Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التوبة الغزية"… إعدامات ميدانية للمتعاونين مع إسرائيل

تحاول حركة "حماس" فرض الأمن بالقوة وتسعى لإثبات نفسها للمشاركة في اليوم التالي للحرب

تستند المحاكم في قطاع غزة، لدى إصدارها أحكام الإعدام إلى قانون العقوبات الثوري لسنة 1936 (أ ف ب)

ملخص

تولت قوة أمنية تسمي نفسها "رادع" مهمة تنفيذ الهجمات على الخارجين عن القانون وملاحقة العملاء والميليشيات في غزة، وهذه القوة تتبع لجميع الفصائل الفلسطينية وليس لحركة "حماس" وحدها، وشنت هجمات على مناطق وجود الميليشيات المتعاونة مع إسرائيل.

سحب ملثمون مسلحون يرتدون عصبة خضراء، سبعة غزيين مقيدي الأيدي والأرجل متهمين بالعمالة والتعاون مع الجيش الإسرائيلي أو الانتماء إلى ميليشيات مسلحة مناهضة، إلى ساحة عامة في غزة، أجبرتهم القوة على الركوع في الشارع ثم أطلقوا النار من رشاشاتهم على رؤوسهم، في حدث إعدام ميداني علني قليل الحدوث في القطاع.

محاولة إعادة السيطرة

خلال الساعات الأخيرة التي تلت إعلان وقف إطلاق النار في غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل، أعدمت قوات مسلحة تابعة للفصائل الفلسطينية أكثر من 33 غزياً، تدعي الأجهزة الأمنية أنهم متهمون بالخيانة الوطنية، إذ تخابروا مع الجيش في فترة الحرب.

لم تتركز الإعدامات على منطقة معينة في غزة، وإنما شملت جميع مدن القطاع التي تمكنت "حماس" من إعادة الانتشار فيها عقب انتهاء القتال، وهذا ما دفع المراقبين العسكريين لتأكيد أن ما يحدث هو محاولة من الحركة لاستعادة السيطرة بعد ضعف نفوذها الأمني على المنطقة التي مزقتها الحرب.

بعد التوصل لاتفاق ترمب للسلام والازدهار في غزة، أطلقت "حماس" حملة أمنية واسعة استدعت خلالها نحو 7 آلاف عنصر مسلح، تخللها نصب نقاط تفتيش وعمليات مداهمة لأوكار الميليشيات المتعاونة مع إسرائيل، واعتقال المتعاونين مع تلك التشكيلات، إضافة إلى فتح قنوات تفاوض مع بعض الجماعات المسلحة لتجنب التصعيد.

للحفاظ على التوازن

وبحسب بيان لوزارة الداخلية التابعة لـ"حماس"، فإن هذه الحملة للحفاظ على التوازن الأمني ومنع التشكيلات المسلحة من استغلال الفراغ السياسي والأمني لتوسيع نفوذها، وتستهدف متعاونين مع إسرائيل ومثيري الشغب واللصوص وتجار المخدرات وقطاع الطرق.

وجدت الحملة الأمنية التي تنفذها "حماس" دعماً كاملاً من الفصائل الفلسطينية الأخرى، على اعتبار أنها تحاول من خلالها ضبط وإنفاذ القانون وملاحقة الخارجين عنه من العملاء والمرتزقة وتسعى لإعادة الأمن والاستقرار.

وأيضاً أيدت هيئة العشائر والعائلات والتي عادة ما يجد رأيها قبولاً شعبياً في أوساط الغزيين، الحملة الأمنية التي تنفذها "حماس"، على اعتبار أن تلك المهمة تسهم في ضبط المجتمع وتحميه من الفلتان وحتى من حالة الاقتتال الداخلي.

مهمة "رادع"

لكن الحملة الأمنية توسعت وطاولت معارضين لـ"حماس" وإعدامات ميدانية علنية، وهذا ما دفع الحقوقيين للتحذير من أن تلك العملية قد تؤجج الاحتقان وتنشب عنها حرب أهلية، وتضيف مزيداً من التعقيد على المشهد الأمني.

تولت قوة أمنية تسمي نفسها "رادع" مهمة تنفيذ الهجمات على الخارجين عن القانون وملاحقة العملاء والميليشيات في غزة، وهذه القوة تتبع لجميع الفصائل الفلسطينية وليس لحركة "حماس" وحدها، وشنت هجمات على مناطق وجود الميليشيات المتعاونة مع إسرائيل.

اندلعت بين "رادع" والجماعات المسلحة اشتباكات عنيفة، ولكن عناصرها تمكنوا من حسم القتال واعتقال عدد من أفراد تلك التشكيلات ثم أعدموهم علناً في ساحة عامة تجمهر حولها حشود غفيرة من المدنيين الذين التقطوا مقاطع فيديو للحظة قتل المتهمين.

