Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موقف الرئيس اللبناني حيال إسرائيل يطرح أسئلة في الشكل والمضمون

مقربون من "حزب الله" يسألون ما إذا كان سيتم استثمار السلاح كما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية أم أن التفاوض سيكون على هذا السلاح؟

أعضاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً بعد تأديتهم اليمين أمام الرئيس عون في قصر بعبدا، الأربعاء 15 أكتوبر الحالي (الرئاسة اللبنانية)

ملخص

اعتبر محللون أن الرئيس اللبناني جوزاف عون لا يزال على موقفه في ربط استكمال خطة حصر السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وأنه أراد من إعلانه الاستعداد للتفاوض مع تل أبيب التذكير بأن ملف حصر السلاح ولو تأخر لا يمكن أن يعرقل المفاوضات كما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية.

قبل يومين من توقيع الاتفاق حول غزة في شرم الشيخ المصرية، طرح رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون سؤالاً مهماً في توقيته ومضمونه فقال إنه "طالما تمّ توريط لبنان في حرب غزة تحت شعار إسناد مطلقيها، أفليس من أبسط المنطق والحق الآن إسناد لبنان بنموذج هدنتها، خصوصاً بعدما أجمع الأطراف كافة على تأييدها؟".
ولم يقف التحول المتدرج في موقف الرئيس عون عند هذا الحد، إذ إنه بعد أيام قليلة على الموقف الأول وتعليقاً على حركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الممتدة من الكنيست الإسرائيلي إلى شرم الشيخ، طرح عون التفاوض مع إسرائيل، وأكد في لقاء مع وفد إعلامي أن "الأمور تسير نحو التفاوض لإرساء السلام والاستقرار، ولا يمكن أن نكون خارج المسار القائم في المنطقة، وهو مسار تسوية الأزمات ولا بد أن نكون من ضمنه". ولفت عون إلى أنه سبق للدولة اللبنانية أن تفاوضت مع إسرائيل برعايةٍ أميركية والأمم المتحدة، ما أسفر عن اتفاق لترسيم الحدود البحرية، وسأل "ما الذي يمنع أن يتكرر الأمر نفسه لإيجاد حلولٍ للمشكلات العالقة، لا سيما وأن الحرب لم تؤد إلى نتيجة؟".

تصريحات رئيس الجمهورية استحوذت على اهتمام الأوساط الدبلوماسية الغربية والعربية والداخل اللبناني، وتفاوتت الآراء حولها، فاعتبر محللون أن عون لا يزال على موقفه في ربط استكمال خطة حصر السلاح بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، وأنه أراد من إعلانه الاستعداد للتفاوض معها، التذكير بأن ملف حصر السلاح ولو تأخر لا يمكن أن يعرقل المفاوضات كما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية، إذ جرت المفاوضات فيما كان سلاح "حزب الله" في ذروة قوته. ورأى آخرون أن تعنت الحزب وتمسكه بسلاحه، إضافة إلى الضغوط الداخلية والخارجية باتت تشكل تهديداً لرصيد الرئيس عون السياسي والشعبي، ما دفعه إلى المبادرة لإخراج البلد من حال المراوحة. أما "حزب الله" فلم يصدر عنه أي تعليق، بينما تؤكد مصادر مقربة منه أنه يعارض في هذه المرحلة فتح مفاوضات سياسية مع إسرائيل تحت أي ظرف أو مبرر، خصوصاً أن الدور الذي لعبه في مفاوضات ترسيم الحدود لن يكون ممكناً ولا قابلاً للتكرار في ظل وضعيته الحالية.  

خلفيات خارجية ضاغطة؟

وفيما لم تتبدد المخاوف من استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي سواء بالوتيرة الجارية حالياً أو بوتيرةٍ أشد خطورة، مقابل استمرار سياسة تدوير الزوايا في لبنان، والسير في قرار حصر السلاح لكن ببطء، اعتبر كثيرون أن مواقف عون الأخيرة هدفت إلى خرق الانطباع السائد بأن الآمال بالحكم الجديد قد تبددت لمصلحة ضبابية منهِكة في الأفق الوطني، وارتباكٍ مقلق في الأفق السياسي. وتكشف مصادر دبلوماسية أن اللجنة الخماسية العربية الدولية المعنية بمتابعة الوضع في لبنان عبرت للمعنيين في لبنان عن قلقها وامتعاضها من دون أن تنفي خيارها في تصويب الخلل الذي تعتبر أنه بدأ يواجه عهد الرئيس جوزاف عون. وتستغرب التأخر الحاصل في مسار تنفيذ حصرية السلاح وربطه بانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس، على أن هذه الأخيرة يجب أن تنسحب من دون إبطاء من هذه النقاط.
لكن بحسب المصادر ثمة ما يجعل من هذا الربط المخالف لتعهدات لبنان بالاستناد إلى الدستور و"اتفاق الطائف" وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة (1559، 1680، 1701)، "قميص عثمان" لإيران وحليفها "حزب الله" وحلفائه، لشراء الوقت وتعطيل دينامية بسط الدولة سيادتها على كامل أراضيها بقواها الذاتية. وتضيف المصادر عينها "لم تكن كلمة الرئيس جوزاف عون في الأمم المتحدة واضحة في هذا السياق ما استدعى تشاوراً عربياً دولياً حول ما يمكن أن تكون خلفية هذا اللاوضوح، خصوصاً أن تصريح أحد نواب "حزب الله" النائب حسن فضل الله عن تعهدات مسبقة لانتخاب رئيس الجمهورية، تؤشر إلى أن وراء الأكمة ما لا يريح، خصوصاً أن أي موقف توضيحي لم يصدر في هذا الإطار عن الرئيس عون نفسه، وهو المعني المباشر بهذه المسألة المعقدة والدقيقة بل الخطيرة". وفي حين تؤكد مصادر في القصر الجمهوري أن أي تواصل جديد لم يحصل بين الرئيس عون و"حزب الله" بعد زيارة النائب محمد رعد إلى القصر في 3 أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وتعتبر المصادر الدبلوماسية أن باب الحوار مفيد لكن بالثوابت وليس بتدوير الزوايا.

