ملخص
من خلال تحويل الأحجار المستخرجة من أرض السعودية إلى أعمال فنية عامة خالدة، يسهم معرض "طويق للنحت" في إثراء المشهد الحضري لمدينة الرياض، ويعزز وعي الجمهور بقيمة الإبداع الكامن خلف الأعمال الفنية المتنوعة.
أقام فريق "ملتقى طويق للنحت" فعالية خاصة في قاعة لادبروك (Ladbroke Hall) بالعاصمة البريطانية لندن، الخميس 16 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، في إطار التحضير لانطلاق النسخة السابعة من "طويق للنحت 2026"، أحد أبرز برامج الفنون العامة السعودية.
وجمعت الفعالية نخبة من القيمين الفنيين وأعضاء فريق العمل، إضافة إلى عدد من الضيوف من الوسط الثقافي والفني، إذ جرى تقديم تجربة مميزة احتفاء بالفعالية المقبلة التي تهدف إلى تسليط الضوء على فن النحت كأحد أشكال التعبير الفني في الفضاء العام.
ضمن فعاليات أسبوع «فريز» للفن المعاصر في لندن، أحد أبرز الفعاليات الفنية العالمية، استضاف #الرياض_آرت نخبة من الفنانين والمهتمين بالفن من مختلف أنحاء العالم، لتسليط الضوء على #طويق_للنحت ورؤيته في تمكين المواهب وإثراء المشهد الفني عبر الفن العام الذي يعكس حضور الإبداع في الرياض pic.twitter.com/d8HUOQSFhP
— الرياض آرت (@Riyadh_Arts) October 16, 2025
وتضمن الحفل عدداً من الفعاليات منها برنامج التعريف بالملتقى وقبلها أنغام موسيقية تراثية وعكس للفن المحلي السعودي للجمهور الإنجليزي، وفي كلمة الحفل أكدت مديرة "ملتقى طويق للنحت" سارة الرويتع أن الملتقى يمثل فرصة فريدة للفنانين من حول العالم للمشاركة في تشكيل ملامح الرياض، وهو دعوة إلى الفنانين من مختلف أنحاء العالم لترك بصمة خالدة في المشهد الحضري المتجدد لمدينة الرياض، "ومع كل نسخة جديدة نضيف فصلًا إلى إرث متنام يسهم في ربط المجتمعات من خلال الفن العام".
ويستعد الملتقى لإعلان نتائج النسخة السابعة لعام 2026 التي تقام تحت شعار "ملامح ما سيكون"، والتي استقطبت في المشاركات نخبة من النحاتين من داخل السعودية ومختلف أنحاء العالم لتقديم مقترحاتهم الفنية، إذ سيجرى اختيار المرشحين لتنفيذ أعمالهم ويقدم لهم الملتقى الإمكانات التي تساعدهم في أن ترى هذه الأعمال الفنية ضمن المشروع.
تقنيات وظل وأفكار
وقالت الرويتع لـ "اندبندنت عربية" إن المشاركات تأتي من جميع دول العالم، وأن نسبة 30 في المئة منها لسعوديين، وأن نسبة مشاركة المرأة جلية في النحت وفي تزايد، وقد نفذت كثير من الأعمال لسيدات خلال الأعوام الماضية.
وأشارت الرويتع إلى أن الأعمال السابقة كانت تركز على الغرانيت وستدخل خامات جديدة العام المقبل، منها الحديد المعاد تدويره، وذلك في إطار تعزيز مفاهيم الاستدامة التي تشكل أحد أهداف المشروع، موضحة "سيعمل النحاتون باستخدام خامات تتسم بقوة رمزية ومادية، مثل الحجر المحلي والمعادن المعاد تدويرها، لإنتاج أعمال نحتية إبداعية تعبر عن الحاضر، متجاوزة اللحظة الآنية إلى المستقبل، يجرى توظيف تقنيات جديدة فيها مثل الظل والأفكار في حد ذاتها وقوتها التعبيرية، حيث يمكن عكس القيم من خلال الفن".
التحلية تجربة مادية ورمزية
وكانت لولوة الحمود، أحد القيمين الفنيين على المشروع، وهي فنانة تشكيلية سعودية، قد قالت خلال الحفل إن نسخة العام المقبل 2026 التي سيشارك فيها نحاتون من جميع أنحاء العالم ستقام في حي التحلية بمدينة الرياض، موضحة بأنه "الحي الذي يستمد اسمه من مفهوم التحلية، بوصفه نقطة تحول حضارية وتجربة مادية ورمزية في آن"، مضيفة "تسلط نسخة 2026 الضوء على التحول، ليس فقط كعملية ملموسة، بل كفلسفة لإعادة تشكيل المدينة وتخيل مستقبلها"، مشيرة إلى أن حي التحلية يرتبط "بتاريخ عميق، كونه موقع أول محطة لتحلية المياه في العاصمة، وهي محطة شكلت لحظة فارقة حولت شح المياه إلى مورد مستدام، والمياه المالحة إلى منبع للحياة".
وتعود قصة السعودية مع التحلية لعام 1907 عندما أُعيد استخدام حطام سفينة في جدة كمحطة بدائية، لتبدأ رحلة طموحة جعلت من السعودية اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، ومصدراً لتقنية باتت تحيي المدن الساحلية حول العالم.
وأوضحت الحمود أن "هذه الروح الابتكارية والقدرة على تحويل التحدي إلى فرصة هي مصدر الإلهام لهذه النسخة من الملتقى، إذ يدعى الفنانون المشاركون إلى التفاعل مع المكان بوصفه رمزاً للتحول، يجمع بين الذاكرة والإمكانات، حيث يتحول حي التحلية في هذه النسخة إلى فضاء مشترك للإنتاج الفني والتأمل والتبادل الثقافي العالمي، ويتوج الملتقى بمعرض في الموقع ذاته الذي شهد ميلاد الأعمال النحتية ليعيد تأكيد الارتباط بين الفن والمكان، وبين التحول والذاكرة، وبين ما هو كائن وملامح ما سيكون".
المدينة معرض مفتوح
يعد برنامج "طويق للنحت" من المبادرات الرائدة ضمن مشروع "رياض آرت" (Riyadh Art) ويهدف إلى دعم الفنانين المحليين والعالميين وتعزيز حضور الأعمال الفنية في المشهد الحضري للعاصمة السعودية، وهو عبارة عن ملتقى ومعرض دولي سنوي يجمع فنانين من مختلف أنحاء العالم لتقديم أعمال نحتية ضخمة في عرض حي مباشر، حيث يحتفي الملتقى بفن النحت كأداة حوار ثقافي تحفز الابتكار الإبداعي وتصقل المهارات التقنية وتعزز الحوار وتبادل الأفكار.
ومن خلال تحويل الأحجار المستخرجة من أرض السعودية إلى أعمال فنية عامة خالدة، يسهم "طويق للنحت" في إثراء المشهد الحضري لمدينة الرياض ويعزز وعي الجمهور بقيمة الإبداع الكامن خلف الأعمال الفنية المتنوعة.
وتسعى "الهيئة الملكية لمدينة الرياض" إلى تحويل العاصمة السعودية للوحة فنية إبداعية، بهدف الارتقاء بمكانتها كإحدى أفضل 10 مدن عالمية، تماشياً مع "رؤية السعودية 2030"، وفي هذا الإطار قامت مدينة الرياض بإطلاق مبادرة فنية تهدف لتحويل الأماكن العامة في المدينة إلى مناطق فنية، تتيح المجال للتعبير الفني وتحفز المشاركات الإبداعية من قبل مختلف الشرائح المجتمعية، إضافة الى تنمية الاقتصاد الثقافي للمدينة.
"الرياض آرت"... دمج الفن في النسيج الحضري
ويعتبر برنامج "الرياض آرت" أحد المشاريع الأربعة الكبرى التي أطلقها الملك سلمان بن عبدالعزيز في الـ 19 من مارس (آذار) 2019، تحت إشراف لجنة المشاريع الكبرى التي يترأسها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رئيس مجلس إدارة الهيئة الملكية لمدينة الرياض.
ويسعى البرنامج إلى دمج الفن في النسيج الحضري للمدينة، وقد حقق كثيراً من الإنجازات البارزة منذ عام 2019 كأحد المشاريع الأربعة الكبرى ضمن "رؤية السعودية 2030"، وحتى الآن قدم البرنامج أكثر من 500 عمل فني أبدعه فنانون محليون ودوليون، ونظم ما يزيد على 6 آلاف برنامج للمشاركة المجتمعية، واستقطب أكثر من 6 ملايين زائر، ومع توسع البرنامج ستواصل مبادراته النمو مما يعزز مكانة الرياض كعاصمة عالمية للفنون، ويخدم هدف تحويل المدينة وتطويرها كلياً إلى مدينة صديقة للبيئة ومستدامة، كما تقدم أعلى معايير العيش وأنماط الحياة تماشياً مع الأهداف المضمنة في الرؤية.
