ملخص
توقفت احتجاجات حركة "جيل زد" منذ يوم الثلاثاء السابع من أكتوبر لأسباب مختلفة بسطتها في بلاغات متفرقة موجهة إلى الرأي العام المغربي، إذ كان التوقف الأول مسوغاً بـ"مراجعة الوضع الراهن بدقة، وإعادة التنظيم والتخطيط لضمان فعالية أكبر، قبيل افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة يوم الجمعة الـ10 من أكتوبر"، قبل أن يعلن الشباب التوقف أياماً أخرى إلى يوم السبت الـ18 من أكتوبر.
بعد توقف دام لأيام، تعود حركة شباب "جيل زد" لتنظيم وقفات احتجاجية سلمية يوم السبت الـ18 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، للمطالبة بتحسين خدمات الصحة والتعليم ومحاربة الفساد، فضلاً عن مطلب الإفراج عن "المعتقلين السياسيين".
وتتوزع المواقف والآراء بخصوص هذه العودة للاحتجاجات الشبابية، خصوصاً بعد التوقف الاختياري الذي أعلنه شباب الحركة في بلاغاتهم التي ينشرونها في مواقع التواصل الاجتماعي، بين من يرى أنها كانت استراحة محارب واستجماع القوى للتركيز على المطالب الاجتماعية المنشودة، ومن يقول إن الحركة الشابة فقدت زخمها مع مرور الوقت، وبإعلان تلك التوقفات لتنظيم الوقفات الاحتجاجية.
موجة تشكيك
توقفت احتجاجات حركة "جيل زد" منذ يوم الثلاثاء السابع من أكتوبر لأسباب مختلفة بسطتها في بلاغات متفرقة موجهة إلى الرأي العام المغربي، إذ كان التوقف الأول مسوغاً بـ"مراجعة الوضع الراهن بدقة، وإعادة التنظيم والتخطيط لضمان فعالية أكبر، قبيل افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة يوم الجمعة الـ10 من أكتوبر"، قبل أن يعلن الشباب التوقف أياماً أخرى إلى يوم السبت الـ18 من أكتوبر.
وفي الإعلان الجديد للاحتجاجات، دعا شباب زد المغاربة إلى المشاركة في الوقفات السلمي للمطالبة بـ"صحة كريمة، وتعليم جيد، وشغل متوفر، ومكافحة الفساد"، علاوة على التضامن مع "الرفاق المعتقلين".
وطوال 11 يوماً، المدة التي توقفت فيها وقفات "شباب زد"، تضاربت المواقف والآراء في شأن هذه التوقفات المتكررة والممتدة، سيما أن كثراً بدأوا يشككون في أهداف هذه الدعوات إلى الاحتجاجات، باعتبار أن قيادة الحركة مجهولة، ولا تعرف الجهات التي تقف وراء دعوات الاحتجاجات.
وحملت التعقيبات الواردة على الدعوة الجديدة إلى الخروج إلى الشوارع للاحتجاج نبرة من الرفض والتشكيك، إذ كتب أحمد بنداود مخاطباً الداعين إلى الاحتجاجات "سنخرج للتظاهر فقط إذا خرجتم إلى العلن وتعرفنا على وجوهكم"، وأردف "سبقناكم إلى النضال والاحتجاج وتعرضنا للاقتطاع من رواتبنا بسب الإضرابات، لكن كنا نخرج بوجوه مكشوفة"، وفق تعبيره.
من جهتها أفادت سارة بأنها ترغب في معرفة الواقفين وراء تحريك منصة "ديكسورد" و"جيل زد" حتى لا يجري اقتياد الشباب المغاربة إلى القيام باحتجاجات عبر دعوات وصفتها بالملغومة، كما نصحت الآباء والأمهات بتحذير أبنائهم من اتباع هذه الدعوات الاحتجاجية.
في المقابل أبدى جلال، أحد شباب "جيل زد"، ثقته في هذه الدعوات الجديدة للخروج إلى الشارع بهدف الاحتجاج بطريقة سلمية وحضارية، باعتبار أن هذه التظاهرات تجد مشروعيتها في تدني وضعية عدد من القطاعات الاجتماعية الحيوية مثل التعليم والصحة، وأيضاً إطلاق مؤشرات للانفراج السياسي بالبلاد، من قبيل العفو عن معتقلي حراك الريف، وعلى رأسهم ناصر الزفزافي.
الحاضنة المفقودة
عودة "شباب زد" للاحتجاجات في شوارع المدن الكبرى للمملكة بعد طول انقطاع دام أياماً فرضت تساؤلات جدية حول مدى وضوح رؤية هؤلاء الشباب، وهل هذه "الراحة" كانت كافية لاستجماع قواهم لتدبير المرحلة المقبلة، أم أنهم باتوا يخبطون خبط عشواء بسبب فقدانهم "الحاضنة الشعبية والسياسية" اللازمة لدعم خطواتهم وقراراتهم.