 

الانسحاب يجب أن يسبق أي تفاوض

لاقت مواقف عون وفق مصدر مطلع في القصر الجمهوري ردوداً إيجابية دولية عبرت عن ارتياحها لموقف لبنان الرافض للحرب والمستعد لركوب قطار التسويات. لكن الصعود إلى هذا القطار يجب أن يسبقه بحسب المصدر تنفيذ إسرائيل الشروط الثلاثة التي سبق وأعلنها عون للوسيط الأميركي، الانسحاب ووقف الاعتداءات وتحرير الأسرى، وهو ما لا تزال إسرائيل ترفضه. وعن خلفية الطرح الرئاسي يشرح المصدر أنه انعكاس لاتصالات رئيس الجمهورية وقراءته للتطورات الأخيرة، فضلاً عن الأمر البديهي المتمثل باتجاه الوضع في المنطقة صوب التسوية. ويشرح أن خلاصة ما حدث في موضوع غزة أنه تكوّن لدى الجميع قناعةً بأن الحرب لا أفق لها ولا يمكن أن تؤدي إلى نتيجة سوى المزيد من الضحايا والدمار، وأن إسرائيل لم تتمكن من إنهاء "حماس" كذلك "حماس" لم تستطع إزالة إسرائيل من الوجود، وبالتالي فإن الخيار المتبقي الوحيد كان الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وهذا النموذج، يتابع المصدر في القصر الجمهوري، سيُعمم على بقية الملفات الشائكة في المنطقة. وما أراد الرئيس عون قوله هو أن الحرب لم تحقق أي تقدم ولم يتمكن أي طرف من تسجيل انتصار على الآخر، وأمام هذا الواقع لم يعد في الإمكان إلا البحث عن الخيار الآخر وهو الحوار أو المفاوضات.

وينطلق الرئيس اللبناني من تجربة سابقة حصلت في ملف ترسيم الحدود البحرية بعد تهديدات وتوترات ومسيرات باتجاه الحقول الإسرائيلية دفعت الوسيط الأميركي إلى التدخل ورعاية مفاوضات بلغت خواتيمها، وتم الاتفاق حينها على ترسيم الحدود البحرية وهو اتفاق صمد بدليل أنه طوال فترة "حرب الإسناد" لم يستهدف "حزب الله" أي منصة نفطية تابعة لإسرائيل التي لم تحاول من جهتها التقدم بحراً إلى العمق اللبناني للاستيلاء على المنطقة التي تحتوي على الحقول اللبنانية. يعتبر الرئيس عون أن لبنان لا يمكن أن يعاكس منطق التسويات التي تسير باتجاهه المنطقة، وقد أعرب عن استعداد لبنان لتكرار تجربة الملف البحري ومعالجة المشكلات من خلال التفاوض غير المباشر، من خلال الأمم المتحدة والولايات المتحدة، لكن أي تحرك جدي في هذا الاتجاه، يتابع المصدر، لا يمكن أن يحصل قبل أن تنسحب إسرائيل من النقاط الخمس ووقف العمليات العسكرية ضد لبنان وعودة الأسرى، ليصار بعدها إلى التفاوض حول تثبيت الخط الأزرق وتثبيت الحدود ومعالجة كل النقاط العالقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أسئلة كثيرة عن عناوين التفاوض

