ملخص
على رغم الوعود المتكررة بالسلام، يكشف الواقع عن أن غزة لا تزال غارقة في العنف، وسط مؤتمرات متكررة وشخصيات مألوفة، من دون معالجة حقيقية لجذور الأزمة، مما يجعل أي اتفاق هشاً وعرضة للانهيار.
تزامناً مع إعلان دونالد ترمب بزوغ "فجر جديد" في الشرق الأوسط خلال مؤتمر السلام لغزة الذي عقده في شرم الشيخ، ذكرتني منصة "فيسبوك" بذكرى وقعت مثل هذا اليوم من 11 عاماً تماماً. كنت يومها أيضاً في مدينة منتجعات مصرية أغطي قمة أخرى حول السلام في غزة، عقب حرب دموية أخرى بين حركة "حماس" وإسرائيل.
كان مؤتمر غزة عام 2014 أيضاً حافلاً بقادة العالم الذين حضروا ليناقشوا من سيدفع فاتورة الإعمار. وكان ذاك المؤتمر أيضاً يركز على "اليوم التالي" للحرب. ومن الغريب أن توني بلير كان حاضراً عندها أيضاً.
في ذلك الوقت، تجنب رئيس الوزراء البريطاني السابق أسئلتي بمهارة، مؤثراً التحدث بشاعرية عن القائد العسكري السابق عبدالفتاح السيسي الذي أصبح حديثاً حينها رئيساً لمصر، ولا يزال يؤدي دور الوسيط والمستضيف حتى اليوم.
بعد مرور أكثر من 10 سنوات على هذا الاجتماع، حتى بلير نفسه عاد، وهذه المرة بناء على طلب ترمب، كي يترأس ما دعي بـ"مجلس السلام" بهدف الإشراف على حكم غزة.
عاد الرجال النافذون أنفسهم ليجروا محادثات غامضة مماثلة ويقدمون وعوداً جوفاء لم تتغير- إلا أن الوضع بات اليوم أكثر إلحاحاً وخطورة، والعنف وصل إلى درجة لم يسبق لها مثيل.
مرة أخرى، يتحدث الجميع بعبارات شبه متناقضة إلى حد كبير عن حاضر لا يعكس الواقع ومستقبل خيالي يبدو تحقيقه مستحيلاً، نظراً إلى المشكلات الهائلة التي يجب التنبه إليها ومعالجتها (ولم يحدث ذلك).
قبل مرور 24 ساعة على إعلان دونالد ترمب عن هذا "السلام الدائم"، كان الفلسطينيون لا يزالون يقتلون في غزة، وشاحنات المساعدات تمنع من دخول غزة، فيما اندلع خلاف حول عدم إعادة "حماس" جثث الرهائن الإسرائيليين.
إن كل هذه العوامل القاتمة والمتوقعة جداً للأسف، تهدد بانهيار عملية وقف إطلاق النار برمتها.
وأفاد مسؤولو الصحة الفلسطينيون عن مقتل سبعة أشخاص أثناء تقفدهم منازلهم في شرق غزة بنيران المسيّرات الإسرائيلية في انتهاك للهدنة الهشة.
فيما ينفي الجيش الإسرائيلي من جهته هذه الواقعة، قائلاً لـ"اندبندنت" إن الأفراد المعنيين تجاوزوا "الخط الأصفر" الذي انسحبت قواته إلى ما ورائه. في المقابل، يقول الصحافيون الإسرائيليون إن لدى الجيش خطوطاً غير مرئية يتجاوزها الفلسطينيون من دون علمهم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما في غزة، فاندلعت مواجهات عنيفة داخلية وتناقلت المنصات الإلكترونية فيديوهات بشعة تقول التقارير إنها تظهر مقاتلين من "حماس" وهم ينفذون إعدامات ميدانية في ساحة عامة بحق رجال اتهمتهم الحركة بأنهم "مجرمون ومتعاونون مع إسرائيل".
وفي إسرائيل، دعا أكبر تجمع يمثل الرهائن حكومة البلاد إلى توقيف كل أشكال تنفيذ وقف إطلاق النار بعد اتهامه "حماس" بانتهاك بنود الاتفاق عبر تسليم جثامين أربعة أسرى فقط فيما عليها تسليم 28 جثماناً.
ورداً على ذلك، قررت إسرائيل عدم فتح معبر رفح بين غزة ومصر- وهو أحد المعابر الرئيسة لإدخال المساعدات وستقلص عدد المساعدات التي تدخل القطاع إلى حين تسليم رفات جميع من بقي.
وهكذا، فإن المرحلة الأولية والأساسية من الاتفاق - أي وقف الأعمال العدائية وتبادل المواطنين من الجانبين وبدء انسحاب آمن على مراحل وإدخال عدد أكبر من المساعدات- قد أظهرت بالفعل تصدعات كبيرة.
ويبدو أنه من المستحيل حتى تجاوز نقطة البداية البسيطة والصغيرة هذه في إطار المهمة الشاقة - بل الهائلة - المتمثلة في محاولة التوصل إلى اتفاق سلام عادل ومنصف وقابل للتطبيق، وهذا الأهم، بين إسرائيل وفلسطين. إنها معضلة المعضلات، ويسعى الناس إلى حلها منذ أجيال حرفياً.
ولذلك، عندما ظهر أمامي ذلك الإشعار أمس على "فيسبوك"، مصوراً تلك المصادفة الغريبة بين قمتين عقدتا بعد الحرب في غزة بفارق 11 عاماً بالضبط، أدركت أن إسرائيل وفلسطين والمنطقة ككل ستظل عالقة في حلقة مفرغة مروعة من العنف اللانهائي.
ولن يتغير الوضع سوى عندما يظهر التزام دولي صادق بمعالجة مباشرة للقضايا والمشكلات الأساسية التي لم يجرِ التطرق إليها منذ أجيال.
ومن هذه القضايا: تقرير الفلسطينيين لمصيرهم والاحتلال الإسرائيلي، والمحاسبة على انتهاكات القانون الدولي، وشق مسار إنهاء طبقات الصدمة والعنف التي لا تنتهي، لفتح المجال أمام سلام وأمن عادل للجميع.
وإلا، فقد نجد أنفسنا عدنا لشرم الشيخ عام 2030 أو ما بعده بقليل، إن بقي أمامنا أي شيء نناقشه بعد المذبحة التالية.
© The Independent