 

 

وسعت "رادع" عمليات الإعدام الميداني كثيراً، ثم نشرت على تطبيق "تيليغرام" بياناً جاء فيه "قررت الأجهزة الأمنية في غزة ملاحقة جميع المطلوبين الجنائيين والأمنيين في كل مكان، لقد تمكنا من إلقاء القبض على عدد كبير من العملاء قبل أي إجراء عقابي نحقق معهم ويتم تحويلهم إلى الجهات القضائية المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية الأمنية والقضائية بحقهم وفق القانون".

هددت "رادع" كل من يثبت تورطه في التعاون مع الاحتلال بالإعدام، وقالت "رسالتنا واضحة، لن يكون هناك مكان للخارجين عن القانون أو من يهدد أمن المواطنين".

من دون تهم

لم توجه الفصائل الفلسطينية ولا حركة "حماس" ولا وزارة الداخلية أي اتهامات لمن تم إعدامهم، أي أن تلك الإجراءات جرت خارج القانون، إلا أن رئيس المكتب الإعلامي لحكومة "حماس" إسماعيل الثوابتة، فجر قنبلة عندما قال "لن تسمح بأي فراغ أمني، ستحافظ على السلامة العامة والممتلكات"، وهذا ما دفع الحقوقيين والمؤسسات الفلسطينية الرسمية لتوجيه اتهامات لـ"حماس" بأنها تقتل خارج نطاق القانون ومن دون تأكيد التهم على مرتكبيها.

في الواقع، أعدمت "حماس" الغزيين المتهمين بالعمالة، في أسبوع التوبة، إذ فتحت وزارة الداخلية باب العفو العام أمام أفراد العصابات غير المتورطين في الدماء فقط، أما الذين قتلوا أو أدلوا بمعلومات للجيش الإسرائيلي فهؤلاء ستتم محاسبهم وعقابهم على الأغلب بالإعدام.

الميليشيات تستعد للمواجهة المسلحة

لم تثن الإعدامات الميدانية الجماعات المسلحة عن أفعالها، إذ سخر حسام الأسطل قائد ميليشيات من حملة "حماس" الأمنية، وعبر عن عدم خوفه من تلك الإجراءات وتوعد بقتال الحركة، يقول "بمجرد تسليم الرهائن، سينتهي دورها وحكمها في غزة، سنقاتلهم من دون تردد".

وأيضاً مجموعة "المنسي" توعد "حماس" بقتال عنيف ولم ترتدع من الإعدامات، وجهزت ميليشيات "أبو شباب" حواجز أمنية وفخاخ عسكرية لمواجهة قوة "رادع"، كل هذا يؤسس إلى فترة من الدم والقتال الفلسطيني الداخلي، وقد يدحر بالمجتمع إلى حرب أهلية، ولا مقدمات لنية وزارة الداخلية لوقف الإعدامات الميدانية أو التراجع عن ملاحقة تلك العصابات.

كذلك تتجهز التشكيلات المسلحة لقتال "حماس"، فإن الحركة أيضاً تعد العدة وتجهز مئات المقاتلين من أجل حسم ما تبقى من فلول. وتؤكد داخلية غزة أن المهمة مستمرة حتى فرض الأمن والأمان والقضاء على الفلتان الأمني وحالة الفوضى التي تزعزع الاستقرار.

إسرائيل استغلت الموقف والسلطة تحمل "حماس" المسؤولية

استغلت إسرائيل الإعدامات الميدانية العلنية في غزة، وشنت حملة إعلامية تظهر "حماس" بأنها وحشية وعنيفة، وأعادت وزارة خارجية تل أبيب نشر فيديو الإعدامات وعلقت عليه "هذه اللقطات تظهر لماذا يجب أن ترحل ’حماس‘، الجماعة الإرهابية تحكم بالخوف، تعدم المدنيين وتعذب المعارضين، وتطلق النار على من يجرؤ على الاحتجاج، إنه استبداد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

انتقدت السلطة الفلسطينية ممارسة الإعدام الميداني العلني، إذ يقول المتحدث باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة "عمليات الإعدام التي تنفذها حركة ’حماس‘ بحق عشرات المواطنين في قطاع غزة خارج نطاق القانون، ومن دون أي محاكمات عادلة، هي جريمة وانتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وتعدي خطير على مبدأ سيادة القانون، ويعكس إصرار الحركة على فرض سلطتها بالقوة والإرهاب".

ويضيف متحدث السلطة الفلسطينية "القانون هو المرجعية الوحيدة، وأي ممارسات من هذا النوع تمس وحدة الشعب الفلسطيني ونسيجه الاجتماعي، تقع مسؤوليتها الكاملة على حركة ’حماس‘ التي تعطي ذرائع لإسرائيل وتتسبب بمنع الإعمار وتكريس الانقسام ومنع قيام دولة فلسطين الحرة المستقلة".