من جهة أخرى، لا يرى الكاتب السياسي محمد علوش مشكلة في ما قاله رئيس الجمهورية لجهة احتمال تكرار تجربة التفاوض غير المباشر مع إسرائيل كما حصل في ملف ترسيم الحدود البحرية، لكنه يشدد في المقابل على أن "هناك أسئلة كثيرة يجب أن تُطرح، أولها من أي موقع نتفاوض؟ وعلى ماذا؟". ويضيف أن "الأساس هو اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والذي التزم به لبنان فيما العدو الإسرائيلي لم يلتزم، فهل هذا يحتاج إلى تفاوض أم إلى التزام إسرائيلي". وإذ صرح أن "الحدود البرية مرسمة وتحتاج إلى تثبيت وليست بحاجة إلى التفاوض"، سأل علوش، "هل يكون عنوان التفاوض انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية، وهل لدينا ما نقدمه في هذا الموضوع من خلال التفاوض؟". ويكرر بأن التفاوض من حيث المبدأ لا مشكلة فيه وحصل سابقاً بتفاهم أبريل (نيسان) 1996 وبعد حرب يوليو (تموز) في القرار 1701، وحصل أخيراً بعد حرب الـ66 يوماً ضد "حزب الله"، لكن الأهم لماذا وعلى ماذا نفاوض؟ والأهم من أي موقع نفاوض؟"، معتبراً أنه "في المفاوضات السابقة حول الحدود البحرية كانت 'المقاومة' جزءاً أساساً من عملية التفاوض، ليس فقط من خلال الدور الذي لعبه رئيس البرلمان نبيه بري في المفاوضات إنما من خلال استخدام قوة 'المقاومة' لفرض معادلة الغاز مقابل الغاز يومها، وتم التوصل إلى هذا الاتفاق وكان للمسيرات التي أطلقها 'حزب الله' باتجاه حقول الغاز الإسرائيلية الأثر الكبير في الوصول إلى الخواتيم السعيدة، فهل سيتم هذه المرة استثمار هذا السلاح أم سيتم التفاوض على هذا السلاح؟ وهل سيكون السلاح جزءاً من عملية التفاوض أم سيكون الطبق الرئيس الذي سيتم التفاوض عليه؟".

قراءة في مواقف الرئيس في الشكل والمضمون

الكاتب السياسي الدكتور عارف العبد يرى أن "رئيس الجمهورية وبصفته رأس الدولة يمكن أن يعطي رأيه بقضية أساسية كهذه أو أن يعطي إشارة إلى أن لبنان مستعد، لكنه يسجل في الوقت نفسه ملاحظات تتعلق بالدستور والذي ينص على أن القرارات الفعلية في لبنان تُتخذ في مجلس الوزراء، وبالتالي كان من الأفضل أن يتشاور الرئيس مع رئيس الحكومة (نواف سلام) والوزراء وأن يصدر الموقف عن مجلس الوزراء مجتمعاً لجهة استعداد لبنان للتفاوض، فيعطي إشارة إيجابية في الشكل، والدليل أن عون وسلام وبري سيلتقون يوم الجمعة لبحث هذا الموضوع، ما يعني العودة إلى الترويكا. وكان يمكن للرئيس عون أن يتجنب هذا الأمر من البداية عبر تظهير الموقف من خلال الحكومة".

أما في المضمون فيرى العبد أنه إذا كان المقصود التفاوض حول الحدود البرية فإن الحدود الجنوبية مرسّمة وتكاد تكون الأوضح والأدق مقارنةً مع الحدود العربية- الإسرائيلية، لأنها رُسّمت في زمن الانتداب الفرنسي للبنان والبريطاني لفلسطين، حيث عملت فرنسا في اتفاقية سايكس بيكو، على ضمان حصتها من الجهة الجنوبية.
وبالتالي يضيف الكاتب السياسي أن "تثبيت الحدود البرية لا يستدعي مفاوضات بمعنى المفاوضات الكبرى وهي تتطلب تشكل لجنة أمنية تشرف عليها الأمم المتحدة للبحث بهذا الموضوع. أما إذا كان المقصود بكلام الرئيس تطبيع سلام مع إسرائيل فهذا أمر مبكّر، لأسباب عدة أولها أن لبنان وبسبب تركيبته الفسيفسائية والمعقدة سياسياً وبحسب نظامه فإن القضايا الكبرى تتطلب إجماعاً. ومن الأفضل في ملف الصراع العربي- الإسرائيلي أن يبقى لبنان ملتزماً بمبادرة السلام العربية وعندما يطبّع العرب ينتقل لبنان حينها إلى هذه المرحلة، أما طرح التطبيع ومحادثات سلام في العمق فهو أمر مستعجل الآن، وليس من مصلحة لبنان. فهذا الموضوع يحتاج إلى الكثير من البحث والتمعن والتروي، ولبنان يجب أن يكون آخر دولة عربية تدخل في هذا المسار". وختم الدكتور العبد قائلاً إن "مَن يقول بأن القطار سيفوتنا يجب أن يتذكر بأن وحدة البلد هي التي حمته حتى الآن على رغم كل المآسي التي مرّ بها، وبالتالي قبل البحث بأي موضوع يجب الحفاظ على هذه الوحدة حتى يبقى البلد".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات