ملخص
قد يختار بعضهم ركوب الدراجة الهوائية بالدرجة الأولى كرياضة مفيدة للصحة، لكن يبدو واضحاً أن مزاياها تتخطى ذلك بكثير، فسرعان ما ينقلها الشغف إلى مستوى آخر يحمل معه أجمل المشاعر والأحاسيس لمن يمارسها بعيداً من السلوكيات الخاطئة التي يمكن اعتمادها في نمط العيش.
في مجتمعات معينة وبالنسبة إلى بعض الفئات، تعتبر ثقافة ركوب الدراجة أسلوب حياة يجمع بين الرياضة والترفيه والاستدامة أيضاً، ولذلك ففي مجتمعات عدة هناك أفراد وأيضاً شبكات من الدراجين يمارسون رياضة ركوب الدراجة كنشاط رياضي يومي أو روتيني منتظم، ومنهم من ينقل رسائل معينة محورها السلام والمحبة والدعم لقضايا أساس، وفي لبنان تبدو هذه الرياضة في طور الانتشار المتزايد وفئات عدة تتمسك بها وتخصص لها مساحة مهمة في الحياة، أما في دول أخرى فتشكل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة السائدة ومن نمط العيش.
رياضة لها عشاق من مختلف الأعمار
في كوبنهاغن - الدنمارك، تستخدم نسبة 62 في المئة من السكان الدراجة الهوائية للتنقل يومياً، كما تعتبر هولندا أكثر دول العالم استخداماً للدراجة، أما في لبنان فهي رياضة تجذب كثيرين ويبدو أنها تحقق انتشاراً متزايداً، وإن لم تكن الدراجة الهوائية مستخدمة بشكل أساس في التنقلات اليومية، فشيئاً فشيئاً استطاعت أن تجذب مزيداً من الفئات التي وجدت فيها رياضة مثالية، إذ يمكن القيام بها ضمن مجموعات وتعزيز العلاقات الاجتماعية والاستفادة من مزاياها الكثيرة على الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء، ويجمع من يمارسون رياضة ركوب الدراجة الهوائية حول المشاعر التي تولدها والإحساس بالحرية والراحة النفسية، في وقت يجوبون المناطق اللبنانية والعالم بهذه الوسيلة.
وتتحدث إليسا الحج بشغف عن رياضة ركوب الدرجة التي تأخذ حيزاً مهماً من حياتها، وتشير إلى أن رياضة ركوب الدراجة الهوائية تقسم إلى نوعين، "أولهما رياضة ركوب الدراجة في الجبال، والثاني ركوب الدراجة في الطرقات في مسارات طويلة، وثمة مجموعات منظمة تضم هواة لكل من النوعين، وتنظم هذه المجموعات مواكب على الدراجات الهوائية في أيام معينة في مسارات طويلة على طرقات لبنان"، أما المجموعات التي تنظم مواكب بالدراجات الهوائية في الجبال مثل مجموعة Lebanon Mountain Biking التي تنتمي إليها الحج، فتمارس هذه الرياضة على دراجات بدواليب عريضة في الطرقات الجبلية وفي مسارات مخصصة لها، إضافة إلى ما تنظمه المجموعة في مسارات تعرف بـDownhill يتجه فيها الرياضيون من أعلى الجبل إلى أسفل الوادي على الدراجة.
وتضم المجموعة قرابة 50 شخصاً يمارسون هذه الرياضة المميزة في عطلة نهاية الأسبوع بخاصة، ويظهرون تمسكاً بها وشغفاً لها، "أنا الفتاة الوحيدة في مجموعة تضم 50 شخصاً من هواة ركوب الدراجة، لكنني آمل أن أتمكن من التأثير بمزيد من الأشخاص، خصوصاً الفتيات، للانضمام إلينا ومشاركتنا هذه الهواية، ولا يمكن أن ننكر أنها رياضة ذات أخطار عالية، ويرتفع فيها خطر التعرض لإصابات، والدليل على ذلك أنني ممنوعة عن ركوب الدراجة لمدة ستة أشهر لأنني وقعت وتعرضت لكسر في الركبة، وعلى رغم ذلك يبقى شغفي لهذه الرياضة هو الأهم، وأعتبر أن رياضة ركوب الدراجة في الجبال أجمل الرياضات على الإطلاق، لأنها تثبت ما للجسم من قدرات فائقة ورائعة لا يمكن تصوّرها".
وهناك انتظام في مواعيد ركوب الدراجة في موكب منظم، وهذا الموعد يلتزم به جميع الهواة يوم السبت من كل أسبوع، لكن من الممكن أن تختلف المسارات التي يجري اختيارها باستمرار وبحسب المواسم، وما يبدو واضحاً أنه ثمة زيادة ملاحظة في معدلات المشاركين في هذه المواكب والمنضمين إلى هذه المجموعات، لأنه في سباق نُظم من بضعة أشهر كانت هناك مشاركة 20 ولداً دون سن الـ 10 سنوات، مما يشكل سابقة في تاريخ رياضة ركوب الدراجة في لبنان، وتؤكد ذلك المساحة التي تأخذها هذه الرياضة في البلاد، والانتشار الذي تحققه في المجتمع اللبناني، لذلك تعتبر الحج أنها كانت المرة الأولى التي يشعر فيها هواة ركوب الدراجة أن ثمة مستقبلاً للرياضة، وتعلق الآمال على المبادرات التي يمكن أن تسهم في تحقيق مزيد من الانتشار، علماً أن رياضيين اثنين أو ثلاثة في ركوب الدراجة يشاركون سنوياً في البطولة العربية لركوب الدراجة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طرقات لبنان مثالية
قد يبدو للوهلة الأولى أن طرقات لبنان ليست مجهزة لرياضة ركوب الدراجة بسبب عدم انتشار ثقافة ركوب الدراجة في البلاد، لكن قد ينطبق ذلك على رياضة ركوب الدارجة على الطرقات، أما في الجبال فيبدو الوضع معاكساً، وتعتبر الحج أن طرقات لبنان الجبلية مثالية لرياضة ركوب الدراجة بسبب كثرة الوديان والجبال ووجود مسارات خاصة لركوب الدراجات في الجبال، كما أن ثمة أشخاصاً لهم مهمة تجهيز مسارات خاصة لركوب الدراجة الهوائية، وإن كانت هناك حاجة إلى مزيد من الدعم لأن العمل المطلوب كثير لتعزيز انتشار هذه الرياضة وتأمين ما يلزمها، إلا أن هذا الدعم يغيب لأن عدد راكبي الدراجات الهوائية في الجبال قليل نسبياً مقارنة مع من يركبون الدراجات في الطرقات، حيث يكون هناك أكثر من 1000 مشارك في كل سباق.
وعلى رغم التحذيرات الكثيرة التي تأتيها في المجتمع ممن يحذرونها من خطورة الاستمرار بركوب الدراجة كفتاة وما يمكن أن تتعرض له من خطر السقوط، وهي تتمسك بشغفها وتستمر بهذه الرياضة التي تعتبرها الأجمل لما تؤمنه من أحاسيس ومشاعر سعادة صعبة الوصف، وما ينتج منها من ارتفاع في مستويات الأدرينالين، وهو هرمون وناقل عصبي تفرزه الغدد الكظرية استجابة للإجهاد أو المواقف الخطيرة أو المثيرة.
وفي الوقت ذاته لا تنكر إليسا أن دراجات الجبال مكلفة للغاية، وقد لا يتحمل أي كان هذه الكلفة، إذ يبدا سعرها من 4 آلاف دولار أميركي، وهذه الرياضة تتطلب تجهيزات أمان كاملة لتوفير الحماية اللازمة لمن يمارسها، لكن على رغم التحديات يعيش كل من يمارس هذه الرياضة تجربة مميزة في ظل مجموعة يجمع أفرادها هذا الشغف ويحركها بانتظام بغض النظر عن الصعوبات والمجهود الذي تتطلبه، كما أن ثمة تشجيعاً مستمراً لمن يرغبون بالانضمام إليها، فهناك مجموعات خاصة لتحفيز الراغبين في الانضمام بطريقة سلسة وجذابة، وفي نهاية كل شهر تقام ورش عمل للراغبين في خوض التجربة واكتشاف عشق محتمل لها، ولذلك فللمرة الأولى في لبنان أقيمت أكثر من ستة سباقات منها "بطولة لبنان"، ويمكن للفائز فيها التأهل للبطولة العربية، وكانت هناك أنشطة لتحفيز الأطفال من أولاد وفتيات وتشجيعهم على الانضمام إلى هذه الرياضة، ويبدو من الواضح أن أعداد الراغبين في الانضمام إليها في ازدياد ملاحظ.
رياضة من ورائها رسالة
يعتبر الالتزام أساساً لدى ممارسة هذه الرياضة ضمن مجموعات، فكل من يجمعهم الشغف لها يعجزون عن مقاومة هذه الرغبة الملحة بالالتزام بها، وهم يلتقون في موعد أسبوعي ليجوبوا طرقات لبنان بحرية مطلقة والاستفادة من كل ما بهذه الرياضة من مزايا، إلا أن الشغف لها والرغبة في الاستمتاع بها ليسا دوماً من الدوافع الوحيدة وراء ممارستها، فكم من مرة قرر من يعشقونها الانطلاق من هذا الشغف لنقل رسالة إلى العالم أو لدعم فئات معينة، فتحولت الرياضة إلى رسالة هادفة لدعم قضية معينة، ومثال ذلك "قضية دعم مرضى السرطان" التي حملها كل من الطبيبة ليا كلاسي والرياضي رالف الخوري عبر حملة لجمع التبرعات من خلال رحلة على الدراجة الهوائية من باريس إلى بيروت، بهدف جمع التبرعات لمرضى السرطان وزيادة الوعي حول المرض.
أما الشعار الذي اختاره بول عماد في جولاته على الدراجة الهوائية في لبنان وحول العالم فهو السلام، فمنذ كان طفلاً عشق ركوب الدراجة كأي طفل في مثل سنّه، واكتشف فيها وسيلة تؤمن شعوراً بالراحة وإحساساً جميلاً أثناء ركوبها والتجول بها في مختلف المناطق، ووجد فيها وسيلة لاكتشاف مناطق جميلة في لبنان ومختلف أنحاء العالم بهدوء وحرية مطلقة، فتسمح له أيضاً باكتشاف بلاد مختلفة بهدوء وروية، "أمارس هذه الرياضة مع مجموعة من الأصدقاء، وهي صداقات تشكلت من خلالها، وتحمل جولاتي على الدراجة عنوان السلام والمحبة وأحمل من خلالها رسائل هادفة لدعم قضايا معينة وتسليط الضوء عليها، ولذلك شعاري الأساس في جولتي هو من لبنان إلى العالم بسلام".
وحول ما إذا كانت طرقات لبنان مجهزة لهذه الجولات على الدراجة، يؤكد عماد أنه ليس المطلوب تجهيز الطرقات بصورة معينة في مسارات خاصة للدراجات الهوائية، "وهذا ليس متوافراً في كل دول العالم، فتجهيز الطرقات ليس المعيار بل المطلوب هو الوعي حول ركوب الدراجة وهذه الثقافة، فثمة حاجة إلى وعي المواطنين كما يحصل في أوروبا حيث يُحترم من يركب الدراجة، فقد لا تكون هناك مسارات في مناطق عدة لكن هذا ليس ضرورياً طالما أن المواطن يتحلى بالوعي ويحترم الدراجة وراكبها، أما في المدن فقد تكون هناك مسارات خاصة حرصاً على حماية الرياضيين فترسم طرقات مخصصة لهم".
والحرية المطلقة أجمل ما في ركوب الدراجة لاعتبارها رياضة تنقل الشخص من منطقة إلى أخرى من دون قيود وحاجة إلى أحد، إضافة إلى الشعور الرائع الذي تؤمنه، فيجد فيها عماد شعوراً جميلاً، إضافة إلى ما فيها من تحدي الذات ولذة داخلية، كما أنها تفسح المجال لمشاركتها مع الآخرين والاستفادة أيضاً من مزاياها الصحية.
التجارب المستمرة
ولا تعتبر من الرياضات المتطلبة لكن مما لا شك فيها أنها تتطلب تمريناً ليصبح الجسم على جهوزية تامة، ففي الوقت نفسه تساعد التجارب المستمرة في تجهيزه أكثر فأكثر، فيجد نفسه اليوم قادراً على ركوب الدراجة لمسافة لا تقل عن 80 كيلومتراً لأن جسمه أصبح أكثر استعداداً.
ويجد كل من يعشق رياضة ركوب الدرجة ويمارسها ضمن مجموعات نفسه مستعداً للاستغناء عن أي التزام آخر او ارتباط من أجلها، فهو شغف يقود من يمارسها في أي وقت كان ليشعر فيها بأنه ملك الدنيا، وبعد دول عدة قام فيها عماد بجولات على الدراجة، يقوم حالياً بجولة في اليونان من أجل السلام علّه يتمكن من خلالها من نشر هذه الثقافة في العالم ونشر السلام في الوقت نفسه، فيلتقي بأشخاص في بلاد أخرى يجمعهم الشغف ذاته، كما يعمل اليوم على إقامة معرض وتوقيع كتاب عن الدول التي زارها، ويقوم بمحاضرات في المدارس لتعزيز هذه الثقافة ونشرها على نطاق أوسع عبر التركيز على فوائدها النفسية والجسدية والاجتماعية.
وقد يختار بعضهم ركوب الدراجة الهوائية بالدرجة الأولى كرياضة مفيدة للصحة، لكن يبدو واضحاً أن مزاياها تتخطى ذلك بكثير، فسرعان ما ينقلها الشغف إلى مستوى آخر يحمل معه أجمل المشاعر والأحاسيس لمن يمارسها بعيداً من السلوكيات الخاطئة التي يمكن اعتمادها في نمط العيش.