Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واكر إيفانز خلد بصوره بؤس شعب خذله الحلم الأميركي

استطاع بكاميرته مع شريكه الكاتب جيمس آجي أن يكرم أناس كانوا يستحقون كل تكريم

واكر إيفانز 1903 – 1975 (غيتي)

ملخص

واكر إيفانز، مصور فوتوغرافي أميركي بارز، ساهم في ترسيخ التصوير كفن راقٍ من خلال أعمال وثّقت الحياة الأميركية خلال الكساد الكبير، أبرزها شراكته مع جيمس آجي في كتاب "فلنثن الآن على أناس عظام".

منذ البداية لا مفر من أن نشير إلى أنها ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عبر مقالة في هذه الزاوية عن مصور فوتوغرافي أميركي من النمط الذي قد يثير اهتماماً عارماً حين تشاهد صوره في ألبوم أو معرض، لكنه سرعان ما ينسى في انتظار عودة تالية له إلى الواجهة الثقافية. وفي المرتين هو المصور نفسه، واكر إيفانز (1903 – 1975).

ولئن كانت المرة الأولى لمناسبة الحديث عن معرض أقيم له في مركز جورج بومبيدو الثقافي وسط العاصمة الفرنسية، وهو معرض استعاد دور إيفانز وصوره في الكتاب المشترك بينه والكاتب جيمس آجي "فلنثن الآن على أناس عظماء"، معيداً له مكانته كمؤلف مشارك وليس كفنان مزين للكتاب، فإننا نستعيد هنا الحديث عنه لمناسبة الذكرى الـ50 لرحيله، كما لمناسبة مرور 90 عاماً على أول تعاون كبير له مع "الموما" (متحف الفنون الحديثة في نيويورك، مما مهد حينها لتبني ذلك المتحف الشهير لفنه والفن الفوتوغرافي بصورة عامة كما سنرى بعد سطور)، وهما مناسبتان يحتفل بهما لأهميتهما في تاريخ انضمام التصوير إلى عالم الفنون الجميلة، من طريق واكر بصورة خاصة.

سيرة استثنائية

ولعل من المفيد هنا أن نبدأ من المناسبة الثانية التي، إذ استبقت معرض "مركز جورج بومبيدو" الباريسي بـ80 عاماً، كانت أول معرض لمصور فوتوغرافي واحد يقام في ذلك الصرح الإبداعي النيويوركي الكبير. وكانت أهميته بالطبع أنه أقيم فيما الفنان كان لا يزال شاباً، بعد دزينة من الأعوام من إنجازه لحساب الصرح الأميركي مشروعاً في غاية الأهمية خرج به من عالمه الأميركي الذي كان انحصر داخل جغرافيته قبل ذلك، على رغم أنه في حقيقة أمره ما انطلق في مشروعه الفوتوغرافي إلا بعد عودته من أشهر دراسة طويلة أمضاها في جامعة السوربون الفرنسية، وزار خلالها جنوب فرنسا ملتقطاً لسكانه وحياتهم الاجتماعية عدداً كبيراً من الصور التي سيقول كثر من الأميركيين لاحقاً إنهم لم يتعرفوا على فرنسا "الحقيقية" إلا من خلالها، كما تعرفوا من خلالها أيضاً على حياة "الجيل الأميركي الضائع" (إرنست همنغواي وسكوت فيتزجيرالد وجرترود شتاين بين آخرين...) الذي أتيح للمصور الشاب أن يتابع حياتهم ويصورهم في العاصمة الفرنسية.

ومع ذلك ومنذ بداية شهرته كفنان بارع في التصوير الفوتوغرافي، سيرتبط فن إيفانز بأميركا أكثر من ارتباطه بأية جغرافية أخرى، حتى وإن كان ارتاد مناطق عديدة خارج بلاده صور فيها وأحياناً لوحات تحولت كتباً وألبومات، كما حال كتابه "جريمة في كوبا" الذي أصدره بالتواكب مع نص لكارلتون بيلز إثر زيارة عامرة قام بها إلى هافانا. وكان ذلك عام 1933 الذي اختتمه متحف "موما" بمعرض أول احتوى صوراً لإيفانز، كان ممهداً لذاك الذي سيفتتح بعد خمسة أعوام اهتمام تلك المؤسسة بالتصوير عبر معرض منفرد للمصور نفسه.

من المقال إلى الكتاب

وبين المعرض المختصر الأول وتكليف "الموما" إيفانز بتصوير نحو 600 قطعة من المنحوتات والأقنعة والأسلحة الأفريقية التي تنتمي إلى مجموعة المتحف الأصلية من جهة، والمعرض الشخصي لإيفانز في الموما، كان ذلك التعاون بين هذا الأخير وجيمس آجي على إنجاز الكتاب الذي سيحقق القدر الأكبر من الشهرة للاثنين معاً، ولكن بالطبع للكاتب أكثر مما للمصور الذي سينتظر، قبل الوصول كدأب صاحبه إلى الجمهور العريض، ومن ثم إلى العالمية، ذلك الاهتمام النيويوركي الكبير والمؤسس (المعرض الخاص به).

وكان ذلك التعاون الفريد من نوعه، فكرياً في الأقل، خلال عام 1936 حين طلبت مجلة "فورتشن" من الكاتب مقالاً حول العمال الزراعيين في الجنوب وتأثير أزمة الكساد عليهم خلال وقت لم تكن عملية الإنقاذ التي اتبعها الرئيس روزفلت تبدت في نهاية الأمر ناجحة، معيدة إلى ذلك النمط من البؤساء ثقتهم بحياتهم وبوطنهم، ولكن دون أن تعيد لهم في تلك المرحلة المبكرة آمالهم التي اعتادوا أن يبنوها على الحلم الأميركي نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان ذلك بالطبع موضوع المقالة التي لن تلبث أن تتحول إلى كتاب ولكن بعدما طلب آجي من واكر إيفانز أن يصحبه في تحقيق تلك المقالة ويلتقط له ما يناسبه من الصور.

ونعرف طبعاً الآن أن إيفانز استجاب للاقتراح وتوجه مع الكاتب إلى منطقة تدعى هال في ولاية آلاباما التي كانت تعرف ذلك النوع من المزارعين. وهما عاشا بين المزارعين فترة لم تقل عن أسابيع طويلة بين ثلاث عائلات هي فيلدز، تينغل وبوروز. وعن تلك العائلات وحياتها أنجز الكاتب والمصور تحقيقاً انتهى الأمر بالمجلة إلى رفضه. لكن الرفض سيكون في صالح المبدعين، فهما اشتغلا طوال الأعوام التالية على توسيع التحقيق واختيار الصور معاً ليسفر المشروع عن تحول التحقيق إلى ذلك الكتاب الرائع "فلنثن الآن على أناس عظام". وكانت المفاجأة أن الكتاب الذي ضم نصاً في مئات الصفحات من كتابة جيمس آجي و31 صورة من بين المئات التي التقطتها عدسة إيفانز، وطبع في مدينة بوسطن عام 1941، حقق نجاحاً هائلاً لكنه كما نعرف وذكرنا في مقالة سابقة عن المؤلفين في هذه الزاوية، كان نجاحاً لآجي أكثر مما لإيفانز.

زمن النجاحات الكبرى

لكن إيفانز كان بدأ يشعر أنه نال تعويضاً على ذلك الإجحاف من خلال معرض عام 1938 الذي لم يضم، في قاعات "الموما"، فقط صوراً نشرت أو لم تنشر في الكتاب عن الحياة الأميركية في ظل الكساد الاقتصادي، بل كذلك نماذج من عشرات التحقيقات والألبومات الفوتوغرافية التي كانت صدرت سواء في كتب تجمع بين نصوص لكتاب صحافيين وتحقيقات مصورة لإيفانز، وهو ما فتح الأبواب لذلك النوع من الإصدارات التي راحت تتكاثر في عالم النشر الأميركي. لكنها في طريقها، فتحت شهية إيفانز نفسه على ممارسة لم يكن كبير الاهتمام بها من قبل: الكتابة.

وهو في هذا الإطار سيتبدى كاتباً بارعاً وبداية من تعاونه منذ عام 1943 مع مجلة "تايم" عبر كتابة مقالات نقدية تعلق على ما كان يعرض من أفلام سينمائية، إضافة إلى كتابته عروضاً لكتب فنية ولمعارض تشكيلية بل حتى فوتوغرافية راحت تتكاثر بدءاً من تلك المرحلة.

 

أما مجلة "فورتشن" التي كانت قبل ذلك بـ10 أعوام رفضت نشر التحقيق الذي حققه إيفانز شراكة مع جيمس آجي في ولاية آلاباما، فقد غيرت رأيها كما يبدو، خلال عام 1945 لتتعاقد معه بوصفه أول مصور فوتوغرافي يُتعاقد معه كمصور خاص لمطبوعة أميركية. ولسوف يتلو ذلك بعد عامين تكريس له، وأيضاً كمصور فوتوغرافي، في شيكاغو هذه المرة من خلال معرض استرجاعي لصوره أقيم في "معهد شيكاغو" الشهير. ويبدو أن ذلك المعرض الجديد عاد يفتح شهية إيفانز على الصحافة ككاتب من جديد إلى جانب كونه مصوراً. إذ ها هو خلال عام 1948 ينشر في "فورتشن" وللمرة الأولى، ملفاً ضخماً يضم صوراً من إنتاجه ملونة هذه المرة مع نص من كتابته كان الأول له في هذه المجلة التي سيتابع الكتابة فيها متواكبة مع تحقيقاته المصورة حتى تركه لها خلال عام 1965 بعدما ارتبط بها 20 عاماً تعايشت فيها مكانته في المجلة مع المعارض والتكريمات التي كانت تقام له في أميركا وخارجها مرات عديدة خلال كل عام، ومن بينها معرض جديد لأعماله أقامته "الموما" عام 1962 وبعد ستة أعوام من نشر "مجلة كامبردج" صوراً له التقطها في مترو نيويورك مصحوبة بنص لجيمس آجي الذي عاد للتعاون معه من جديد في تلك المناسبة.

أعوام أخيرة مجيدة

وخلال الأعوام الأخيرة من حياته ومنذ تركه ارتباطه بـ"فورتشن" عاش إيفانز فترة مجد شهدته مدرساً للتصوير الفوتوغرافي في جامعة يال، وشهدت انتقال معرض "في مترو نيويورك" إلى "الموما" من جديد، وأصدرت منشورات "هافتون ميفلين" في بوسطن ألبوماً ينطلق من ذلك المعرض. وعادت الموما مرة أخرى خلال عام 1971 لتقيم معرضاً استرجاعياً جديداً لأعماله كان حدثاً نيويوركياً صاخباً. في عام اختتمته جامعة يال بمعرض عنونته "واكر إيفانز: أربعون عاماً"، أشرف عليه الفنان بنفسه واعتبر أضخم معرض لفنان فوتوغرافي أقيم حتى ذلك الحين. فكان آخر وأضخم تكريم له هو الذي سيرحل بعد أعوام قليلة...

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة