورشة لإصلاح الآليات الثقيلة والسيارات في بلدة أنصارية، ومستودعاً لبطاريات الشاحنات والآليات الكبيرة مما أسفر عن أضرار مادية ضخمة وصلت إلى عدد من المنازل.
تقع هذه الغارات التدميرية التي تستهدف كل ما له علاقة بقطاع البناء جنوباً، شمال نهر الليطاني وعلى مسافة تراوح ما بين 20 و30 كيلومتراً، أما جنوب نهر الليطاني فقد دمرت إسرائيل، بواسطة الطائرات الحربية والمسيرة، معظم الآليات والجرافات والحفارات التي كانت تعمل على إزالة الركام في القرى الحدودية ومنعت محاولات السكان في إعادة التعمير أو العودة إلى قراهم.
ضغط للجلوس على طاولة المفاوضات
ويقرأ معظم المحللين السياسيين والعسكريين ما تقوم به إسرائيل بأنه "رسائل واضحة تهدف إلى منع البناء وإعادة التعمير ليس في جنوب الليطاني وحسب، بل وفي شماله، وهو أمر بالغ الخطورة، ويزيد من الضغط على الدولة اللبنانية في عملية إعادة النازحين إلى قراهم وتعمير ما تهدم، وجرها إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل" بحسب العميد المتقاعد في الجيش اللبناني حسن بشروش، الذي شغل موقع رئيس الفريق اللبناني لترسيم الحدود ورئيس اللجنة الثلاثية التقنية لترسيم الحدود بين عامي 2006 و2017. وقال العميد بشروش "ما تكرره إسرائيل، أخيراً، أنها تستهدف المصالح الاقتصادية في جنوب لبنان، ثم تدعي أنها تدمر البنية التحتية لـ’حزب الله‘، وهو نوع من الضغط العسكري يهدف لجر لبنان إلى المفاوضات، تماماً مثلما فعلوا بغزة وحماس، مع العلم أن لبنان و’حزب الله‘ تحديداً يلتزمان اتفاقية وقف إطلاق النار الذي رعته الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا منذ الـ27 من نوفمبر الماضي. إن إسرائيل تركض نحو الأمام وتقوم بما يحلو لها ولا أحد يمنعها أو يضع حداً لها، ربما يحتاج الأمر إلى قرار من رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، لكن ليس قبل إلزام لبنان توقيع اتفاق مع العدو الإسرائيلي، إنه ضغط عسكري في سبيل هدف سياسي يجر لبنان إلى المفاوضات".
أضاف العميد بشروش "سيستمر الضغط الأميركي السياسي والإسرائيلي العسكري على لبنان للجلوس إلى طاولة المفاوضات، وهذا الأمر يحضر للمنطقة برمتها، وترمب بالذات هو الذي يسمح لإسرائيل بكل ما تقوم به من خرق لاتفاق وقف النار مع لبنان، مثلما سمح لها بما كانت تفعله بغزة في سبيل تنفيذ الأجندة التي يسعيان إليها"، أما غاية استهداف المنشآت المعمارية والبنائية فأشار العميد بشرور إلى أنه "قرار واضح بمنع إعادة التعمير ومنع الدولة اللبنانية من الولوج في هذا الأمر على نحو ما جرى بعد حرب يوليو (تموز) 2006، إذ في اليوم التالي لوقف إطلاق النار أخذت الدولة قراراً بصرف الاعتمادات اللازمة لإعادة التعمير وجرى ذلك في زمن قياسي. كل الجبالات والحفارات والكسارات والجرافات التي كانت تنتشر من جسر الزهراني وصعوداً نحو المصيلح، جرى تدميرها، وقبلها في أنصارية وعدلون، يضاف إليها ما جرى أمس، وهنا وهناك، والادعاء الإسرائيلي جائر وجاهز: كشفنا موقعاً تحت الأرض أو بحجة ضرب البنية التحتية لـ’حزب الله‘، إن ما تقوم به إسرائيل هو تدمير ممنهج للاقتصاد الجنوبي وللحياة برمتها وخرق واضح للقرار الأممي 1701 ولكل الاتفاقات المبرمة". ورأى بشروش "أن الغموض الذي يكتنف اتفاق نوفمبر العام الماضي القاضي بوقف إطلاق النار والتعديات والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة هو الذي يشجع إسرائيل على التمادي في غيها، وضرب المصالح اللبنانية تحت عناوين كاذبة، فيما لا أحد يستنكر فعلها أو يحاسبها على رغم الشكاوى المتعددة للدولة اللبنانية تجاه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة. حتى في قمة شرم الشيخ لم يؤت على ذكر لبنان وما يجري على أرضه، سوى ما قاله الرئيس ترمب في الكنيست الإسرائيلي من أنه يريد لبنان من دون إرهاب مما يبرر لإسرائيل ضرب لبنان تحت عنوان القضاء على الإرهاب، كل ذلك يهدف إلى تمديد الأزمات والضغط حيث أمكن كي تجر إيران أخيراً إلى المفاوضات ولضرب محور الممانعة".