في هذا الصدد يرى الفاعل والناشط في جمعيات شبابية بدر الدين رميحي، أن الذي دفع "شباب زد" إلى إعلان توقف التظاهرات، الذي وصفوه بالموقت و"التكتيكي"، ثم إعلان عودة الاحتجاجات بوتيرة أسبوعية، هو فقدان ذلك الزخم الذي كان يمتلكونه في الأيام الأولى لهذا الحراك.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وزاد المتحدث شارحاً أنه كان ظاهراً للعيان الأعداد الوفيرة للشباب المحتجين في الأيام السبعة الأولى من الاحتجاجات، قبل أن يبدأ العدد في التناقص مع توالي الأيام في كثير من المدن لأسباب ذاتية وموضوعية كثيرة.
من هذه الأسباب الذاتية، يردف الناشط الشاب نفسه، أن "حركة زد" لم تعرف نفسها بصورة تميط الغموض وحتى الشكوك التي تلف ما يروج في شأن "دعمها من طرف جهات معارضة لا تريد الخير للبلاد، فحفرت لنفسها بذلك طريقاً متذبذباً ظهر في قرارات التوقف ثم الاستئناف".
ومن الدوافع الموضوعية، تبعاً للمتحدث، أن حركة "شباب زد" انبثقت من العالم الافتراضي "ولم تحط نفسها بحاضنة شعبية قوية، ولم تمد جسور التواصل مع الأجيال المخضرمة ذات التجارب من السياسيين والإعلاميين والحقوقيين، كما أنها رفعت السقف عالياً في بعض المطالب السياسية، فصارت مثل ورقة يمكن في أي وقت أن تذروها الرياح".
في مقابل رأي "انعدام الحاضنة" للحراك الشبابي، سجل مراقبون أن "شباب زد" فطنوا إلى هذا النقص، وشرعوا في الأيام الأخيرة، لا سيما خلال فترة التوقف، يتواصلون مع وجوه سياسية وإعلامية معروفة بخطها المعارض للحكومة، محاولين تنويع الشخصيات التي يستضيفونها على منصات "جيل زد"، قصد الاستفادة من آرائهم ومواقفهم وانتقاداتهم للحركة أيضاً.
مآلات الاحتجاج
وفتحت مواقف وتوجهات "شباب زد" في تنظيم الاحتجاجات السلمية في شوارع عدد من مدن المملكة، نقاشات سياسية بخصوص مآلات ومستقبل هذه الحركة الشبابية الفتية، وهل ستحقق بعض مكاسب حركة الـ20 من فبراير (شباط) في 2011، التي تسببت في تنظيم انتخابات تشريعية مبكرة، أو أن الحركة الشبابية ستكتفي بما سبق فقط.
الذي فجر هذا النقاش حالياً داخل المشهد السياسي المغربي هو توجه خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس في افتتاح الدورة الخريفية للبرلمان في الـ10 من أكتوبر، نحو عدم الرد المباشر على مطالب "شباب زد"، غير أنه بالمقابل شدد مثلاً على أنه "لا ينبغي أن يكون تناقض بين المشاريع الكبرى والبرامج الاجتماعية"، في إشارة إلى أحد مطالب "شباب زد" متمثلاً في ضرورة توجيه الإنفاق الحكومي نحو قطاعات ذات أولوية، مثل الصحة والتعليم، عوض الإنفاق على مشاريع ضخمة، مثل تشييد ملاعب كبرى لاستفاضة كأس العالم 2030.
تعلق الباحثة في الشأن السياسي شريفة لموير على الموضوع بقولها إن احتجاجات "شباب زد" ما زالت مستمرة، لكن الملاحظ أن شباب الحراك اختار أشكالاً جديدة للاحتجاج، من خلال إطلاق حملات مقاطعة واسعة سواء لشركات ومنتوجات معينة، أو على وجه الخصوص مقاطعة التظاهرات الرياضية التي ينظمها المغرب.
ورجحت لموير أنه "حتى بعد استئناف الاحتجاجات من خلال النزول إلى الشارع، لن يكون لهذه الحركة الشبابية الصدى والحضور الوازن نفسهما كما في السابق، على رغم أن عدد المتظاهرين في الشارع ليس معيار نجاح أو فشل التظاهرات".
وخلصت المتحدثة إلى أن احتجاجات "شباب زد" سواء استمرت أم تراجعت وخفتت، فإنه يحسب لها أنها استطاعت أن تحرك المياه الراكدة، وتخلق نقاشاً سياسياً حقيقياً، بالتالي التوجه نحو التعجيل بمخططات الإصلاح داخل منظومتي الصحة والتعليم.