ملخص
يواصل الجيش و"الدعم السريع" استنفارهما بإقليم كردفان، من خلال حشد قواتهما وعتادهما بانتظار المعارك الفاصلة، كما يتوقع المراقبون، باعتبار أن السيطرة على هذا الإقليم تعني سهولة التحكم بإقليم دارفور.
في وقت أصبحت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور نقطة ساخنة لقتال شرس بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، أفادت مصادر عسكرية بتواصل المعارك في عدد من الجبهات والمحاور داخل المدينة، إذ كثفت "الدعم السريع" قصفها المدفعي مستهدفة مقر الفرقة السادسة - مشاة وعدداً من الأحياء السكنية، بينما استهدف الجيش بمدفعيته الثقيلة وطيرانه المسير مواقع وارتكازات الأخيرة في الجزء الشرقي من المدينة. وأشارت المصادر إلى أن الجيش والقوات المساندة له تمكنوا من صد عمليات تسلل لـ"الدعم السريع" في مواقع يسيطر عليها الجيش، في حين أكدت الفرقة السادسة - مشاة مقتل عشرات من أفراد "الدعم السريع" في معارك دارت في المحورين الشمالي والجنوبي من المدينة، مبينة أن الأوضاع تحت السيطرة على رغم القصف المدفعي العنيف، ولفتت الفرقة في بيان إلى أن "الدعم السريع" تقوم بعمليات نهب واختطاف مدنيين ومطالبة ذويهم بفدية لإطلاقهم أو قتلهم. وكثفت الجماعة، في الأسابيع الماضية، قصفها دور الإيواء ومخيمات النازحين التي يقطنها عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين.
موت بطيء
في الأثناء أوضحت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر أن الأوضاع الإنسانية في المدينة بلغت مرحلة كارثية وغير مسبوقة، بعد نفاد المواد الغذائية الأساسية، واضطرار السكان إلى تناول جلود الأبقار للبقاء على قيد الحياة. وقالت التنسيقية، في بيان على "فيسبوك"، "حتى الأمباز، وهو عبارة عن مخلفات طحن الفول السوداني التي تستخدم عادة كطعام للحيوانات، بات نادراً ويصعب الحصول عليه"، وأفاد البيان بأن "ما يجري ليس مجرد جوع، بل موت بطيء ومتعمد تحت حصار تفرضه الدعم السريع منذ أشهر".
وتشهد مدينة الفاشر حصاراً خانقاً تفرضه "الدعم السريع" منذ مايو (أيار) عام 2024، مما أدى إلى انقطاع الإمدادات الغذائية والدوائية والوقود، وتدهور الوضع الصحي والمعيشي للسكان الذين يقدر عددهم بمئات الآلاف، بينهم نازحون من مناطق أخرى في الإقليم. وحذرت التنسيقية من أن استمرار الحصار "ينذر بكارثة إنسانية شاملة"، مطالبة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بـ"التحرك العاجل لإنقاذ المدنيين وفتح ممرات إنسانية آمنة لإدخال الغذاء والدواء".
وبحسب مواطنين، فإن محاولات تهريب المواد الغذائية إلى المدينة أصبحت تتم بصورة انتحارية من منطقة طويلة، لكنها توقفت تماماً بسبب الحصار، وطالب هؤلاء المواطنون بضرورة تدخل الحكومة السودانية عبر عملية إسقاط جوي عاجلة لإنقاذ آلاف المدنيين من الموت.
تقديرات دقيقة
تعليقاً على مجريات القتال الدائر في الفاشر، قال قائد سلاح الإشارة السابق في السودان الفريق ركن المعز العتباني "القتال والمعارك أمر معقد للغاية تتدخل فيه عوامل كثيرة جداً، لذلك هناك تقدير موقف عملياتي لكل عملية تناقش فيها الظروف والعوامل، كما أن توازن القوة عامل مهم جداً، وإذا أردت النصر يجب أن تضاعف قواتك موضع الهجوم مع تقديرات دقيقة لكميات الذخائر والمؤن، فالجيوش تمشي على بطونها، ولا تستطيع الانتصار وهي تنقصها ذخائر أو جنودها جوعى ومرضى"، وتابع "دارفور حاضنة لكل القبائل التي جرى استقطابها بواسطة الدعم السريع التي تمتلك المال والذهب أكثر من الدولة نفسها، فأصبح التجنيد فيها مرغوباً لدى شباب القبائل على رغم وجود أفراد منها في الجيش، لذلك تمكنت من الضغط على فرق المشاة الموجودة في ولايات دارفور الخمس والسيطرة على مدن الجنينة وزالنجي والضعين ونيالا"، وأضاف العتباني "بقيت الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور تحت سيطرة الجيش، ودخلتها قوات منسحبة من فرق المشاة الأربع، لذلك استطاعت الفرقة السادسة - مشاة أن تصمد نحو عامين، ونسبة إلى تقديرات تعادل القوة فإن فك حصار الفاشر لن يتم إلا بقوات تزحف من جنوب كردفان لشمال دارفور، ثم تنطلق لتحرير بقية الولايات، وهذا الأمر يحتاج إلى قوات تقدر بثلاثة أضعاف قوات الدعم السريع الموجودة في دارفور بخاصة حول الفاشر"، ولفت إلى أنه "إلى ذلك الحين، سيستمر الإسقاط الجوي للفاشر بالذخائر والمؤن والدواء حتى تستطيع القوات القادمة من كردفان الوصول إلى الفاشر في موازاة استمرار إضعاف الدعم السريع باستخدام الضربات الجوية، ومحاولة قطع الدعم الذى تتلقاه الأخيرة"، ومضى قائد سلاح الاشارة السابق في القول "المسيرات سلاح موقت يراد به الإضعاف إذا كان استخدامه من الدعم السريع أو الجيش، فهذا النوع من السلاح لا يحتل ولا يحرر أرضاً، واحتلال الأرض يكون بالمشاة".
استنفار بكردفان
في الموازاة يواصل الجيش و"الدعم السريع" استنفارهما بإقليم كردفان، من خلال حشد قواتهما وعتادهما بانتظار المعارك الفاصلة، كما يتوقع المراقبون، باعتبار أن السيطرة على هذا الإقليم تعني سهولة التحكم بإقليم دارفور. وبحسب مصادر عسكرية، فإن طيران الجيش شن غارات جوية استهدفت مواقع مهمة لـ"الدعم السريع" في منطقتي أم بادر وسودري بولاية شمال كردفان، فيما قصفت الأخيرة والحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان بالمدفعية الثقيلة، مما أدى إلى إصابة عضو بغرفة الطوارئ وطفلة. ويهدف هذا القصف إلى إجبار المدنيين على مغادرتها، بعد العجز عن السيطرة عليها منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل (نيسان) عام 2023. ومنذ عامين، تعاني الدلنج التي تعد ثاني أكبر مدينة في جنوب كردفان من حصار خانق تفرضه "الدعم السريع" مسنودة بقوات الحركة الشعبية، التي يتقاسم معها الجيش السيطرة على ولاية جنوب كردفان. وأدى حصار الدلنج إلى أزمة إنسانية حادة، إذ جرى الإبلاغ عن حالات مجاعة نتيجة النقص الحاد في المواد الغذائية والدوائية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
جهود لإنهاء الصراع
في غضون ذلك، أجرى مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس محادثات في روما مع الرئيس التشادي محمد إدريس ديبي ونائب وزير الخارجية السعودي وليد الخريجي، تناولت سبل إنهاء النزاع في السودان، والتقى بولس أيضاً في مصر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي. وتأتي هذه التحركات قبيل انعقاد اجتماع الآلية الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات في واشنطن قريباً، لبحث تسوية النزاع في السودان بعد خمسة أسابيع من طرحها خريطة طريق.
وبين بولس، في منشور على منصة "إكس"، أنه "التقى الرئيس المصري لمناقشة التحديات في المنطقة واستكشاف الفرص لتسهيل السلام"، مشيراً إلى أن بلاده تقدر قيادة مصر في معالجة الصراعات بما في ذلك دورها البناء في السودان. وجاء هذا اللقاء بعد يوم واحد من محادثات أجراها رئيس مجلس السيادة والقائد العام للقوات المسلحة السوداني عبدالفتاح البرهان مع الرئيس المصري تناولت مساعي الحل المبذولة، بخاصة على مستوى الآلية الرباعية، وأهميتها كمظلة لوقف الحرب وتحقيق الاستقرار.
وأشارت وزارة الخارجية السعودية في بيان إلى أن الخريجي أجرى لقاء مع بولس تناول علاقات البلدين، وناقش المستجدات على الساحتين الإقليمية والأفريقية، كما عقد الخريجي وبولس لقاء رسمياً مع ديبي ناقش تكثيف الجهود الرامية إلى تعزيز الأمن والسلام وحل النزاع في السودان، وتهدف الجهود الدولية الحالية إلى تهيئة المناخ لحمل الجيش و"الدعم السريع" على العودة لطاولة المفاوضات.
عودة النازحين
وسط هذه الأجواء، ارتفع عدد العائدين لديارهم في السودان إلى أكثر من 2.6 مليون شخص في أقل من عام. وقالت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة في بيان إن "2618360 سودانياً عادوا لمناطقهم الأصلية في 47 محلية تقع في ثماني ولايات خلال الفترة بين نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2024 وسبتمبر (أيلول) عام 2025"، لافتة إلى أن 2094516 شخصاً من إجمالي العائدين كانوا نازحين داخلياً، فيما البقية البالغ عددهم 523844 عادوا من مصر وجنوب السودان وليبيا. وأوضحت المنظمة أن 92 في المئة من الأسر العائدة أبلغت بأن تحسن الوضع الأمني دفعها للعودة، في وقت أفاد آخرون بأنهم عادوا بسبب نقص الموارد في مناطق النزوح ولم شمل الأسر وتوفر الخدمات في مناطق الأصل والعودة الطوعية.
وعاد 1038890 سودانياً للخرطوم، و973 ألفاً للجزيرة، و194 ألفاً إلى سنار، و168 ألفاً إلى النيل الأزرق، و102 ألف إلى شمال دارفور، و36 ألفاً إلى نهر النيل، و97 ألفاً إلى النيل الأبيض. وتوقعت منظمة الهجرة عودة 2.7 مليون شخص إضافي للخرطوم، بحسب الأوضاع الأمنية والإنسانية، نظراً إلى أنه جرى تهجير 3.7 مليون فرد بعد اندلاع النزاع قبل 30 شهراً، مشيرة إلى أن 93 في المئة من الأسر العائدة استقرت في منازلها الأصلية على رغم الأضرار، فيما أقام خمسة في المئة من الأسر في مراكز إيواء، والبقية مع أسر مضيفة ومساكن مستأجرة.
وارتبطت عودة السودانيين لمناطقهم باستعادة الجيش ولايات سنار والجزيرة والخرطوم ومناطق أخرى في النيل الأبيض وشمال كردفان، اعتباراً من خواتيم العام السابق.