وتشير سارة الرويتع إلى أن ملتقى النحت يفتح الفرصة للأجيال الجديدة وطلاب المدراس الذين يحتك بهم الفنانون في التعرف إلى الفن والثقافة المطلوبة للمستقبل، إذ يغرس ثقافة الاستكشاف ويعزز الصلة بين المجتمع المحلي ومفاهيم الفن الحديث، في إطار ربط خبرات المحترفين بالمجتمعات مع تأكيد قيم البيئة والاستدامة.
ونظراً إلى نمو سكانها السريع البالغ 7 ملايين نسمة، يشكل الشباب غالبيتهم، تشهد المدينة تحولاً سريعاً إلى مدينة عالمية فائقة الحيوية، ويسهم الفن بجميع أشكاله في تحقيق هذا الهدف إلى حد كبير ليعكس روح المدينة، وهو الجانب الذي استند إليه القائمون على برنامج "الرياض آرت" كمبادرة فنية تحوّل العاصمة بالكامل إلى لوحة فنية إبداعية ومعرض فني مفتوح، لإثراء الحياة وتشجيع التعبير الإبداعي ودعم الاقتصاد الثقافي للمدينة، ويعد هذ الحدث دليلاً واقعياً على التحول الابداعي للعاصمة، ولا سيما أن تبادل الأفكار من خلال التعبير الإبداعي يؤدي حتماً إلى ترسيخ التفاهم الأعمق والاحترام المتبادل.
تأُثير إيجابي في حياة سكان المدينة
يقول القائمون على المشروع إنه سيكون له تأثير إيجابي في جودة حياة سكان المدينة، بما سيوافره من لحظات الفرح والبهجة في الحياه اليومية، وما سيغرسه من مشاعر الفخر بالانتماء إليها، وسيسهم في تطوير الاقتصاد الإبداعي الجديد ويساعد في استقطاب الاستثمارات الجديدة إلى المدينة، مع خلق مدينة أجمل يستمتع بها الجميع، وهنا أشارت الحمود إلى دور الفن في الإبداع وتعزيز الثقافة الجمالية في إعادة تعريف المدن وتوسيع دورها الجمالي.
ويضم البرنامج أكثر من 1000 عمل فني عام يدعمه احتفالان سنوياً، مسهماً في نشر أجواء الفنون داخل الأحياء السكنية والحدائق والمتنزهات والساحات والأماكن العامة ومحطات المترو والحافلات والجسور وممرات المشاة ومداخل المدينة والوجهات السياحية في المدينة، ومن خلال برنامج الشراكة المجتمعية ستنتقل ورش الفنانين إلى الأحياء السكنية في مدينة الرياض لتوفير مساحات تدعو جميع المقيمين فيها إلى المشاركة لتطوير مواهبهم الإبداعية من خلال التعبير عنها بأعمال فنية.
وتعتبر مدينة الرياض من المواطن ذات الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، وتتضمن كثيراً من المعالم المميزة مما يجعل منها وجهة جذابة تدعو الجميع إلى استكشافها، وبخاصة عشاق الثقافة، ويضاف إلى ذلك ميزة تتمثل في كثير من المعارض الفنية والمراكز التاريخية، ففي عام 2020 جرى اختيار مدينة الرياض كعاصمة ثقافية للوطن العربي من قبل "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة" (يونيسكو).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
نسخة 2026
وكان "الرياض آرت" أعلن فتح باب التقديم للمشاركة في النسخة السابعة من ملتقى طويق الدولي للنحت 2026 في27 أغسطس وأغلقت في الـ 17 من سبتمبر (أيلول) الماضي، وجرى استقبال مئات المقترحات الفنية للفنانين عبر الموقع الرسمي للبرنامج لتتولى لجنة التحكيم التي تضم خبراء ومتخصصين اختيار 25 فناناً للمشاركة في "ملتقى طويق للنحت -النسخة السابعة"، في تجربة النحت الحي التي ستقام في يناير (كانون الثاني) 2026، قبل أن يختتم الملتقى بمعرض فني في فبراير (شباط) من العام ذاته، وسيجرى توزيع أعمالهم المنجزة في مواقع مختلفة من مدينة الرياض دعماً للمشهد الفني العام في العاصمة، وبما ينسجم مع رسالة "الرياض آرت" في دعم الابتكار والشمولية في الفنون.
وستقدم هذه النسخة من الملتقى إضافة نوعية من خلال إدراج فئة جديدة من أعمال النحت، إذ سينفذ الفنانون منحوتاتهم باستخدام الغرانيت مع إمكان دمج عناصر من الفولاذ المقاوم للصدأ، إضافة إلى أعمال تنفذ بمعادن معاد تدويرها، في خطوة تعكس التزام الملتقى بمفاهيم الاستدامة في الفن العام.