انتهاكات قانونية

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (أكبر مؤسسة حقوقية في الأراضي الفلسطينية وتراقب مؤسسات الدولة) اعتبرت أن الإعدامات الميدانية جرائم جسيمة وانتهاك للعدالة، ومظهر خطير للفوضى وانهيار سيادة القانون كما تريد إسرائيل، وتعكس انهيار النظام العام وتفكك مؤسسات إنفاذ القانون.

ومن جانبه، يقول مدير الهيئة عمار الدويك "إنه إعدام خارج نطاق القانون للمواطنين، يجب تقديم المسؤولين عنه للعدالة، لا يجوز تنفيذ أحكام الإعدام من دون استيفاء الإجراءات القانونية، يجب وقف العمل بعقوبة الإعدام، يجب معالجة جذور المشكلات الاجتماعية، بما فيها العمالة والمخدرات وجرائم القتل على الخلفيات المختلفة كالسرقة".

في الحقيقة، عطلت الحرب النظام القانوني ولم تنعقد أي جلسة قضائية منذ توقف القتال الهش، فكيف تقول "حماس" إنها تحول المتهمين للجهات القضائية وتنفذ بحقهم الإجراءات العقابية وفق القانون؟.

قانون قديم يتيح الإعدامات الفورية

لدى الفلسطينيين قانون يسمى "قانون العقوبات الثوري لسنة 1936"، ويتيح هذا القانون عقوبة الإعدام الميداني بحق العملاء ويسمح للقاضي إقرار العقوبة وتنفيذها فوراً وميدانياً وعلناً.

لم تلغ السلطات الفلسطينية هذا القانون، على رغم توقيع السلطة الفلسطينية عام 2018، على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام وحظر تطبيقها.

يقول الباحث الحقوقي القانوني أيمن أبو عيشة "تستند المحاكم في قطاع غزة، لدى إصدارها أحكام الإعدام، إلى قانون العقوبات الثوري لسنة 1936، يتيح هذا القانون انعقاد جلسة محكمة ميدانياً واتخاذ القرار وتطبيقه فوراً".

 

 

لا يعد قانون العقوبات الثوري دستورياً، إذ شرعته منظمة التحرير الفلسطينية غير المخولة في إصدار القوانين، وكذلك لم يتم إقراره من المجلس التشريعي، وعلى رغم ذلك يستند إليه القضاء العسكري في محاكمة المتورطين في التخابر مع إسرائيل.

في المحصلة، فإن تنفيذ الإعدام يحتاج توقيع الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهذا ما لم يحدث في القطاع، إذ تعتبر حركة "حماس" أن هذه الإجراءات ضرورية لحفظ الأمن الداخلي وحماية المدنيين من الجماعات المسلحة والعملاء الذين يهددون استقرار القطاع بعد وقف إطلاق النار الأخير.

لماذا تفعل حماس ذلك؟

تقول الباحثة السياسية شيماء علي إن "إجراءات ’حماس‘ تهدف إلى ردع الجماعات التي تعاونت مع إسرائيل وأسهمت في انعدام الأمن خلال الحرب، كذلك تهدف الحركة إلى إظهار أنها جزء من حكومة المستقبل على رغم أن إسرائيل ترفض ذلك".

وتضيف الباحثة السياسية "تحولت الإعدامات الميدانية إلى سلاح ’حماس‘ الأول، وكأنها رسالة ترهيب أرادت من خلالها الحركة، أن تعيد فرض هيبتها مع تراجع شعبيتها، بعد تغير المزاج الشعبي تجاهها وخروج احتجاجات غاضبة ضدها".

وتوضح علي أن تصرفات "حماس" تضيف مزيداً من التعقيد على المشهد الأمني بالقطاع، مشيرة إلى أن الحركة التي يفترض أن تضبط الأمن هي نفسها من تنفذ إعدامات ميدانية علنية في القطاع قد تؤجج الاحتقان.

أما الباحث السياسي سلمان أبو دقة فيقول إن "’حماس‘ شنت عمليات إعدام وسط مدينة غزة، في هذه الحالة تفكر كميليشيات وليس كفصيل فلسطيني، كان يجب تقديم هؤلاء للمحاكمة وليس تنفيذ الإعدام الميداني بحقهم، هناك تقارير تتحدث عن أن من بين من تمت تصفيتهم معارضين وبالتالي نحن نشهد فوضى تقودها ’حماس‘".

ويضيف أبو دقة "’حماس‘ تريد القول إنها لا تزال تحكم في القطاع، في 2007 كانت تتبع نفس نهج اليوم عندما انقلبت على السلطة وقامت بعمليات إعدام في الشوارع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير